حكم صيام رمضان فرض الله -سبحانه- صيام رمضان، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[١] وقال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).[٢][٣] رُخص الإفطار في رمضان المرض المرض الذي يُبيح الإفطار في رمضان هو المرض ذاته الذي يُبيح التيمُّم، ويُضبط المرض الذي يُبيح التيمُّم والفطر في رمضان؛ ما يترتّب عليه وقوع محذورٍ ما، أو وقوع ضررٍ، أو زيادته إن كان واقعاً، أو خشية بطء البُرء والشفاء منه،[٤] وبيّن العلماء أقسام المرض، وبيانها فيما يأتي:[٥] المرض اليسير: وهو المرض الذي لا تترتّب عليه أي مَشقّةٍ على الصائم، ومن الأمثلة عليه: الصُّداع، والحُمّى، والسكّري إن لم يلحق بصاحبه ضررٌ، وقال جمهور العلماء بأنّ المرض اليسير لا تُوجد فيه مشقّةٌ، فلا يجوز الإفطار بسببه، بينما ذهب ابن سيرين والظاهريّة إلى اعتبار المرض عموماً سبباً مشروعاً للفطر في رمضان. المرض الذي يُباح فيه الفطر للصائم: ويُطلق عليه المرض المُرخّص؛ أي الذي يُرخّص لصاحبه الفطر، وبناءً على ذلك قال جمهور العلماء بجواز الفطر؛ بسبب المرض الذي يُسبّب المرض والمَشقّة دون الهلاك، أو الموت، ودون زيادة المرض، بينما قال المالكيّة باستحباب الفطر. المرض المُوجب للفطر: وهو المرض الذي لا يستطيع المسلم بسببه الصيام؛ إذ يُؤدّي إلى الهلاك، ويكون بتقدير الأطبّاء الثقات، فعلى المريض في تلك الحالة الإفطار، ويَحرُم عليه الصيام؛ إذ يؤدّي بنفسه إلى الهلاك، وقد أمر الله -سبحانه- بحفظها، قال -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)،[٦] وقال أيضاً: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).[٧] السفر بيّن العلماء شروط السفر المُبيح للفطر في رمضان، وهي: أن يكون السفر طويلاً، وأن يكون مُباحاً غير مُحرّمٍ، ويُترخّص بالفطر بمفارقة العمران قبل الفجر.[٤][٨] للمزيد من التفاصيل عن أحكام السفر والصيام الاطّلاع على مقالة: ((ما هي شروط إفطار المسافر في رمضان)). الحيض والنَّفاس يجب الإفطار في رمضان؛ بسبب الحيض والنَّفاس، إذ يحرُم على الحائض والنفساء الامتناع عن المُفطرات بنيّة الصيام،[٩] ولعلّ الحكمة من إيجاب الفطر على النساء في الحيض والنَّفاس؛ الضعف الذي يصيبهنّ فيهما، فأشبهن المريض الذي أُبيح له الفطر،[١٠] ولا يجوز للمرأة الحائض أن تنوي الصيام إلّا بعد أن تتحقّق من الطُّهر الكامل، فإن تحقّقت من الطُّهر قبل الفجر وجب عليها الصيام حتى لو أخّرت الغُسل، أمّا إن طهُرَت بعد الفجر فلا يجوز لها الصيام، وإنّما تفطر وتقضي اليوم الذي أفطرته، وكذلك لا يجوز إتمام الصيام لمَن أدركها الحيض قبل غروب الشمس؛ إذ يتوجّب عليها ترك الإمساك، وقضاء ذلك اليوم.[١١] للمزيد من التفاصيل عن أحكام الحيض والصيام الاطّلاع على مقالة: ((أحكام الدورة الشهرية والصيام)). كِبَر السِّن ذكر العلماء كِبَر السنّ سبباً من الأسباب المُبيحة للفطر في رمضان،[١٢] وقد اتّفق العلماء على إباحة الفطر لكبير السِّن العاجز الذي تلحقه مَشقّةٌ كبيرةٌ بسبب الصيام، أو يخشى على نفسه الهلاك.[١٣] الحمل والرِّضاع اتّفق العلماء على إباحة الفطر في رمضان للمرأة الحامل، والمُرضع؛ استدلالاً على ذلك بما رُوي في السنّة النبويّة، من قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إن اللهَ وضع عن المسافرِ الصوم وشطرَ الصلاةِ، وعن الحاملِ أو المرضعِ الصومَ أو الصيامَ).[١٤][١٥] للمزيد من التفاصيل عن أحكام الحمل والصيام الاطّلاع على مقالة: ((شروط إفطار الحامل في رمضان)). ما يترتّب على الإفطار في رمضان القضاء يترتّب على الإفطار في رمضان القضاء دون دفع فديةٍ في حالاتٍ مُعيّنةٍ من الإفطار، كإفطار المُغمى عليه، ومَن نسِيَ عقد نيّة الصيام، أو تعمّد عدم عَقدها،[٩] وتُستحَبّ للمسلم المبادرة والتعجيل في قضاء الأيّام التي أفطرها في رمضان، بينما يتوجّب القضاء عليه إن تبقّى لدخول رمضان التالي مثل عدد الأيام التي أفطرها، وقال الشافعيّة بوجوب القضاء فوراً دون تأجيلٍ إن كان الفطر عَمداً دون عذرٍ شرعيٍّ، بينما قال الحنفيّة بأنّ زمن القضاء مُوسّعٌ؛ فلا يأثم المسلم بتأخيره إلى حين دخول رمضان التالي.[١٦] الفدية يتوجّب أداء الفدية عن الكبير في السِنّ الذي يعجز عن الصيام، ومثله المريض الذي يُعاني مرضاً مُزمناً، أو مرضاً لا يُرجى الشفاء منه؛ حيث يُباح له الإفطار في رمضان، مع دفع فديةٍ عن كلّ يومٍ أفطره.[٩] القضاء والفدية تجب الفدية مع القضاء على مَن أفطر؛ خوفاً على غيره، كمن أفطر لإنقاذ غيره من الموت، أو الهلاك، كما تجب الفدية مع القضاء أيضاً على من أخّر القضاء إلى رمضان التالي، وهو قادرٌ على الصيام،[٩] وفي ذلك اختلف العلماء، وبيان خلافهم فيما يأتي:[١٦] القول الأول: قال جمهور العلماء من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة بوجوب الفدية على من أخّر قضاء ما أفطره من رمضان إلى حين دخول رمضان آخرٍ، وقال الشافعيّة بتكرار الفدية بمُضِيّ السنين. القول الثاني: قال الحنفيّة بوجوب القضاء دون فديةٍ على تأخير القضاء إلى دخول رمضان آخرٍ؛ سواء كان التأخير بعذرٍ، أم دون عذرٍ. كما اختلف العلماء في ترتُّب الفدية على الحامل والمُرضع إن أفطرتا في رمضان؛ إن خافتا على نفسَيهما، أو على ولدَيهما، أو على نفسَيهما وولدَيهما معاً، وبيان أقوالهم فيما يأتي:[١٦] القول الأول: أجاز المالكيّة للحامل والمُرضع الإفطار في رمضان، ويتوجّب عليهما القضاء، دون الفدية على الحامل، ووجوبها على المُرضع. القول الثاني: قال الحنفيّة بجواز الإفطار للحامل والمُرضع، وعليهما القضاء فقط دون فديةٍ. القول الثالث: قال الشافعيّة، والحنابلة بجواز الفطر للمرأة الحامل والمرضع، ويتوجّب عليهما القضاء دون الفدية؛ إن خافتا على نفسَيهما، أو على ولدَيهما مع نفسَيهما، أمّا إن كان الخوف على الولد فقط؛ فيتوجّب دفع الفدية مع القضاء. حُكم من أفطر عمداً في رمضان دون عُذرٍ يجب قضاء اليوم الذي أفطره المسلم في شهر رمضان عمداً بغير جِماعٍ، مع ضرورة التوبة إلى الله من ذلك الذنب؛ لأنّ الفطر عمداً في رمضان ذنبٌ لا بُدّ من التوبة منه، وقد اختلف العلماء في وجوب الكفّارة عليه، وبيان خلافهم وأقوالهم فيما يأتي:[١٧] القول الأول: قال الحنابلة، والشافعيّة بعدم وجوب الكفّارة على من أفطر عمداً من غير جِماعٍ؛ لعدم ورود النصّ على الكفّارة في تلك الحالة، وعدم صحّة قياس تلك الكفّارة على كفّارة الجِماع. القول الثاني: قال الحنفيّة بوجوب الكفّارة على من أفطر عمداً؛ قياساً على الإفطار بسبب الجِماع؛ وحجّتهم أنّ إيصال الطعام إلى البطن يُحقّق شهوته، ويحصل به الغذاء والدواء، قياساً على الإفطار بسبب الجِماع، أمّا إن تناول الصائم شيئاً من غير الطعام عامداً، كالحصاة، فلا تجب عليه الكفّارة؛ لعدم تحقُّق شهوة البطن، ولم يحصل بتناولها الغذاء، أو الدواء، ووافقهم في ذلك المالكيّة، إلّا أنّهم اشترطوا لوجوب الكفّارة عدّة شروط، هي: العلم بحُرمة الفطر، والاختيار، والتعمُّد، وأن يكون الفطر عن طريق الفم، وذلك في رمضان الحاضر وليس السابق.