هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionقصة قصيرة قبائل الزولو Emptyقصة قصيرة قبائل الزولو

more_horiz
قصة قصيرة قبائل الزولو Zulu_Huts,_South_Africa_1280x960
قصة قصيرة قبائل الزولو

كتابة : سلام اليماني
من كتاب : اللــؤلــؤة

((قصة خياليّةٌ مستوحاةٌ من تاريخِ جَنوب أفريقيا، تبدأ أحداثها في القرن السابع عشر وتنتهي في القرن العشرين))
××××
في مملكة البيضِ قالَ وزيرُ المستعمَراتِ لمَلِكِه: في جَنوبِ أفريقيا شعبٌ من القبائلِ المتوحشةِ اسمُهُ الزولو، يعيشُ بين الأدغالَ في مجموعاتٍ صغيرةٍ تتغذّى بالصيدِ والتقاطِ الثمار. ملابسُهم قطعٌ من جلدِ الحيوانِ يربِطونها على خصورِهم، أمّا سلاحُهم فهو الهِراواتُ([1]) والرماحُ الخشبيةُ الخاليةُ من حِرابِ الحديد.
أمرَ الملكُ الأبيضُ قائدَ جيوشِه: جهّزْ جيشاً ضخماً قويّاً واذهبْ لاحتلالِ بلادِ زولو، خَلِّصْهم من حياتِهم المتوحشةِ وانقلْهم إلى المدنيةِ والحضارة.
سألَ قائدُ الجيوشِ بغَباء: وهل نحنُ المتحضّرينَ مسؤولونَ عن تطويرِ الشعوبِ المتوحشة؟
أجابَ وزيرُ المستعمَرات: هذا أكيد؛ ففي أرضِ زولو غاباتٌ كثيفةٌ يجبُ استثمارُ أخشابِها، ومياهٌ غزيرةٌ تفيدُنا في أوسعِ زراعة، وحيواناتٌ برّيةٌ رائعةٌ تناسبُ هُواةَ الصيدِ من شعبِنا، وتمكّنُنا من إنشاءِ حدائقِ الحيوان.. أمّا الذهبُ في أرضِ زولو، فهو منتشرٌ على وجهِ الأرضِ وفي مجاري السُيولِ وضفافِ الأنهار، وهو كثيرٌ أكثرُ من التراب.
قالَ قائدُ الجيوشِ للملكِ فوراً: أمرُ مولاي.
××××
جنّدَ البِيضُ جيشاً ضخماً من أبناءِ المملكةِ البيضاءِ المتحدة، ومن أبناءِ مستعمراتِها الواسعة، في أفريقيا وآسيا وأمريكا. وفي الوقتِ نفسِهِ وفي المملكة الشقراء جرى حِوارٌ كالحوارِ السابق، وصَدَرَ الأمرُ العسكريُّ نفسُه، وجنّدَ قائدُ جيوشِ الشُقرِ جيشاً ضخماً من أبناءِ مستعمراتِهم الواقعةِ في أفريقيا وآسيا وأمريكا. ومن بعضِ المرتزَقةِ والمغامرين، الذين سنعتبرُهم من الشُقرِ نظراً لتبعيّتِهم لهم وقلّةِ عددِهم.
××××
هاجمَ البِيضُ بعضَ قبائلِ الزولو من السواحلِ الغربيةِ بالمدافعِ والرشّاشاتِ والبنادق. وهاجمَ الشُقْرُ قبائلَ أخرى من السواحلِ الشرقية، وبالمدافعِ والرشّاشاتِ والبنادقِ أيضاً.
قتلَ البِيضُ ألوفاً من الزولو، وقتلَ الشُقْرُ عشراتِ الألوف. ودافعَ الزولو عن أنفسِهم بكلِّ شجاعة، وقتلوا مئاتِ المعتدينَ وجرحوا الآلاف، رغمَ أنّ سلاحَهم كان الرماحَ الخشبيةَ والهِراوات.
قليلٌ من قتلى المعتدينَ كانوا من البِيض أو الشُقرِ ومعظمُهم كانوا من جنودِ المستعمرات.
قالَ قائدُ الجيشِ الأبيض بعدَ المعركة: ادفنوا جُثثَ الغرباءِ كي لا تسبِّبَ الأمراض. فدفنَ البِيضُ جثثَ جنودِ مستعمَراتِهم مع جثث الزولو في حُفرٍ جماعيّةٍ كبيرة.. وكذلك فعلَ الشُقْرُ بجثثِ جنودِ مستعمراتِهم وجثثِ الزولو.
أمّا القتلى البِيضُ فتمَّ دفنُهم في احتفالٍ عسكريٍّ بِمَهابةٍ وإجلال، وكانَ البِيضُ يردِّدونَ في الاحتفال: لأجلِ الله والملِك. والمجدُ لشهداءِ الوطن.
وكذلك حدثَ في دفنِ القتلى الشُقْرِ أيضاً..
××××
وصلَت أنباءُ القتلى البِيض إلى الوطن، فأقيمَت على أرواحهِم صلَواتُ الحزنِ والإجلال. ومع الصلَواتِ ردّدَ المصلّونَ وأهالي القتلى: لأجلِ اللهِ والملِك. والمجدُ لشهداءِ الوطن. وكان أطفالُ المملكة البيضاء يردّدونَ الهُتافاتِ نفسَها في المدارس.
كذلك كان أطفال المملكة الشقراء يردّدونَ في المدارس، وأهلُ القتلى يردّدونَ في الكنائس: لأجلِ الله والملِك، والمجدُ لشهداءِ الوطن.
××××
كانَ البيضُ قد أسَروا ألوفاً من الزولو أطفالاً وفتياناً وفتيات. وكانَ الشُقْرُ قد أسَروا عشراتِ الألوف.
باعَ الضباطُ البِيضُ أسراهم لتجّارِ العبيد. وكذلك فعلَ الضباط الشُقْرُ. وشَحنَ أولئكَ التجّارُ الأطفالَ والفتيانَ والفتياتِ في سفنٍ قذرةٍ ضيّقةٍ حقيرة، وباعوهم عبيداً في الولاياتِ المتحدةِ الأميركية.
××××
في الأراضي الواسعةِ التي احتلها البِيضُ وأبادوا سكّانَها، أقاموا عشَراتِ المستوطَناتِ وملَؤوها بالمستوطِنينَ البِيض، ولا سيّما تجّارَ الخشبِ والجلود، وعمّالَ المناجمِ وتجّارَ الذهب.
وفي الأراضي الواسعةِ التي احتلها الشُقْرُ وأبادوا سكّانَها، أقاموا عشَراتِ المستوطَناتِ وملَؤوها بالمستوطِنينَ الشُقْر، ولا سيّما تجّارَ الخشبِ والجلود، وعمّالَ المناجمِ وتجّارَ الذهب.
أمّا قبائلُ الزولو التي نجَت من القتلِ والأسر، فابتعدَت قَدْرَ استطاعتِها عن المستعمراتِ والجيوشِ البيضاءِ والشقراءِ، واستقرَّت في أراضٍ جديدةٍ قليلةِ الأنهارِ والأشجارِ والثمار، وبدأت تبني أكواخَها وتستمرُّ في الحياة.
××××
قال وزيرُ المستعمراتِ الأبيضُ لِملكِه: الشُقْرُ استعمروا من أرضِ زولو أغناها بالذهبِ وهذا ليس عدلاً. فقالَ الملكُ فوراً: هذا ليس عدلاً. نحن أقوى من الشُقْرِ وأحقُّ منهم بأغنى المستعمَرات. وأمرَ وزيرُ المستعمراتِ الأبيضُ قائدَ جيوشِه: حارِبوا الشُقْر في أرضِ زولو، حرِّروها من هؤلاءِ المستعمرِين، وأخرجوهم منها جميعاً وإلى الأبد.. وإلاّ فأنت تعرفُ كيف أعاقبُك.
وفي المملكة الشقراء قالَ وزيرُ المستعمَراتِ لقائدِ الجيوشِ بعدَ أمرِ الملِك: حرّروا بلادَ زولو من المستعمرينَ الدُخَلاء. حاربوا البِيضَ وأخرِجوهم من جَنوبِ أفريقيا كلِّها وإلى الأبد. وإن بقيَ فيها أبيضُ واحد، فسوف أعزِلُك من وظيفتِكَ وأجرّدُك من أملاكِك الواقعةِ هنا وفي كلِّ المستعمرات، وأُصادِرُ كلَّ أموالِكَ وأُعدمُكَ بِجُرمِ الخيانة.
في مستعمَراتِ جَنوبِ أفريقيا هجمت جيوشُ المملكةِ البيضاءِ على جيوشِ المملكةِ الشقراءِ والعكسُ بالعكس، وكان الجميعُ يهتِفونَ كلٌّ لمَلِكِهِ ووطنِه: لأجل الله والملك. عاشَ الوطن، والموتُ للمستعمِرينَ الدخلاء.
وفي المملكةِ البيضاءِ هتفَ الأطفالُ في المدارس: عاشَ الوطن، عاشَ الوطن، والموتُ للشُقرِ الأعداء.. كذلك في المملكة الشقراء، هتفَ الأطفالُ في المدارسِ بحياةِ الوطن، وبالموتِ للبِيضِ الأعداء.
××××
استمرّت الحربُ الطاحنةُ سنواتٍ وسنوات. وعجزَ كلٌّ من الجيشينِ المستعمِرينِ عن قهرِ الآخر، فلجأ البِيضُ إلى التحالُفِ مع بعضِ زعماءِ زولو على الشُقْر، ووعدوهم بالحرية، وبجلاءِ كلِّ الجيوشِ الأجنبيةِ عن أرضهِم بعد النصر.
كذلك فعلَ الشُقْرُ مع زعماءَ من الزولو آخرين.
وكان زعماءُ الزولو يقبلونَ هذه التحالفاتِ لأنهم أذكياء؛ وكلّ منهم كان يسعى إلى التخلّصِ من أحدِ الجيشينِ الأجنبيين، ليَسهُلَ عليه طردُ الجيشِ الآخَر.
جنودُ المستعمِرينَ كانوا يهتفونَ في تلك المعارِك كلٌّ لملِكِه: لأجلِ اللهِ والملك، والحريةِ لشعبِ زولو.
وفي مدارسِ المملكتينِ كان الأطفال يردّدون: الحريةُ لشعبِ زولو، والموت للمستعمِرين.
لكنّ قتلى الزولو وأسراهم والمستعبَدونَ منهم كانوا يتزايدون، وأرضُهم تستمرُّ في التمزّقِ والوقوعِ تحتَ سيطرةِ الجيشينِ المتحارِبَين.
××××
بعدَ سنواتٍ وسنواتٍ من الحربِ بينَ الجيشينِ المصمّمَينَ على تحريرِ شعبِ زولو من الاستعمار، قالَ وزيرُ المستعمراتِ الأبيض الجديدُ لملكِهِ الجديد: حربُنا في جَنوب أفريقيا أصبحَت خاسرة؛ فهي تكلّفُنا نفقاتٍ تزيدُ عن أثمانِ الذهبِ الذي نستخرجُهُ من مناجمِها والخشبِ الذي نقطعُه من غاباتِها.
أجابَ الملكُ الأبيضُ الجديدُ ولم يكن يريدُ أن يبدأ حكمَهُ بالخسائر: أوقِفوا هذه الحرب.
وقالَ الملكُ الأشقرُ آنذاكَ لوزيرِ مستعمراتِه: أوقفوا هذه الحربَ، والصلحُ سيّدُ الأحكام.
××××
بعدَ أشهُرٍ طويلةٍ من المفاوضاتِ والمساومات، بين وزيرِ المستعمراتِ الأبيض ومَثيلِهِ الأشقر، وعلى سفينةٍ في البحرِ بين المملكتينِ الأوروبيّتينِ الجارتَين، خرجَ الوزيرانِ من غرفةِ المفاوضاتِ مبتسمَين، وتصافحا أمامَ الصحفيينَ والمصوّرين، وأعلنا الصلحَ واتفاقَ السلام.
وعلى الحدودِ بين الجيشينِ المستعمِرينِ في أرضِ زولو، وقفَ القائدانِ الأبيض والأشقر، يعلِنانِ اتفاقَ السلام، والتزامَ كلٍّ منهما بعدَمِ الاعتداءِ على مستعمراتِ الآخَر، مع حقِّهِ في التوسّعِ في غيرِها من الأراضي الأفريقية.
هتفَ الجنودُ البِيضُ: عاشت صداقةُ البِيض والشُقرِ، عاشَ السلام. وهتفَ الجنودُ الشُقْرُ: عاشت صداقةُ الشُقرِ والبِيضِ، عاشَ السلام.
وعلى الفَورِ هجمَ كلٌّ من الجيشينِ على أراضي الزولو غيرِ المستعمَرة، واستمرَّ يوسّعُ أراضيَهُ المستعمَرةَ ومستوطناتِه.
واستمرّ أطفال المملكتينِ المستعمِرتَينِ يردّدون في المدارس: عاشت صداقةُ الشعوبِ الحرّة. عاشَ السلام.
واستمرَّ الزولو في خَسارةِ الناسِ والأرضِ والحرية، لكنّهم ربِحوا من هذه الأحداثِ درساً مُفيداً: إذ أدركوا أن المستعمِرينَ ضدَّهم إذا اختلفوا وضدَّهم إذا اتفقوا أيضاً.
××××
بعدَ سنواتٍ قليلة، اتّحدَ البِيضُ والشُقْرُ في أرض زولو، في دولةٍ سمَّوها (اتحاد جَنوبِ أفريقيا)، وكان دُستورُها قائماً على أفضليّةِ المستعمِرينَ البِيضِ على أهلَ البلادِ السود، وهو ما يُسمّى نظامَ التمييزِ العنصري. وصارَ المستعمِرونَ يعلّمونَ أبناءَ الزولو مختلَفَ العلوم، واستخدموهم في أعمالِ الزراعةِ المتطوّرةِ والصناعاتِ الحديثة، وفي خدَماتِ النقلِ البرّيِّ والبحريّ وفي البريدِ والهاتف.
استوعبَ الزولو كلّ تلكَ العلومِ والمهارات، وصاروا يقرؤون ويتثقّفون، وتطوّرَ وعيُهم فأنشَؤوا الأحزابَ التحرّرية، وفصائلَ المقاومةِ المسلَّحة، وما زالوا يكافحونَ حتى انتصروا وأقاموا دولةً غيرَ عنصريّةٍ متساويةَ الحقوقِ لكلِّ سكّانها بِيضاً وشُقراً وسوداً. السُودُ فيها هم الأكثريةُ أمّا البِيضُ فهم الأقلّيّة، لكنّ السودَ أصحابَ البلادِ الأصليينَ فقدوا حقَّهم بإعادةِ المستعمرينَ إلى بلادِهم أوروبا، لأنهم وُلِدوا وعاشوا هم وآباؤهم وأجدادُهم في جَنوبِ أفريقيا من ثلاثةِ قرون..
شَعبُ زولو يُدرِكُ اليوم، أنّ خَسارةَ الزمنِ خَسارةٌ في النصرِ أيضاً، وانتقاصٌ من الحريّة.
([1])  الهِراوة هي العصا الغليظة.

descriptionقصة قصيرة قبائل الزولو Emptyرد: قصة قصيرة قبائل الزولو

more_horiz
موضوع اكثر من رائع
شكرا لك ، نتظر كل جديدك بفارغ الصبر
تمنياتي لك كل التوفيق  قصة قصيرة قبائل الزولو 235873.

descriptionقصة قصيرة قبائل الزولو Emptyرد: قصة قصيرة قبائل الزولو

more_horiz
شكراً للطرح  gg444g

descriptionقصة قصيرة قبائل الزولو Emptyرد: قصة قصيرة قبائل الزولو

more_horiz
موضوع مميز 
بوركت على الطرح
قصة قصيرة قبائل الزولو 886773



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي