هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول

descriptionقصة جابِرٌ وجُبَير Emptyقصة جابِرٌ وجُبَير

more_horiz
قصة جابِرٌ وجُبَير Jabir-ibn-hayyan-biography-%25D9%2582%25D8%25B5%25D8%25A9-%25D8%25AD%25D9%258A%25D8%25A7%25D8%25A9-%25D8%25AC%25D8%25A7%25D8%25A8%25D8%25B1-%25D8%25A8%25D9%2586-%25D8%25AD%25D9%258A%25D8%25A7%25D9%2586
من كتاب : اللــؤلــؤة
((كتبوا هذه الحكاية قبلاً أكثر من مرّة، وكلّ مرّة بشكل جديد، وهذا ما أحاوله الآن، ولعلّي أوفَّق))
رُزِقَ الملِكُ ثلاثَ بناتٍ ولم يُرزَقْ بولدٍ واحد، فأصبحَ قلِقاً يخشى أن ينتقلَ عرشُهُ إلى أقاربِهِ بعدَ وفاتِه. وكلَّما مرَّ الزمنُ وكثُرَت بناتُ الملك، تفاقَمَ([1]) بهِ القلقُ حتى صارَ همّاً يُفسِدُ حياتَه، وتعاظَمَ سعيُهُ للحصولِ على الولد.. تزوّج كثيراً وطلَّق كثيراً وخلّف خمساً وستّين بنتاً.. وأخيراً جاءهُ الولد.
حينَ حُمِلَ إليهِ الولدُ فرِحَ لحظةً ثم انتابَهُ هَمٌّ عظيم: الطامعونَ بالعرشِ كثيرونَ وربّما يفكّرون في اغتيالِ([2]) الأميرِ أو تسميمِهِ ليرِثوا العرش، فهل يتركُهُ يعيشُ تحتَ الخطر؟ أم يدبِّرُ لـه عيشةً آمنةً ريثما يكبرُ ويصبحُ قادراً على الإمساكِ بالْحُكم؟
أمرَ الملكُ فأرجعوا الطفلَ إلى والدتِه. ثم استدعى وزيرَهُ لعلَّهُ يجدُ لـه تدبيراً يطَمئنُهُ على ولدِه.
جاءَ الوزيرُ سريعاً واستمعَ برَويّةٍ([3]) إلى الملِك، وفّكرَ مليّاً([4]) ثمّ قال:
-وجدْتُها.. وهي حيلةٌ قديمةٌ عندَ الملوكِ في مثلِ حالتِك.
قالَ الملك:
-فما هي؟
قالَ الوزير:
-نبدِّلُ الأميرَ سِرّاً بوليدٍ لأسرةٍ من الشعب، فينشأُ ابنُ الشعبِ في قصرِكَ على أنهُ ولدُك، وينشأُ الأميرُ عندَ الأسرةِ الشعبيةِ بعيداً عن الخطر. وبعدَ عشرينَ سنة نكشِفُ الحقيقةَ للناس، وننصِّبُ الأمير وليّاً للعهد.
قالَ الملك:
-نِعْمَ التدبيرُ يا وزيرَ الذكاء. فكيف ومتى يكونُ ذلك؟
قالَ الوزير:
-يجبُ أن يتِمَّ ذلك بأسرعِ وقتٍ ممكن، وبشرطِ أن لا تنتبِه الخادماتُ والمربِّياتُ للمسألة.
فقالَ الملك:
-لكنّ خادماتِ الملكةِ والمربِّياتُ رأينَ الأميرَ فورَ ولادتِهِ وحملْنَهُ إليّ.
قالَ الوزير وهو يضحك:
-مسألةٌ بسيطة. سندبِّرُ بديلاً في مثلِ عُمرِ الأميرِ ومثلِ لونِه، وتأمُرُ جلالتُكَ بِحَجْبِ الأميرِ عن الخدمِ والمربِّياتِ أربعينَ يوماً بحُجَّةِ حمايتِهِ من العينِ الحاسدة..
فضحكَ الملِكُ وتابع:
-وبعدَ أربعينَ يوماً تتغيّرُ ملامِحُهُ ولا ينتبِهُ أحد.
-أستأذِنُ يا مولايَ لأبدأَ البحثَ والتدبير.
وخرجَ الوزيرُ مسرعاً منهمِكاً يفكِّر، وأمرَ الملكُ فوراً بحَجبِ الأميرِ عن الجميعِ إلا والدتَه، حجباً يبدأُ الآنَ ويمتدُّ أربعينَ يوماً، بقصدِ حمايتِهِ من العينِ الحاسدة.
××××
بعدَ أيّامٍ ثلاثةٍ لا أكثر، أقبلَ الوزيرُ على الملكِ متلألئَ الوجهِ فرحاً وهو يقول:
-أبشِرْ([5]) يا مولايَ أبشِر. وجدْتُ ما قالَه الشاعر..
فقاطعَهُ الملك:
-دعني من الشعرِ وهاتِ الكلامَ الْمُفيد.
قالَ الوزير:
-الكلامُ المفيدُ في بيتِ الشعرِ فاصبِرْ أرجوك.
ألَحَّ الملكُ وقد فقدَ صبرَه:
-انطِقْهُ بسرعةٍ، خلِّصْني.
فأنشدَ الوزير:
وعلِمْتُ حينَ العِلْمُ زَينٌ للفتى         أنَّ التي ضيَّعتُها كانت معي
قالَ الملكُ بانزعاجٍ وإصرار:
-سَمِعتُ ولم أفهمْ فماذا تعني، وما التي ضيّعْتَها واكتشفتَ أنها معك؟
قالَ الوزير:
-منذُ تلكَ الليلةِ استدعَيتُ المخبِرينَ السرّيين، وأمرتُهم بالبحثِ والاستقصاءِ([6]) في بيوتِ الشعبِ عن طفلٍ وُلِدَ لِتَوِّهِ([7]) أو منذُ أيام، على أن يبقى البحثُ سرّاً لا يعرفُهُ أحد. واليومَ وجدْتُ الضالّةَ المنشودةَ([8]) في قصري أنا: زوجةُ البستانيِّ عندي أنجبَت ولداً يومَ وُلِدَ الأمير. وقد أغريتُها وزوجَها ببعضِ الذهب، فقبِلا بالمبادلةِ عشرينَ سَنة وبِكَتمِ السرّ.
أشرقَ وجهُ الملكِ وارتاحَ في جلستِهِ وقال:
-أحسنتَ أحسنت، الآنَ اطمأنَّ بالي.
وعلى الفَورِ أحضروا الطفلَ والطبيبَ الكحّال([9])، فوشَمَ([10]) ذراعَ الطفلِ بشعارِ([11]) الملكِ ليتميَّز به طولَ عمرِه، ثم أخذتهُ زوجةُ البستانيِّ إلى بيتِها بعدَ أن وضعَت محلَّهُ طفلَها، وأطلَقَ الملكُ على ابنِهِ اسمَ “جابرٍ” وعلى ابنِ البستانيِّ اسمَ: جُبَير.
××××
في أسرةِ البستانيِّ نشأ الأميرُ جابر، فلَقِيَ الحُبَّ والحنانَ من الأبوينِ والأولاد، ونشأ مثلَهم على حبِّ العملِ والتحلّي بمكارِمِ الأخلاق.
ونشأَ جَبَيرٌ في قصرِ الملكِ نشأةَ الأمراء، عِنايةٌ ولَعِبٌ وتعليم، ثم رياضةٌ وفروسيّةٌ وسِباحةٌ ورِمايةٌ للسهامِ ومبارزةٌ بالسيف. وقد بَرَعَ في ذلك كلِّه، لكنه كان يشعرُ بشيءٍ ينقُصُهُ وهو حُبُّ الأبوين. وكلّما تقدَّمَ الزمنُ ترسَّخَ شعورُهُ بأنه غيرُ محبوبٍ فنشأَ لا يشعرُ بالحبِّ نحو أحد. وعندَما كبِرَ كان مثالاً للأميرِ الحازمِ والعسكريِّ الماهِر، لا عيبَ فيهِ إلاّ قسوةُ قلبِهِ وجَفافُ عاطفتِه.
××××
وما أسرعَ ما يَمرُّ الزمنُ، خصوصاً في الحكايات. وهكذا وجدَ الأميرانِ المزيَّفُ والأصيلُ نفسَيهِما في حفلةٍ ملَكيّةِ حاشدة، وأمامَ حقيقةٍ جديدةٍ أعلنَها الوزيرُ بعدَ أن كشفَ عن ذراعِ الأميرِ جابر، وأظهرَ للجميعِ وَشْمَ الملكِ على ساعدِه..
انحنى جابرٌ لأبيهِ تحيّةَ احترامٍ وقال:
-والدي ومولايَ المعظَّم، لئن سرَّني أني غدَوتُ أميراً ووليّاً لعهدِك، فقد أحزنَني فِراقُ أبويَّ الكريمينِ الواقفَينِ أمامَك، البستانيِّ الطيّبِ وزوجتِه، اللذينِ عشتُ بينَهما أجملَ سنواتِ عمري، متمتّعاً بالحبِّ والعملِ والفضيلة. وإني أعاهدُهما أمامَكَ وأمامَ الجميع، أن أبقى وفيّاً لهما ولإخوتي منهما طولَ الحياة.
أشرقَ وجهُ الملكِ فخراً وإعجاباً وقال:
-أحسنتَ يا ولدي أحسنت. هذه حقّاً أخلاقُ الأمراء.
أمّا جُبَير، الذي خسِرَ كلَّ شيءٍ وهوى من قِمّةِ المجدِ في لحظةٍ واحدة، فواجهَ الصدمةَ بقسوةِ القلبِ التي تربّى عليها، وحدّقَ في وجهِ الملك وهو يقول:
-أمّا أنا، فلن أبقى في هذه المملكةِ بعدَ اليوم.
فعاجلَهُ الوزيرُ موبِّخاً:
-أهكذا تشكرُ مولاكَ على نعمتِه؟
قالَ جُبير:
-هل أشكرُه لجعلي عُرضةٍ للقتلِ عشرينَ سنة؟ أم لجعلي سخريةً للناسِ بقيّةَ حياتي؟
قالَ الملكُ باحتقار:
-أنت وقحٌ وبلا أدب.
أجابَ جُبير بجفاف:
-هذهِ تربيتُكم ولا ذنبَ لي.
وانصرَفَ صُلبَ القامةِ جامدَ النظرةِ لا يلتفتُ إلى أحد. وحين مرَّ بوالدَيهِ صرخَت أمّهُ تستوقفُه:
-ولدي جُبير، ودِّعْنا على الأقلِّ فنحنُ أبوكَ وأمُّك.
فنظرَ إلى والدَيهِ قائلاً دونَ أن يتوقّف:
-وهل أعرفُكما؟
وتابعَ حتى خرجَ والجمعُ صامتون. أمّا والدته فسالَت دموعُها وهمسَت لزوجِها:
-لننصرفْ نحنُ أيضاً.
فأجابَ زوجُها:
-فقد خسرنا ولدنا لكننا كسِبْنا أميراً وفيّاً رحيماً نشأَ على يدَينا، وسوفَ يكونُ أفضلَ ملك. هذا عزاؤنا عن الخسارة.
([1]) تعاظمَ وتزايدَ أذاه وشرّه.
([2])  الاغتيال هو القتل غدراً.
([3])  الرويّةُ هي التأنّي والصبر.
([4])  طويلاً.
([5])  تفاءلْ.
([6]) الاستقصاء هو البحثُ والسؤالُ إلى أقصى مدى أي أبعد مدى.
([7]) التوّ هو الزمن الحاضر. حدثَ لتوِّه: حدث الآنَ في هذه الساعة.
([8]) ضالّة المرء هي هدفه الذي يبحث عنه كأنه ضلّ عنه أي ضاعَ منه، فهو ينشدُهُ أي يطلبه ويبحث عنه.
([9]) الذي يداوي بالكُحل. وقد كان الكحلُ دواء لبعض أمراض الجلد.
([10]) الوَشم: رسمٌ بالكُحلِ يُدَقُّ بالإبَر على الجلدِ فيبقى مدى الحياة.
([11]) الشعار كالخاتم أو التوقيع: علامة مميِّزة لصاحبها تدلُّ عليه وحده.

descriptionقصة جابِرٌ وجُبَير Emptyرد: قصة جابِرٌ وجُبَير

more_horiz
موضوع اكثر من رائع
شكرا لك ، نتظر كل جديدك بفارغ الصبر
تمنياتي لك كل التوفيق  قصة جابِرٌ وجُبَير 235873.

descriptionقصة جابِرٌ وجُبَير Emptyرد: قصة جابِرٌ وجُبَير

more_horiz
شكراً للطرح  gg444g

descriptionقصة جابِرٌ وجُبَير Emptyرد: قصة جابِرٌ وجُبَير

more_horiz
موضوع مميز 
بوركت على الطرح
قصة جابِرٌ وجُبَير 886773



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

جميع الحقوق محفوظة لدليل الاشهار العربي