اختص الله بلاد الحجاز بأقدس بقعة على وجه الأرض، مكة المكرمة منبع النبوة، ومهد الرسالة، وأحب البلاد إلى الله، وفيها طيبة الطيبة، مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وموطن أصحابه المهاجرين والأنصار.
وقد تميزت أرض الحجاز عن المناطق حولها من حيث الطبيعة الجيولوجيّة، ولعل كل من يقترب من "طيبة الطيّبة" أو يدخل مشارفها يلحظ التكوينات الصخوريّة السوداء التي تحيط بالمدينة وتنتثر في جنباتها وتُعرّف بـ(الحَرّة)، والتي تكوّنت بفعل الأنشطة البركانيّة القديمة فيها، وتمتد هذه الصخور البركانيّة لتشكّل دائرةً واسعة تثير شغف الدارسين والمهتمّين بعلوم الأرض.
ويُطلّ السؤال برأسه قائلاً: "ما العلاقة إذن بين الصخور السوداء والبراكين القديمة، وبين الحديث عن أشراط الساعة؟" والجواب عليه بأن يُقال: لقد تنبّأ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قيام نشاطٍ بركاني يحدث بعده، ويكون شرطاً من أشراط الساعة وعلاماتها، ويُعرف في كتب العقائد والسّنن بـ(خروج نار الحجاز).
والعمدة في هذه النبوءة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، يضيء لها أعناق الإبل ببُصرى) رواه البخاري ومسلم، وبصرى مدينة معروفة بالشام، وهي مدينة حوران، وبينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل، والمرحلة كما يقول أهل اللغة هي المسافة يقطعها السائر والمسافر في نحو يوم.
وثمّة حديث آخر يحمل ذات الدلالة، وهو حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أنه قال: كنا نتحدث في ظلِّ غرفة، فأشرف علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تلك الغرفة، فقال: (ما تحدّثون؟) قلنا: نتحدث عن الساعة، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من رُومان أو رَكُوبة يضيء منها أعناق الإبل ببصرى) وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير.
يقول الحافظ ابن حجر في الفتح: "ورَكُوبة: ثنيّة صعبة المرتقى في طريق المدينة إلى الشام، مرّ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، ورومان: لعل المراد رومة البئر المعروفة بالمدينة" والثنيّة هي العقبة والمرتفع من الأرض.
إذن نفهم من الحديثين السابقين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن الأرض سوف تنشقّ وتخرج منها الحمم الملتهبة، وأنها ستخرج على نحوٍ كثيف، إلى درجة أن الناس في الشام سوف يدركون حدوثها، ويرون نيرانها.
وعلماء الحديث اتّفقوا على تحقّق هذا الشرط من أشراط الساعة، فالإمام النووي عندما تعرّض لشرح الحديث في صحيح مسلم قال ما نصّه:" " وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت ناراً عظيمة جداً من جنب المدينة الشرقي، وراء الحرة، تواتر العلم بخروجها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة ".
وقد أسهب العلماء في شرح تفاصيل ذلك الحدث الكوني العظيم وبالغوا في وصفه، فنجد في كتاب "التذكرة" للإمام القرطبي ذكره لهذه النار، وأن ابتداءها كان بزلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء الثالث من جمادى الآخرة سنة ستمائة وأربع وخمسين للهجرة، واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرّة، لا تمر على جبل إلا دكّته وأذابته، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وكان يصحابها دويّ شديد كدوي الرعد يأخذ الصخور بين يديه فيذيبها، حتى استحضر كثيرٌ ممن رآها قول الله تبارك وتعالى عن نار جهنم: { إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالتٌ صُفر} (المرسلات:31-32).
وسال من هذه النار واد يكون مقداره اثني عشر ميلاً، وعرضه أربعة أميال، وعمقه قامة ونصف، وهي تجري على وجه الأرض، ويخرج منها جبال صغار تسير على وجه الأرض، وهو صخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك –وهو الرصاص المذاب-، فإذا جمد صار أسود، وقبل الجمود لونه أحمر، وكما نعرف فهذا هو الوصف الدقيق للبراكين.
واشتدت حركة هذه الحمم البركانيّة، واضطربت الأرض بمن عليها، وارتفعت الأصوات، لخالقها، ودامت آثار الحركة حتى أيقن أهل المدينة بوقوع الهلاك، وزلزلوا زلزالاً شديداً رجفت منه الأرض والحيطان، والسقوف والأخشاب والأبواب، فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ثار في الجو دخان متراكم أمره متفاقم ثم شاع النار وعلا حتى غشى الأبصار، يقول أحد المؤرّخين: "أخبرني من أثق به ممن شاهدها، أنه كُتِب بتيماء –إحدى المناطق- على ضوئها الكتب، وكنا في بيوتنا تلك الليالي، وكأن في دار كل واحد منا سراج"، ووصفها آخر بأن نيران تشتعل، ويبصرها الناس في الليل من المدينة كأنها مشاعل الحجاج أيّام منى ومزدلفة، وذلك من شدّة إضاءتها.
وقد حدث ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من إضاءة هذه النيران لأعناق الإبل ببصرى، كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه، قد أخبر قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي القاسم التميمي الحنفي الحاكم بدمشق، فقال: "سمعت رجلاً من الأعراب يخبر والدي بِبُصْرى في تلك الليالي، أنهم رأوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت في أرض الحجاز".
وحصل بسبب هذه النار إقلاع عن المعاصي، والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة إلى أهلها، وأعتق كل مماليكه، ورد على جماعةٍ أموالهم، ودخل أهل المدينة إلى مسجد نبيهم عليه الصلاة والسلام مستغفرين تائبين إلى ربهم تعالى، وبات الناس بين مصلٍّ وتالٍ للقرآن، وراكع وساجد، وداع إلى الله عز وجل، ومتنصّلٍ من ذنوبه، راجٍ عفو ربّه.
ويضيف أحد شهود العيان قائلاً: " والله لقد زُلزلت مرة ونحن حول حجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اضطرب لها المنبر، إلى أن أوجسنا منه، إذ سمعنا صوتاً للحديد الذي فيه، واضطربت قناديل الحرم الشريف، وتمت الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى، ولها دوي مثل دوي الرعد القاصف".
وأنشد أحدهم قائلا:
يا كاشف الضر صفحاً عن جرائمنا * لقد أحاطت بنا يا ربُّ بأساء
نشكو إليك خطوباً لا نطيقُ لها * حملاً ونحن بها حقاً أحقّاء
زلازل تخشعُ الصُّم الصلابُ لها * وكيف يقوى على الزلزالِ شماءُ
أقامَ سبعاً يرجّ الأرض فانصدعت * عن منظرٍ منه عينُ الشمسِ عشواءُ
بحرٌ من النار تجري فوقهُ سفنٌ * من الهضاب لها في الأرض أرساءُ
كأنما فوقهُ الأجبال طافيةٌ * موجٌ عليه لفرط البهج وعثاءُ
ترمي لها شرراً كالقصر طائشةً * كأنها ديمةٌ تنصب هطلاءُ
تنشقُ منها قلوبُ الصخر إن زفرت * رعباً وترعدُ مثلُ السعفِ أضواءُ
منها تكاثف في الجو الدخان إلى * أن عادت الشمسُ منه وهي دهماءُ
فيالها آيةٌ من معجزاتِ رسو * ل الله يعقلها القومُ الألباءُ
فباسمكَ الأعظمِ المكنون إن عظمت * منا الذنوب وساءَ القلبُ أسواءُ
فاسمح وهب وتفضل وامحُ واعفُ وجدْ * واصفحْ فكلٌّ لفرطِ الجهل خطّاءُ
فقومُ يونسَ لمّا آمنوا كُشف الـ * ـعذابَ عنهم وعمَّ القوم نعماءُ
فارحم وصَلِّ على المختارِ ما خطبت * على علا منبر الأوراق ورقاءُ
وعلى الرغم من هذه الشدائد إلا أن المدينة كان يأتيها نسيمٌ باردٌ لا ينسجم مع المظاهر الحراريّة التي تحيط بها وتهدّدها، ولعلها رحمةٌ من الله بأولئك التائبين المقبلين على ربّهم، واستمرّت تلك الظاهرة حتى انطفأت النيران في السابع والعشرين من شهر رجب ليلة الإسراء والمعراج.
وللشيخ قطب الدين القسطلاني تأليفٌ مفصّل في بيان حال هذه النار، سمّاه: "حمل الإيجاز في الإعجاز بنار الحجاز"، يؤكّد أن هذه النار التي ظهرت بالحجاز آية عظيمة، وإشارة صحيحة دالة على اقتراب الساعة، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بخروجها قبل ظهورها بمقدار ستمائة وخمسين سنة تقريباً، فالسعيد من انتهز الفرصة قبل الموت، وتدارك أمره بإصلاح حاله مع الله عز وجل قبل الموت.
بقي لنا أن ننبّه إلى أن هذه النار تختلف عن تلك التي أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن خروجها من اليمن قبيل قيام الساعة بقليل، فإن تلك النار هي شرطٌ مستقلّ لا علاقة له بما حدث في أرض الحجاز وإن اشتركا في طبيعة الأحداث، يقول الحافظ ابن حجر: " وليس في الحديث أن نار الحجاز متعلقة بالحشر، بل هي آية من أشراط الساعة مستقلة".
وقد تميزت أرض الحجاز عن المناطق حولها من حيث الطبيعة الجيولوجيّة، ولعل كل من يقترب من "طيبة الطيّبة" أو يدخل مشارفها يلحظ التكوينات الصخوريّة السوداء التي تحيط بالمدينة وتنتثر في جنباتها وتُعرّف بـ(الحَرّة)، والتي تكوّنت بفعل الأنشطة البركانيّة القديمة فيها، وتمتد هذه الصخور البركانيّة لتشكّل دائرةً واسعة تثير شغف الدارسين والمهتمّين بعلوم الأرض.
ويُطلّ السؤال برأسه قائلاً: "ما العلاقة إذن بين الصخور السوداء والبراكين القديمة، وبين الحديث عن أشراط الساعة؟" والجواب عليه بأن يُقال: لقد تنبّأ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قيام نشاطٍ بركاني يحدث بعده، ويكون شرطاً من أشراط الساعة وعلاماتها، ويُعرف في كتب العقائد والسّنن بـ(خروج نار الحجاز).
والعمدة في هذه النبوءة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، يضيء لها أعناق الإبل ببُصرى) رواه البخاري ومسلم، وبصرى مدينة معروفة بالشام، وهي مدينة حوران، وبينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل، والمرحلة كما يقول أهل اللغة هي المسافة يقطعها السائر والمسافر في نحو يوم.
وثمّة حديث آخر يحمل ذات الدلالة، وهو حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أنه قال: كنا نتحدث في ظلِّ غرفة، فأشرف علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تلك الغرفة، فقال: (ما تحدّثون؟) قلنا: نتحدث عن الساعة، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من رُومان أو رَكُوبة يضيء منها أعناق الإبل ببصرى) وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير.
يقول الحافظ ابن حجر في الفتح: "ورَكُوبة: ثنيّة صعبة المرتقى في طريق المدينة إلى الشام، مرّ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، ورومان: لعل المراد رومة البئر المعروفة بالمدينة" والثنيّة هي العقبة والمرتفع من الأرض.
إذن نفهم من الحديثين السابقين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن الأرض سوف تنشقّ وتخرج منها الحمم الملتهبة، وأنها ستخرج على نحوٍ كثيف، إلى درجة أن الناس في الشام سوف يدركون حدوثها، ويرون نيرانها.
وعلماء الحديث اتّفقوا على تحقّق هذا الشرط من أشراط الساعة، فالإمام النووي عندما تعرّض لشرح الحديث في صحيح مسلم قال ما نصّه:" " وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت ناراً عظيمة جداً من جنب المدينة الشرقي، وراء الحرة، تواتر العلم بخروجها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة ".
وقد أسهب العلماء في شرح تفاصيل ذلك الحدث الكوني العظيم وبالغوا في وصفه، فنجد في كتاب "التذكرة" للإمام القرطبي ذكره لهذه النار، وأن ابتداءها كان بزلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء الثالث من جمادى الآخرة سنة ستمائة وأربع وخمسين للهجرة، واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرّة، لا تمر على جبل إلا دكّته وأذابته، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وكان يصحابها دويّ شديد كدوي الرعد يأخذ الصخور بين يديه فيذيبها، حتى استحضر كثيرٌ ممن رآها قول الله تبارك وتعالى عن نار جهنم: { إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالتٌ صُفر} (المرسلات:31-32).
وسال من هذه النار واد يكون مقداره اثني عشر ميلاً، وعرضه أربعة أميال، وعمقه قامة ونصف، وهي تجري على وجه الأرض، ويخرج منها جبال صغار تسير على وجه الأرض، وهو صخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك –وهو الرصاص المذاب-، فإذا جمد صار أسود، وقبل الجمود لونه أحمر، وكما نعرف فهذا هو الوصف الدقيق للبراكين.
واشتدت حركة هذه الحمم البركانيّة، واضطربت الأرض بمن عليها، وارتفعت الأصوات، لخالقها، ودامت آثار الحركة حتى أيقن أهل المدينة بوقوع الهلاك، وزلزلوا زلزالاً شديداً رجفت منه الأرض والحيطان، والسقوف والأخشاب والأبواب، فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ثار في الجو دخان متراكم أمره متفاقم ثم شاع النار وعلا حتى غشى الأبصار، يقول أحد المؤرّخين: "أخبرني من أثق به ممن شاهدها، أنه كُتِب بتيماء –إحدى المناطق- على ضوئها الكتب، وكنا في بيوتنا تلك الليالي، وكأن في دار كل واحد منا سراج"، ووصفها آخر بأن نيران تشتعل، ويبصرها الناس في الليل من المدينة كأنها مشاعل الحجاج أيّام منى ومزدلفة، وذلك من شدّة إضاءتها.
وقد حدث ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من إضاءة هذه النيران لأعناق الإبل ببصرى، كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه، قد أخبر قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي القاسم التميمي الحنفي الحاكم بدمشق، فقال: "سمعت رجلاً من الأعراب يخبر والدي بِبُصْرى في تلك الليالي، أنهم رأوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت في أرض الحجاز".
وحصل بسبب هذه النار إقلاع عن المعاصي، والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة إلى أهلها، وأعتق كل مماليكه، ورد على جماعةٍ أموالهم، ودخل أهل المدينة إلى مسجد نبيهم عليه الصلاة والسلام مستغفرين تائبين إلى ربهم تعالى، وبات الناس بين مصلٍّ وتالٍ للقرآن، وراكع وساجد، وداع إلى الله عز وجل، ومتنصّلٍ من ذنوبه، راجٍ عفو ربّه.
ويضيف أحد شهود العيان قائلاً: " والله لقد زُلزلت مرة ونحن حول حجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اضطرب لها المنبر، إلى أن أوجسنا منه، إذ سمعنا صوتاً للحديد الذي فيه، واضطربت قناديل الحرم الشريف، وتمت الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى، ولها دوي مثل دوي الرعد القاصف".
وأنشد أحدهم قائلا:
يا كاشف الضر صفحاً عن جرائمنا * لقد أحاطت بنا يا ربُّ بأساء
نشكو إليك خطوباً لا نطيقُ لها * حملاً ونحن بها حقاً أحقّاء
زلازل تخشعُ الصُّم الصلابُ لها * وكيف يقوى على الزلزالِ شماءُ
أقامَ سبعاً يرجّ الأرض فانصدعت * عن منظرٍ منه عينُ الشمسِ عشواءُ
بحرٌ من النار تجري فوقهُ سفنٌ * من الهضاب لها في الأرض أرساءُ
كأنما فوقهُ الأجبال طافيةٌ * موجٌ عليه لفرط البهج وعثاءُ
ترمي لها شرراً كالقصر طائشةً * كأنها ديمةٌ تنصب هطلاءُ
تنشقُ منها قلوبُ الصخر إن زفرت * رعباً وترعدُ مثلُ السعفِ أضواءُ
منها تكاثف في الجو الدخان إلى * أن عادت الشمسُ منه وهي دهماءُ
فيالها آيةٌ من معجزاتِ رسو * ل الله يعقلها القومُ الألباءُ
فباسمكَ الأعظمِ المكنون إن عظمت * منا الذنوب وساءَ القلبُ أسواءُ
فاسمح وهب وتفضل وامحُ واعفُ وجدْ * واصفحْ فكلٌّ لفرطِ الجهل خطّاءُ
فقومُ يونسَ لمّا آمنوا كُشف الـ * ـعذابَ عنهم وعمَّ القوم نعماءُ
فارحم وصَلِّ على المختارِ ما خطبت * على علا منبر الأوراق ورقاءُ
وعلى الرغم من هذه الشدائد إلا أن المدينة كان يأتيها نسيمٌ باردٌ لا ينسجم مع المظاهر الحراريّة التي تحيط بها وتهدّدها، ولعلها رحمةٌ من الله بأولئك التائبين المقبلين على ربّهم، واستمرّت تلك الظاهرة حتى انطفأت النيران في السابع والعشرين من شهر رجب ليلة الإسراء والمعراج.
وللشيخ قطب الدين القسطلاني تأليفٌ مفصّل في بيان حال هذه النار، سمّاه: "حمل الإيجاز في الإعجاز بنار الحجاز"، يؤكّد أن هذه النار التي ظهرت بالحجاز آية عظيمة، وإشارة صحيحة دالة على اقتراب الساعة، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بخروجها قبل ظهورها بمقدار ستمائة وخمسين سنة تقريباً، فالسعيد من انتهز الفرصة قبل الموت، وتدارك أمره بإصلاح حاله مع الله عز وجل قبل الموت.
بقي لنا أن ننبّه إلى أن هذه النار تختلف عن تلك التي أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن خروجها من اليمن قبيل قيام الساعة بقليل، فإن تلك النار هي شرطٌ مستقلّ لا علاقة له بما حدث في أرض الحجاز وإن اشتركا في طبيعة الأحداث، يقول الحافظ ابن حجر: " وليس في الحديث أن نار الحجاز متعلقة بالحشر، بل هي آية من أشراط الساعة مستقلة".