أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء رواه مسلم .
الشرح
هذه الأحاديث ذكرها المؤلف - رحمه الله - في باب الزهد في الدنيا والترغيب فيه ، وقد ذكر قبل ذلك آيات متعددة كلها تدل على أن هذه الدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة وأنها ممر ومزرعة للآخرة ، فإن قال قائل يقال : ورع ، ويقال : زهد فأيهما أعلى ؟ وما الفرق بينهما ؟ فالجواب أن الزهد أعلى من الورع ، والفرق بينهما أن الورع ترك ما يضر ، والزهد ترك ما لا ينفع فالأشياء ثلاثة أقسام منها ما يضر في الآخرة ، ومنها ما ينفع ، ومنها ما لا يضر ولا نفع . فالورع : أن يدع الإنسان ما يضره في الآخرة يعني أن يترك الحرام . والزهد : أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة فالذي لا ينفعه لا يأخذ به ، والذي ينفعه يأخذ به والذي يضره لا يأخذ به من باب أولى ، فكان الزهد أعلى حالا من الورع ، فكل زاهد ورع ، وليس كل ورع زاهدا . ولكن حذر النبي عليه الصلاة والسلام من أن تفتح علينا الدنيا كما فتحت على من كان قبلنا فنهلك كما هلكوا . لما قدم أبو عبيدة بمال من البحرين ، وسمع الأنصار بذلك جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافوه في صلاة الفجر فلما انصرف من الصلاة تعرضوا له ، فتبسم عليه الصلاة والسلام ، يعني ضحك بدون صوت تبسم لأنهم جاءوا متشوقين للمال . فقال لهم : أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ؟ قالوا : أجل يا رسول الله ، يعني سمعنا بذلك وجئنا لننال نصيبنا . فقال عليه الصلاة والسلام : أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم فالفقر لا يخشاه علينا النبي صلى الله عليه وسلم . والفقر قد يكون خيراً للإنسان كما جاء في الحديث القدسي الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال : إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى يعني أطغاه وأضله وصده عن الآخرة والعياذ بالله ففسد وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر . فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ما الفقر أخشى عليكم يعني لا أخشى عليكم من الفقر لأن الفقير في الغالب اقرب إلى الحق من الغني . وانظروا إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام ، من الذي يكذبهم ؟ يكذبهم الملأ الأشرار الأغنياء وأكثر من يتبعهم الفقراء حتى النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من اتبعه الفقراء . فالفقر لا يخشى منه ، بل الذي يخشى منه أن تبسط الدنيا علينا ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم . وهذا هو الواقع وانظر إلى حالنا نحن لما كان الناس إلى الفقر أقرب ، كانوا لله أتقى ، وأخشع ولما كثر المال كثر الإعراض عن سبيل الله ، وحصل الطغيان ، وصار الإنسان الآن يتشوف لزهرة الدنيا وزينتها . . . سيارة بيت فرش لباس يباهي الناس بهذا كله ويعرض عما ينفعه في الآخرة . وصارت الجرائد والصحف وما أشبهها لا تتكلم إلا عن الرفاهية وما يتعلق بالدنيا ، وأعرضوا عن الآخرة ، وفسد الناس إلا من شاء الله . فالحاصل أن الدنيا إذا فتحت - نسأل الله أن يقينا وإياكم شرها - أنها تجلب الشر وتطغى الناس : كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى ، أَن رَّآَهُ اسْتَغْنَى وقد قال فرعون لقومه : يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي افتخر بالدنيا ، لذلك فالدنيا خطيرة جدا . وفي هذه الأحاديث أيضا قال النبي عليه الصلاة والسلام : إن الدنيا حلوة خضرة حلوة المذاق خضرة المنظر تجذب وتفتن فالشيء إذا كان حلواً ومنظره طيبا فإنه يفتن الإنسان فالدنيا هكذا حلوة خضرة . ولكن : إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون يعني جعلكم خلائف فيها ، يخلف بعضكم بعضا ، ويرث بعضكم بعضا ، فينظر كيف تعملون هل تقدمون الدنيا أو الآخرة ؟ ولهذا قال : فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ولكن إذا أغنى الله الإنسان ، وصار غناه عونا له على طاعة الله ينفق ماله في الحق وفي سبيل الله ، صارت الدنيا خيرا . ولهذا كان رجل الدنيا الذي ينفق ماله في سبيل الله وفي مرضاة الله عز وجل ، في منزلة العالم الذي آتاه الله الحكمة والعلم وصار يعلم الناس . فهناك فرق بين الذي ينهمك في الدنيا ويعرض عن الآخرة وبين الذي يغنيه الله ويكون غناه سببا لسعادته والإنفاق في سبيل الله ربنا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
الشرح
هذه الأحاديث ذكرها المؤلف - رحمه الله - في باب الزهد في الدنيا والترغيب فيه ، وقد ذكر قبل ذلك آيات متعددة كلها تدل على أن هذه الدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة وأنها ممر ومزرعة للآخرة ، فإن قال قائل يقال : ورع ، ويقال : زهد فأيهما أعلى ؟ وما الفرق بينهما ؟ فالجواب أن الزهد أعلى من الورع ، والفرق بينهما أن الورع ترك ما يضر ، والزهد ترك ما لا ينفع فالأشياء ثلاثة أقسام منها ما يضر في الآخرة ، ومنها ما ينفع ، ومنها ما لا يضر ولا نفع . فالورع : أن يدع الإنسان ما يضره في الآخرة يعني أن يترك الحرام . والزهد : أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة فالذي لا ينفعه لا يأخذ به ، والذي ينفعه يأخذ به والذي يضره لا يأخذ به من باب أولى ، فكان الزهد أعلى حالا من الورع ، فكل زاهد ورع ، وليس كل ورع زاهدا . ولكن حذر النبي عليه الصلاة والسلام من أن تفتح علينا الدنيا كما فتحت على من كان قبلنا فنهلك كما هلكوا . لما قدم أبو عبيدة بمال من البحرين ، وسمع الأنصار بذلك جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافوه في صلاة الفجر فلما انصرف من الصلاة تعرضوا له ، فتبسم عليه الصلاة والسلام ، يعني ضحك بدون صوت تبسم لأنهم جاءوا متشوقين للمال . فقال لهم : أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ؟ قالوا : أجل يا رسول الله ، يعني سمعنا بذلك وجئنا لننال نصيبنا . فقال عليه الصلاة والسلام : أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم فالفقر لا يخشاه علينا النبي صلى الله عليه وسلم . والفقر قد يكون خيراً للإنسان كما جاء في الحديث القدسي الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال : إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى يعني أطغاه وأضله وصده عن الآخرة والعياذ بالله ففسد وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر . فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ما الفقر أخشى عليكم يعني لا أخشى عليكم من الفقر لأن الفقير في الغالب اقرب إلى الحق من الغني . وانظروا إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام ، من الذي يكذبهم ؟ يكذبهم الملأ الأشرار الأغنياء وأكثر من يتبعهم الفقراء حتى النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من اتبعه الفقراء . فالفقر لا يخشى منه ، بل الذي يخشى منه أن تبسط الدنيا علينا ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم . وهذا هو الواقع وانظر إلى حالنا نحن لما كان الناس إلى الفقر أقرب ، كانوا لله أتقى ، وأخشع ولما كثر المال كثر الإعراض عن سبيل الله ، وحصل الطغيان ، وصار الإنسان الآن يتشوف لزهرة الدنيا وزينتها . . . سيارة بيت فرش لباس يباهي الناس بهذا كله ويعرض عما ينفعه في الآخرة . وصارت الجرائد والصحف وما أشبهها لا تتكلم إلا عن الرفاهية وما يتعلق بالدنيا ، وأعرضوا عن الآخرة ، وفسد الناس إلا من شاء الله . فالحاصل أن الدنيا إذا فتحت - نسأل الله أن يقينا وإياكم شرها - أنها تجلب الشر وتطغى الناس : كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى ، أَن رَّآَهُ اسْتَغْنَى وقد قال فرعون لقومه : يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي افتخر بالدنيا ، لذلك فالدنيا خطيرة جدا . وفي هذه الأحاديث أيضا قال النبي عليه الصلاة والسلام : إن الدنيا حلوة خضرة حلوة المذاق خضرة المنظر تجذب وتفتن فالشيء إذا كان حلواً ومنظره طيبا فإنه يفتن الإنسان فالدنيا هكذا حلوة خضرة . ولكن : إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون يعني جعلكم خلائف فيها ، يخلف بعضكم بعضا ، ويرث بعضكم بعضا ، فينظر كيف تعملون هل تقدمون الدنيا أو الآخرة ؟ ولهذا قال : فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ولكن إذا أغنى الله الإنسان ، وصار غناه عونا له على طاعة الله ينفق ماله في الحق وفي سبيل الله ، صارت الدنيا خيرا . ولهذا كان رجل الدنيا الذي ينفق ماله في سبيل الله وفي مرضاة الله عز وجل ، في منزلة العالم الذي آتاه الله الحكمة والعلم وصار يعلم الناس . فهناك فرق بين الذي ينهمك في الدنيا ويعرض عن الآخرة وبين الذي يغنيه الله ويكون غناه سببا لسعادته والإنفاق في سبيل الله ربنا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .