عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً رواه البخاري .
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب تحريم الظلم ووجوب التحلل منه ، قال فيما نقله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله ، قال : لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ، لا يزال المؤمن في فسحة أي : في سعة من دينه # ، ما لم يصب دماً حراماً يعني : ما لم يقتل مؤمناً أو ذمياً أو معاهداً أو مستأمناً ، فهذه هي الدماء المحرمة ، وهي أربعة أصناف : دم المسلم ودم الذمي ، ودم المعاهد ، ودم المستأمن ، وأشدها وأعظمها دم المؤمن ، أما الكافر الحربي فهذا دمه غير حرام ، فإذا أصاب الإنسان دما حراماً فإنه يضيق عليه دينه ، أي : إن صدره يضيق به حتى يخرج منه ، والعياذ بالله ويموت كافراً . وهذا هو السر في قوله تعالى : ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً فهذه خمس عقوبات والعياذ بالله : جهنم ، خالد فيها ، وغضب الله عليه ، ولعنه ، وأعد له عذاباً عظيماً ، لمن قتل مؤمناً متعمداً ؛ لأنه إذا قتل مؤمناً متعمداً فقد أصاب دماً حراماً ، فيضيق عليه دينه ، ويضيق به صدره ، حتى ينسلخ من دينه بالكلية ، ويكون من أهل النار المخلدين فيها . وفي هذا : دليل على أن إصابة الدم الحرام من كبائر الذنوب ، ولا شك في هذا ، فإن قتل النفس التي حرم الله بغير حق من كبائر الذنوب . ولكن إذا تاب الإنسان من هذا القتل فهل تصح توبته ؟ جمهور العلماء على أن توبته تصح لعموم قوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فهنا نص على أن من تاب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وآمن وعمل عملاً صالحاً ، فإن الله يتوب عليه . وقال تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه الغفور الرحيم ولكن بماذا تكون التوبة ؟ قتل المؤمن عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق الحق الأول : حق الله ، الحق الثاني : حق المقتول ، الحق الثالث : حق أولياء المقتول . أما حق الله فإذا تاب منه تاب الله عليه ، ولا شك في هذا ، وأما حق المقتول : فالمقتول حقه عنده ، وهو قد قتل الآن ، ولا يمكن التحلل منه في الدنيا ، ولكن هل توبته تقضي أن يتحمل الله عنه حق المقتول فيؤديه عنه أم لابد من أخذه بالاقتصاص منه يوم القيامة ؟ هذا محل نظر ، فمن العلماء من قال إن حق المقتول لا يسقط بالتوبة ؛ لأن من شروط التوبة رد المظالم إلى أهلها ، والمقتول لا يمكن رد مظلمته إليه ؛ لأنه قتل ، فلابد أن يقتص من قاتله يوم القيامة ، ولكن ظاهر الآيات الكريمة التي ذكرناها في سورة الفرقان يقتضي أن الله يتوب عليه توبة تامة ، وأن الله جل وعلا إذا علم من عبده صدق التوبة فإنه يتحمل عنه حق أخيه المقتول . أما الحق الثالث فهو حق أولياء المقتول ، وهذا لابد من التخلص منه ؛ لأنه يمكن للإنسان أن يتخلص منه ، وذلك بأن يسلم نفسه إليهم ، ويقول لهم أنا قتلت صاحبكم ، فافعلوا ما شئتم ، وحينئذ يخيرون بين أمور أربعة : إما أن يعفوا عنه مجاناً وأما أن يقتلوه قصاصاً ، وإما أن يأخذوا الدية منه ، وإما أن يصالحوه مصالحة على أقل من الدية أو على الدية ، هذا جائز بالاتفاق . فإن لم يسقط حقهم إلا بأكثر من الدية ففيه خلاف بين العلم ، منهم من يقول : لا بأس أن يصالحوا على أكثر من الدية ؛ لأن الحق لهم ، فإن شاءوا قالوا : نقتل وإن شاءوا قالوا : لا نعفو إلا بعشر ديات ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، أنه يجوز المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية ، والتعليل هو ما ذكرنا من أن الحق لهم ، أي : لأولياء المقتول فلهم أن يمتنعوا عن إسقاطه إلا بما تطيب به نفوسهم من المال . إذن نقول : توبة القاتل عمداً تصح للآية التي ذكرناها ، من سورة الفرقان ، وهي خاصة في القتل ، وللآية الثانية العامة : إن الله يغفر الذنوب جميعاً وهذا الحديث يدل على عظم قتل النفس ، وأنه من أكبر الكبائر ، والعياذ بالله ، وأن القاتل عمداً يخشى أن يسلب دينه .
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - في باب تحريم الظلم ووجوب التحلل منه ، قال فيما نقله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله ، قال : لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ، لا يزال المؤمن في فسحة أي : في سعة من دينه # ، ما لم يصب دماً حراماً يعني : ما لم يقتل مؤمناً أو ذمياً أو معاهداً أو مستأمناً ، فهذه هي الدماء المحرمة ، وهي أربعة أصناف : دم المسلم ودم الذمي ، ودم المعاهد ، ودم المستأمن ، وأشدها وأعظمها دم المؤمن ، أما الكافر الحربي فهذا دمه غير حرام ، فإذا أصاب الإنسان دما حراماً فإنه يضيق عليه دينه ، أي : إن صدره يضيق به حتى يخرج منه ، والعياذ بالله ويموت كافراً . وهذا هو السر في قوله تعالى : ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً فهذه خمس عقوبات والعياذ بالله : جهنم ، خالد فيها ، وغضب الله عليه ، ولعنه ، وأعد له عذاباً عظيماً ، لمن قتل مؤمناً متعمداً ؛ لأنه إذا قتل مؤمناً متعمداً فقد أصاب دماً حراماً ، فيضيق عليه دينه ، ويضيق به صدره ، حتى ينسلخ من دينه بالكلية ، ويكون من أهل النار المخلدين فيها . وفي هذا : دليل على أن إصابة الدم الحرام من كبائر الذنوب ، ولا شك في هذا ، فإن قتل النفس التي حرم الله بغير حق من كبائر الذنوب . ولكن إذا تاب الإنسان من هذا القتل فهل تصح توبته ؟ جمهور العلماء على أن توبته تصح لعموم قوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فهنا نص على أن من تاب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وآمن وعمل عملاً صالحاً ، فإن الله يتوب عليه . وقال تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه الغفور الرحيم ولكن بماذا تكون التوبة ؟ قتل المؤمن عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق الحق الأول : حق الله ، الحق الثاني : حق المقتول ، الحق الثالث : حق أولياء المقتول . أما حق الله فإذا تاب منه تاب الله عليه ، ولا شك في هذا ، وأما حق المقتول : فالمقتول حقه عنده ، وهو قد قتل الآن ، ولا يمكن التحلل منه في الدنيا ، ولكن هل توبته تقضي أن يتحمل الله عنه حق المقتول فيؤديه عنه أم لابد من أخذه بالاقتصاص منه يوم القيامة ؟ هذا محل نظر ، فمن العلماء من قال إن حق المقتول لا يسقط بالتوبة ؛ لأن من شروط التوبة رد المظالم إلى أهلها ، والمقتول لا يمكن رد مظلمته إليه ؛ لأنه قتل ، فلابد أن يقتص من قاتله يوم القيامة ، ولكن ظاهر الآيات الكريمة التي ذكرناها في سورة الفرقان يقتضي أن الله يتوب عليه توبة تامة ، وأن الله جل وعلا إذا علم من عبده صدق التوبة فإنه يتحمل عنه حق أخيه المقتول . أما الحق الثالث فهو حق أولياء المقتول ، وهذا لابد من التخلص منه ؛ لأنه يمكن للإنسان أن يتخلص منه ، وذلك بأن يسلم نفسه إليهم ، ويقول لهم أنا قتلت صاحبكم ، فافعلوا ما شئتم ، وحينئذ يخيرون بين أمور أربعة : إما أن يعفوا عنه مجاناً وأما أن يقتلوه قصاصاً ، وإما أن يأخذوا الدية منه ، وإما أن يصالحوه مصالحة على أقل من الدية أو على الدية ، هذا جائز بالاتفاق . فإن لم يسقط حقهم إلا بأكثر من الدية ففيه خلاف بين العلم ، منهم من يقول : لا بأس أن يصالحوا على أكثر من الدية ؛ لأن الحق لهم ، فإن شاءوا قالوا : نقتل وإن شاءوا قالوا : لا نعفو إلا بعشر ديات ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، أنه يجوز المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية ، والتعليل هو ما ذكرنا من أن الحق لهم ، أي : لأولياء المقتول فلهم أن يمتنعوا عن إسقاطه إلا بما تطيب به نفوسهم من المال . إذن نقول : توبة القاتل عمداً تصح للآية التي ذكرناها ، من سورة الفرقان ، وهي خاصة في القتل ، وللآية الثانية العامة : إن الله يغفر الذنوب جميعاً وهذا الحديث يدل على عظم قتل النفس ، وأنه من أكبر الكبائر ، والعياذ بالله ، وأن القاتل عمداً يخشى أن يسلب دينه .