حفلت حياة المشركين في الجاهلية الأولى بكثير من العادات التي اتسمت بالسطحية والسذاجة، وذلك نظراً لافتقادهم المصدر الإلهي الذي يهتدون بهديه، ويستضيئون بنوره، بعيداً عن منطق الخرافة، الذي سيطر على عقولهم، وحجبها عن التفكير الصحيح، فلما جاء الإسلام بين لهم خرافة هذه العادات، وأنها قائمة على الأوهام التي يلقيها الدجالون والمشعوذون .
فنهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عنها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئاً، وأن الحافظ الضارَّ النافعَ هو الله سبحانه، وأن تلك العادات التي يمارسونها لا تجلب لهم نفعاً، ولا تدفع عنهم ضراً .
وسوف نستعرض بعض تلك العادات، وحكم الإسلام فيها:
الطيرة
هي عادة جاهلية قديمة ملخصها أن المشرك إذا أراد السفر بكّر إلى أوكار الطير فهيَّجها، فإن ذهبت عن يمينه تيامن واستبشر ومضى في سفره، وإن ذهبت عن شماله تشائم، ورده ذلك عن إمضاء أمره، ثم أُطلِق اللفظ على كل أمر يتوهم أنه سبب في لحاق الشر والضر فأصبح مرادفاً للتشاؤم، كالتشاؤم برؤية الأعمى، أو النعل المقلوب، وكالتشاؤم بسماع رقم سبعة، أو بيوم الأربعاء، أو الجمعة، وغير ذلك من الخرافات التي لا تليق بالمسلم .
وعادة التطير عادة موغلة في القدم، استخدمها أعداء الرسل في رد دعوة الحق والهدى بدعوى أنها سبب لحلول المصائب والبلايا، فقد تشاءم قوم صالح بنبيهم – عليه السلام – حيث قالوا له: {اطَّيرنا بك وبمن معك }(النمل:47) . أي تشاءمنا بك وبمن اتبعك .
وتطيّر فرعونُ وقومه بموسى – عليه السلام – ومن معه، قال تعالى: { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه }(الأعراف: 131 ).
وتطير أصحاب القرية برسل الله عز وجل حيث قالوا لهم: { قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم }(يس:18).
وكان الرد عليهم جميعاً: أن ما حلَّ بكم من شر وبلاء إنما هو بسبب كفركم وعنادكم واستكباركم، ولا يخرج عن قضاء الله وحكمته وعدله، قال تعالى: { ألا إنما طائرهم عند الله }(الأعراف: 131).
وقد بُعث – صلى الله عليه وسلم - والناس على هذه العادة، بل ربما أسلم بعضهم وبقيت هذه العادة ضمن رواسب ومخلفات الجاهلية التي علقت بالنفوس، فوقف منها – صلى الله عليه وسلم – موقفاً حاسماً، ونفى وجود أي تأثير لحركة الطير في فعل الإنسان سلباً أو إيجاباً، فقال – عليه الصلاة والسلام - : ( لا طيرة ) متفق عليه . أي: لا حقيقة لما يعتقده المشركون من أن لحركة الطير تأثيراً، فكل ذلك من خرافات الجاهلية وأوهامها .
وبيّن أن التطير نوع من الشرك، فقال – عليه الصلاة والسلام - : ( الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك ) رواه أبو داود وفي رواية لأحمد : ( من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك ) .
وبيّن أن التطير ليس من أخلاق أهل الإسلام، فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( ليس منا من تطير، أو تُطيِّر له ) رواه البزار والطبراني .
كل هذه الأحاديث تبين حرمة الطيرة وعظيم خطرها وأنها من الشرك ، إلا أن حكمها يختلف بحسب اعتقاد المتطير، فإن اعتقد المتطير تأثير الطيرة بنفسها دون تقدير الله سبحانه كان هذا من الشرك الأكبر المخرج من الإسلام ، وأما إن اعتقد أن حركة الطير مجرد سبب لجلب الخيرودفع الشر فيكون شركاً أصغر لا يخرج من الإسلام ، وذلك لأنه أثبت سببا لم يثبت تأثيره شرعا ولا قدراً .
ومن مفاسد الطيرة أنها تفسد القلب بتعلقه بغير الله، وتضعف يقين العبد بربه، وتفتح أبواب الخوف من المخلوق، ولا يخفى أثر ذلك على توحيد المرء وإيمانه.
علاج التطير
وعلاج التطير يكمن في حسن التوكل على الله سبحانه، والإيمان بقضائه وقدره، وصلاة الاستخارة قبل الشروع في الأمر، والاستعاذة بالله تعالى إذا عرض للعبد شعور بالتطير، وألا يلتفت إليه، وإذا وقع في نفسه شيء من ذلك رده بالدعاء النبوي : ( اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك ) رواه أحمد .
التفاؤل
وفي مقابل هذه العادة السيئة تأتي عادة حسنة دعا إليها الإسلام، وهي التفاؤل، فقد كان – صلى الله عليه وسلم – ( يعجبه الفأل ) رواه أحمد . ( إذا خرج من بيته يحب أن يسمع: يا راشد يا نجيح ) رواه الترمذي وصححه .
والفرق بين الطيرة والتفاؤل أن التفاؤل يبعث في النفس الرجاء في عطاء الله وتيسيره، فيقوى عزمه، ويتجدد أمله في نجاح مقصوده، ويحمله التفاؤل على صدق الاستعانة بالله، وحسن التوكل عليه، فلا يعدو سماع الكلمة الطيبة أن يكون محركاً وباعثاً للأمل، أما التشاؤم أو التطير فعلى خلاف ذلك إذ يجعل المرء متردداً، ضعيفاً في توكله وإيمانه، جاعلاً من قلبه مجالاً خصباً للوسواس والأوهام .
الرقى الجاهلية
وهي من عادات المشركين التي تتعلق بطرق العلاج والاستشفاء من الأمراض، حيث يعمد المشرك إلى الجن وعزائم السحر والشعوذة طلباً للشفاء من أمراضه وآلامه، فجاء الإسلام وأبطل تلك الرقى والاعتقادات الجاهلية وردَّ الأمور إلى أسبابها الشرعية والحسية، وأوضح بطلان هذه الطرق التي هي أقرب إلى الشعوذة منها إلى طرق العلاج، فقال – عليه الصلاة والسلام - : ( اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن شركاً ) رواه مسلم ، فبيّن – صلى الله عليه وسلم – أن أي سبيل للتطبب والعلاج يجب أن يكون خالياً من أيّ معنىً شركي .
ولم يكتف الشارع الحكيم بتحريم جانب الشرك والخرافة في الرقى، وإنما أبدل المسلمين خيراً منها من الرقى الشرعية النافعة، بالأدعية والأذكار المأثورة، فكان – صلى الله عليه وسلم – إذا أتى مريضاً أو أُتي به إليه، قال: ( اللهم رب الناس اذهب الباس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر إلا سقماً ) متفق عليه، وفي حديث آخر عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه – أنه شكا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) رواه مسلم .
شروط الرقية الشرعية
وبين العلماء الشروط الواجب توفرها في الرقية الشرعية، وهي: أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته، وأن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه، وأن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى .
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" : " أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله، أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى " .
التمائم
التمائم جمع تميمة، وهي خرز أو قلائد تعلق في الرقبة، كان العرب يعتقدون تأثيرها في دفع العين والآفات، فجاء الإسلام وبين أن الذي يكشف الضر هو الله وحده، وأن تعليق التمائم ليس سبباً وطريقا للعلاج والتداوي ، بل إنها تضعف التوحيد والتوكل إن لم تذهبهما ، قال - عليه الصلاة والسلام – ( من تعلق شيئاً وكل إليه ) رواه أحمد والترمذي في إشارة إلى تخلي عون الله وتأييده عن كل من علق تميمة .
وأبان الإسلام أيضاً أن تعليق التمائم لا ترفع مرضاً ولا تدفعه، وإنما تزيد صاحبها وهنا وضعفاً، ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى على عضد رجل حلقة من نحاس فقال: ( ويحك ما هذا ؟ قال: من الواهنة – نوع من الأوجاع يصيب المنكب واليد – قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهناً، انبذها عنك فإنك لو متَّ وهي عليك ما أفلحت أبداً ) رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي .
وما ذاك إلا لأن الإنسان يستغني بهذه الحلقة أو الخيط عن طلب العلاج والاستشفاء بالأسباب الشرعية والطبية فيزيد مرضه ويعظم ألمه .
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل دعا – عليه الصلاة والسلام – على من علّق تميمة ألا يتم الله أمره، معاملة له بنقيض قصده، فإنه لما أراد إتمام أمره بمخالفة الشرع جعل الله أمره منقوصاً، فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ) رواه أحمد .
هذا إذا كان المُعلَق كلاماً شركياً أو مجهولاً، أما إن كان المُعلَق شيئا مكتوبا يجوز الاسترقاء به من القرآن والأدعية المأثورة فقد اختلف العلماء في جواز ذلك .
فقالت طائفة بجوازه، منهم أحمد في رواية، وحملوا أحاديث النهي عن التمائم على ما فيه شرك ونحوه من الرقى الممنوعة .
وقالت طائفة أخرى: بعدم الجواز، ومنهم جمع من التابعين. قال إبراهيم النخعي: " كانوا – يعني أصحاب ابن مسعود يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغيره " لعموم النهي عن التمائم، وسداً للذريعة، لأن تعليقه يفضي إلى تعليق غيره، ولأنه إذا عُلّق فربما تعرض للامتهان، بحمله معه في قضاء الحاجة، والاستنجاء ونحو ذلك، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يثبت عنه أنه كتب شيئاً من القرآن وعلَّقه، وإنما كان هديه في الرقية الشرعية أن يتلو آيات القرآن على نفسه، أو على المريض استشفاء، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم - .
العدوى والهامة والصفر
والعدوى: هي انتقال المرض من شخص لآخر، حيث كان من اعتقاد العرب الجاهليين أن المرض ينتقل من شخص لآخر بطبعه لا بفعل الله تعالى وتقديره، فنفى النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا الاعتقاد بقوله: ( لا عدوى ) وذلك؛ صيانة لجانب التوحيد، وتأكيداً على أن الأمور كلها تجري بأمر الله وقدره .
والهامة اُختُلفَ في تفسيرها، فقيل: كانت العرب تقول: إذا قُتل الرجل ولم يُؤخذ بثأره، خرجت من رأسه دودة، فتدور حول قبره، تقول: اسقوني، اسقوني، فإن أُدرِك بثأره ذهبت، وإلا بقيت. وقيل: كانوا يتشاءمون بالبومة إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نعت إلي نفسي، أو أحداً من أهل داري . فنفى النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك كله بقوله: ( لا هامة ).
وأما الصَفَرُ: فالمراد به ما كان يعتقده العرب في جاهليتهم من أن في البطن دابة تهيج عند الجوع، وربما قتلت صاحبها، وكانوا يرون أنها أعدى من الجرب، وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يتشاءمون بشهر صفر، فنفى النبي – صلى الله عليه وسلم – هذه الاعتقادات وأبطلها، بقوله: ( لا صفر ) أي: لا صحة لما تعتقدونه من ذلك .
الغول والاستسقاء بالنجوم
أما الغول فهو واحد الغيلان وهي نوع من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أنها تتراءى للناس في الصحاري، وتتشكل لهم في صور شتى، فتضل الناس وتهلكهم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: ( لا غول ) رواه أبو داود .
وأما الاستسقاء بالنجوم فكانت العرب يقولون عند نزول المطر: مطرنا بنوء كذا، أي بنجم كذا، معتقدين أن الكواكب فاعلة مدبرة منشئة للمطر بنفسها، فأبطل النبي هذا الاعتقاد، وبين أنه من الكفر بالله، فعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي، ومؤمن بالكوكب ) متفق عليه .
تلك كانت بعض عادات العرب في الجاهلية والتي جاء الإسلام وأبطلها، وهي اعتقادات مبنية على الجهل والخرافة، فكان إبطال الإسلام لها دليل على عظمته، وفضله في إنارة العقول، وجلاء الأفهام، وتكريم البشرية بإبعادها عن كل طريق يستبعد في العقل، وتتسلط فيه الأوهام على السلوك والمعتقدات .
فنهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عنها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئاً، وأن الحافظ الضارَّ النافعَ هو الله سبحانه، وأن تلك العادات التي يمارسونها لا تجلب لهم نفعاً، ولا تدفع عنهم ضراً .
وسوف نستعرض بعض تلك العادات، وحكم الإسلام فيها:
الطيرة
هي عادة جاهلية قديمة ملخصها أن المشرك إذا أراد السفر بكّر إلى أوكار الطير فهيَّجها، فإن ذهبت عن يمينه تيامن واستبشر ومضى في سفره، وإن ذهبت عن شماله تشائم، ورده ذلك عن إمضاء أمره، ثم أُطلِق اللفظ على كل أمر يتوهم أنه سبب في لحاق الشر والضر فأصبح مرادفاً للتشاؤم، كالتشاؤم برؤية الأعمى، أو النعل المقلوب، وكالتشاؤم بسماع رقم سبعة، أو بيوم الأربعاء، أو الجمعة، وغير ذلك من الخرافات التي لا تليق بالمسلم .
وعادة التطير عادة موغلة في القدم، استخدمها أعداء الرسل في رد دعوة الحق والهدى بدعوى أنها سبب لحلول المصائب والبلايا، فقد تشاءم قوم صالح بنبيهم – عليه السلام – حيث قالوا له: {اطَّيرنا بك وبمن معك }(النمل:47) . أي تشاءمنا بك وبمن اتبعك .
وتطيّر فرعونُ وقومه بموسى – عليه السلام – ومن معه، قال تعالى: { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه }(الأعراف: 131 ).
وتطير أصحاب القرية برسل الله عز وجل حيث قالوا لهم: { قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم }(يس:18).
وكان الرد عليهم جميعاً: أن ما حلَّ بكم من شر وبلاء إنما هو بسبب كفركم وعنادكم واستكباركم، ولا يخرج عن قضاء الله وحكمته وعدله، قال تعالى: { ألا إنما طائرهم عند الله }(الأعراف: 131).
وقد بُعث – صلى الله عليه وسلم - والناس على هذه العادة، بل ربما أسلم بعضهم وبقيت هذه العادة ضمن رواسب ومخلفات الجاهلية التي علقت بالنفوس، فوقف منها – صلى الله عليه وسلم – موقفاً حاسماً، ونفى وجود أي تأثير لحركة الطير في فعل الإنسان سلباً أو إيجاباً، فقال – عليه الصلاة والسلام - : ( لا طيرة ) متفق عليه . أي: لا حقيقة لما يعتقده المشركون من أن لحركة الطير تأثيراً، فكل ذلك من خرافات الجاهلية وأوهامها .
وبيّن أن التطير نوع من الشرك، فقال – عليه الصلاة والسلام - : ( الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك ) رواه أبو داود وفي رواية لأحمد : ( من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك ) .
وبيّن أن التطير ليس من أخلاق أهل الإسلام، فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( ليس منا من تطير، أو تُطيِّر له ) رواه البزار والطبراني .
كل هذه الأحاديث تبين حرمة الطيرة وعظيم خطرها وأنها من الشرك ، إلا أن حكمها يختلف بحسب اعتقاد المتطير، فإن اعتقد المتطير تأثير الطيرة بنفسها دون تقدير الله سبحانه كان هذا من الشرك الأكبر المخرج من الإسلام ، وأما إن اعتقد أن حركة الطير مجرد سبب لجلب الخيرودفع الشر فيكون شركاً أصغر لا يخرج من الإسلام ، وذلك لأنه أثبت سببا لم يثبت تأثيره شرعا ولا قدراً .
ومن مفاسد الطيرة أنها تفسد القلب بتعلقه بغير الله، وتضعف يقين العبد بربه، وتفتح أبواب الخوف من المخلوق، ولا يخفى أثر ذلك على توحيد المرء وإيمانه.
علاج التطير
وعلاج التطير يكمن في حسن التوكل على الله سبحانه، والإيمان بقضائه وقدره، وصلاة الاستخارة قبل الشروع في الأمر، والاستعاذة بالله تعالى إذا عرض للعبد شعور بالتطير، وألا يلتفت إليه، وإذا وقع في نفسه شيء من ذلك رده بالدعاء النبوي : ( اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك ) رواه أحمد .
التفاؤل
وفي مقابل هذه العادة السيئة تأتي عادة حسنة دعا إليها الإسلام، وهي التفاؤل، فقد كان – صلى الله عليه وسلم – ( يعجبه الفأل ) رواه أحمد . ( إذا خرج من بيته يحب أن يسمع: يا راشد يا نجيح ) رواه الترمذي وصححه .
والفرق بين الطيرة والتفاؤل أن التفاؤل يبعث في النفس الرجاء في عطاء الله وتيسيره، فيقوى عزمه، ويتجدد أمله في نجاح مقصوده، ويحمله التفاؤل على صدق الاستعانة بالله، وحسن التوكل عليه، فلا يعدو سماع الكلمة الطيبة أن يكون محركاً وباعثاً للأمل، أما التشاؤم أو التطير فعلى خلاف ذلك إذ يجعل المرء متردداً، ضعيفاً في توكله وإيمانه، جاعلاً من قلبه مجالاً خصباً للوسواس والأوهام .
الرقى الجاهلية
وهي من عادات المشركين التي تتعلق بطرق العلاج والاستشفاء من الأمراض، حيث يعمد المشرك إلى الجن وعزائم السحر والشعوذة طلباً للشفاء من أمراضه وآلامه، فجاء الإسلام وأبطل تلك الرقى والاعتقادات الجاهلية وردَّ الأمور إلى أسبابها الشرعية والحسية، وأوضح بطلان هذه الطرق التي هي أقرب إلى الشعوذة منها إلى طرق العلاج، فقال – عليه الصلاة والسلام - : ( اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن شركاً ) رواه مسلم ، فبيّن – صلى الله عليه وسلم – أن أي سبيل للتطبب والعلاج يجب أن يكون خالياً من أيّ معنىً شركي .
ولم يكتف الشارع الحكيم بتحريم جانب الشرك والخرافة في الرقى، وإنما أبدل المسلمين خيراً منها من الرقى الشرعية النافعة، بالأدعية والأذكار المأثورة، فكان – صلى الله عليه وسلم – إذا أتى مريضاً أو أُتي به إليه، قال: ( اللهم رب الناس اذهب الباس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر إلا سقماً ) متفق عليه، وفي حديث آخر عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه – أنه شكا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) رواه مسلم .
شروط الرقية الشرعية
وبين العلماء الشروط الواجب توفرها في الرقية الشرعية، وهي: أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته، وأن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه، وأن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى .
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" : " أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله، أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى " .
التمائم
التمائم جمع تميمة، وهي خرز أو قلائد تعلق في الرقبة، كان العرب يعتقدون تأثيرها في دفع العين والآفات، فجاء الإسلام وبين أن الذي يكشف الضر هو الله وحده، وأن تعليق التمائم ليس سبباً وطريقا للعلاج والتداوي ، بل إنها تضعف التوحيد والتوكل إن لم تذهبهما ، قال - عليه الصلاة والسلام – ( من تعلق شيئاً وكل إليه ) رواه أحمد والترمذي في إشارة إلى تخلي عون الله وتأييده عن كل من علق تميمة .
وأبان الإسلام أيضاً أن تعليق التمائم لا ترفع مرضاً ولا تدفعه، وإنما تزيد صاحبها وهنا وضعفاً، ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى على عضد رجل حلقة من نحاس فقال: ( ويحك ما هذا ؟ قال: من الواهنة – نوع من الأوجاع يصيب المنكب واليد – قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهناً، انبذها عنك فإنك لو متَّ وهي عليك ما أفلحت أبداً ) رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي .
وما ذاك إلا لأن الإنسان يستغني بهذه الحلقة أو الخيط عن طلب العلاج والاستشفاء بالأسباب الشرعية والطبية فيزيد مرضه ويعظم ألمه .
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل دعا – عليه الصلاة والسلام – على من علّق تميمة ألا يتم الله أمره، معاملة له بنقيض قصده، فإنه لما أراد إتمام أمره بمخالفة الشرع جعل الله أمره منقوصاً، فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ) رواه أحمد .
هذا إذا كان المُعلَق كلاماً شركياً أو مجهولاً، أما إن كان المُعلَق شيئا مكتوبا يجوز الاسترقاء به من القرآن والأدعية المأثورة فقد اختلف العلماء في جواز ذلك .
فقالت طائفة بجوازه، منهم أحمد في رواية، وحملوا أحاديث النهي عن التمائم على ما فيه شرك ونحوه من الرقى الممنوعة .
وقالت طائفة أخرى: بعدم الجواز، ومنهم جمع من التابعين. قال إبراهيم النخعي: " كانوا – يعني أصحاب ابن مسعود يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغيره " لعموم النهي عن التمائم، وسداً للذريعة، لأن تعليقه يفضي إلى تعليق غيره، ولأنه إذا عُلّق فربما تعرض للامتهان، بحمله معه في قضاء الحاجة، والاستنجاء ونحو ذلك، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يثبت عنه أنه كتب شيئاً من القرآن وعلَّقه، وإنما كان هديه في الرقية الشرعية أن يتلو آيات القرآن على نفسه، أو على المريض استشفاء، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم - .
العدوى والهامة والصفر
والعدوى: هي انتقال المرض من شخص لآخر، حيث كان من اعتقاد العرب الجاهليين أن المرض ينتقل من شخص لآخر بطبعه لا بفعل الله تعالى وتقديره، فنفى النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا الاعتقاد بقوله: ( لا عدوى ) وذلك؛ صيانة لجانب التوحيد، وتأكيداً على أن الأمور كلها تجري بأمر الله وقدره .
والهامة اُختُلفَ في تفسيرها، فقيل: كانت العرب تقول: إذا قُتل الرجل ولم يُؤخذ بثأره، خرجت من رأسه دودة، فتدور حول قبره، تقول: اسقوني، اسقوني، فإن أُدرِك بثأره ذهبت، وإلا بقيت. وقيل: كانوا يتشاءمون بالبومة إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نعت إلي نفسي، أو أحداً من أهل داري . فنفى النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك كله بقوله: ( لا هامة ).
وأما الصَفَرُ: فالمراد به ما كان يعتقده العرب في جاهليتهم من أن في البطن دابة تهيج عند الجوع، وربما قتلت صاحبها، وكانوا يرون أنها أعدى من الجرب، وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يتشاءمون بشهر صفر، فنفى النبي – صلى الله عليه وسلم – هذه الاعتقادات وأبطلها، بقوله: ( لا صفر ) أي: لا صحة لما تعتقدونه من ذلك .
الغول والاستسقاء بالنجوم
أما الغول فهو واحد الغيلان وهي نوع من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أنها تتراءى للناس في الصحاري، وتتشكل لهم في صور شتى، فتضل الناس وتهلكهم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: ( لا غول ) رواه أبو داود .
وأما الاستسقاء بالنجوم فكانت العرب يقولون عند نزول المطر: مطرنا بنوء كذا، أي بنجم كذا، معتقدين أن الكواكب فاعلة مدبرة منشئة للمطر بنفسها، فأبطل النبي هذا الاعتقاد، وبين أنه من الكفر بالله، فعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي، ومؤمن بالكوكب ) متفق عليه .
تلك كانت بعض عادات العرب في الجاهلية والتي جاء الإسلام وأبطلها، وهي اعتقادات مبنية على الجهل والخرافة، فكان إبطال الإسلام لها دليل على عظمته، وفضله في إنارة العقول، وجلاء الأفهام، وتكريم البشرية بإبعادها عن كل طريق يستبعد في العقل، وتتسلط فيه الأوهام على السلوك والمعتقدات .