مما لا شك فيه أن الأخلاق منها ما هو فطري، ومنها ما هو مكتسب،فما من إنسان عاقل إلا لديه قدرة على اكتساب مقدار ما من الفضائل،وفي حدود هذا المقدار الذي يستطيعه يكون تكليفه، وتكون مسؤوليته، ثم في حدود هذا المقدار تكون محاسبته ومجازاته.
وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة، أن الأخلاق لا يتصور تغييرها، كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر.
والجواب: أنه لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى، وكيف ينكر تغيير الأخلاق ونحن نرى الصيد الوحشي يستأنس، والكلب يعلم ترك الأكل، والفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد، إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح، وبعضها مستصعبة.
وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، وأما قمعها بالكلية فلا، كيف والشهوة إنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة، ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه، وقد قال الله تعالى : {أشداء على الكفار} [الفتح: 29] ولا تصدر الشدة إلا عن الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقال تعالى :{والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] ولم يقل : الفاقدين الغيظ. وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والتقلل: قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} [ الأعراف: 31].
وإذا تقرر أن بعض الأخلاق تكتسب فإننا نستعرض هنا بعض الوسائل المفيدة لاكتساب الأخلاق الفاضلة، والمعاني السامية، ومن هذه الوسائل:
الوسيلة الأولى: التدريب العملي:
إن مثال النفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل بالتربية والغذاء، كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم.وكما أن البدن إذا كان صحيحاً، فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة، وإن كان مريضاً، فشأنه جلب الصحة إليه، كذلك النفس إذا كانت زكية طاهرة مهذبة الخلاق، فينبغي أن يسعى بحفظها وجلب مزيد القوة إليها، وإن كانت عديمة الكمال، فينبغي أن يسعى بجلب ذلك إليها.وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة وإن كانت من البرودة فبالحرارة، فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي من مرض القلب، علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالعلم، ومرض البخل بالسخاء، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهى.وكما أنه لابد من احتمال مرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة، فكذلك لابد من احتمال المجاهدة،والصبر على رياضة النفس حتى يحصل لها الكمال المنشود.
فإذا أراد الإنسان أن يكتسب خلقًا ما فإن بإمكانه أن يدرب نفسه عليه، ولو اقتضى الأمر التكلف في البداية ثم بمرور الوقت يصبح هذا الخلق عادة للشخص.
إن لدى النفس البشرية استعدادًا لاكتساب الخلق عن طريق التعود والتدريب: "إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم".
وقد روى البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيءٍ بيده: "ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر".
واعتماداً على هذا الاستعداد الفطري في النفوس لاكتساب الفضائل وردت الأوامر الشرعية بالتحلي بفضائل الأخلاق ومحاسنها، وورد النهي عن مساوئ الأخلاق ورذائلها.
ولنضرب مثالاً لاكتساب خلق عن طريق الرياضة والتدريب:
إذا رأى الإنسان من نفسه أنه كثير الكلام وأراد أن يكتسب فضيلة الصمت فليتعمد ألا يتكلم، إلا إذا طُلب منه الكلام، فإذا لم يُطلب منه سكت، وإذا طُلب منه تكلم بكلام قليل، قد يكون الأمر شاقًا في البدايات لكنه بمرور الوقت يصبح شيئاً هيناً ويصير عادة لصاحبه.
وهكذا جميع الأخلاق التي يمكن اكتسابها بالتدريب العملي يضع الواحد لنفسه منهجاً يعتمد على الوقت بحيث يبدأ في وقت معين بالتدريب على اكتساب فضيلة معينة، فإن رأى أنه قد تعود عليها واكتسبها انتقل إلى غيرها.
إننا نرى الرياضيين - مثلاً - يبدأون تدريباتهم بجرعات قليلة تتصاعد مع الوقت، وفي نهاية مدة معينة يكون قد وصل الواحد منهم إلى المستوى المطلوب من اللياقة البدنية، وهكذا الجنود وغيرهم.
والأخلاق كذلك تكتسب وتنمو بالتدريب العملي، وبمرور الوقت، فأسرع الناس استجابة لانفعالات الغضب يستطيع عن طريق التدريب أن يكتسب مقدارا ما من خلق الحلم. والمفطور على نسبة كبيرة من الجبن يستطيع عن طريق التدريب والتمرين والإرادة والتصميم أن يكتسب مقدارا ما من الشجاعة ..وهكذا.
وإذا كان واقع الأمر كما أسلفنا فليضع كلٌّ منا لنفسه هدفاً وبرنامجاً أخلاقيًّا يصبو إلى تحقيقه والوصول إليه، وليستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".وقوله:
"إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"
وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة، أن الأخلاق لا يتصور تغييرها، كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر.
والجواب: أنه لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى، وكيف ينكر تغيير الأخلاق ونحن نرى الصيد الوحشي يستأنس، والكلب يعلم ترك الأكل، والفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد، إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح، وبعضها مستصعبة.
وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، وأما قمعها بالكلية فلا، كيف والشهوة إنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة، ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه، وقد قال الله تعالى : {أشداء على الكفار} [الفتح: 29] ولا تصدر الشدة إلا عن الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقال تعالى :{والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] ولم يقل : الفاقدين الغيظ. وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والتقلل: قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} [ الأعراف: 31].
وإذا تقرر أن بعض الأخلاق تكتسب فإننا نستعرض هنا بعض الوسائل المفيدة لاكتساب الأخلاق الفاضلة، والمعاني السامية، ومن هذه الوسائل:
الوسيلة الأولى: التدريب العملي:
إن مثال النفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل بالتربية والغذاء، كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم.وكما أن البدن إذا كان صحيحاً، فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة، وإن كان مريضاً، فشأنه جلب الصحة إليه، كذلك النفس إذا كانت زكية طاهرة مهذبة الخلاق، فينبغي أن يسعى بحفظها وجلب مزيد القوة إليها، وإن كانت عديمة الكمال، فينبغي أن يسعى بجلب ذلك إليها.وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة وإن كانت من البرودة فبالحرارة، فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي من مرض القلب، علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالعلم، ومرض البخل بالسخاء، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهى.وكما أنه لابد من احتمال مرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة، فكذلك لابد من احتمال المجاهدة،والصبر على رياضة النفس حتى يحصل لها الكمال المنشود.
فإذا أراد الإنسان أن يكتسب خلقًا ما فإن بإمكانه أن يدرب نفسه عليه، ولو اقتضى الأمر التكلف في البداية ثم بمرور الوقت يصبح هذا الخلق عادة للشخص.
إن لدى النفس البشرية استعدادًا لاكتساب الخلق عن طريق التعود والتدريب: "إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم".
وقد روى البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيءٍ بيده: "ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر".
واعتماداً على هذا الاستعداد الفطري في النفوس لاكتساب الفضائل وردت الأوامر الشرعية بالتحلي بفضائل الأخلاق ومحاسنها، وورد النهي عن مساوئ الأخلاق ورذائلها.
ولنضرب مثالاً لاكتساب خلق عن طريق الرياضة والتدريب:
إذا رأى الإنسان من نفسه أنه كثير الكلام وأراد أن يكتسب فضيلة الصمت فليتعمد ألا يتكلم، إلا إذا طُلب منه الكلام، فإذا لم يُطلب منه سكت، وإذا طُلب منه تكلم بكلام قليل، قد يكون الأمر شاقًا في البدايات لكنه بمرور الوقت يصبح شيئاً هيناً ويصير عادة لصاحبه.
وهكذا جميع الأخلاق التي يمكن اكتسابها بالتدريب العملي يضع الواحد لنفسه منهجاً يعتمد على الوقت بحيث يبدأ في وقت معين بالتدريب على اكتساب فضيلة معينة، فإن رأى أنه قد تعود عليها واكتسبها انتقل إلى غيرها.
إننا نرى الرياضيين - مثلاً - يبدأون تدريباتهم بجرعات قليلة تتصاعد مع الوقت، وفي نهاية مدة معينة يكون قد وصل الواحد منهم إلى المستوى المطلوب من اللياقة البدنية، وهكذا الجنود وغيرهم.
والأخلاق كذلك تكتسب وتنمو بالتدريب العملي، وبمرور الوقت، فأسرع الناس استجابة لانفعالات الغضب يستطيع عن طريق التدريب أن يكتسب مقدارا ما من خلق الحلم. والمفطور على نسبة كبيرة من الجبن يستطيع عن طريق التدريب والتمرين والإرادة والتصميم أن يكتسب مقدارا ما من الشجاعة ..وهكذا.
وإذا كان واقع الأمر كما أسلفنا فليضع كلٌّ منا لنفسه هدفاً وبرنامجاً أخلاقيًّا يصبو إلى تحقيقه والوصول إليه، وليستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".وقوله:
"إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"