[right]تعرضنا في مقالين سابقين لمعنى التفريط في عمل اليوم والليلة ، وذكرنا شيئا من أسباب ذلك التفريط ، وفي مقالنا اليوم نتحدث عن أهم الآثار المترتبة على هذه الآفة على الفرد والجماعة وكذا على العمل الإسلامي نفسه.
أ- آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العاملين :
من آثار التفريط في عمل اليوم والليلة على العاملين :
1- الاضطراب و القلق النفسي :
ذلك أن غذاء القلب وراحة النفس وسمو الروح إنما يكون في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وعليه فإن من فرَّط في عمل اليوم و الليلة ، فقد قطع عن القلب غذاءه ودواءه ومصدر سعادته وطمأنينته ، وتكون النتيجة القلق والاضطراب النفسي وصدق الله العظيم: { ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً } ، { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً } .
2- القعود عن أداء الواجب أو على الأقل الفتور :
وذلك أن زاد المسلم على الطريق إنما هو في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فقد بقى بغير زاد ، ومثل هذا تنتهي به الحال إلى القعود عن أداء الواجب ، أو على الأقل الفتور ، وذلك فيه من الخطورة و الضرر ما فيه ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال :( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، وإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) .
3- الجرأة على المعصية :
وذلك أن الطاعة الحقة بمثابة حاجز يحول بين الإنسان وبين المعصية { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر ولذكر الله أكبر } وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن فلاناً يصلى بالليل فإذا أصبح سرق ، فقال :" إنه سينهاه ما تقول " ، وعليه فإنه إذا فرط فيها وضيعها أو أداها بشكلها لا بجوهرها وحقيقتها ، فقد هدم هذا الحاجز وصارت الطريق مفتوحة أمامه للوقوع في المعاصي و السيئات ، بصورة فيها جرأة أو لا مبالاة ، ولعل هذا هو ما يشير إليه قول ابن عباس :" من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر ،لم يزد بصلاته من الله إلا بعداً ".
4- الضعف أو الانهيار البدني :
وذلك أن المواظبة على عمل اليوم و الليلة تكسب الجسم مناعة وقدرة على التحمل ، كما قال - سبحانه - على لسان هود عليه السلام: { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم } ، وكما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة – رضي الله عنهما ، إذ قال علىّ : إن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه رقيق ، فلم تصادفه ، فذكرت ذلك لعائشة ، فلما جاء أخبرته ، قال : فجاءنا ، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال :" مكانكما " فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال :" ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ ، إذا أخذتما مضاجعكما ، أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم " ، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فسيعتاد الاسترخاء و النوم ، وذلك لا يعود على الجسد إلا بما فيه ضعفه وانهياره .
5- الحرمان من العون و التوفيق الإلهي :
وذلك أن عون الله وتوفيقه لا يظفر بهما العبد إلا إذا كان على صلة طيبة بربه تتجلى في المواظبة على عمل اليوم و الليلة: { إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون } ، { و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } ، وإذا حدث وفرَّط المسلم في هذا العمل ، فقد قطع نفسه عن ربه وحينئذٍ يحرم العون و التوفيق ، ولعل ذلك هو ما نفهمه من قوله سبحانه: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون }.
6- فقد الهيبة أو التأثير في الناس :
وذلك أن من فرط في عمل اليوم و الليلة فقد ضيع أعظم سلاح يؤثر به في الناس ، ويسبي قلوبهم ، وهذا بدهي لأنه بهذا التفريط ضيع منزلته عند ربه ، ومن ضاعت منزلته عند ربه فقد ضاعت منزلته عند الناس .
وقد أشار إلى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول :( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذٍ ؟ قال : بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) .
آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العمل الإسلامي :
ومن آثاره على العمل الإسلامي :
1- طول الطريق مع كثرة التكاليف :
ذلك أن عملاً يضيِّع المنتسبون إليه حق الله - تبارك وتعالى - عليهم ستطول به الطريق وتتضاعف عليه التكاليف وتحيط به المحن و الشدائد من كل ناحية ، لاسيما وأعداء الله ماضون في تنفيذ أساليبهم ومخططاتهم ، ولا يتوانون عن ذلك لحظة من ليل أو نهار ، وصدق الحق سبحانه حين قال على لسان نبي الله صالح عليه السلام: { ... فمن ينصرني من الله إن عصيته } .
2- عدم الثبات في ساعات المحن و الشدائد :
وذلك أن المحن بطبيعتها قاسية وشديدة ، لا يطيقها البشر بحولهم وقوتهم ، وإنما لابد لهم من العون و التأييد الإلهي ، وأنى لمن فرَّطوا في جنب الله أن يرزقهم الله تحملاً أو ثباتاً ، ولعل هذا هو المفهوم من قوله تعالى: { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ، { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس :( يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) .
علاج التفريط في عمل اليوم و الليلة :
وبعد هذا نستطيع علاج التفريط في عمل اليوم والليلة باتباع ما يلي :
1- معايشة الكتاب و السنة ففيهما صورة صادقة لثواب الطائعين ، وعقاب العاصين ، وماهية هذا الثواب ، وذلك العقاب بل فيهما تحريض على ملازمة الطاعة وترك المعصية ، من خلال التذكير باطلاع الله - سبحانه - وإحاطة علمه بكل شئ و الرجوع إليه و المساءلة بين يديه و الجزاء ، وحسب المسلم أن يقرأ هذه الآيات: { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ، أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } .
2- التحرر من المعاصي و السيئات لا سيما الصغائر فإنها سم قاتل ، ونار محرقة وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول :( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها ".
3 - التوسط في تعاطي المباحات لاسيما المطاعم و المشارب ، فإنها أساس كل بلية وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - :( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) .
4- إدراك دور المواظبة على عمل اليوم و الليلة في النجاح و القدرة على القيام بالأعباء و الواجبات ، فإن ذلك يحرر النفس من التفريط ويحملها على المواظبة و الملازمة .
5- تقدير النعمة وأنها لن تدوم إلا بالطاعات ، فإن ذلك يحرك النفوس المستقيمة للمواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وفاء بحق الله وطمعاً في الاستمرار و الزيادة .
6- محاولة التوفيق بين المواظبة على عمل اليوم و الليلة و القيام بالواجبات الأخرى :( إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ، فأعط لكل ذي حق حقه ) .
7- مجاهدة النفس وأخذها بالحزم و الشدة ، مع اتهامها بالتقصير ومع ترك التسويف ، ومع تمنيتها بأنها إن تعبت اليوم ، ستتمتع غداً بالنعيم المقيم ، وتتلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم .
8- تقدير العواقب والآثار المترتبة عل التفريط في عمل اليوم و الليلة ، فلعل ذلك يحرك القلوب وتنعكس هذه الحركة على الجوارح فتكون المواظبة على عمل اليوم و الليلة .
9- ملازمة الجماعة ، و العيش في وسط صالح مستقيم ، فإن ذلك يذكر بالله ويشحذ الهمم و العزائم ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أنبئكم بخياركم ؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : خياركم الذي إذا رُؤوا ذكر الله عز وجل ) .
10- الاستعانة التامة بالله - عز وجل - فإنه سبحانه يعين من استعان به ولجأ إلى حماه ولاذ بجنابه ، لاسيما في ساعات الاضطرار و الشدة: { وقال ربكم ادعونى استجب لكم } ، { أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون } .
11- إدراك أن الدنيا دار عمل وغرس وزراعة ، وغداً سيكون الحصاد ، ومعرفة النتائج ، ولئن ضاعت الدنيا بغير طاعة ، كانت الخسارة التي لا خسارة بعدها :{ ... إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } .
12- مواظبة ذوى الأسوة و القدوة على عمل اليوم و الليلة حتى لا يكونوا سبباً في فتنة وضياع غيرهم من الناس ، فيحتملون إثم أنفسهم وإثم اقتداء غيرهم بهم :( ... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ).
13- معايشة النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته ، وكيف كان يصوم النهار حتى يقال إنه لا يفطر ، ويقوم الليل حتى يقال إنه لا ينام ، ومثل ذلك كان يصنع في باقي الطاعات ، مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، إن هذه المعايشة تحمل كل مفرط في عمل اليوم و الليلة على المواظبة ، من منطلق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصنع ذلك ، وقد وعده الله المقام المحمود فكيف بمن لا يعرف عاقبته ، وهل سيكون في الجنة أم مع أهل النار ؟.
14- دوام النظر في سيرة وأخبار السلف ، فإنها مليئة بصور حية مشرقة في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، تحمل كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد على الاقتداء و التأسي ، أو على الأقل المحاكاة و التشبه .
15- تذكر الذنوب والآثام الماضية ، فإن ذلك يحمل على المواظبة في عمل اليوم و الليلة تداركاً لما فات ، وطمعاً في تكفير هذه الذنوب ، وتلك الآثام ، وخير ما يصدق ذلك موقف السحرة من تهديد فرعون حين خالطت حلاوة الإيمان قلوبهم وردهم عليه : { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض ، إنما تقضى هذه الحياة الدنيا ، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } .
16- تذكر أن الموت يأتي بغتة ، وإذا لم يأت بغتة فسيسبقه المرض ثم يكون الموت ، ويكون الندم ولكنه بعد فوات الأوان وضياع الفرصة.
أ- آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العاملين :
من آثار التفريط في عمل اليوم والليلة على العاملين :
1- الاضطراب و القلق النفسي :
ذلك أن غذاء القلب وراحة النفس وسمو الروح إنما يكون في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وعليه فإن من فرَّط في عمل اليوم و الليلة ، فقد قطع عن القلب غذاءه ودواءه ومصدر سعادته وطمأنينته ، وتكون النتيجة القلق والاضطراب النفسي وصدق الله العظيم: { ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً } ، { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً } .
2- القعود عن أداء الواجب أو على الأقل الفتور :
وذلك أن زاد المسلم على الطريق إنما هو في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فقد بقى بغير زاد ، ومثل هذا تنتهي به الحال إلى القعود عن أداء الواجب ، أو على الأقل الفتور ، وذلك فيه من الخطورة و الضرر ما فيه ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال :( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، وإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) .
3- الجرأة على المعصية :
وذلك أن الطاعة الحقة بمثابة حاجز يحول بين الإنسان وبين المعصية { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر ولذكر الله أكبر } وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن فلاناً يصلى بالليل فإذا أصبح سرق ، فقال :" إنه سينهاه ما تقول " ، وعليه فإنه إذا فرط فيها وضيعها أو أداها بشكلها لا بجوهرها وحقيقتها ، فقد هدم هذا الحاجز وصارت الطريق مفتوحة أمامه للوقوع في المعاصي و السيئات ، بصورة فيها جرأة أو لا مبالاة ، ولعل هذا هو ما يشير إليه قول ابن عباس :" من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر ،لم يزد بصلاته من الله إلا بعداً ".
4- الضعف أو الانهيار البدني :
وذلك أن المواظبة على عمل اليوم و الليلة تكسب الجسم مناعة وقدرة على التحمل ، كما قال - سبحانه - على لسان هود عليه السلام: { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم } ، وكما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة – رضي الله عنهما ، إذ قال علىّ : إن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه رقيق ، فلم تصادفه ، فذكرت ذلك لعائشة ، فلما جاء أخبرته ، قال : فجاءنا ، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال :" مكانكما " فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال :" ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ ، إذا أخذتما مضاجعكما ، أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم " ، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فسيعتاد الاسترخاء و النوم ، وذلك لا يعود على الجسد إلا بما فيه ضعفه وانهياره .
5- الحرمان من العون و التوفيق الإلهي :
وذلك أن عون الله وتوفيقه لا يظفر بهما العبد إلا إذا كان على صلة طيبة بربه تتجلى في المواظبة على عمل اليوم و الليلة: { إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون } ، { و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } ، وإذا حدث وفرَّط المسلم في هذا العمل ، فقد قطع نفسه عن ربه وحينئذٍ يحرم العون و التوفيق ، ولعل ذلك هو ما نفهمه من قوله سبحانه: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون }.
6- فقد الهيبة أو التأثير في الناس :
وذلك أن من فرط في عمل اليوم و الليلة فقد ضيع أعظم سلاح يؤثر به في الناس ، ويسبي قلوبهم ، وهذا بدهي لأنه بهذا التفريط ضيع منزلته عند ربه ، ومن ضاعت منزلته عند ربه فقد ضاعت منزلته عند الناس .
وقد أشار إلى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول :( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذٍ ؟ قال : بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) .
آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العمل الإسلامي :
ومن آثاره على العمل الإسلامي :
1- طول الطريق مع كثرة التكاليف :
ذلك أن عملاً يضيِّع المنتسبون إليه حق الله - تبارك وتعالى - عليهم ستطول به الطريق وتتضاعف عليه التكاليف وتحيط به المحن و الشدائد من كل ناحية ، لاسيما وأعداء الله ماضون في تنفيذ أساليبهم ومخططاتهم ، ولا يتوانون عن ذلك لحظة من ليل أو نهار ، وصدق الحق سبحانه حين قال على لسان نبي الله صالح عليه السلام: { ... فمن ينصرني من الله إن عصيته } .
2- عدم الثبات في ساعات المحن و الشدائد :
وذلك أن المحن بطبيعتها قاسية وشديدة ، لا يطيقها البشر بحولهم وقوتهم ، وإنما لابد لهم من العون و التأييد الإلهي ، وأنى لمن فرَّطوا في جنب الله أن يرزقهم الله تحملاً أو ثباتاً ، ولعل هذا هو المفهوم من قوله تعالى: { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ، { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس :( يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) .
علاج التفريط في عمل اليوم و الليلة :
وبعد هذا نستطيع علاج التفريط في عمل اليوم والليلة باتباع ما يلي :
1- معايشة الكتاب و السنة ففيهما صورة صادقة لثواب الطائعين ، وعقاب العاصين ، وماهية هذا الثواب ، وذلك العقاب بل فيهما تحريض على ملازمة الطاعة وترك المعصية ، من خلال التذكير باطلاع الله - سبحانه - وإحاطة علمه بكل شئ و الرجوع إليه و المساءلة بين يديه و الجزاء ، وحسب المسلم أن يقرأ هذه الآيات: { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ، أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } .
2- التحرر من المعاصي و السيئات لا سيما الصغائر فإنها سم قاتل ، ونار محرقة وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول :( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها ".
3 - التوسط في تعاطي المباحات لاسيما المطاعم و المشارب ، فإنها أساس كل بلية وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - :( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) .
4- إدراك دور المواظبة على عمل اليوم و الليلة في النجاح و القدرة على القيام بالأعباء و الواجبات ، فإن ذلك يحرر النفس من التفريط ويحملها على المواظبة و الملازمة .
5- تقدير النعمة وأنها لن تدوم إلا بالطاعات ، فإن ذلك يحرك النفوس المستقيمة للمواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وفاء بحق الله وطمعاً في الاستمرار و الزيادة .
6- محاولة التوفيق بين المواظبة على عمل اليوم و الليلة و القيام بالواجبات الأخرى :( إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ، فأعط لكل ذي حق حقه ) .
7- مجاهدة النفس وأخذها بالحزم و الشدة ، مع اتهامها بالتقصير ومع ترك التسويف ، ومع تمنيتها بأنها إن تعبت اليوم ، ستتمتع غداً بالنعيم المقيم ، وتتلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم .
8- تقدير العواقب والآثار المترتبة عل التفريط في عمل اليوم و الليلة ، فلعل ذلك يحرك القلوب وتنعكس هذه الحركة على الجوارح فتكون المواظبة على عمل اليوم و الليلة .
9- ملازمة الجماعة ، و العيش في وسط صالح مستقيم ، فإن ذلك يذكر بالله ويشحذ الهمم و العزائم ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أنبئكم بخياركم ؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : خياركم الذي إذا رُؤوا ذكر الله عز وجل ) .
10- الاستعانة التامة بالله - عز وجل - فإنه سبحانه يعين من استعان به ولجأ إلى حماه ولاذ بجنابه ، لاسيما في ساعات الاضطرار و الشدة: { وقال ربكم ادعونى استجب لكم } ، { أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون } .
11- إدراك أن الدنيا دار عمل وغرس وزراعة ، وغداً سيكون الحصاد ، ومعرفة النتائج ، ولئن ضاعت الدنيا بغير طاعة ، كانت الخسارة التي لا خسارة بعدها :{ ... إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } .
12- مواظبة ذوى الأسوة و القدوة على عمل اليوم و الليلة حتى لا يكونوا سبباً في فتنة وضياع غيرهم من الناس ، فيحتملون إثم أنفسهم وإثم اقتداء غيرهم بهم :( ... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ).
13- معايشة النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته ، وكيف كان يصوم النهار حتى يقال إنه لا يفطر ، ويقوم الليل حتى يقال إنه لا ينام ، ومثل ذلك كان يصنع في باقي الطاعات ، مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، إن هذه المعايشة تحمل كل مفرط في عمل اليوم و الليلة على المواظبة ، من منطلق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصنع ذلك ، وقد وعده الله المقام المحمود فكيف بمن لا يعرف عاقبته ، وهل سيكون في الجنة أم مع أهل النار ؟.
14- دوام النظر في سيرة وأخبار السلف ، فإنها مليئة بصور حية مشرقة في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، تحمل كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد على الاقتداء و التأسي ، أو على الأقل المحاكاة و التشبه .
15- تذكر الذنوب والآثام الماضية ، فإن ذلك يحمل على المواظبة في عمل اليوم و الليلة تداركاً لما فات ، وطمعاً في تكفير هذه الذنوب ، وتلك الآثام ، وخير ما يصدق ذلك موقف السحرة من تهديد فرعون حين خالطت حلاوة الإيمان قلوبهم وردهم عليه : { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض ، إنما تقضى هذه الحياة الدنيا ، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } .
16- تذكر أن الموت يأتي بغتة ، وإذا لم يأت بغتة فسيسبقه المرض ثم يكون الموت ، ويكون الندم ولكنه بعد فوات الأوان وضياع الفرصة.