نزول الوحي علي النبي (ص)
في جبل حراء الذي يقع شمال مكّة، ويستغرق الصعود إليه مدّة نصف ساعة،
ويتكوّن من قطع صخرية لا أثر للحياة فيها. غار يقع في شمال الجبل، وهو
يحكي ذكريات رجل طالما تردّد عليه وقضى الساعات والاَيّام والاَشهر في
رحابه، يتعبد اللّه ويتأمّل في الكون وفي آثار قدرة اللّه وعظمته. إذ أنّ
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يفكّر في أمرين، قبل أن يبلغ مقام النبوة:
1.
ملكوت السماوات والاَرض، فيرى في ملامح كلّ من الكائنات نور الخالق العظيم
وقدرته وعظمته، فتفتح عليه نوافذ من الغيب تحمل إلى قلبه وعقله النور
الاِلهي المقدّس.2.المسؤَولية الثقيلة التي ستوضع على كاهله، فكان يفكر في فساد حياة المجتمع المكي، وكيفية رفع كل ّذلك وإصلاحه.وأمّا
الرسالة الاِلهية إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أمر اللّه تعالى
جبرائيل (عليه السلام) بأن ينزل على أمين قريش في الغار ويتلو على مسامعه
بضع آيات كبداية لكتاب الهداية والسعادة، معلناً بذلك تتويجه بالنبوة
ونصبه لمقام الرسالة، وطلب منه أن يقرأ، أو قال: يا محمّد اقرأ، قال: وما
أقرأ؟ قال يا محمّد(اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الّذي خَلَق*
خَلَقَ الاِِنْسانَ مِنْ عَلَق*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاََكْرَم* الَّذِي
عَلَّمَ بِالقَلَم* عَلَّمَ الاِِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَم)
ثمّ أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ ما أمره به ثمّصعد إلى العلوّونزل محمّد (صلى
الله عليه وآله وسلم) من الجبل، وقد غشيه من تعظيم جلال اللّه وورد عليه
من كبير شأنه ما ركبه الحمى والنافض.وقد أوضحت هذه الآيات برنامج
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيّنت بشكل واضح أنّ أساس الدين يقوم
على القراءة والكتابة والعلم والمعرفة باستخدام القلم. ثمّ خاطبه الملك:
يا محمّد، أنت رسول اللّه، وأنا جبرائيل.و قد اضطرب الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) لهذين الحدثين، لعظمة المسؤولية التي أُلقيت على
كاهله، فترك غار حراء متوجّهاً إلى بيت السيدة خديجة(عليها السلام)، التي
لاحظت الاضطراب والتعب على ملامحه فسألت عنه، فأجابها وحدّثها بكلّ ما سمع
وجرى، فعظمت خديجة(عليها السلام) أمره ودعت له وقالت: أبشر، فواللّه لا
يخزيك اللّه أبداً. ثمّ دثرته فنام بعض الشيء. ثمّ انطلقت إلى بيت ورقة
تخبره بما سمعته من زوجها الكريم، فأجابها: إنّ ابن عمّك لصادق وإنّ هذا
لبدء النبوة، وإنّه ليأتيه الناموس الاَكبر(أي الرسالة والنبوة).لقد
خرج النبي من الغار وقد ملئ بالمعنويات الرحمانية، وأحس بقدرة الله سبحانه
ترافقه وتعضده، فذهب إلى بيت زوجته خديجة ليأخذ قسطا من الراحة لما أصابه
من ثقل تحمل الرسالة، فهبط عليه الأمين جبرئيل ليفجر الطاقات الروحية عنده
فخاطبه: (يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر....).وهكذا راح (صلى
الله عليه وآله) يدعو كل من يتوسم فيه الاستجابة للدين، فكان أول من أسلم
من الذكور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومن النساء زوجته خديجة.وكانت
روح النبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) مهيّأة من جميع الجهات وبصورة
كاملة لتلقّي السرّ الاِلهي ـ النبوة ـ وما لم تكن نفسيته كذلك، فإنّ
اللّه تعالى لم يكن ليمن عليه بمنصب النبوة ويختاره لمقام الرسالة، لاَنّ
الهدف الجوهري من انبعاث الرسل و الاَنبياء هو هداية الناس وإرشادهم. فقد
قال الاِمام الصادق (عليه السلام): (إنّ اللّه إذااتّخذ عبداً رسولاً،
أنزل عليه السكينة والوقار، فكان يأتيه من قِبَل اللّه عزّوجلّ مثل الذي
يراه بعينه).وفسر العلاّمة الكبير الطبرسي ذلك، بأنّ اللّه لا يوحي
إلى رسوله إلاّ بالبراهين النيّرة والآيات البيّنة الدالة على أنّ ما يوحى
إليه إنّما هو من اللّه تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق.أمّا
بالنسبة إلى يوم مبعثه، فإنّ هناك اختلافاً فيه مثلما اختلف في يوم
ولادته، فاتّفق علماء الشيعة على أنّه بُعث بالرسالة يوم 27 من شهر رجب،
ونزول الوحي بدأ من هذا اليوم، بينما اشتهر عند السنّة أنّه حدث في شهر
رمضان. فهناك فرق في نزول القرآن جميعه على الرسول ونزول الآيات الاَُولى
عليه يوم المبعث. فالآيات التي تصرح بنزول القرآن في شهر رمضان في ليلة
القدر المباركة، لا تدل على أنّ يوم المبعث ـ الذي نزلت فيه بضع آيات ـ
كان ذلك في الشهر نفسه، لاَنّ الآيات المذكورة الدالّة على أنّ القرآن نزل
في شهر رمضان تدل على أنّ مجموع القرآن لا بعضه قد نزل في ذلك الشهر، في
حين أنّه لم ينزل في يوم المبعث سوى آيات معدودة. كما أنّ تفسيراً آخر
يوَكّد أنّ للقرآن الكريم وجوداً جمعياً علمياً واقعياً، وهو الذي نزل على
الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) مرةً واحدةً في شهر رمضان، وآخر
وجوداً تدريجياً كان بدء نزوله على النبي في يوم المبعث، واستمر نزوله إلى
آخر حياته الشريفة على نحو التدريج. وهو ما قدّمه العلاّمة الطباطبائي من
تفسير الميزان. كما أنّ ثمة قولاً آخر ذهب إلى أنّ ابتعاث الرسول بالرسالة
في شهر رجب، لا يلازم نزول القرآن في ذلك الشهر حتماً.
منقول
في جبل حراء الذي يقع شمال مكّة، ويستغرق الصعود إليه مدّة نصف ساعة،
ويتكوّن من قطع صخرية لا أثر للحياة فيها. غار يقع في شمال الجبل، وهو
يحكي ذكريات رجل طالما تردّد عليه وقضى الساعات والاَيّام والاَشهر في
رحابه، يتعبد اللّه ويتأمّل في الكون وفي آثار قدرة اللّه وعظمته. إذ أنّ
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يفكّر في أمرين، قبل أن يبلغ مقام النبوة:
1.
ملكوت السماوات والاَرض، فيرى في ملامح كلّ من الكائنات نور الخالق العظيم
وقدرته وعظمته، فتفتح عليه نوافذ من الغيب تحمل إلى قلبه وعقله النور
الاِلهي المقدّس.2.المسؤَولية الثقيلة التي ستوضع على كاهله، فكان يفكر في فساد حياة المجتمع المكي، وكيفية رفع كل ّذلك وإصلاحه.وأمّا
الرسالة الاِلهية إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أمر اللّه تعالى
جبرائيل (عليه السلام) بأن ينزل على أمين قريش في الغار ويتلو على مسامعه
بضع آيات كبداية لكتاب الهداية والسعادة، معلناً بذلك تتويجه بالنبوة
ونصبه لمقام الرسالة، وطلب منه أن يقرأ، أو قال: يا محمّد اقرأ، قال: وما
أقرأ؟ قال يا محمّد(اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الّذي خَلَق*
خَلَقَ الاِِنْسانَ مِنْ عَلَق*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاََكْرَم* الَّذِي
عَلَّمَ بِالقَلَم* عَلَّمَ الاِِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَم)
ثمّ أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ ما أمره به ثمّصعد إلى العلوّونزل محمّد (صلى
الله عليه وآله وسلم) من الجبل، وقد غشيه من تعظيم جلال اللّه وورد عليه
من كبير شأنه ما ركبه الحمى والنافض.وقد أوضحت هذه الآيات برنامج
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيّنت بشكل واضح أنّ أساس الدين يقوم
على القراءة والكتابة والعلم والمعرفة باستخدام القلم. ثمّ خاطبه الملك:
يا محمّد، أنت رسول اللّه، وأنا جبرائيل.و قد اضطرب الرسول (صلى
الله عليه وآله وسلم) لهذين الحدثين، لعظمة المسؤولية التي أُلقيت على
كاهله، فترك غار حراء متوجّهاً إلى بيت السيدة خديجة(عليها السلام)، التي
لاحظت الاضطراب والتعب على ملامحه فسألت عنه، فأجابها وحدّثها بكلّ ما سمع
وجرى، فعظمت خديجة(عليها السلام) أمره ودعت له وقالت: أبشر، فواللّه لا
يخزيك اللّه أبداً. ثمّ دثرته فنام بعض الشيء. ثمّ انطلقت إلى بيت ورقة
تخبره بما سمعته من زوجها الكريم، فأجابها: إنّ ابن عمّك لصادق وإنّ هذا
لبدء النبوة، وإنّه ليأتيه الناموس الاَكبر(أي الرسالة والنبوة).لقد
خرج النبي من الغار وقد ملئ بالمعنويات الرحمانية، وأحس بقدرة الله سبحانه
ترافقه وتعضده، فذهب إلى بيت زوجته خديجة ليأخذ قسطا من الراحة لما أصابه
من ثقل تحمل الرسالة، فهبط عليه الأمين جبرئيل ليفجر الطاقات الروحية عنده
فخاطبه: (يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر....).وهكذا راح (صلى
الله عليه وآله) يدعو كل من يتوسم فيه الاستجابة للدين، فكان أول من أسلم
من الذكور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومن النساء زوجته خديجة.وكانت
روح النبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) مهيّأة من جميع الجهات وبصورة
كاملة لتلقّي السرّ الاِلهي ـ النبوة ـ وما لم تكن نفسيته كذلك، فإنّ
اللّه تعالى لم يكن ليمن عليه بمنصب النبوة ويختاره لمقام الرسالة، لاَنّ
الهدف الجوهري من انبعاث الرسل و الاَنبياء هو هداية الناس وإرشادهم. فقد
قال الاِمام الصادق (عليه السلام): (إنّ اللّه إذااتّخذ عبداً رسولاً،
أنزل عليه السكينة والوقار، فكان يأتيه من قِبَل اللّه عزّوجلّ مثل الذي
يراه بعينه).وفسر العلاّمة الكبير الطبرسي ذلك، بأنّ اللّه لا يوحي
إلى رسوله إلاّ بالبراهين النيّرة والآيات البيّنة الدالة على أنّ ما يوحى
إليه إنّما هو من اللّه تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق.أمّا
بالنسبة إلى يوم مبعثه، فإنّ هناك اختلافاً فيه مثلما اختلف في يوم
ولادته، فاتّفق علماء الشيعة على أنّه بُعث بالرسالة يوم 27 من شهر رجب،
ونزول الوحي بدأ من هذا اليوم، بينما اشتهر عند السنّة أنّه حدث في شهر
رمضان. فهناك فرق في نزول القرآن جميعه على الرسول ونزول الآيات الاَُولى
عليه يوم المبعث. فالآيات التي تصرح بنزول القرآن في شهر رمضان في ليلة
القدر المباركة، لا تدل على أنّ يوم المبعث ـ الذي نزلت فيه بضع آيات ـ
كان ذلك في الشهر نفسه، لاَنّ الآيات المذكورة الدالّة على أنّ القرآن نزل
في شهر رمضان تدل على أنّ مجموع القرآن لا بعضه قد نزل في ذلك الشهر، في
حين أنّه لم ينزل في يوم المبعث سوى آيات معدودة. كما أنّ تفسيراً آخر
يوَكّد أنّ للقرآن الكريم وجوداً جمعياً علمياً واقعياً، وهو الذي نزل على
الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) مرةً واحدةً في شهر رمضان، وآخر
وجوداً تدريجياً كان بدء نزوله على النبي في يوم المبعث، واستمر نزوله إلى
آخر حياته الشريفة على نحو التدريج. وهو ما قدّمه العلاّمة الطباطبائي من
تفسير الميزان. كما أنّ ثمة قولاً آخر ذهب إلى أنّ ابتعاث الرسول بالرسالة
في شهر رجب، لا يلازم نزول القرآن في ذلك الشهر حتماً.
منقول