فضائل السُّور أنزل الله تعالى القرآن الكريم بمئةٍ وأربع عشرة سورة مُوزَّعةً على ثلاثين جزءاً من أجزاء القرآن الكريم، وقد خصَّ الله تعالى بعض هذه السُّور وميَّزها بميِّزاتٍ وفضائل جاءت على ذكرها أحاديثٌ نبويَّةٌ شريفةٌ، واشتهرت بعض هذه السُّور بين النَّاس بما شاع من فضلها، فحرصوا على قراءتها والمداومة عليها، ومن بين هذه السُّور سورةٌ عُرفت بأنَّها تعدل ثلث القرآن الكريم، فما هي تلك السورة؟ وما أهمُّ خصائصها؟ وما سبب نزولها؟ وما هي الموضوعات التي تناولتها؟ السُّورة التي تعدل ثلث القرآن جاءت السُّنَّة الشريفة برواياتٍ مُتعدِّدة تُخبر بسورةٍ من القرآن الكريم تعدل قراءتها وحدها ثلثه، وهي سورة الإخلاص، فمن قرأ هذه السُّورة فكأنَّما قرأ ثلث القرآن من حيث الأجر والثَّواب. رُوِيَ أنَّ رجلاً جاء إلى النَّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- يسأله عن رجلٍ سمعه يقرأ بقول الله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)،[١] أي سورة الإخلاص، ويردِّدها ولم يردِّد سواها، وكأنَّ السّائل قد رأى قراءة الرجل قليلةً، فأجابه النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بأنَِّ هذه السُّورة تعدل ثلث القرآن، كما روى أبو سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قال: (أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ).[٢] وقد ورد في رواياتٍ أخرى أنَّ سورة الإخلاص في فضلها ومكانتها تعدل ثلث القرآن الكريم، حيث رُوي أنَّ النَّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- سأل الصّحابة -رضي الله عنهم- إن كان بإمكان أحدهم أن يقرأ ثلث القرآن الكريم في ليلةٍ واحدةٍ، فتعجّبوا ونفوا أن يطيق أحدهم ذلك أو يقدر عليه، فأرشدهم النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- لقراءة سورة الإخلاص، كما في رواية أبي سعيدٍ الخدري أنَّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اللَّهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ).[٣] تعريفٌ عامٌّ بالسُّورة سورة الإخلاص سورةٌ مكِّيَّةٌ على الرَّاجح من أقوال المفسِّرين، وقد اشتهرت تسميتها في عهد النَّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بسورة (قل هو الله أحد)، وهي في مُعظم نسخ المصاحف وكتب التَّفسير مُسمَّاةٌ بسورة الإخلاص. يُذكَر أنَّ تسميتها بهذا الاسم راجعٌ لأنَّ في هذا الاسم جمعاً واختصاراً لمعاني السُّورة من إخلاص العبوديّة لله تعالى وحده، وسلامة الاعتقاد من إشراك سواه معه -سبحانه وتعالى-، وهي السُّورة الثانية والعشرون في ترتيب نزول السور على النَّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، وقد نزلت بعد سورة النَّاس وقبل سورة النَّجم، وهي السُّورة رقم مئة واثنتي عشرة في ترتيب المُصحف الشّريف، وعدد آياتها أربعةٌ.[٤] سبب نزول السُّورة أورد الواحديّ في كتابه أسباب النّزول أنَّ سبب نزول هذه السورة يرجع إلى سؤال المُشركين للنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أن يصف لهم الله تعالى، فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص وأجابهم النَّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- عن صفات الله تعالى من خلال آيات هذه السّورة، كما روى أُبيُّ بن كعب -رضي الله عنه-: (أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لرسول الله صلي اله عليه وسلم انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ)، قَالَ: فَالصَّمَدُ الَّذِي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عِدْلٌ وَ(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)).[٥] موضوع السُّورة سورة الإخلاص ذات فضلٍ عظيمٍ، فعلاوةً على أنّ قراءتها تعدل في الأجر والثّواب ثلث القرآن، فإنَّ آياتها تتناول أعظم الأمور وأهمَّها شأناً، وهي مسألة التّوحيد وإخلاص العبوديّة لله، وتعليم عقيدة التّوحيد وتقريرها في النّفوس والعقول، فيترسّخ أنَّه سبحانه واحدٌ أحدٌ؛ واحدٌ في العدد فلا إله ثانٍ معه، وأحدٌ في النّوع فلا يُكافئه أو يماثله أحدٌ،[٦] ولا ولدٌ له، ولا يحتاج للمخلوقات بينما تحتاجه المخلوقات كلُّها؛ فالكلُّ فقيرٌ إليه وهو -سبحانه- الغنيّ عن كلِّ أحد.[٧] ومن تمام فضلها أنَّ في آياتها تعدادٌ لصفات الله تعالى، فقد روي أنَّ أحد الصّحابة -رضي الله عنهم- قد أمَّره النبيّ على سريَّة، وكان يُصلّي بأصحابه فيختم الصّلاة بقراءة سورة الإخلاص، فأخبر من كان معه من الصّحابة -رضي الله عنهم- بعد عودتهم النبيَّ -عليه الصّلاة والسّلام- بذلك، فطلب منهم أن يسألوا أميرهم عن سبب فعله هذا، فأجاب: أنَّه يحب أن يقرأها لأنّها حَوَت صفات الرّحمن، فأمر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أن يخبروه بأنَّ الله يُحبّه لذلك، وذلك كما في رواية عائشة -رضي الله عنها- : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ).[٨]