القرآن الكريم معلومٌ لكل مسلم أنَّ لكل سورة من سور القرآن الكريم اسم قُرنت به وعُرِفت واشتُهِرت به، وقد سُمّيت السّور بتلك الأسماء لتمييزها عن بعضها البعض، وحتى يعلم المُسلم ما يحفظ وما يقرأ، وبما يستشهد عند الحاجة، ولأمورٍ أخرى عديدة، حتّى أن بعض الآيات سُمّيت بأسماء مُستقلّة، مثل آية الكرسي في سورة البقرة، وآية الدَّين؛ وذلك لاحتوائهما على أمور عظيمة وأحكام جليلة، وقد جاء لبعض السّور وربما لغالبها أكثر من اسمٍ وأكثر من كنية بناءً على الحوادث والقصص والعِبَر التي تضمّنتها، وسبب نزولها، ودلالتها الشرعيّة، ولعدّة اعتبارات أُخرى، فمثلاً لسورة الفاتحة عدد من الأسماء غير الفاتحة، فمن أسمائها مثلاً: أم الكتاب، والسبع المثاني وغير ذلك، ومن أسماء سورة البقرة وسورة آل عمران الزّهراوان، ومن أسماء سورة التّوبة براءة والفاضحة، وغيرها الكثير الكثير، وكان من تلك السّور التي كان لها عدد من الأسماء سورة التّوديع التي هي سورة النّصر. ما هي سورة التوديع تُسمى سورة النّصر بسورة التّوديع؛ ويَعزي علماء التفسير سبب تسميتها بذلك كونها تضمّنت نعي النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- وتوديعه للدّنيا، وإخبار الله عز وجلّ باقتراب أجله، وما فيها من حوادث تُنبّئ عن قرب رحيل ووفاة المُصطفى عليه الصّلاة والسّلام، فهي تتضمّن في ثناياها إتمام الرّسالة، وأداء الأمانة، وختم مَهمّة رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- وإنهائها بما نزل من الوحي،[١] فقد رويَ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أشياخ بدر فقال: (ما تقولون في قول الله تعالى: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ )[٢] حتى ختم السّورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال: أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟ قلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أعلمه له. قال: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)[٢] فذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً)،[٣] فقال عمر بن الخطّاب: لا أعلم منها إلّا ما تقول).[٤] فالحديث النبويّ الشريف يُبيّن سورة النّصر وما فيها من دلالة على قُرب أَجَل النبيّ عليه الصّلاة والسّلام وتوديعه للدنيا. وفي روايةٍ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسولُ اللهِ عليه الصّلاة والسّلام يُكثِرُ من قول سبحانَ اللهِ وبحمدِه، أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه. قالت: فقلت يا رسولَ اللهِ! أراك تُكْثرُ من قولِ: سبحانَ اللهِ وبحمدِه أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه؟ فقال: أخبرني ربِّي أنّي سأرَى علامةً في أُمّتي فإذا رأيتُها أكثرتُ من قولِ سبحانَ اللهِ وبحمدِه أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه. فقد رأيتُها (إذا جاء نصر الله والفتح)، وفتحُ مكةَ (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً)).[٥] تعريف بالسّورة سورة النّصر من قصار السّور في القرآن الكريم، وهي سورة مدنية، عدد أياتها ثلاث أيات، وعدد كلماتها سبع عشرة كلمة، وعدد حروفها سبعة وسبعون حرفاً، ويأتي ترتيبها من حيث النّزول بعد سورة التّوبة، وهي آخر سورة نزلت من القرآن الكريم، وقد نزلت هذه السّورة على النّبي -صلى الله عليه وسلم - وهو في حجة الوداع، وقد تناولت السّورة موضوع قُرب وفاة النّبي -عليه الصّلاة والسّلام بالإضافة للبشارة بدخول النّاس أفواجاً في دين الإسلام بعد الفتح، ولزوم التّسبيح بحمد الله ولزوم الاستغفار، وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (لما نزلت (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) دعا رسول الله عليه الصّلاة والسّلام فاطمة وقال: (إنه قد نُعيت إلي نفسي) فبكت ثم ضحكت، وقالت: أخبرني أنّه نُعِيَت إليه نفسه فبكيت، ثم قال: (اصبري فإنك أول أهلي لحاقاً بي) فضحِكت).[٦] تسبق هذه السّورة من حيث التّرتيب في المُصحف سورة الكافرون وما تحتويه من معنى اختلاف دين الإسلام عن دين الكفار، حيث جاءت سورة النّصر لتحمل البشارة للنبي -عليه الصّلاة والسّلام- بالفتح وهو فتح مكّة، وانتشار الدين الإسلاميّ في شبه الجزيرة العربيّة، وتقلّمت أظافر الشّرك والطّغيان والضّلال وبها دخل النّاس في دين الله وهو دين الإسلام وتحطّم الأصنام ، ورُفِعت راية الإسلام والنّصر.[٧] المعاني الموجودة في السّورة بالرّغم من قصر سورة النّصر وقلّة عدد آياتها التي هي ثلاث فقط؛ إلاّ أنها اشتملت وحملت في طيّاتها العديد من المعاني، ومن تلك المعاني:[٨] سورة النّصر تحمل في ثناياها البُشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله، ودخول النّاس في دين الله أفواجاً، وكما تُوجّهه عليه الصّلاة والسّلام حين يتحقّق نصر الله وفتحه واجتماع النّاس على دينه إلى التوجّه إلى ربّه بالتّسبيح والحمد والاستغفار، وتكشف في الوقت ذاته عن طبيعة العقيدة الإسلاميّة ومنهجها، والمدى الذي يبلغ بهذه البشريّة من الرّفعة والكرامة، وبلوغ القمّة التي لم تبلغها البشريّة قط إلا في ظل الإسلام. في السّورة إيذان بأداء النّبي عليه الصّلاة والسّلام للرّسالة العظيمة التي بُعث لأجلها، وانتهاء المَهمّة التي جاء بها، وتوجيه له أن يستعدّ للموت بالاستغفار والتّوبة وشكر الله والتّسبيح بحمده. من فضائل سورة النّصر أنّها تَعدل ربع القرآن الكريم، حيث روي عن أنسٍ رضي الله عنه (أنَّ الكافرونَ والنّصرَ تعدلُ كلّ منهما ربعَ القرآنِ، وإذا زلزلت تعدلُ ربعَ القرآنِ).[٩]