سورة يس سورة يس سورة مكيَّةٌ في ما عدا الآية الخامسة والأربعين منها، تقع في الجزء الثّالث والعشرين من القرآن الكريم في الحزب الخامس والأربعين، تبلغ عدد آياتها ثلاثاً وثمانين آيةً، وتتكون من سبعمئةٍ وتسعٍ وعشرين كلمةً، نزلت بعد سورة الجن، وهي السّورة السّادسة والثلاثون في ترتيب المُصحف الشّريف. سبب تسميتها عائدٌ إلى كون السّورة قد بدأت بها، وهي من الحروف المُقطّعة التي يُرجِّح المُفسّرون أنَّ الله تعالى ابتدى بها عدد من السّور -بما فيها سورة يس-؛ لبيان إعجاز القرآن الكريم المُتمثّل بتحدّي العرب الذين نزل عليهم القرآن وهم أهل الفصاحة والبيان، وتأكيد عجزهم عن الإتيان بمثله.[١] أسباب نزول سورة يس نزل قول الله تعالى من سورة يس: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ)[٢] في بني سلمة، فقد كانوا يَسكنون في أطراف المدينة بعيداً عن مسجد رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-، وشكوا إليه بُعد منازلهم عن المسجد، وطلبوا منه أن يرتحلوا ليسكنوا قرب المسجد، فأمرهم النّبي عليه الصّلاة والسّلام أن يبقوا في مساكنهم وأنَّ أجرهم سيُكتب لهم من الله تعالى، فأنزل -سبحانه وتعالى- هذه الآية.[٣] وورد أنَّ قول الله تعالى من سورة يس: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)[٤] نزل في أُبيَّ بن خَلف -وهو أحد زعماء قريش- حيث جاء إلى النّبي -عليه الصّلاة والسّلأام- وبيده عظامٌ باليةٌ، فسأل أُبيُّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام: هل يُحيي الله هذه العظام بعدما فَنيت وبليت؟ فأجابه النّبي -عليه الصّلاة والسّلام-، وأنزل الله تعالى هاتين الآيتين الكريمتين.[٥] سرُّ سورة يس يكمن سرُّ سورة يس في فضائلها التي جاءت الكثير من الرّوايات والآثار بالحديث عنها، رغم أنَّ كثيراً من هذه الرّوايات والآثار لم تَصِحّ، وبيَّن كثيرٌ من علماء الحديث والتفسير ما كان مكذوباً منها وما لم يصحّ، ويمكن ذكر بعض ما صحَّ من الفضائل: لقّب النبي عليه الصّلاة والسّلام هذه السّورة بقلب القرآن، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- أنَّه قال: (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قلبًا وقلب القرآن يس).[٦] من قرأ سورة يس طلباً لمرضاة الله تعالى غُفر له ذنبه، كما روى جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ).[٧] ذهب جمعٌ من العلماء إلى استحباب قراءة سورة يس على المُحتضِر عند احتضاره؛ وعلَّلوا ذلك لاشتمال السّورة على مواضيع التّوحيد والبعث، والتّبشير بالجنَّة في ثنايا آياتها لمن مات على التّوحيد، فتستبشر الرّوح ويسهل خروجها،[٨] وفي ذلك قول الله تعالى: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)،[٩] وقد روى معقل بن يسار -رضي الله عنه- عن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- قوله: (اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ سُورَةَ يَس).[١٠] وردت في سورة يس قصّةٌ من القصص القرآنيّ، وهي قصة أصحاب القرية والرّجل الصّالح الذي لُقِّب بمؤمن آل يس، وقيل إنَّ اسمه حبيب بن مُرّة أو حبيب النجّار؛ لأنَّه كان نجّاراً كما نَقَلت بعض الرّوايات، وقد أخبرت سورة يس عن أصحاب القرية الذين أرسل الله تعالى لهم رسولين يدعونهم للهداية فكذّبوهم، فأرسل الله تعالى رسولًا ثالثاً وكذبوه كذلك وتآمروا على الرّسل الثلاثة، وكان في القرية حبيب الصّالح الذي جاء يسعى لينهاهم عن إعراضهم، وينصحهم بالإيمان بالله واتّباع الرّسل وعدم إيذائهم، وذلك كما في قول الله تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)،[١١] فلم يستجيبوا لحبيب، وأشارت الآيات إلى أنَّهم قتلوه، من قول الله تعالى: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)،[١٢] ففي هذه الآية كنايةٌ أنَّ حبيب قُتِل شهيداً؛ حيث أُتبِعت دعوته وموعظته لهم بأمر الله تعالى له بدخول الجنَّة مباشرةً دون انتقال.[١٣] مواضيع سورة يس تناولت سورة يس مواضيعَ عديدةً بدءاً بإعجاز القرآن الكريم والقَسَم به، والتّأكيد على رسالة النّبي محمد -عليه الصّلاة والسّلام- وغايتها السّامية، ثمَّ تحدَّثت عن إعراض أكثر العرب عن دعوة الإسلام ورفضهم لقبول الحقِّ، كما جاءت السّورة على ذكر أهل القرية الذين ضُرِبَ المثل في فريقين فيها مُتَّبعين لدعوة الرّسل ومُعرِضين لها، وكيف كان جزاء كلِّ فريقٍ منهما، وتناولت السّورة قضيَّة البعث والنّشور وإثباتهما بالأدلّة والبراهين، ثمَّ ساقت السّورة آياتٍ حول توحيد الله تعالى مُبرهنةً عليه بتعداد النِّعم الكثيرة التي أنعم الله تعالى بها على الخَلق وبثَّها في الكون، وكلُّ هذه النِّعم الدَالّة على وحدانيّة الله تعالى تستوجب الشّكر عليها بالإيمان والتّقوى والإحسان.[١٤]