من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجاً
الدرة اليتيمة في تخريج أحاديث التحفة الكريمة (37)
روى عبد الله بن الإمام أحمد أنه وجد بخط أبيه، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي في عمل اليوم والليلة، عن الوليد بن مسلم، قال: أخبرني الحكم بن مصعب المخزومي، أنه سمع محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب".
وأخرجه الحاكم من طريق الوليد المذكور، عن الحكم بن مصعب المذكور.
قال أبو حاتم الرازي: الحكم مجهول. وتناقض ابن حبان رحمه الله فذكره في الثقات والضعفاء، وجزم الحافظ في التقريب بما قاله أبو حاتم، فقال فيه ما نصه: "الحكم بن مصعب المخزومي الدمشقي مجهول، من السابعة" ورمز لـه بعلامة أبي داود والنسائي وابن ماجه.
أما الحاكم فصححه! واعترض عليه الذهبي بقوله: الحكم فيه جهالة.
وذكره البخاري في التاريخ الكبير، وذكر أنه روى عن محمد بن علي، وروى عنه الوليد بن مسلم، وسكت؛ فلم يوثقه ولم يجرحه.
وجزم الشيخ العلامة أحمد شاكر في حاشيته على المسند بأنه صحيح بناء على سكوت البخاري عنه! وهو دليل عند الشيخ أحمد على ثقته عن البخاري، وهذا فيه نظر إلا أن يثبت بالنص أو الاستقراء ما يدل على أن البخاري أراد ذلك، ومن تأمل حاشية العلامة أحمد شاكر اتضح لـه منها تساهله في التصحيح لكثير من الأسانيد التي فيها بعض الضعفاء؛ كابن لهيعة، وعلي بن زيد بن جدعان، وأمثالهما، والله يغفر لـه، ويشكر لـه سعيه، ويتجاوز له عما زل به قلمه أو أخطأ فيه اجتهاده، إنه سميع قريب.
وعلى كل حال فالحديث المذكور يصلح ذكره في الترغيب والترهيب لكثرة شواهده الدالة على فضل الاستغفار، ولأن أكثر أئمة الحديث قد سهلوا في رواية الضعيف في باب الترغيب والترهيب، لكن يروى بصيغة التمريض، كيُروى، ويُذكر، ونحوهما، لا بصيغة الجزم. قال الحافظ العراقي في ألفيته رحمه الله:
يُشَكُّ فيه لا بإسنادهما
وإن تُرِدْ نَقْلاً لِواهٍ أو لما
بنَقْلِ ما صحَّ كقالَ فَاعْلَمِ
فَأْتِ بتَمْريضٍ كيُرْوى واجْزِمِ
مِنْ غيرِ تَبْيينٍ لِضَعْفٍ ورَأَوْا
وسَهَّلوا في غيرِ مَوضوعٍ رَوَوْا
عن ابنِ مَهْدِيٍّ وغيرِ واحدِ
بَيانَهُ في الحُكْمِ والعَقائدِ
والله ولي التوفيق.
تكميل:
وقع في بعض روايات هذا الحديث: "من لزم الاستغفار"، وفي بعضها "من أكثر الاستغفار"، والمعنى متقارب[1].
.................................................. ................................
[1] الحديث المذكور رواه أبوداود (1518) والنسائي في الكبرى (6/118 العلمية) وابن أبي الدنيا في التوبة (174) وفي الفرج بعد الشدة ( وعبد الله بن أحمد في الوجادات (1/248) ومحمد بن نصر في قيام الليل (42) وجعفر الفريابي (كما في الأمالي المطلقة 250) والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (194/أ-ب) وابن حبان في المجروحين (1/249) والطبراني في الدعاء (1774) والكبير (10/281 رقم 10655) والأوسط (6/240) وابن السني (365) وابن شاهين في الترغيب (176) والحاكم (4/262) والحسن بن محمد بن إبراهيم في أحاديث منتقاة (145/2 كما في الضعيفة 705) وابن مردويه (كما في الدر المنثور 3/182 و6/233) والثعلبي في تفسيره (9/338) وأبونعيم (3/211) وابن بشران (2/321) والبيهقي في السنن الكبرى (3/351) وفي الشعب (1/439 العلمية) وفي الدعوات الكبير (142) والخطيب (5/57) والواحدي في الوسيط (4/313) وابن عمشليق في جزئه (24) والبغوي في شرح السنة (5/79) وأبوالقاسم التيمي الأصبهاني في الترغيب (1/171) وأبوطاهر السلفي في الوجيز (104) وابن عساكر (13/369 و15/36) والشجري في الأمالي (1/244) والمزي في التهذيب (7/136) وابن حجر في الأمالي المطلقة (251) من طرق عن الوليد بن مسلم، ثنا الحكم بن مصعب، ثنا محمد بن علي، عن أبيه، عن جده ابن عباس مرفوعا.
ورواه ابن ماجه (3819) وابن عساكر (15/36) من هذا الوجه، لكنهما قصرا في إسناده.
قال أبونعيم: هذا حديث غريب من حديث محمد بن علي عن أبيه عن جده، تفرد به عنه الحكم بن مصعب.
والحكم هذا مجهول، لم يرو عنه غير الوليد بن مسلم، فإسناده ضعيف.
وقال ابن حبان: لا أصل له بهذا اللفظ.
وقال البغوي: هذا حديث يرويه الحكم بن مصعب بهذا الإسناد، وهو ضعيف.
وأعله ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/650) بجهالة الحكم، وكذا الذهبي في تلخيص المستدرك، وفي مهذب سنن البيهقي (3/1278).
وقال الألباني في السلسلة الضغيفة (705): ضعيف.
وهو كما قالوا.
بينما مشّى ابن حجر حال الحكم في الأمالي بقوله: وإخراج النسائي له مما يقوي حاله عندنا. فقال تبعا لذلك: هذا حديث حسن غريب!
وقد ورد المتن بلفظ: "من أكثر من الاستغفار.. الخ"، في نسخة جعفر بن نسطور الرومي، وذلك في مشيخة شهدة (101) والقند في أخبار سمرقند (375).
وهذه النسخة من أشهر النسخ الموضوعة، فلا ترفع من حال الحديث، والله أعلم.