السؤال:
كثيراً ما سمعت مِن العلماء مَن يقول : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من
كل ضيق مخرجاً ومن كل همٍّ فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب ) ، وتأكدت من صحة
الحديث من موقع " الدرر السَّنيَّة " :
الراوي : عبد الله بن عباس ، المحدث : عبد الحق الإشبيلي ، المصدر : "
الأحكام الصغرى " الصفحة أو الرقم : 892 ، خلاصة حكم المحدث : [ أشار في
المقدمة أنه صحيح الإسناد ] .
فأريد أعرف كيف ألزم الاستغفار ؟ هل المقصد طول اليوم ، أم مثله مثل أذكار
الصباح والمساء ؟ وأيهما أفضل الاستغفار أم الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم ؟ .
وشكراً لكم .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
الحديث المذكور في السؤال ضعيف الإسناد ، وقد بينَّا علَّته وذكرنا مَن ضعفه في
جواب السؤال رقم ( 119743 )
فليُنظر .
وقد ذكرنا هناك أنه وإن كان ضعيف الإسناد ، إلا أن معناه صحيح ، وقد جاء ما يشهد له
، وهو في فضائل الأعمال التي لها أصل في الشريعة ، وانظر جواب السؤال رقم (
44877 ) ففيه بيان الموقف من
الأحاديث الضعيفة الواردة في فضائل الأعمال .
ثانياً:
معنى ( لزم ) أي : أكثر ، وقد جاء ذلك موضحاً في رواية أحمد في " مسنده " ( 4 / 104
) بلفظ ( مَنْ أَكْثَرَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ) ، ولفظ الحديث في " مستدرك الحاكم "
( 4 / 291 ) ( مَنْ أَكْثَرَ الِاسْتِغْفَارِ ) .
وقد قال بعض الشراح إنه بمعنى " داوم " ، كما قاله السيوطي في " حاشية سنن ابن ماجه
" ( حديث 3819 ) ، والمعنيان متقاربان ، ولذلك جمع بينهما الشيخ العثيمين رحمه الله
بقوله : " ( ومن لزم الاستغفار ) يعني : داوم عليه وأكثر منه " . انتهى من " شرح
رياض الصالحين " ( 6 / 715 ) .
على أنه ينبغي أن يتحقق في الاستغفار أمران :
الأول : أن يصاحبه توبة وندم ، لا أن يكون مجرد لفظ يقال باللسان .
الثاني : أن تستعمل الصيغ الشرعية الثابتة بالكتاب والسنَّة ؛ لأن تلك الصيغ ترتب
عليها تلك الفضائل المشار إليها ، وفيها من توحيد الله تعالى والاعتراف بالتقصير ما
يجعلها تحوي ما هو أكثر من مجرد طلب المغفرة ، كمثل حديث " سيد الاستغفار " وغيره
مما أحلنا على الاطلاع عليه قريباً .
ثالثاً:
أما قولك " وأيهما أفضل الاستغفار أم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ " :
فالذي ينبغي للمسلم أن يجمع بينهما ؛ فهما مطلوبان جميعا ، وفي كلٍّ خيرٌ لقائله .
وقد ثبتت أحاديث كثيرة ترغِّب بالاستغفار – انظرها في جوابي السؤالين ( 39775 ) و (
3177 ) - وأخرى ترغِّب بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
والأظهر في ترجيح الإكثار منه في كل مجلس ومقام ، هو الاستغفار ، لسببين :
السبب الأول : أن أحاديث فضائل الاستغفار أكثر .
السبب الثاني : أن الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم هو الاستغفار ، وقد ثبت أنه
كان يستغفر ربَّه في اليوم الواحد بل وفي المجلس الواحد مائة مرة ، وانظر هذه
الأحاديث في جواب السؤال رقم ( 126934 ) .
ويرى بعض أهل العلم أن " الصلاة على النَّبي صلى الله
عليه وسلم " أجمع معنى وأكثر فضلاً من ذِكر الاستغفار ؛ إذ من فضائلها مغفرة الذنوب
وكفاية همِّ الدنيا والآخرة ، وفيها الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم .
عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ
عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي فَقَالَ ( مَا شِئْتَ ) قَالَ :
قُلْتُ الرُّبُعَ ؟ قَالَ ( مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) قُلْتُ
: النِّصْفَ ؟ قَالَ ( مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) قَالَ :
قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ ( مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )
قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ ( إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ
وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ) .
رواه الترمذي ( 2457 ) وحسَّنه ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وهذا الحديث لو كان صحيحاً ثابتاً لا مطعن فيه لكان مرجِّحاً للصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم على الاستغفار ، لكن في إسناده مقال ، تكلمنا عليه وعلى متنه في
جواب السؤال رقم ( 128455 ) .
رابعا :
مع ما أشرنا إليه من الذكرين مطلوبين في عموم الأحوال ، وأنه لا تعارض بينهما ، وإن
كان قد يقال : إن الإكثار من الاستغفار أرجح ، مع ذلك كله فقد يترجح أحدهما على
الآخر في بعض الأحوال ، وأحيانا يتعين واحد منهما ، ففي حال الوقوع في ذنب ، أو
التوبة منها : يكون المقام مقام استغفار ، ولزومه والإكثار منه في مثل هذه الحال
أولى ، ولهذا قال تعالى – في وصف المحسنين – ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ
لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى
مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/ 135.
وفي جلوس التشهد ـ مثلا ـ يتعين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا بعض
انتهاء المؤذن من أذانه .
والخلاصة في هذه المسألة :
1. يقدَّم الاستغفار بعد الذنب على الصلاة على النبي صلى الله عليه .
2. إذا كان لا بدَّ لنا من ترجيح فإننا نرجح الاستغفار لسببين ذكرناهما سابقاً ،
والسبب الأول له شروطه .
3. مَن يرى صحة حديث أبي بن كعب فتقديمه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على
الاستغفار له وجه قوي .
4. لكلا الذِّكرين فضائل متنوعة وكثيرة ، فليحرص المسلم على الجمع بينهما ، وهذا
الراجح عندنا ؛ جمعاً بين كل النصوص ، وتحصيلاً لكل الفضائل .
والله أعلم
كثيراً ما سمعت مِن العلماء مَن يقول : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من
كل ضيق مخرجاً ومن كل همٍّ فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب ) ، وتأكدت من صحة
الحديث من موقع " الدرر السَّنيَّة " :
الراوي : عبد الله بن عباس ، المحدث : عبد الحق الإشبيلي ، المصدر : "
الأحكام الصغرى " الصفحة أو الرقم : 892 ، خلاصة حكم المحدث : [ أشار في
المقدمة أنه صحيح الإسناد ] .
فأريد أعرف كيف ألزم الاستغفار ؟ هل المقصد طول اليوم ، أم مثله مثل أذكار
الصباح والمساء ؟ وأيهما أفضل الاستغفار أم الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم ؟ .
وشكراً لكم .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
الحديث المذكور في السؤال ضعيف الإسناد ، وقد بينَّا علَّته وذكرنا مَن ضعفه في
جواب السؤال رقم ( 119743 )
فليُنظر .
وقد ذكرنا هناك أنه وإن كان ضعيف الإسناد ، إلا أن معناه صحيح ، وقد جاء ما يشهد له
، وهو في فضائل الأعمال التي لها أصل في الشريعة ، وانظر جواب السؤال رقم (
44877 ) ففيه بيان الموقف من
الأحاديث الضعيفة الواردة في فضائل الأعمال .
ثانياً:
معنى ( لزم ) أي : أكثر ، وقد جاء ذلك موضحاً في رواية أحمد في " مسنده " ( 4 / 104
) بلفظ ( مَنْ أَكْثَرَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ) ، ولفظ الحديث في " مستدرك الحاكم "
( 4 / 291 ) ( مَنْ أَكْثَرَ الِاسْتِغْفَارِ ) .
وقد قال بعض الشراح إنه بمعنى " داوم " ، كما قاله السيوطي في " حاشية سنن ابن ماجه
" ( حديث 3819 ) ، والمعنيان متقاربان ، ولذلك جمع بينهما الشيخ العثيمين رحمه الله
بقوله : " ( ومن لزم الاستغفار ) يعني : داوم عليه وأكثر منه " . انتهى من " شرح
رياض الصالحين " ( 6 / 715 ) .
على أنه ينبغي أن يتحقق في الاستغفار أمران :
الأول : أن يصاحبه توبة وندم ، لا أن يكون مجرد لفظ يقال باللسان .
الثاني : أن تستعمل الصيغ الشرعية الثابتة بالكتاب والسنَّة ؛ لأن تلك الصيغ ترتب
عليها تلك الفضائل المشار إليها ، وفيها من توحيد الله تعالى والاعتراف بالتقصير ما
يجعلها تحوي ما هو أكثر من مجرد طلب المغفرة ، كمثل حديث " سيد الاستغفار " وغيره
مما أحلنا على الاطلاع عليه قريباً .
ثالثاً:
أما قولك " وأيهما أفضل الاستغفار أم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ " :
فالذي ينبغي للمسلم أن يجمع بينهما ؛ فهما مطلوبان جميعا ، وفي كلٍّ خيرٌ لقائله .
وقد ثبتت أحاديث كثيرة ترغِّب بالاستغفار – انظرها في جوابي السؤالين ( 39775 ) و (
3177 ) - وأخرى ترغِّب بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
والأظهر في ترجيح الإكثار منه في كل مجلس ومقام ، هو الاستغفار ، لسببين :
السبب الأول : أن أحاديث فضائل الاستغفار أكثر .
السبب الثاني : أن الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم هو الاستغفار ، وقد ثبت أنه
كان يستغفر ربَّه في اليوم الواحد بل وفي المجلس الواحد مائة مرة ، وانظر هذه
الأحاديث في جواب السؤال رقم ( 126934 ) .
ويرى بعض أهل العلم أن " الصلاة على النَّبي صلى الله
عليه وسلم " أجمع معنى وأكثر فضلاً من ذِكر الاستغفار ؛ إذ من فضائلها مغفرة الذنوب
وكفاية همِّ الدنيا والآخرة ، وفيها الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم .
عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ
عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي فَقَالَ ( مَا شِئْتَ ) قَالَ :
قُلْتُ الرُّبُعَ ؟ قَالَ ( مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) قُلْتُ
: النِّصْفَ ؟ قَالَ ( مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ) قَالَ :
قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ ( مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )
قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ ( إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ
وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ) .
رواه الترمذي ( 2457 ) وحسَّنه ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وهذا الحديث لو كان صحيحاً ثابتاً لا مطعن فيه لكان مرجِّحاً للصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم على الاستغفار ، لكن في إسناده مقال ، تكلمنا عليه وعلى متنه في
جواب السؤال رقم ( 128455 ) .
رابعا :
مع ما أشرنا إليه من الذكرين مطلوبين في عموم الأحوال ، وأنه لا تعارض بينهما ، وإن
كان قد يقال : إن الإكثار من الاستغفار أرجح ، مع ذلك كله فقد يترجح أحدهما على
الآخر في بعض الأحوال ، وأحيانا يتعين واحد منهما ، ففي حال الوقوع في ذنب ، أو
التوبة منها : يكون المقام مقام استغفار ، ولزومه والإكثار منه في مثل هذه الحال
أولى ، ولهذا قال تعالى – في وصف المحسنين – ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ
لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى
مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/ 135.
وفي جلوس التشهد ـ مثلا ـ يتعين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا بعض
انتهاء المؤذن من أذانه .
والخلاصة في هذه المسألة :
1. يقدَّم الاستغفار بعد الذنب على الصلاة على النبي صلى الله عليه .
2. إذا كان لا بدَّ لنا من ترجيح فإننا نرجح الاستغفار لسببين ذكرناهما سابقاً ،
والسبب الأول له شروطه .
3. مَن يرى صحة حديث أبي بن كعب فتقديمه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على
الاستغفار له وجه قوي .
4. لكلا الذِّكرين فضائل متنوعة وكثيرة ، فليحرص المسلم على الجمع بينهما ، وهذا
الراجح عندنا ؛ جمعاً بين كل النصوص ، وتحصيلاً لكل الفضائل .
والله أعلم