الكتاب: علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
المبحث الرابع: مذهبه النحوي
حينما أتحدث عن المذهب النحوي لإبراهيم ابن القيم، فإنما أتحدث عنه بعد طول ممارسة لشرحه لألفية ابن مالك، وبعد استجلاء رأيه وآراء الآخرين فيما يعرض من القضايا النحوية، وبخاصة الخلافية منها، فمن بعد تلك الممارسة تبين لي أن ابن القيم-رحمه الله- لم يأسره مذهب معين عن النظر في بقية المذاهب والآراء، وإنما كان يطالع جميع الآراء الواردة في مسألة ما، ثم ينتخب لنفسه ما ترجح لديه، فهو يُعنى عناية كبيرة بما يؤازره الدليل، بغض النظر عن كونه منسوباً إلى زيد أو عمرو-كما سيأتي قريباً- وهو في ذلك متأثر بأبيه الشيخ محمد بن أبي بكر، فإنه وإن كان موصوفاً في ترجمته بالحنبلي كأسلافه، لكن حظه منه الاتباع لما أيده الدليل، فلقد كان ثائراً على التقليد وأهله، يندد بهم وينعى عليهم حظهم من العلم، ويصف التقليد بأنه بدعه، وأنه من المحدثات بعد القرون المفضلة، ولكنه لم يصل به ذلك إلى الإزراء بالأئمة، وأصحابهم، كغلاة الظاهرية ومن نحا نحوهم، ولم يكن من أولئك الذين أسرهم التعصب فأصمهم وأعمى أبصارهم عن نور الوحيين: الكتاب
والسنة، ولكنه كان يسلك مسلكاً وسطاً ينشد الدليل، ولا يثرب على العلماء ولم يمنعه مسلكه هذا من التفقه في المذهب الحنبلي وبيان أصوله، وتحرير فروعه مع مخالفته لما ذهب إليه الإمام أحمد في عشرات المسائل، وفي ذلك يقول: "وكثيراً ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف المذهب فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده، فنحكي المذهب الراجح ونرجحه، ونقول هذا هو الصواب وهو أولى أن يؤخذ به، وبالله التوفيق".
أقول: إن إبراهيم ابن القيم، لم يذكر في مقدمته الموجزة سوى السبب الذي بعثه إلى شرح الألفية، وأما ما ذكرته من مذهبه فإنه يظهر لكل من وقف على شرحه وتدبره. وسأذكر -إن شاء الله- في نقاط آتية ما يدل على ما ذكرت من موافقته للبصريين في كثير من المسائل النحوية لا لذات المهب وإنما لكون ذلك هو ما ترجح لديه، ومن موافقته للكوفيين في بعض المسائل، ومن مخالفته لكلا الفريقين وأَخذِه بقول بعض النحاة، أو القول باجتهاده -في غالب ظني- حيث لم أجده لغيره.
المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
المبحث الرابع: مذهبه النحوي
حينما أتحدث عن المذهب النحوي لإبراهيم ابن القيم، فإنما أتحدث عنه بعد طول ممارسة لشرحه لألفية ابن مالك، وبعد استجلاء رأيه وآراء الآخرين فيما يعرض من القضايا النحوية، وبخاصة الخلافية منها، فمن بعد تلك الممارسة تبين لي أن ابن القيم-رحمه الله- لم يأسره مذهب معين عن النظر في بقية المذاهب والآراء، وإنما كان يطالع جميع الآراء الواردة في مسألة ما، ثم ينتخب لنفسه ما ترجح لديه، فهو يُعنى عناية كبيرة بما يؤازره الدليل، بغض النظر عن كونه منسوباً إلى زيد أو عمرو-كما سيأتي قريباً- وهو في ذلك متأثر بأبيه الشيخ محمد بن أبي بكر، فإنه وإن كان موصوفاً في ترجمته بالحنبلي كأسلافه، لكن حظه منه الاتباع لما أيده الدليل، فلقد كان ثائراً على التقليد وأهله، يندد بهم وينعى عليهم حظهم من العلم، ويصف التقليد بأنه بدعه، وأنه من المحدثات بعد القرون المفضلة، ولكنه لم يصل به ذلك إلى الإزراء بالأئمة، وأصحابهم، كغلاة الظاهرية ومن نحا نحوهم، ولم يكن من أولئك الذين أسرهم التعصب فأصمهم وأعمى أبصارهم عن نور الوحيين: الكتاب
والسنة، ولكنه كان يسلك مسلكاً وسطاً ينشد الدليل، ولا يثرب على العلماء ولم يمنعه مسلكه هذا من التفقه في المذهب الحنبلي وبيان أصوله، وتحرير فروعه مع مخالفته لما ذهب إليه الإمام أحمد في عشرات المسائل، وفي ذلك يقول: "وكثيراً ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف المذهب فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده، فنحكي المذهب الراجح ونرجحه، ونقول هذا هو الصواب وهو أولى أن يؤخذ به، وبالله التوفيق".
أقول: إن إبراهيم ابن القيم، لم يذكر في مقدمته الموجزة سوى السبب الذي بعثه إلى شرح الألفية، وأما ما ذكرته من مذهبه فإنه يظهر لكل من وقف على شرحه وتدبره. وسأذكر -إن شاء الله- في نقاط آتية ما يدل على ما ذكرت من موافقته للبصريين في كثير من المسائل النحوية لا لذات المهب وإنما لكون ذلك هو ما ترجح لديه، ومن موافقته للكوفيين في بعض المسائل، ومن مخالفته لكلا الفريقين وأَخذِه بقول بعض النحاة، أو القول باجتهاده -في غالب ظني- حيث لم أجده لغيره.