الكتاب: علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
المبحث الثالث: جوانب من حياته
أما قيل فيه:
لقد كانت المراجع حيال إبراهيم بن قيم الجوزية وجوانب حياته- بالغة الضنة، ولا تثريب عليها في ذلك، إذ أن المصادر الأساسية لم تمد إلا بالنزر اليسير من ذلك، فقد جاء في البداية والنهاية: أنه كان فاضلاً في النحو والفقه، وفنون أخرى، على طريقة أبيه، وأنه كان مدروسا بالصدرية، والتدمرية، وله تصدير بالجامع، وخطابه بجامع ابن صلحان، وذكر في الدرر الكامنة نحو ما تقدم، وقال: (حضر على أيوب الكحال، وابن الشحنة، واشتهر، وتقدمن وأفتى، ودرس).
وقال عنه في شذرات الذهب: (سمع من ابن الشحنة وغيرهن واشتغل في أنواع العلوم وأفتى، ودرس، وناظر).
ونقل النعيمي عن ابن مفلح قوله -في طبقات الحنابلة-: (حضر على أيوب بن نعمة الله النابلسي -أي الكحال-، ومنصور بن سليمان البعلي، وسمع من ابن الشحنة، واشتغل في أنواع العلوم ... إلى آخر ما تقدم عن الشذرات.
وقال عنه صاحب معجم المؤلفين: (عالم في النحو والصرف).
هذا ما ذكروه عنه.
ويمكن القول -بناء على غلبة الظن- في بعض الجوانب التي أغفلتها المصادر بعد عرض لمحة من حياة أبيه، وتلك أن أباه الشيخ العالم الرباني محمد ابن أبي بكر (المعروف ب"قيم الجوزية") نشأ بدمشق من الفترة: 691 - 751 هـ، وهي ما يسمى بعصر سلاطين المماليك، وقد تميز هذا العصر بانتقال مركز الثقل العسكري والثقافي في العالم الإسلامي إلى القطرين: مصر، والشام، بعد نكبة بغداد وسقوطها على أيدي التتار، فكثرت معاهد التدريس، في هذين القطرين، فزخرت المساجد بحلق العلم، وأنشئت بجانبها المدارس، وأوقف على عمارتها ونظارتها وشيوخها وطلابها، ومن تلك المدارس: (المدرسة الجوزية) التي سبق ذكرها، وكان يقوم عليها جد إبراهيم هذا فنشأ إبراهيم ووالده من قبل، في ظلال هذه المدرسة، فمن المرجح أن يتلقى إبراهيم فيها العلوم الأساسية كحفظ القرآن الكريم وقسط كبير من السنة والمتون المشهورة، كما جرت على ذلك سنة العلماء قديماً وحتى زمن قريب، ولا سيما أنه توافر له ما لم يتوافر للكثير من طلاب العلم، فلأسرة عريقة في العلم، وتقوم على معقله، مع ما نسب إليها من صلاح وتقى وحب للعلم.
ولعل مما يدل على صدق هذا الحدس، ما سنقف عليه -إن شاء الله تعالى- عند الحديث عن شرحه للألفية من قوة استحضار للآيات القرآنية في الاستشهاد للقضايا النحوية والصرفية.
ب أخلاقه:
لم تأخذ سيرة الشيخ إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية حظها من الذيوع والشهرة، وهذا شأن كثير من العلماء، ولا سيما أن بعضهم كان يتحاشى الشهرة والظهور في أعماله، حرصاً على سلامتها من داء الرياء، فإذا انقضت
آجال هذا الصنف من العلماء المخلصين سَدَل الزمان على سيرهم ستورهن فلم يكد يوقف لهم على أثر أو خبر، أضف إلى ذلك ما لحق بالتراث الإسلامي عبر القرون من الاعتداء عليه بالنهب أو الحرق، وكل ما أشرت إليه ممكن بالنسبة لإبراهيم بن قيم الجوزية، هذا وقد ذكرت المصادر التي ترجمت له شيئاً يسيراً من أخلاقه فذكرت أنه كان فاضلاً، وأن له أجوبة مسكتة، وذكرت بعض نوادره، ومن ذلك أنه وقع بينه وبين ابن كثير منازعة في بعض المحافل، فقال له ابن كثير: "أنت تكرهني لأنني أشعري"، فقال له: "لو كان من رأسك إلى قدميك شعر ما صدقك الناس في قولك، إنك أشعريّ وشيخك ابن تيمية".
قلت: وقد استخلصت شيئا من أخلاقه أثناء دراستي شرحه، من ذلك ما يمر في المبحث الخامس عند ذكر تعقبه لبعض النحويين، فقد كان متأثراً بأخلاق الفضلاء، فكان عف اللسان، يرد بأدب، وكثيراً ما يكتفي برد القول المخالف من غير تشهير بقائله، وقد جاء عنه قوله: "ولا أحفظ له شاهداً"، فهذا يدل على التواضع والصراحة التي هي من شيم العلماء.
ج- آثاره العلمية:
من أهم آثار إبراهيم بن قيم الجوزية، هذا الشرح النافع الذي بين أيدينا، وله رسالة صغيرة مطبوعة اسمها: "اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية النميري"، جمع في هذه الرسالة 98 مسألة من مسائل قيل إن شيخ الإسلام ابن تيمية انفرد بها خارقاً بها الإجماع، فقام إبراهيم بن القيم بتتبع هذه المسائل
وحصرها، ثم بين زيف الدعوى الموجهة ضد الشيخ، وأثبت أنه لم يعرف له مسألة خرق فيها الأجماع، ومن ادعى عليه ذلك فهو إما جاهل وإما كاذب.
كما ذكر أن له كتاباً اسمه: (اختلاف المذهبين) تعرض فيه للمسائل الخلافية بين أحمد والشافعي، ولم أعثر له على خبر.
المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
المبحث الثالث: جوانب من حياته
أما قيل فيه:
لقد كانت المراجع حيال إبراهيم بن قيم الجوزية وجوانب حياته- بالغة الضنة، ولا تثريب عليها في ذلك، إذ أن المصادر الأساسية لم تمد إلا بالنزر اليسير من ذلك، فقد جاء في البداية والنهاية: أنه كان فاضلاً في النحو والفقه، وفنون أخرى، على طريقة أبيه، وأنه كان مدروسا بالصدرية، والتدمرية، وله تصدير بالجامع، وخطابه بجامع ابن صلحان، وذكر في الدرر الكامنة نحو ما تقدم، وقال: (حضر على أيوب الكحال، وابن الشحنة، واشتهر، وتقدمن وأفتى، ودرس).
وقال عنه في شذرات الذهب: (سمع من ابن الشحنة وغيرهن واشتغل في أنواع العلوم وأفتى، ودرس، وناظر).
ونقل النعيمي عن ابن مفلح قوله -في طبقات الحنابلة-: (حضر على أيوب بن نعمة الله النابلسي -أي الكحال-، ومنصور بن سليمان البعلي، وسمع من ابن الشحنة، واشتغل في أنواع العلوم ... إلى آخر ما تقدم عن الشذرات.
وقال عنه صاحب معجم المؤلفين: (عالم في النحو والصرف).
هذا ما ذكروه عنه.
ويمكن القول -بناء على غلبة الظن- في بعض الجوانب التي أغفلتها المصادر بعد عرض لمحة من حياة أبيه، وتلك أن أباه الشيخ العالم الرباني محمد ابن أبي بكر (المعروف ب"قيم الجوزية") نشأ بدمشق من الفترة: 691 - 751 هـ، وهي ما يسمى بعصر سلاطين المماليك، وقد تميز هذا العصر بانتقال مركز الثقل العسكري والثقافي في العالم الإسلامي إلى القطرين: مصر، والشام، بعد نكبة بغداد وسقوطها على أيدي التتار، فكثرت معاهد التدريس، في هذين القطرين، فزخرت المساجد بحلق العلم، وأنشئت بجانبها المدارس، وأوقف على عمارتها ونظارتها وشيوخها وطلابها، ومن تلك المدارس: (المدرسة الجوزية) التي سبق ذكرها، وكان يقوم عليها جد إبراهيم هذا فنشأ إبراهيم ووالده من قبل، في ظلال هذه المدرسة، فمن المرجح أن يتلقى إبراهيم فيها العلوم الأساسية كحفظ القرآن الكريم وقسط كبير من السنة والمتون المشهورة، كما جرت على ذلك سنة العلماء قديماً وحتى زمن قريب، ولا سيما أنه توافر له ما لم يتوافر للكثير من طلاب العلم، فلأسرة عريقة في العلم، وتقوم على معقله، مع ما نسب إليها من صلاح وتقى وحب للعلم.
ولعل مما يدل على صدق هذا الحدس، ما سنقف عليه -إن شاء الله تعالى- عند الحديث عن شرحه للألفية من قوة استحضار للآيات القرآنية في الاستشهاد للقضايا النحوية والصرفية.
ب أخلاقه:
لم تأخذ سيرة الشيخ إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية حظها من الذيوع والشهرة، وهذا شأن كثير من العلماء، ولا سيما أن بعضهم كان يتحاشى الشهرة والظهور في أعماله، حرصاً على سلامتها من داء الرياء، فإذا انقضت
آجال هذا الصنف من العلماء المخلصين سَدَل الزمان على سيرهم ستورهن فلم يكد يوقف لهم على أثر أو خبر، أضف إلى ذلك ما لحق بالتراث الإسلامي عبر القرون من الاعتداء عليه بالنهب أو الحرق، وكل ما أشرت إليه ممكن بالنسبة لإبراهيم بن قيم الجوزية، هذا وقد ذكرت المصادر التي ترجمت له شيئاً يسيراً من أخلاقه فذكرت أنه كان فاضلاً، وأن له أجوبة مسكتة، وذكرت بعض نوادره، ومن ذلك أنه وقع بينه وبين ابن كثير منازعة في بعض المحافل، فقال له ابن كثير: "أنت تكرهني لأنني أشعري"، فقال له: "لو كان من رأسك إلى قدميك شعر ما صدقك الناس في قولك، إنك أشعريّ وشيخك ابن تيمية".
قلت: وقد استخلصت شيئا من أخلاقه أثناء دراستي شرحه، من ذلك ما يمر في المبحث الخامس عند ذكر تعقبه لبعض النحويين، فقد كان متأثراً بأخلاق الفضلاء، فكان عف اللسان، يرد بأدب، وكثيراً ما يكتفي برد القول المخالف من غير تشهير بقائله، وقد جاء عنه قوله: "ولا أحفظ له شاهداً"، فهذا يدل على التواضع والصراحة التي هي من شيم العلماء.
ج- آثاره العلمية:
من أهم آثار إبراهيم بن قيم الجوزية، هذا الشرح النافع الذي بين أيدينا، وله رسالة صغيرة مطبوعة اسمها: "اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية النميري"، جمع في هذه الرسالة 98 مسألة من مسائل قيل إن شيخ الإسلام ابن تيمية انفرد بها خارقاً بها الإجماع، فقام إبراهيم بن القيم بتتبع هذه المسائل
وحصرها، ثم بين زيف الدعوى الموجهة ضد الشيخ، وأثبت أنه لم يعرف له مسألة خرق فيها الأجماع، ومن ادعى عليه ذلك فهو إما جاهل وإما كاذب.
كما ذكر أن له كتاباً اسمه: (اختلاف المذهبين) تعرض فيه للمسائل الخلافية بين أحمد والشافعي، ولم أعثر له على خبر.