بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ حُسن الخُلق أساسُ تزكيةِ النُّفوسِ ونقاء السَّريرة وهو زينةُ المؤمنين وحِلية الصَّالحينَ، وخيرُ قرين على تعاقُب الأزمان والأحيان.
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ
فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ.[1]
وإنَّ مِنْ عَظيمِ الصِّفاتِ التي أمرَ اللهُ تعالى بها وحثَّنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الاتِّصاف بها الصِّدقُ، فقال تعالى وهو أصدقُ القائلين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].
فهل يتنافى هذا الخُلُق الطيّب مع ما انتشر بين عامّة النَّاس من كذبة أبريل (نيسان)؟
أيْ نعم، يتنافى معه، أيْ نعم يُناقضه، وهل نقيضُ الصِّدق غير الكذب؟
فهل علمتِ ما الصِّدق وما جزاءُ من يصدق في حديثه؟ وهل علمتِ ما الكذب وما جزاءُ الكاذب؟
إن الأوَّل يهدي إلى الجنة والثاني إلى النار، إن الصِّدق مفتاحُ البر والكذبُ مفتاح الإثم والفُجور، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»[2].
إيّاكِ والكذب ، لعمري إنه من قبائح الذُّنوب وفواحش العُيوب، فما بالُك يا أخيّتي تستسهلين الأمور؟ ألا إنَّ الصِّدق طُمَأنينة وَإِنَّ الكذب ريبة.
أما علمتِ أن الكذب في الحديث من خِصال المنافقين؟
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» [3]، وبئس هذا الوصف لمن اتَّصف به!
قد يكون ردّك: كذبة واحدة، لن تضّر!
إن اعتقدتِ أنها بيضة الديك فستُثنِّيها قاصدة أو غير قاصدة، فللشيطان خُطوات ومداخل، والذَّنب يجر إلى الذَّنبِ، والمُنكر يشفع بالمنكر،
فالكذبة الواحدة إن اعتقدتِ مُرورها بسَلام، فتتبعينها بأخرى،
ورُبَّ كذبة جالبة لقلّة ثقة،
بل رُبَّ كلمة لا تُلقي لها بالا فتعودُ عليكِ بالوبال.
كُوني ممن يُوثَقُ بخبرهم، كُوني ممن لا يُقدَحون في صِدقهم ولا يُتَّهَمون في ما يقولون، في هذا اليوم وفي سائر الأيَّام.
ولله در زياد بن أبيه حين قال في خطبته البتراء: «إنَّ كِذْبَةَ المِنبر بلقاءُ مَشْهُورةٌ، فإذا تعلَّقتم عليَّ بكِذبةٍ فقد حلّت لكم معصيتي، وإذا سمعتموها مِنّي فاغتمزُوها فيَّ واعلموا أنَّ عندي أمثالَها»[4]، لقد أدرك جيِّدا ما يجرُّه الكذب على صاحبه، ومِقدار ما يحط من مكانة الرَّجل عند قومه ورعِيَّته، فمن وَقع في الكذب مرّة هَان عليه فعلُه مرّات.
بل كل من له نخوة وعِزَّة نجدُه يمقتُ الكذب ولا يُداريه، فهذا أبو سفيان قبل إسْلامه حينَ كان مُعاديًا لنبيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أوَّل الأمر، قد ارتحلَ إلى الشام مُتاجرا رُفقة ركب من قُريش، فلما سمع بهم هِرَقْل ملك الروم دعاهُمْ فِي مجلسه وحوله عُظماء الرُّوم، وَدعا بترجمانه وسأل أبا سفيان عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: «فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ»[5]، لقد خَشي أن تُؤثر عليه كذبة، فما بالُ المسلمين يسعوْن إلى الكذب سَعْيا؟ وقد نهاهم دينهم عنه؟
فلا يزالُ بِسَاطُ الرّيبة والشكِّ مطْويّاً بينكِ وبين من تتعاملين معهم، مادام نهجك الحقّ وطبعكِ صِدق المقال يا أخيّة.
قد يكون ردّك: لستُ سوى مازحة، أنتِ من تُضخِّمين المسألة وتهوّلينها وتُعطينها أكثر من حجمها!
لو كان هذا ردُّك لذكَّرتُ نفسي وذكَّرتُك بقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي لَأَمْزَحُ، وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا»[6]،
أليس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدوتي وقُدوتُك؟ ألَسْنا مأمُورين بطاعته؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
تعالي -يرحمك الله- لنقرأ سويّا هذا الحديث الذي قال فيه الرَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»[7].
أفلا ترغبين ببيتٍ في وسط الجِنان رسول الله زعيمه؟! يا الله ما أروعها من نعمة!
لا يَعترِضُني شكٌّ في رغبتك بل وشوقك لجنَّة عرضُها السَّماوات والأرض-جعلني الله وإيَّاكِ من سُكانها- فاتركي عنكِ إذن الكذبة مازحة، وليكن ديدنكِ الصِّدق في حديثك، في جدّك وهزلك.
عن عبد الله بن عامر، أنه قال: «دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ»[8]، إن كان الحذر من الكذب مطلوبٌ مع الصبيان أثناء مُلاعبهم، خوفا من أن يُكتب على صاحبه كذبة، فكيف مع الكبار؟ وكيف لو كان متعمّدا مع سبق إصرار من الفاعل؟
ما أقبح خبرا لم يُعِرهُ الصِّدق نُورَه! وما أحسن كلاما تنزّهتْ صاحبته فيه عن الباطل، تتلقفه الأسماع من غير شكٍّ ولا ريبة!
قد يكون ردّك: مجرَّد رغبة في إضحاك أخواتي أو زميلاتي أو أفراد أسرتي.
يقول عليه الصلاة والسلام: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ»[9]
كرّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيْلٌ لَهُ) إيذاناً بشِدّة هلاك المحدِّث الذي كذب بُغية إضحاك القوم.
هل ترضين بدور الضحيّة ؟ وهل ترضين أن تتّخذك صُويحباتك هُزُؤاً؟
لعلّك تعلمين أنه لا يحلُّ للمسلم أن يهجُر أخاه فوق ثلاث، فهل تعلمين أيضا أنه لا يحلُّ له أن يروّعه؟ وإلا كيف نسمي الهلع والخوف والجزع الذي يُصيب مَن يقع في مصْيدة يوم كذبة أبريل؟!
فكل الفخاخ مُتاحة وكلُّ الوسائل مُباحة، بل حبّذا تفنّن في إبداع الحيّل واختلاق الكذبة!
وليتها تكون مدبّرة بطريقة ذكيَّة محكمة النَّسج، ويا ليتَ الخبر يُصاغ ويُلفَّق بكثير من الحرْص والإحكام حتى تُخدع الضحيّة، ويُرى المكذوب عليه وقد وقع في الفخّ مع درجة الامتياز للكاذب!
وكيف لا يكون حاذقا ماهرا بهِمَّة قصِيَّة المرمى، لعلَّه تذكَّر الإتقان والإحسان، ولعلَّه يظفر بكلمة مدح وإطراء واستحسان: أَحْسنَ الرَّجل فيما صنع!
إنه لا يعدو أن يكون نسّاج كذب، صوَّاغ باطل، سَرَّاجا مَرَّاجا للأحاديث.
واعجبا لمن يروِّع الآمن ويستغفله لمجرّد الترفيه والضَّحك والترويح عن النفس؟! ويؤكد: إنها رخصة!
كفانا يا أخواتي في الله بحديث نبيّنا واعظا، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»[10].
ومن باب الترويع أن يأخذ أحدنا متاع آخر والحُجة المزاح والمداعبة، ناسيا ما قد يحدثه هذا التصرف -الذي نحسبه عاديا من غفلتنا- من تشتيت للذهن، وجدّ وجُهد في البحث عن الضالّة، يقُولُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا»[11].
فكيف لو كان ترويعكِ لأخواتكِ بأمر جلل،
كأن تقولي: فلانة أو فلان مات، أو حصل مع زوجكِ كذا أو رأيتُ زوجك مع فلانة، أو تعرضت عائلتكِ لحادث سيارة، أو أي فكرة مستطيرة الشَّرر، تُلبس ضحيّتكِ الرُّعب وتسلبها الأمان، وكم سمعتُ وسمعتِ من أخبار بدأت بمزحة أبريل وانقلبت جحيما، وعاد الكاذب ليقول: لم تكن سوى كذبة أبريل! لكن متى؟ حين لا ينفع عضُّ البنان ولا يُغني النَّدم!
وما أدراكِ؟ قد لا تتجاوز عنكِ من روَّعتها مازحة، وقد لا تصفح عنكِ، فتتكوَّن العداوة وتجد الضغينة مكانا لها في القلوب، وتحلّ الشَّحناء مكان الوفاق.
تخيّلي لو كنتِ أنتِ من نُسجت حبال الخديعة حولها؟ هل كنت ترضين؟
ربّما تضربين عن إِساءة أخيّتك صفحاً جميلا، وتغضين عن كذبتها الطَّرف، وربما تفقدين الثقة بكلامها، وربما يُقطع حبل الوِصال الأخويّ بينكما فلم كلُّ هذا؟
لله در عبد الله بن مسعود -رحمه الله- حين ارْتَقَى الصَّفَا فأخذَ بلسانه فقال: «يَا لِسَانُ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَم»[12].
فقُولي خيرا، وأعْرضي عن كذبة أبريل تسلمي، فلا شيء يعدلُ السّلامة، وهنا يصدُق قول الشّاعر:
الصدقُ أَفْضَلُ شيء أَنْتَ فاعِلُه
لا شيءَ كالصِّدق لا فخرٌ ولا حَسَبُ.[13]
والكذب في ما ذكرتُه لكِ، وذكّرتُ به نفسي وإيّاك، منعدمٌ نفعه، وبالٌ على المخاطِب والمخاطَب، محرّم شرعا، مع الإشارة أن من الكذب ما هو مُباحٌ لضرورة أو حاجة مع انعدام الطُّرق الأخرى التّي تفي بنفس الغرض، كالذي يُرجى به الإصلاح بين النّاس، أو في الحرب إرهابا لأعداء الله محقّقا مصلحة للمسلمين، أو حديث الزوجين تطييبا للخاطر وزَرْعا للألفَة والمحبّة بينهُما، وإلا فالأصل كما ذكرتُ والكَذِبُ حرامٌ في أبريل وفي غَيرِه، فأين تحقيقُ هذه المصالح الشَّرعية من كذبة أبريل تلك؟
واعلمي أيا حبيبة أن ديننا دين يُسر، وكلُّه خير، ولا مانع من المزاح الخفيف، بل الترويح عن القلوب مطلوب مرغوب لأجل طرد الملل، أو لتَطييب المجالس بضوابط -لا مجال لبسطِها كلِّها- أهمها ألا يكون المزاح إلا صِدقا، وأن لا يكون من باب الترويع والتخويف.
يبقى أن ألقى منكِ ردّا كثيرا ما يطرق سمعي، فيُحدث في القلب ألما يعتصره: مجرّد تقليد!
بالمقابل لا أفتأ أردّد كلام خير البشر، وهو يخاطب أُمَّته عليه صلوات من ربي وسلام، قائلا: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ»[14]،إنّ التشبُّه بالكفرة منهيٌّ عنه في ديننا بل الواجب مُخالفتهم لا محاكاتهم وتقليدهم، فهل عَمِيتْ عليكِ وُجُوه الرُّشْد يا حفيدة خديجة وعائشة؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[15]،
ألا بُعدا لتشبُّه يجعلكِ من هؤلاء القوم!
إنَّ كذبة أبريل/نيسان، تقليد غربي محض، يُطلق عليه بالفرنسية: (poisson d'avril) وبالإنجليزية: (April Fool's Day) ، لم أقف عند قول فصل بخصوص تاريخها، لوجود آراء مختلفة حول نشأة هذا التصرّف الغريب في المجتمعات الغربية، فيُقال أنها استحدثت بفرنسا حوالي سنة 1582م، مع احتفالات حلول فصل الربيع, ثم انتشر هذا التقليد لبقية أوروبا على شاكلة بريطانيا واسكتلندا في القرن 18 للميلاد، إلى أن أصبح يتَّصف بالدوْلية.
وأما الترجمة الحرفية لهذا الموروث الغربي من الفرنسية فهي: (سمكة أبريل)، دلالة على انتقال الشمس فيه من برج الحُوت -الذي ينتهي يوم 20 مارس/آذار- إلى برج الحمل- الذي يبدأ يوم 21 مارس/آذار-، وقد يكون دلالة على اصطياد المغفَّلين مثلما تُصطاد السّمكة! وقيل أيضا أن هذا الاحتفال من بقايا طُقوس وثنية[16].
وفي كلِّ الأحوال فهو تقليدٌ أوروبي يقوم على إشاعة الأكاذيب بين النَّاس في اليوم الأوَّل من أبريل، ويكون فيه من يُصدِّق هذه الأكاذيب ضحيَّة كذبة أبريل، فهم بين كاذب وكذبة وضحيَّة أحمق مُغفَّل في عُرفهم، يصيِّرونه أحدوثة الآخرين!
أنتِ لست طوع أمر الغرب، لا تكوني سهلة الانقياد لعاداتهم، فلا أحد يُرغمك على الكذب، ولا أحد يجبرك عليه، فلم تفعلينه طوْعا؟
فالكذب محرّم، ولا يجوز ولو مزاحا، كما لا يجوز ولو مرَّة واحدة، وتقليد الكُفار منهيُّ عنه فتأملي ....!
وأخيرا: ما أحوجنا إلى حُسن الخُلق فيما بيننا! فإنه أرْجى منفعَة، وأتمُّ عائدة.
فَإِذا رُزِقت خَليقَةً مَحمودَةً
فَقَدِ اِصطَفاك مُقَسِّمُ الأَرزاقِ[17]
واهًا لمن اصطفاها مقسّم الأرزاق ... !!
أوصيكِ ونفسي بتقوى الله وطاعته في السِرِّ والعلن، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]،
ونسأله جلَّ وعلا أن يُجنبنا منكرات الأخلاق والفواحِشَ ما ظهر منها وما بطن،
وأن يجعلنا من الصادقين في إيماننا وجميع أقوالنا وأفعالنا.
إنَّ حُسن الخُلق أساسُ تزكيةِ النُّفوسِ ونقاء السَّريرة وهو زينةُ المؤمنين وحِلية الصَّالحينَ، وخيرُ قرين على تعاقُب الأزمان والأحيان.
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ
فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ.[1]
وإنَّ مِنْ عَظيمِ الصِّفاتِ التي أمرَ اللهُ تعالى بها وحثَّنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الاتِّصاف بها الصِّدقُ، فقال تعالى وهو أصدقُ القائلين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].
فهل يتنافى هذا الخُلُق الطيّب مع ما انتشر بين عامّة النَّاس من كذبة أبريل (نيسان)؟
أيْ نعم، يتنافى معه، أيْ نعم يُناقضه، وهل نقيضُ الصِّدق غير الكذب؟
فهل علمتِ ما الصِّدق وما جزاءُ من يصدق في حديثه؟ وهل علمتِ ما الكذب وما جزاءُ الكاذب؟
إن الأوَّل يهدي إلى الجنة والثاني إلى النار، إن الصِّدق مفتاحُ البر والكذبُ مفتاح الإثم والفُجور، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»[2].
إيّاكِ والكذب ، لعمري إنه من قبائح الذُّنوب وفواحش العُيوب، فما بالُك يا أخيّتي تستسهلين الأمور؟ ألا إنَّ الصِّدق طُمَأنينة وَإِنَّ الكذب ريبة.
أما علمتِ أن الكذب في الحديث من خِصال المنافقين؟
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» [3]، وبئس هذا الوصف لمن اتَّصف به!
قد يكون ردّك: كذبة واحدة، لن تضّر!
إن اعتقدتِ أنها بيضة الديك فستُثنِّيها قاصدة أو غير قاصدة، فللشيطان خُطوات ومداخل، والذَّنب يجر إلى الذَّنبِ، والمُنكر يشفع بالمنكر،
فالكذبة الواحدة إن اعتقدتِ مُرورها بسَلام، فتتبعينها بأخرى،
ورُبَّ كذبة جالبة لقلّة ثقة،
بل رُبَّ كلمة لا تُلقي لها بالا فتعودُ عليكِ بالوبال.
كُوني ممن يُوثَقُ بخبرهم، كُوني ممن لا يُقدَحون في صِدقهم ولا يُتَّهَمون في ما يقولون، في هذا اليوم وفي سائر الأيَّام.
ولله در زياد بن أبيه حين قال في خطبته البتراء: «إنَّ كِذْبَةَ المِنبر بلقاءُ مَشْهُورةٌ، فإذا تعلَّقتم عليَّ بكِذبةٍ فقد حلّت لكم معصيتي، وإذا سمعتموها مِنّي فاغتمزُوها فيَّ واعلموا أنَّ عندي أمثالَها»[4]، لقد أدرك جيِّدا ما يجرُّه الكذب على صاحبه، ومِقدار ما يحط من مكانة الرَّجل عند قومه ورعِيَّته، فمن وَقع في الكذب مرّة هَان عليه فعلُه مرّات.
بل كل من له نخوة وعِزَّة نجدُه يمقتُ الكذب ولا يُداريه، فهذا أبو سفيان قبل إسْلامه حينَ كان مُعاديًا لنبيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أوَّل الأمر، قد ارتحلَ إلى الشام مُتاجرا رُفقة ركب من قُريش، فلما سمع بهم هِرَقْل ملك الروم دعاهُمْ فِي مجلسه وحوله عُظماء الرُّوم، وَدعا بترجمانه وسأل أبا سفيان عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: «فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ»[5]، لقد خَشي أن تُؤثر عليه كذبة، فما بالُ المسلمين يسعوْن إلى الكذب سَعْيا؟ وقد نهاهم دينهم عنه؟
فلا يزالُ بِسَاطُ الرّيبة والشكِّ مطْويّاً بينكِ وبين من تتعاملين معهم، مادام نهجك الحقّ وطبعكِ صِدق المقال يا أخيّة.
قد يكون ردّك: لستُ سوى مازحة، أنتِ من تُضخِّمين المسألة وتهوّلينها وتُعطينها أكثر من حجمها!
لو كان هذا ردُّك لذكَّرتُ نفسي وذكَّرتُك بقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي لَأَمْزَحُ، وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا»[6]،
أليس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدوتي وقُدوتُك؟ ألَسْنا مأمُورين بطاعته؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
تعالي -يرحمك الله- لنقرأ سويّا هذا الحديث الذي قال فيه الرَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»[7].
أفلا ترغبين ببيتٍ في وسط الجِنان رسول الله زعيمه؟! يا الله ما أروعها من نعمة!
لا يَعترِضُني شكٌّ في رغبتك بل وشوقك لجنَّة عرضُها السَّماوات والأرض-جعلني الله وإيَّاكِ من سُكانها- فاتركي عنكِ إذن الكذبة مازحة، وليكن ديدنكِ الصِّدق في حديثك، في جدّك وهزلك.
عن عبد الله بن عامر، أنه قال: «دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ»[8]، إن كان الحذر من الكذب مطلوبٌ مع الصبيان أثناء مُلاعبهم، خوفا من أن يُكتب على صاحبه كذبة، فكيف مع الكبار؟ وكيف لو كان متعمّدا مع سبق إصرار من الفاعل؟
ما أقبح خبرا لم يُعِرهُ الصِّدق نُورَه! وما أحسن كلاما تنزّهتْ صاحبته فيه عن الباطل، تتلقفه الأسماع من غير شكٍّ ولا ريبة!
قد يكون ردّك: مجرَّد رغبة في إضحاك أخواتي أو زميلاتي أو أفراد أسرتي.
يقول عليه الصلاة والسلام: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ»[9]
كرّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيْلٌ لَهُ) إيذاناً بشِدّة هلاك المحدِّث الذي كذب بُغية إضحاك القوم.
هل ترضين بدور الضحيّة ؟ وهل ترضين أن تتّخذك صُويحباتك هُزُؤاً؟
لعلّك تعلمين أنه لا يحلُّ للمسلم أن يهجُر أخاه فوق ثلاث، فهل تعلمين أيضا أنه لا يحلُّ له أن يروّعه؟ وإلا كيف نسمي الهلع والخوف والجزع الذي يُصيب مَن يقع في مصْيدة يوم كذبة أبريل؟!
فكل الفخاخ مُتاحة وكلُّ الوسائل مُباحة، بل حبّذا تفنّن في إبداع الحيّل واختلاق الكذبة!
وليتها تكون مدبّرة بطريقة ذكيَّة محكمة النَّسج، ويا ليتَ الخبر يُصاغ ويُلفَّق بكثير من الحرْص والإحكام حتى تُخدع الضحيّة، ويُرى المكذوب عليه وقد وقع في الفخّ مع درجة الامتياز للكاذب!
وكيف لا يكون حاذقا ماهرا بهِمَّة قصِيَّة المرمى، لعلَّه تذكَّر الإتقان والإحسان، ولعلَّه يظفر بكلمة مدح وإطراء واستحسان: أَحْسنَ الرَّجل فيما صنع!
إنه لا يعدو أن يكون نسّاج كذب، صوَّاغ باطل، سَرَّاجا مَرَّاجا للأحاديث.
واعجبا لمن يروِّع الآمن ويستغفله لمجرّد الترفيه والضَّحك والترويح عن النفس؟! ويؤكد: إنها رخصة!
كفانا يا أخواتي في الله بحديث نبيّنا واعظا، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»[10].
ومن باب الترويع أن يأخذ أحدنا متاع آخر والحُجة المزاح والمداعبة، ناسيا ما قد يحدثه هذا التصرف -الذي نحسبه عاديا من غفلتنا- من تشتيت للذهن، وجدّ وجُهد في البحث عن الضالّة، يقُولُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا»[11].
فكيف لو كان ترويعكِ لأخواتكِ بأمر جلل،
كأن تقولي: فلانة أو فلان مات، أو حصل مع زوجكِ كذا أو رأيتُ زوجك مع فلانة، أو تعرضت عائلتكِ لحادث سيارة، أو أي فكرة مستطيرة الشَّرر، تُلبس ضحيّتكِ الرُّعب وتسلبها الأمان، وكم سمعتُ وسمعتِ من أخبار بدأت بمزحة أبريل وانقلبت جحيما، وعاد الكاذب ليقول: لم تكن سوى كذبة أبريل! لكن متى؟ حين لا ينفع عضُّ البنان ولا يُغني النَّدم!
وما أدراكِ؟ قد لا تتجاوز عنكِ من روَّعتها مازحة، وقد لا تصفح عنكِ، فتتكوَّن العداوة وتجد الضغينة مكانا لها في القلوب، وتحلّ الشَّحناء مكان الوفاق.
تخيّلي لو كنتِ أنتِ من نُسجت حبال الخديعة حولها؟ هل كنت ترضين؟
ربّما تضربين عن إِساءة أخيّتك صفحاً جميلا، وتغضين عن كذبتها الطَّرف، وربما تفقدين الثقة بكلامها، وربما يُقطع حبل الوِصال الأخويّ بينكما فلم كلُّ هذا؟
لله در عبد الله بن مسعود -رحمه الله- حين ارْتَقَى الصَّفَا فأخذَ بلسانه فقال: «يَا لِسَانُ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَم»[12].
فقُولي خيرا، وأعْرضي عن كذبة أبريل تسلمي، فلا شيء يعدلُ السّلامة، وهنا يصدُق قول الشّاعر:
الصدقُ أَفْضَلُ شيء أَنْتَ فاعِلُه
لا شيءَ كالصِّدق لا فخرٌ ولا حَسَبُ.[13]
والكذب في ما ذكرتُه لكِ، وذكّرتُ به نفسي وإيّاك، منعدمٌ نفعه، وبالٌ على المخاطِب والمخاطَب، محرّم شرعا، مع الإشارة أن من الكذب ما هو مُباحٌ لضرورة أو حاجة مع انعدام الطُّرق الأخرى التّي تفي بنفس الغرض، كالذي يُرجى به الإصلاح بين النّاس، أو في الحرب إرهابا لأعداء الله محقّقا مصلحة للمسلمين، أو حديث الزوجين تطييبا للخاطر وزَرْعا للألفَة والمحبّة بينهُما، وإلا فالأصل كما ذكرتُ والكَذِبُ حرامٌ في أبريل وفي غَيرِه، فأين تحقيقُ هذه المصالح الشَّرعية من كذبة أبريل تلك؟
واعلمي أيا حبيبة أن ديننا دين يُسر، وكلُّه خير، ولا مانع من المزاح الخفيف، بل الترويح عن القلوب مطلوب مرغوب لأجل طرد الملل، أو لتَطييب المجالس بضوابط -لا مجال لبسطِها كلِّها- أهمها ألا يكون المزاح إلا صِدقا، وأن لا يكون من باب الترويع والتخويف.
يبقى أن ألقى منكِ ردّا كثيرا ما يطرق سمعي، فيُحدث في القلب ألما يعتصره: مجرّد تقليد!
بالمقابل لا أفتأ أردّد كلام خير البشر، وهو يخاطب أُمَّته عليه صلوات من ربي وسلام، قائلا: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ»[14]،إنّ التشبُّه بالكفرة منهيٌّ عنه في ديننا بل الواجب مُخالفتهم لا محاكاتهم وتقليدهم، فهل عَمِيتْ عليكِ وُجُوه الرُّشْد يا حفيدة خديجة وعائشة؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[15]،
ألا بُعدا لتشبُّه يجعلكِ من هؤلاء القوم!
إنَّ كذبة أبريل/نيسان، تقليد غربي محض، يُطلق عليه بالفرنسية: (poisson d'avril) وبالإنجليزية: (April Fool's Day) ، لم أقف عند قول فصل بخصوص تاريخها، لوجود آراء مختلفة حول نشأة هذا التصرّف الغريب في المجتمعات الغربية، فيُقال أنها استحدثت بفرنسا حوالي سنة 1582م، مع احتفالات حلول فصل الربيع, ثم انتشر هذا التقليد لبقية أوروبا على شاكلة بريطانيا واسكتلندا في القرن 18 للميلاد، إلى أن أصبح يتَّصف بالدوْلية.
وأما الترجمة الحرفية لهذا الموروث الغربي من الفرنسية فهي: (سمكة أبريل)، دلالة على انتقال الشمس فيه من برج الحُوت -الذي ينتهي يوم 20 مارس/آذار- إلى برج الحمل- الذي يبدأ يوم 21 مارس/آذار-، وقد يكون دلالة على اصطياد المغفَّلين مثلما تُصطاد السّمكة! وقيل أيضا أن هذا الاحتفال من بقايا طُقوس وثنية[16].
وفي كلِّ الأحوال فهو تقليدٌ أوروبي يقوم على إشاعة الأكاذيب بين النَّاس في اليوم الأوَّل من أبريل، ويكون فيه من يُصدِّق هذه الأكاذيب ضحيَّة كذبة أبريل، فهم بين كاذب وكذبة وضحيَّة أحمق مُغفَّل في عُرفهم، يصيِّرونه أحدوثة الآخرين!
أنتِ لست طوع أمر الغرب، لا تكوني سهلة الانقياد لعاداتهم، فلا أحد يُرغمك على الكذب، ولا أحد يجبرك عليه، فلم تفعلينه طوْعا؟
فالكذب محرّم، ولا يجوز ولو مزاحا، كما لا يجوز ولو مرَّة واحدة، وتقليد الكُفار منهيُّ عنه فتأملي ....!
وأخيرا: ما أحوجنا إلى حُسن الخُلق فيما بيننا! فإنه أرْجى منفعَة، وأتمُّ عائدة.
فَإِذا رُزِقت خَليقَةً مَحمودَةً
فَقَدِ اِصطَفاك مُقَسِّمُ الأَرزاقِ[17]
واهًا لمن اصطفاها مقسّم الأرزاق ... !!
أوصيكِ ونفسي بتقوى الله وطاعته في السِرِّ والعلن، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]،
ونسأله جلَّ وعلا أن يُجنبنا منكرات الأخلاق والفواحِشَ ما ظهر منها وما بطن،
وأن يجعلنا من الصادقين في إيماننا وجميع أقوالنا وأفعالنا.