بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هاكم ما وعدتكم به للرد على شبهة هذا المفتون المدعو ((علي جمعة)) بخصوص مسألة تجويزه للصلاة بالمساجد التي بها أضرحة ، بل ادعاؤه بأنها ((سُـنـة))!! ضاربا بذلك النصوص الصريحة الواردة في تلك المسألة عرض الحائط ، والله المستعان ....
كتاب ((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)) بقلم محمد بن ناصر الدين الألباني
الطبعة الرابعة
المكتب الإسلامي
**************
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به و******* إن الله كان عليكم رقيباً }، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما }.
أما بعد ، فقد كنت طبعت آخر سنة (1377) هجرية رسالة بعنوان " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " ، وكانت نسختي الخاصة من هذه الطبعة طيلة هذه المدة في متناول يدي ، كلما عثرت على فائدة زائدة تناسب موضوعها علقتها عليها ، رجاء ضمها إليها عند إعادة طبعها مزيدة ومنقحة ، وبذلك توفر عندي زيادات كثيرة هامة ، ولما طلب مني الأستاذ الافضل زهير الشاويش صاحب المكتب الاسلامي أن أقدمها إليه ليجدد طبعها ، افتقدتها فلم أجدها ، ولما يئست منها أرسلت إليه نسخة أخرى استعرتها من بعض أصحابي لتطبع كما هي على قاعدة : " ما لا يدرك كله ، لا يترك جله " ، وبينما كان أخي الاستاذ زهير الشاويش يعد العدة لطبعها ، إذ عثرت عليها بفضل الله تعالى وكرمه ، فبادرت بإرسالها إليه ، بعد تهذيبها وتهيئتها للطبعة الثانية .
ولما كان لتأليف الرسالة المذكورة يؤمئذ ظروف خاصة وملابسات معينة ، اقتضت الحكمة أن يكون أسلوبها على خلاف البحث الهادئ ، والاستدلال الرصين ، ذلك أنها كانت رداً على أناس لم تعجبهم دعوتنا إلى الكتاب والسنة ، على منهج السلف الصالح ، وخطة الأئمة الأربعة وغيرهم ممن اتبعوهم باحسان ، فبادؤونا بالتأليف والرد ، وليته كان رداً علمياً هادئاً ، إذن لقابلتهم بأحسن منه ولكنه لم يكن كذلك ـ مع الأسف ـ بل كان مجرداً عن أي بحث علمي ، مملئاً بالسباب والشتائم وابتكار التهم التي لم تسمع من قبل لذلك ، لم نر يؤمئذ أن من الحكمة السكوت عنهم ، وتركهم ينشرون رسائلهم بين الناس ، دون أن يكون لدى هؤلاء مؤلف يكشف القناع عما فيها من الجهل والتهم ، { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة } لذلك كان لا بد من الرد عليهم بأسمائهم .
وعلى الرغم من أنني لم أقابل اعتداءهم وافتراءهم بالمثل ، فقد كانت الرسالة على طابعها العلمي رداً مباشر عليهم ، وقد يكون فيها شيء من القسوة أو الشدة في الأسلوب في رأي بعض الناس الذين يتظاهرون بامتعاضهم من الرد على المخالفين المفترين ، ويودون لو أنهم تركوا دون أن يحاسبوا على جهلهم وتهمتهم للأبرياء ، متوهمين أن السكوت عنهم هو من التسامح الذي قد يدخل في مثل قوله تعالى { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } وينسون أو يتناسون أن ذلك مما يعينهم على الاستمرار على ضلالهم وإضلالهم للآخرين ، والله عز وجل يقول { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وأي أثم وعدوان أشد من اتهام المسلم بما ليس فيه ، بل بخلاف ما هو عليه ! ولو أن بعض هؤلاء المتظاهرين بما ذكرنا أصابه من الاعتداء دون ما أصابنا لسارع إلى الرد ، ولسان حاله ينشد :
ألا لا يجلهن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين
أقول على الرغم من ذلك : فإنني لأرى أن طبع الرسالة من جديد على وضعها السابق ليس من ورائه فائدة تذكر ، لذلك كان لابد من حذف بعض التعليقات ، وتعديل قليل من العبارات ، مما يهذب من أسلوبها ويتناسب مع طبعتها الجديدة ، ولا ينقص من قيمتها العلمية ، وبحوثها المهمة .
وقد كنت ذكرت في مقدمة الطبعة الأولى أن موضوع الرسالة ينحصر في أمرين هامين جداً :
الأول : حكم بناء المساجد على القبور .
الثاني : حكم الصلاة في هذه المساجد .
وإني آثرت البحث فيهما ، لأن بعض الناس خاضوا فيهما بغير علم ، وقالوا ما لم يقله قبلهم عالم ، لاسيما وأكثر الناس لا معرفة عندهم فيه مطلقاً ، فهم في غفلة عنه ساهون ، وللحق جاهلون ، ويدعمهم في ذلك سكوت العلماء عنهم ـ إلا من شاء الله وقليل ما هم ـ خوفا من العامة ، أو مداهنة لهم في سبيل الحفاظ على منزلتهم في صدورهم ، متناسين قول الله تبارك وتعالى { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } وقوله صلى الله عليه وسلم : " من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " .[1]
وكان من نتيجة هذا السكوت وذلك الجهل ، أن آل الأمر إلى ارتكاب كثير من الناس ما حرم الله تعالى ولعن فاعله ، كما سيأتي بيانه ، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ! بل صار بعضهم يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بذلك ! فترى كثيراً من محبي الخير وعمارة منهم ، ينفق أموالا طائلة ليقيم لله مسجداً ، لكنه يعد فيه قبراً ، يوصي أن يدفن فيه بعد موته ! وآخر مثال أعرفه على ذلك ـ وعسى أن يكون الأخير إن شاء الله هذا المسجد الذي هو في رأس شارع بغداد من الجهة الغربية بدمشق ، وهو المعروف ب" مسجد بعيرا " ، وفيه قبره ، وقد بلغنا أن الأوقاف مانعت في دفنه أول الأمر ، ثم لا ندري الأسباب الحقيقية التي حالت بينها وبين ما أرادت ، ودفن " بعيرا " في مسجده بل في قبلته ! وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وهو المستعان على الخلاص من هذه المنكرات وأمثالها ! .
ومنذ أيام قليلة توفي أحد المفتين من الشافعية ، فأراد ذووه أن يدفنوه في مسجد من المساجد القديمة شرقي دمشق ، فمانعت الأوقاف أيضاً في ذلك فلم يدفن فيه ، ونحن نشكر الأوقاف على هذه المواقف الطيبة ، وحرصها على منع الدفن في المساجد ، راجين الله تبارك وتعالى ، أن يكون الحامل لها على هذا المنع هو رضاء الله عز وجل واتباع شريعته ، ليس هو اعتبارات أخرى من سياسية أو اجتماعية أو غيرها ، وأن يكون ذلك بداية طيبة منها في سبيل تطهير المساجد من البدع والمنكرات المزدحمة فيها! لاسيما ووزير الأوقاف فضيلة الشيخ الباقوري له مواقف كريمة ، في محاربة كثير من هذه المنكرات وخصوصاً بناء المساجد على القبور ، وله في هذا الموضوع كلام مفيد سيأتي نقله في المكان المناسب إنشاء الله تعالى .
ومن المؤسف لكل مؤمن حقاً أن كثيراً من المساجد في البلاد السورية وغيرها لا تخلو من وجود قبر أو أكثر فيها ، كأن الله تبارك وتعالى أمر بذلك ولم يلعن فاعله ! فكم تحسن الأوقاف صنعاً لو حاولت بحكمتها تطهير هذه المساجد منها .
ولست أشك أن ليس من الحكمة في شيء مفاجأة الرأي العام بذلك ، بل لا بد من إعلامه قبل كل شيء ، أن القبر والمسجد لا يجتمعان في دين الإسلام ، كما قال بعض العلماء الأعلام ، على ما سيأتي ، وأن اجتماعهما معاً ينافي إخلاص التوحيد والعبادة لله تبارك وتعالى ، هذا الإخلاص الذي من أجل تحقيقه تبنى المساجد ، كما قال تعالى { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} .
أعتقد أن بيان ذلك واجب لا مناص منه ، ولعلي أكون قد وفقت للقيام به في هذه الرسالة ، فقد جمعت فيها الأحاديث المتواترة في النهي عن ذلك ، وأتبعتها بذكر مذاهب العلماء وأقوالهم المعتبرة ، التي تدل على ذلك ، وتشهد في الوقت نفسه على أن الأئمة رضي الله عنهم كانوا أحرص على اتباع السنة ودعوة الناس إلى اتباعها ، والتحذير من مخالفتها ، ولكن صدق الله العظيم القائل : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً}.
وهذه فصول الرسالة :
الفصل الأول : في أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد .
الفصل الثاني : في معنى اتخاذ القبور مساجد .
الفصل الثالث : في أن اتخاذ القبور مساجد من الكبائر .
الفصل الرابع : شبهات وجوابها .
الفصل الخامس : في حكمة تحريم بناء المساجد على القبور .
الفصل السادس : في كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور .
الفصل السابع : في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي .
وفي تضاعيف هذه الفصول ، فصول أخرى فرعية ، تضمنت فوائد هامة نافعة إن شاء الله تعالى .
وقد سميت الرسالة :
( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد )
ذلك ما كنت كتبت في مقدمة الطبعة الأولى .
وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع المسلمين بهذه الطبعة أكثر من سابقتها ، وأن يتقبلها مني وسائر عملي الصالح قبولاً حسناً ، ويجزي القائم على طبعها خيراً . دمشق في 23ـجمادى الأولى ـ سنة 1392هـ
محمد ناصر الدين الألباني
ــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1 - حديث حسن ، أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (296 ) والحاكم (1 / 102) وصححه ، ووافقه الذهبي .