تستعدّ الأمّة الإسلاميّة لاستقبال نعمة عظيمة من الله عزّ وجل خصّ فيها المسلمين دون غيرهم من الأمم، نعمة تتنزّل عليهم سنويّاً مُحمّلّة بالبركات والغفران، والمحظوظ حقّاً من هيّأ نفسه لحُسن استقبال تلك النّعمة، إنّها نعمة شهر رمضان المبارك، كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إذا حلّ شهر رمضان المُبارك يحكي لصحابته رضوان الله عليهم: (أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ).[١]. إنّ شهر رمضان المبارك يلعب ثلاثة أدوار محوريّة على تغيير الأمّة الإسلاميّة، فهو يُزكّي ويُنقّي النّفوس من الشّوائب، ويُوحّد صفوف المسلمين في المساجد وعلى الموائد، والأهم من ذلك يُرّبي النّفوس البشريّة ويكبح جماحها.[٢] كيف نستقبل شهر رمضان ينتقل الإنسان في شهر مضان المبارك من حالٍ إلى حال، والتّغيير يُصبح فيه مُلحّاً لمواكبة هذا الشّهر الفضيل من الناحية الدينيّة والبدنيّة، فالحكيم من أحسن استقبال هذا الشّهر العظيم واستطاع أن يتزوّد من خيراته، واستقبال شهر رمضان المُبارك يتطلّب من المسلم عمليّة تطوير شاملة حتى يستطيع أن يرتقي بإيمانه وروحه وسلوكه، وهذا يتطلّب الأمور الآتية:[٣] النِيّة الخالصة الصَّادقة بصيام الشَّهر إيماناً واحتساباً للأجر عند الله سبحانه. الاستعانة بالله عزّ وجل على بلوغ شهر رمضان المبارك، وطلب الإعانة والهمّة من الله تعالى. تعلُّم أحكام رمضان وكلّ ما يتعلّق بهذا الشّهر الفضيل. التّسامح والعفو عن النّاس قبل ابتداء الشّهر الفضيل. التخلّص من الجدال وترك المُشاحنات والخصومات. التَّوبة النَّصوح والإقبال على الله بالاستغفار والنَّدم على ما انقضى من العُمر في الذّنوب والمعاصي والبُعد عن طريق الله. عقد العزم على أنْ يكون رمضان فرصةً للتّغيير نحو الأفضل، وتحسين الذَّات، وتصحيح الأخطاء، والاستمراريّة على ذلك بعد رمضان؛ فلا يكون رمضان فترةً مؤقّتةً وإنّما أسلوب حياة. الإكثار من الأعمال الصّالحة، تحضير النّفس لأعمال البرّ، كالعمرة، وقراءة القرآن، والصّدقات، والاعتكاف. برّ الوالدين والإحسان إليهما، وطلب العفو منهما عن أيّ تقصيرٍ اتجاههما، وصلة الرّحم مع الأقارب. ردّ الحقوق إلى أصحابها من ديونٍ وأماناتٍ. مُصاحبة الأخيار الذين يُعينون على العمل الصّالح. قضاء الأيّام السّابقة من رمضان. تحرّي رؤية هلال رمضان المبارك. إذا ثبت هلال رمضان يُسنّ الدّعاء كما دعا الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (كانَ رسولُ اللهِ إذا رأى الهلالَ قالَ: اللهُ أكبرُ، اللَّهمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمنِ والإيمانِ ، والسَّلامةِ والإسلامِ ، والتَّوفيقِ لما تحبُّ، وَترضَى ، ربُّنا وربُّكَ اللهُ).[٤] استشعار أهميّة شهر رمضان المُبارك ورحماته وغفرانه، والأجر الذي وعد الله عزّ وجل به الصّائمين القائمين. عدم صيام آخر يومين من شهر شعبان كما أوصى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام. وضع جدول أو برنامجٍ لاستغلال الوقت في رمضان، وتحديد الأولويات، وعدم الإسراف في المُباحات، كالسّهر مع الأصدقاء، ومُشاهدة التّلفاز، وغيرها من الأمور. الفرح والاستبشار بقدوم الشّهر الكريم الذي تُستجاب فيه الدّعوات كما فعل الصّحابة، وتجنّب التّذمّر وخاصّةً إذا جاء رمضان في فترة الصّيف والحرّ. تجهيز بعض الأدعية المُطلقة والدينيّة وعقد العزم على تكرارها طوال الشّهر، فقد كان بعض الصّحابة والسّلف الصّالح يُحدّدون دعواتهم قبل مجيء رمضان، ويُصرّون على دعائها طوال الشّهر الفضيل فلا يأتي رمضان من العام التّالي إلّا وقد استُجيب دُعاءهم. تحديد عمل خيريّ واحد على الأقلّ تواظب عليه طوال الشّهر، وتُخصّص له من ميزانيّتك الخاصّة مبلغاً من المال، أو من وقتك كتوزيع الكتب والكتيّبات النّافعة، أو تفطير الصّائمين، أو تنظيف المساجد وغيرها من أفعال البرّ والخير. أفكار في رمضان تتنوّع العبادات والطّاعات والأعمال الصّالحة التي يتقرّب العبد فيها لله عزّ وجل، طمعاً في كسب مرضاته، وبلوغ ثوابه، ومن فضل الله علينا أنّه يُضاعف ثواب وأجر العمل الصّالح في رمضان، هذه بعض الأفكار العمليّة التي تخدم المجتمع في شهر رمضان المُبارك، وتُبلّغ المسلم جزيل الثّواب:[٥] تقديم عمل اجتماعيّ: دعا الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلى مُساعدة النّاس، وتفريج كربهم، وإعانتهم معنويّاً وماديّاً، قال عليه الصّلاة والسّلام: (أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفعُهُمْ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً، أو تَقضِيَ عنهُ دَيْنًا، أو تَطرُدَ عنهُ جُوعاً ولَأَنْ أمْشِيَ مع أخِي المسلمِ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكِفَ في المسجدِ شهْراً، ومَنْ كفَّ غضَبَهُ، سَتَرَ اللهُ عوْرَتَهُ، ومَنْ كظَمَ غيْظاً، ولوْ شاءَ أنْ يُمضِيَهُ أمْضاهُ ، مَلأَ اللهُ قلْبَهُ رضِىَ يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أخيهِ المسلمِ في حاجَتِه حتى يُثْبِتَها لهُ، أثْبتَ اللهُ تعالَى قدَمِه يومَ تَزِلُّ الأقْدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفسِدُ العملَ، كَما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ)ref name="wstDGMozoF">رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبداالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 176. صلة الرّحم: تقديم التّهنئة للأقارب بحلول هذا الشّهر المبارك، وتفقُّد أحوالهم، ودعوتهم للإفطار معاً، ونشر التّوعية بينهم فيما يخصّ هذا الشّهر الفضيل، وتقديم المعونة والصّدقة لهم إذا لزم الأمر، وتقديم الهدايا لهم أيضاً. حقّ الجار: أوصى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في عدّة أحاديث نبوية بالجار، وبهذا وجب بعض التّوصيات له في هذا الشّهر الفضيل، كتقديم التّهنئة له بحلول هذا الشّهر الفضيل، ومن الممكن التّعاون في تزيين مدخل العمارة بما يُدخل البهجة والفرح على الأطفال، وتحديد موعد جماعيّ للإفطار سويّاً، وبادر بالدّعوة لهم، وتفقّد المُحتاجين من الجيران، وتقديم العون لحارس العمارة، وتوّلي تقديم وجبة الإفطار له، وتقديم الهدايا لأطفال الجيران وتشجيعهم على الصّوم والصّلاة. صلاة التّروايح: المُحافظة على صلاة التّراويح والتي تُعتبر من أهمّ الشّعائر الدينيّة والروحانيّة في شهر رمضان. حملة المساجد: القيام بحملة تنظيف وتزيين وصيانة المساجد كالإضاءة، والتّكييف، وتنظيف السّجاد، والحائط، وصيانة دورات المياه، وتوفير بعض الكُتيّبات التي تُفيد المُصلّين، وتقديم وجبات الإفطار لهم، وأيضاً مُمكن تعيين لجنة تُشرف على المسجد طوال الشّهر المبارك، وعمل مُسابقات دينيّة لتشجيع المُصلّين والأطفال، وتحديد برنامج للمعتكفين. حملة تزيين الشّارع: القيام بحملة لتنظيف وتجميل الشّارع الذي تسكنه، وتعليق اللافتات والزّينة المُضيئة بالتّعاون مع الجميع. حملة أصحاب الشّركات: يتوّجب على المُدراء وأصحاب الشّركات تقديم التّهنئة للموظّفين، وصرف منح ماليّة لهم إن تيسّر ذلك، وتقديم معونة شهر رمضان للفقراء منهم، ودعوتهم للإفطار الجماعيّ. الحملة الإلكترونيّة: يمكن الاستعانة بالرّسائل الإلكترونيّة والفيس بوك لإرسال آيات وأحاديث يوميّة لتشجيع وتوعية النّاس بأهمية وفضل شهر رمضان، ودعوتهم لاستغلاله في الطّاعات ما أمكن. حملة الطّعام: القيام بتوزيع وجبات الإفطار والسّحور على الفقراء وتولّي جميع احتياجاتهم في رمضان حتّى يتفرّغوا للعبادة، وأيضاً يمكن توزيع الطّرود الخيّرية والتي تحتوي على أهمّ المواد الغذائيّة. حملة زيارة المرضى: القيام بحملة لزيارة المرضى في المستشفيات إن أمكن، وتقديم الدّعم المعنوي لهم وتذكيرهم بثواب الله عزّ وجل. ورد في الحديث القدسي: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القيامةِ: يا بنَ آدمَ مرِضتُ فلم تعُدْني، قال: يا ربِّ كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أنَّ عبدي فلانًا مرِض فلم تعدْه، أما علمتَ أنَّك لو عدتَه لوجدتني عنده؟ يا بنَ آدم استطعمتُك فلم تُطعمْني، قال: يا ربِّ وكيف أُطعِمُك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أنَّه استطعمك عبدي فلانٌ فلم تُطعِمْه، أما علمتَ أنَّك لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي، يا بنَ آدمَ استسقيتُك فلم تَسقِني قال: يا ربِّ كيف أسقِيك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلانٌ فلم تَسقِه، أما إنَّك لو سقَيْتَه وجدتَ ذلك عندي).[٦]. حملة العمل الصّالح: تتنوّع الأعمال والطّاعات الصّالحة في شهر رمضان لاكتساب أكبر قدر ممكن من الخيرات والثّواب، كختم القرآن الكريم أكثر من مرّة في الشهر، وتحديد ورد يوميّ للالتزام به، من الممكن أيضاً تنظيم مُسابقات لختم القرآن، قال تعالى: (وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[٧]، والاعتكاف في المسجد في العشر الآواخر من الشهرالفضيل، وتحرّي ليلة القدر، والإكثار من التّسبيح والتّهليل والأذكار