الصّوم لغةً هو الإمساك بشكل عام، أمّا في الاصطلاح الشرعيّ فالصّوم هو الإمساك عن المُفطرات كالأكل، والشرب، والجماع، بِنيّة التقرّب إلى الله عزّ وجل في زمن مُخصّص، وهو من طلوع فجر الشّمس وحتى غروبها. صوم رمضان يُعتبر الرّكن الرّابع من أركان الإسلام، والتي لا يصُحّ إسلام المرء دون الإيمان والعمل بها. فرض الله عزّ وجل فريضة صوم رمضان لأسرار وحِكَم مُعيّنة مُختلفة تعود بالنّفع على الفرد والمجتمع بشكل عام.[١] فوائد شهر رمضان عندما فَرَض الله عزّ وجل فريضة الصّيام بأحكام مُعيّنة كان الهدف من ذلك تحقيق الهدف المرجوّ من هذه الفريضة؛ وهو بناء النَّفس وتنشأتها وإعداد قوامها كي تنهض بأمُّتها ودينها، وجعل الله عز وجل في الصّيام أهدافاً حيويّةً وغايات عميقة ترتبط وتتفاعل بوجدان وسلوك الصّائم. فيما يأتي بإيجاز فوائد ومزايا عظيمة لصوم شهر رمضان المبارك:[٢] الجانب الروحي الوجدانيّ التقوى: يُعالج ويُقوّي الصّيام جانب التّقوى في نفوس المسلمين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[٣]، نستدل من هذه الآية الكريمة أنّ أوسع وأشمل هدف للصّيام هو تحقيق التّقوى في القلوب، وهي المُبتغى الأول من الصّيام، فالتقوى حارس للقلوب والجوارح من ارتكاب المعصية، ومُراقبة المرء لنفسه في سرّه وعلانيّته، ويظهر جليّاً دور الصّوم في تحقيق التّقوى من خلال التدرّب على الصّبر في مواجهة صعاب الحياة، ومن خلال مُراجعة النّفس وحسابها في هذه الدّورة الرمضانيّة، فيُراعي المسلم سلوكه ويستلهم رقابة الله له في كل الأوقات، وهذا أعظم مُربٍّ للنّفس. الاستعلاء على الشّهوات البدنيّة والماديّة: تُحرّر فريضة الصّيام المُسلم من اتّباع غرائزه، وتُقوّي عنده الإرادة والتحكّم بها، فيسمو عن غيره من باقي الكائنات الحيّة، وتتغلّب روحه على شهواته، ويعلو بعقله وروحه، وهذا أيضاً مغزىً عظيم من فريضة الصّوم. تقوية صلة الإنسان بربّه: يُدرك الإنسان نعم الله عزّ وجل عند أداء فريضة الصّوم، ويستشعر أهميتها وقيمتها، فيُدرك قيمة الشّبع وقيمة مطالب الجسد، فيستشعر المسلم نِعَم الله عزّ وجلّ عليه، كما اقتضت الحكمة الصّيام في النّهار لا في اللّيل حتى تتضاعف المشقّة والكفاح، بالتّالي يُدرك المسلم أكثر قيمة هذه النِّعَم المُحيطة به. إظهار العبوديّة الكاملة لله عزّ وجل: صوم المسلم ترجمة عمليّة صادقة للخضوع لله عزّ وجل، فيترك الصّائم جميع المُحظورات المُتاحة بين يديْه، رغبةً في مرضاة الله عزّ وجل وكسب الثّواب، لهذا نسب الله عز وجل ثواب الصّوم إليْه: (كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ لَه إلَّا الصَّومَ، فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِه، ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ).[٤] الصّوم يزيد الإخلاص: إنّ نيّة الصّوم هي شرط من شروط الصّيام وأساس لقبولها، والنّية الصّادقة للصّوم هي تدريب عمليّ للإخلاص بين العبد وربّه بعيداً عن الرّياء، فمعظم العبادات قد يُداخلها الرّياء إذا كان لها مظاهرَ خارجيّة كالزّكاة والصّلاة، أمّا الصّيام فلا يعلم حقيقته إلا الله، وبذلك تتحقّق التّقوى ومُراقبة الله عزّ وجلّ. تقوية الجانب الخُلقيّ والنفسيّ الصّوم يغرُس الأمانة في النّفس: الصّوم خير وسيلة لغرس وتنمية الأمانة، ومراقبة النّفس دون رقيب، فيتخلّى الصّائم عن شهواته وطعامه وشرابه دون وجود رقيب عليه، فيستحضر وجود الله له في كلّ الأوقات، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ الصّومَ أمانةٌ فليحفظ أحدُكم أمانتَه)[٥] تدريب على الصّبر: الصّبر خُلْق مُكتسب، ويُعتبر الصّيام أحد العوامل التي تُنمّي خُلق الصّبر عند الصّائم، فعندما يتحمّل الصّائم الجوع والعطش ومَشاقّ الصّيام، يُصبح قادراً فيما بعد على تحمّل مصاعب أُخرى، ويملك أسباب التحدّي، والثّبات، والمُقاومة التي تُساعده في مواجهة الحياة بصبر وإيمان. تزكية النّفس وتطهيرها: يُدرّب الصّيام النّفس على التحلية بالفضائل والأخلاق الحسنة، وترك الرّذائل والمُنكرات خِشيةً على تمام صيامه، قال عليه الصّلاة والسّلام: (من لم يدَع قولَ الزُّورِ، والعملَ بِهِ، فلَيسَ للَّهِ حاجةٌ أن يدعَ طعامَهُ وشرابَهُ).[٦] ضبط النّفس والتحكّم بها: من فضائل الصّوم على النّفس البشريّة شحذ العزيمة، وتمكينها من كبح شهواتها والتحكّم بها، والتحرّر من عاداتها المُستحكِمة فيها، وضبط أعصابها في المواقف التي تستوجب ذلك، وإلّا لم يُحقّق الصّوم أحد أهدافه، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : كلُّ عَملِ ابنِ آدمَ لَهُ إلَّا الصِّيامَ هوَ لي وأَنا أجزي بِهِ، الصِّيامُ جُنَّةٌ، فإذا كانَ يومُ صومِ أحدِكُم فلا يرفُثْ، ولا يصخَبْ، فإن شاتمَهُ أحدٌ أو قاتلَهُ، فليقل: إنِّي امرؤٌ صائمٌ، والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِهِ، لخلوفُ فمِ الصَّائمِ أطيَبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ)[٧] وقاية الصّائم من الاضطراب النفسيّ: الصّوم يُبلّغ النّفس الطّمأنينة والأمان، ويُبعد عن القلق والوسواس، عندما يشعر الصّائم بقربه من الله عزّ وجل. تقوية الجانب العقليّ والذهنيّ زيادة النّشاط العقليّ: أثبتت الدّراسات أنّ النّشاط العقليّ يزداد بجوع الفرد، وتتحقّق أعلى نسبة للصّفاء الذهنيّ في وقت الصّوم، فكثرة الطّعام تُسبّب خمولاً وكسلاً واسترخاءً. تحسين القدرة على الإدراك والفهم: تزداد قدرة الإنسان على التّفكير والإدراك والفهم خلال الصّوم، وكان السّلف الصّالح يتحيّز هذه الأوقات لزيادة كتاباتهم، ومُضاعفة إنتاجهم. تقوية الجوانب الاجتماعيّة تحقيق التّكافل والودّ والتّعاطف: المجتمع الإسلاميّ يقوم على أساس التّكافل، والتّراحم، والتّعاطف، ويتنافس المسلمون في رمضان على الجود والكرم وإطعام الطّعام، فالصّيام يُنبّه المسلمين للإحساس بالفقراء والجائعين، ويُحفّزهم لتقديم الخير. تقوية العلاقات الاجتماعيّة: الصّيام يعمل على توطيد وتوثيق العلاقات، وتقوية صلة الرّحم، فالصَّدَقة تُزيل الغضب والحقد عند الفقراء، ممّا يزيد في توثيق وتوحّد الأواصر بين أفراد المجتمع. صيام رمضان مظهر للمساواة: صوم رمضان يُحقّق المساواة بين أفراد المجتمع سواء كانوا أغنياء أم فقراء، فهم مُجبرون للانصياع لأحكام الصّيام وأركانه سواء، هذه المساواة تُفرِح الفقير، وتزيد الرّحمة عند الغنيّ. توازن الجانب الاقتصاديّ تقليل النّفقات: يدعو الإسلام للاعتدال في النّفقات وعدم الإسراف في كافّة الأمور، وحثّ الإسلام على عدم التّبذير والتوّسط في تناول وجبات الطّعام. زيادة الإنتاج: أثبتت الدّراسات العلميّة أنّ الصّيام يزيد قدرة الصّائم على التّركيز وبالتّالي يزيد الإنتاج؛ لأنّ النّشاط الذهنيّ والبدنيّ يرتفعان في حالة الجوع، وهذا ينعكس على زيادة الإنتاج بصورة واضحة. تطبيق الجانب التربويّ تربية الإرادة: الصّوم يقوّي إرادة الفرد والقدرة على التحكّم بها، ويُقوّي السّيطرة على النّفس، فالصّوم مدرسة إجباريّة ينتسب إليها المسلمون شهراً كاملاً لتربية جوانب مُختلفة في حياتهم. وجود القدوة: يُقلّد الأطفال الكبار في شهر رمضان، وتُظهر القدوة الحسنة بالنّسبة للأطفال، فهم يُقلّدون الكبار في أداء الشّعائر، كالسّحور، وصلاة التّراويح، ومحاولة الصّوم. التّربية الفرديّة والاجتماعيّة: إنّ الصّيام خير مدرسة للمسلم على تربيته للتكيّف الاجتماعيّ، لما يقتضيه من أداء الواجبات الحسنة، والتخلّي عن العادات السيّئة، للحفاظ على صحّة صيامه، ويسعى الصّائم للتمسّك بالقيم والمبادئ الخيّرة، مثل حفظ الوقت واستغلاله في الطّاعات، كما يُرّبي الصّيام المسلم على التغيّر والانسجام مع الظّروف المُختلفة المُحيطة به، ويجعل الفرد قادراً على التمرّد على بعض سلوكه وعاداته. تحسين الجانب الصحّي للصّوم فوائد صحيّة عديدة تعود بالنّفع على جسم الإنسان، منها:[٨] التّخلص من سموم الجسم: يُساعد الصّوم الجسم على التخلّص من السّموم العالقة فيه، فعند انقطاع الأكل لمدّة مُعيّنة يقوم الجهاز الهضميّ باستعادة حيويته وملازمة عمله بتنقية الجسم من الشّوائب. خفض مُستوى السكّر المُرتفع في الدّم: يُساعد الصّيام على حرق المخزون الزّائد من الدّهون والسكّر، ممّا يؤدّي إلى توازن في وجود القيم الغذائيّة المطلوبة للجسم، ويُساعد الصّائم على اتّباع نظام غذائي صحيّ، كما يُوصى باتّباع السّنة عند الإفطار، وعدم الإكثار من الطّعام، قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرّاً من بطنٍ حسْبُ الآدميِّ لقيماتٌ يُقِمنَ صلبَهُ فإن غلبتِ الآدميَّ نفسُهُ فثُلُثٌ للطَّعامِ وثلثٌ للشَّرابِ وثلثٌ للنَّفَسِ).[٩] تقوية جهاز المناعة: يُساعد الصّيام على تقوية جهاز المناعة للصّائم، من خلال زيادة إنتاج كريات الدّم البيضاء، وتكوين الأجسام المُضادّة التي تُهاجم الجراثيم. الوقاية من بعض الأمراض: يُساعد الصّيام على تخفيض نسبة الكوليسترول في الدّم وترّسباته على أوعية الشّرايين، كما أنّ بعض أطبّاء الغرب أوصوا بالصّيام كوسيلة للوقاية والعلاج من بعض الأمراض القلبيّة، وأمراض الجهاز الهضميّ، كالقرحة، والتهاب المرارة، والقولون العصبيّ، وبعض الأمراض الجلديّة