العبادة في رمضان يجتهد المسلمون في فعل الطاعات وأداء العبادات في رمضان، فيحافظون على الصلاة، ويلتزمون قيام الليل، ويسعون لأداء العمرة، والاعتكاف في مساجد الله، وينفقون في سبيله سبحانه وتعالى ويصومون النهار، ويكثرون من الذكر والدعاء، فينهلون بذلك من كلّ ما شرع الله عزّ وجلّ لهم من عبادات وأمرهم بها، آملين أن يقبل الله منهم كل ذلك، ويُعينهم على الثبات عليه بعد رمضان.[١] الثبات بعد رمضان نهى الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يكونوا مثل من قضت وقتاً طويلاً تغزل الصوف لتصنع منه ملبساً، ثمّ قامت بحلّه فجأة عندما قارب على الانتهاء، قال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا)،[٢] ويشبه ذلك حال من يعودون سريعاً بعد رمضان إلى المعاصي والذنوب، ويتركون أشكال الطاعات كلها التي كانوا قد أحسنوا غزلها في رمضان بكل طاقتهم ووسعهم، إلا أنّهم ينقضونها مباشرة مع غروب شمس آخر أيام رمضان.[٣] إذا تفكّر الإنسان في سبب عودته السريعة للمعاصي بعد رمضان، يجد أنّ انفلات الشياطين التي كانت مُصفَّدةً في رمضان تعدّ من أهم هذه الأسباب، فالشيطان حريص على دخول الإنسان إلى النار، وهو يعمل كلّ ما في وسعه من أجل إقناعه بفعل المعاصي واقتراف الآثام، ويغتاظ كل الغيظ بعد انتهاء رمضان لمّا يعلم أنّ الله سبحانه وتعالى قد غفر للمسلم الطائع في رمضان ذنوبه كلها، فيبدأ رحلة جديدة من الوسوسة والعمل على دفع المسلم للعصيان والبُعد عن طريق الله عز وجل، وحتى يتمكّن الإنسان من دفع مكائد الشيطان هذه فلا بدّ له من الثبات بعد رمضان، والاستمرار على الطاعة، والحرص على العبادات، وأول ما على الإنسان فعله حتى يتمكّن من الثبات أن يحافظ على عزيمته متوقّدة ومشتعلة، فالإنسان في رمضان يكون ممتلئاً بالطاقة الإيجابية والعزيمة على بذل الجهد والوسع في أداء العبادات، ومن أجل الثبات لا بدّ له من خمسة أمور، بيانها فيما يأتي:[٣] الحرص على أداء الصلوات الخمس؛ خصوصاً صلاة الفجر، والأفضل في ذلك أن تكون في المسجد، فإن لم يستطع فعلى الأقل أن يصلّيها في أول الوقت مع السُّنن الرواتب. المواظبة على قراءة القرآن، فالإنسان في رمضان يقرأ من القرآن جزءاً أو اثنين أو أكثر في اليوم الواحد، إذًا فليجتهد أن يحافظ على شيء من ذلك بعد رمضان، كأن يحافظ على صفحات قليلة في اليوم، لا أن يترك القراءة ويهجرها إلى رمضان القادم. الإكثار من ذكر الله تعالى في كلّ الأوقات؛ عند النوم، وعند الخروج من المنزل، وفي الصباح والمساء، وعلى أي حال كان الإنسان. تحرّي الدعاء، ولو لدقائق معدودة يومياً، المهمّ أن يستمر الإنسان في الدعاء والإلحاح على الله عز وجل، وإن أمكنه أن يقوم الليل مرّةً في الأسبوع على الأقل ويصوم شيئاً من الأيام على سبيل النافلة كذلك، كان أفضل في الثبات والمداومة على الطاعة. صيام ستّة من شوال بعد رمضان ممّا يفعله الإنسان بعد رمضان من الطاعات ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهك (مَنْ صامَ رمضانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ ستّاً مِنْ شوَّالٍ، كانَ كصيامِ الدَّهْرِ)،[٤] وصيام هذه الأيام الستة من شهر شوال هو سُنة مُستحبَّة وليس بواجب على المسلم، إلا أنّ فيها أجراً عظيماً ولها فوائد كبيرة، وقد قال فقهاء الحنابلة والشافعية إنّ صيام ستة من شوال بعد صيام رمضان يعدل صيام سنة كاملة من الفرض، وقال العلماء إن في إتباع صيام رمضان بصيام ستة من شوال تعويضاً للنقص الحاصل من الصائم في صيام رمضان، فالإنسان لا شك أنّه يقصّر أو يذنب، ممّا ينقص من صيامه في رمضان فيأتي صيام ستة من شوال مكمّلاً هذا النقص ومعوّضاً إياه، واستدلوا لذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوَّلُ ما يُحاسَبُ الناسُ بِهِ يَوْمَ القيامَةِ مِنْ أعمالِهمُ الصلاةُ، يقولُ ربُّنا عزَّ وجلَّ لملائِكَتِهِ وهو أعلمُ: (انظروا في صلاةِ عبْدِي أتَمَّها أَمْ نَقَصَها؟ فَإِنْ كانتْ تامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كان انتقصَ منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي مِنْ تطَوُّعٍ؟ فإنْ كان له تَطَوُّعٌ قال: أتِمُّوا لعبدي فريضتَهُ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعمالُ على ذاكم).[٥][٦] علامات قبول العمل في رمضان المسلم بعد أدائه لطاعة ما من حج، أو صيام، أو صدقة، أو غيرها، يرجو من الله قبولها واحتسابها له، فقد كان عبد الله بن مسعود يقول: (أيّها المقبول هنيئاً لك، أيّها المردود جبَر الله مصيبتك)، وكان علي بي أبي طالب يقول كذلك بعد انقضاء مواسم الطاعات: (من المقبول فنهنّيه، ومن المحروم فنعزّيه؟)، وقد جعل الله تبارك وتعالى لقبول العمل من الإنسان علامات يأنس بها ويطمئن إليها، منها ما يأتي:[٧] ترك الذنوب بشكل دائم وعدم العودة إليها بعد التزام الطاعة، فالرجوع إلى الذنب علامة خسارة، فعلى الإنسان أن يستعين بالله ويعزم على عدم العودة إلى المعصية نهائياً. الخوف من عدم قبول العمل؛ فالمؤمن الحق هو الذي إذا عمل عملاً صالحاً كان مشفقاً على نفسه خائفاً من عدم قبول الله له، ويظلّ يناجي الله ويدعوه أن يتقبله منه، قال صلى الله عليه وسلم في تفسير آية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)؛[٨] قال فيها صلى الله عليه وسلم: (الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ، وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).[٩] إتْباع الطاعة بطاعاتٍ بعدها، فالله سبحانه وتعالى يكرم عباده بأن يوفقهم إلى الطاعة بعد الطاعة والحسنة بعد الحسنة، فيفتح لهم بذلك أبواباً تقرّبهم إليه سبحانه. ترك العُجب بالعمل والالفتات إلى صِغره أمام نِعَم الله عز وجل على الإنسان، وهذا حال المخلصين فهم يعلمون حق الله تبارك وتعالى عليهم، وأنّهم لا يقومون بشيء من هذا الحق العظيم. التعلّق بالطاعة وبُغض المعصية؛ فالله تعالى يحبّب الطاعة لقلوب عباده الذين يقبل أعمالهم، ويكرّه إليهم المعاصي والآثام. الإلحاح بالدعاء إلى الله مع الرجاء فيه؛ فالإنسان يحيا مع الله تبارك وتعالى بالخوف والرجاء معاً لا بأحدهما فقط، فهو يخاف عدم قبول العمل، ويرجو كذلك قبوله من رب العالمين، ويتمسّك بالدعاء لتحقيق ذلك. ميل القلب للصالحين وانقباضه للعاصين؛ فالله تعالى يُحبّب لقلوب عباده المقبولين أهل الطاعات فيحبّونهم، ويبغّض إليهم أهل المعاصي، وهذا الأصل في المؤمن أن يحب لله ويبغض لله كذلك. الإكثار من الاستغفار، فكثير من العبادات مطلوب أن يختمها الإنسان بالاستغفار؛ وذلك لأنّ الإنسان مهما بلغ من الاجتهاد في الطاعات والحرص عليها يظلّ مقصّراً في حق الله. الاستمرار على الطاعة، فهذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلة: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا عمل عملاً أَثْبَتَه)