اهتمّ الإسلام منذ نشأته بجمع العلوم التي تفيد الإنسان، وتسير به إلى جميع أنواع المعرفة، ومنها: المعرفة العلميّة والدينية، ومن العوامل التي ساعدت على ذلك اتّساع البلاد الإسلاميّة في الصحراء، إذ إنّ التنقل والسير بين البلاد يحتاج إلى معرفة في دلالات النجوم للسير على ما تدل عليه، ومن الأمور التي تعتمد على علوم الفلك تحديد أوقات الصلاة؛ فوقت الصلاة يعتمد على الموقع الجغرافيّ للبلد، وذلك حسب الطول والعرض، وبالنسبة لدرجة الشمس أيضاً، كما أنّ تحديد قبلة الصلاة يعتمد اعتماداً أساسياً على موقع البلد بالنسبة للكعبة المشرفة، ومن العبادات التي تعتمد على علم الفلك إثبات بداية شهر رمضان برؤية الهلال؛ فالعين المجرّدة كما كان سابقاً لا تكفي لذلك،[١] وقد بيّن العلماء كلّ نوع من أنواع على الفلك وحكم كلّ نوع، وأنواعه، هي: علم الفلك الحسابيّ وعلم الفلك الاستدلاليّ، فأمّا علم الفلك الحسابيّ فهو ما يُستدلّ به على جهة القبلة، وأوقات الصلاة، بالإضافة إلى معرفة أسماء الكواكب، وهو جائز شرعاعً ولم يختلف الفقهاء في ذلك، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنّه فرض كفاية، أمّا علم الفلك الاستدلاليّ فهو ما يُستعان به على معرفة الحوادث التي قد تقع في المستقبل وهو منهيّ عنه في الإسلام، ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع العلماء على تحريمه.[٢] ثبوت دخول شهر رمضان ارتبط صيام شهر رمضان برؤية الهلال الذي يدلّ على دخوله وإثباته، ودليل ذلك ما نقله البخاريّ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيَتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ، فإنْ غبِّيَ عليكم فأكملوا عدةَ شعبانَ ثلاثينَ)،[٣] حيث ذهب الفقهاء القدامى إلى الاعتماد على الرؤية البصرية فقط لرؤية هلال رمضان؛ فلم يذكروا الحساب الفلكيّ في أقوالهم، واعتمدوا إكمال شهر شبعان ثلاثين يوماً في حالة تعذّر رؤية الهلال، ورغم ذلك ذكر بعض الفقهاء القدامى الحساب الفلكيّ في إثبات هلال رمضان، وفيما يأتي بيان بعض الأحكام والقضايا المتعلّقة بالوسائل المستخدَمة في إثبات دخول شهر رمضان:[٤] عدّ بعض الفقهاء الاعتماد على الحساب الفلكيّ نوعاً من أنواع الكهانة المحرّمة التي نهى عنها الشرع الإسلاميّ، والكهانة من الأمور التي لا خلاف فيها بين العلماء، حيث وردت عدّة أحاديث نبويّة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بحرمة ذلك؛ إلا أنّ الحساب الفلكيّ لإثبات دخول شهر رمضان لا يعدّ من الكهانة؛ لأنها ادّعاء معرفة علم الغيب، أمّا الحساب الفلكيّ فهو متابعة منازل القمر بالاعتماد على قواعد علميّة دقيقة قد تصل إلى درجة اليقين، وبناءً على ذلك فالحساب الفلكيّ ليس فيه إخبار عن علم الغيب بشيء. إنّ التقنية العلميّة الحديثة دقيقة جداً، حيث تحدّد وقت ولادة القمر بالجزء من الثانية، ولكن التقنية في الزمن الماضي كانت محدودة وغير دقيقة، ممّا جعل العلماء يشكّون في صحتها، لاعتمادها على الرؤية البصرية التي تدلّ على دخول شهر رمضان، أمّا في الزمن الحاضر فالحساب الفلكيّ يعدّ أقوى من الرؤية البصريّة فيقدّم الحساب الفلكي. إنّ الحديث النبوي الذي يدلّ على أنّ شهر رمضان يثبت برؤية الهلال لا ينفي الاعتماد على الحساب الفلكي، حيث إنّ الوسيلة التي تثبت ذلك كانت مقتصرة على الرؤية البصرية، لأنّ الناس لم يكونوا على علم بالمعارف العلمية الحديثة، وبما أنّ الأمة امتلكت المعارف العلميّة التي توصلها إلى معرفة المواقيت بدليل يقينيّ فوجب عليها العمل به. إنّ الغاية من رؤية هلال شهر رمضان هي التقرّب إلى الله تعالى بالقيام بفريضة الصيام، دون النظر أو الاقتصار على وسيلة محددة لذلك، فالغاية هي إثبات دخول شهر رمضان سواءً أكان بالرؤية البصرية، أم بالحساب الفلكيّ فالواجب على كلّ مسلم أن يؤدّي ما افترضه الله تعالى عليه بصيام شهر رمضان، إلى جانب ذلك يعدّ الحساب الفلكيّ هو الوسيلة المعتمدة لإثبات مواقيت الصلاة التي كانت تُحدّد بالرؤية البصرية فقط. فضل شهر رمضان يجب على المسلم أن يعمل جاهداً في شهر رمضان لإدراك الفضائل التي منحها الله تعالى لعباده في شهر رمضان، منها:[٥] يعدّ صيام شهر رمضان الركن الرابع من أركان الإسلام التي فرضها الله تعالى على كلّ مسلم، وجعل الله تعالى للصائمين باباً خاصاً لهم من أبواب الجنة سمّاه باب الريان، والواجب على المسلم أن يكون صيامه خالياً من الرفث والفسوق. إنّ في شهر رمضان ليلة من أعظم ليالي السنة وهي ليلة القدر، ويجب على المسلم أن يغتنمها في نيل رضا الله تعالى، والحصول على عظيم الأجور منه وتكفير الذنوب والمعاصي والآثام. ينال المسلم بصلاة القيام مع الإمام حتى ينصرف أجر قيام ليلة كاملة؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قامَ معَ الإمامِ حتَّى ينصرِفَ كُتِبَ لَه قيامُ ليلةٍ).[٦] تعدّ تلاوة القرآن الكريم من أفضل الأذكار التي يعبد بها الله تعالى تأسيّاً بالرسول صلى الله عليه وسلم. يجب على المسلم أن يحرص على البذل والإنفاق في سبيل الله تعالى، ومن أوجه صرف الصدقة: إطعام الفقراء والمساكين، وتفطير الصائمين. يعدّ أداء العمرة في شهر رمضان المبارك بمثابة أداء حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنّه قال لامرأة: (فإذا جاء رمضانُ فاعتمِري؛ فإنَّ عُمرةً فيه تعدِلُ حجَّةً)