تعتبر الصيرفة الإسلامية جزءا من منظومة الاقتصاد الإسلامي ولذلك لا بد من القول إن النظام الاقتصادي الإسلامي يشمل الكثير من معطيات الحياة الإنسانية التي سخر الله تعالى للإنسان فيها كونا فسيحا وخاطبه بقوله : " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" ( الملك 15) ، ويجب علينا أن لا نختصر الاقتصاد الإسلامي في منظومة المصارف الإسلامي وما يدور في فلكها من المؤسسات التي تطبق الصيغ الشرعية للاقتصاد الإسلامي ، فالاقتصاد في الإسلام نظام رباني شامل ولذلك يقول الاستاذ الدكتور عبد الجبار السبهاني في كتابه الوجيز في الفكر الاقتصادي الإسلامي والوضعي : " يختلف المنهج الإسلامي عند البحث في العلوم الاجتماعية( ومنها الاقتصاد) عن المنهج الوضعي وذلك نظرا لاختلاف طبيعة الدور الذي يصدر عن كل فريق من الباحثين ، فيذهب الوضعيون إلى دراسة الفرد والمجتمع سعيا إلى إرساء أرضية علمية يستندون إليها في تقرير قناعاتهم ومن ثم صياغة نظمهمم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
أما التصور الإسلامي فهو لا يرفض البحث في الإنسان أو في الطبيعة ... والقرآن يحفز الإنسان لإعمال قدراته في استقراء آيات الله في الخلق :" قل سيروا في الأرض ثم انظروا.."( الأنعام 11) ، ووعد تعالى بالكشف عنها : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق... " (فصلت 53).
وامتدح الله تعالى أولي الألباب الذين لهم القدرة على استنباط النواميس من الشواهد والقراءات في المادة والمجتمع ، لكن هدف هذا البحث يختلف تماما عن النظام الوضعي فالباحث المسلم في الطبيعة الإنسانية وفي الآفاق ( الطبيعة) لا يبني على نتائج بحوثه تشريعا للانسان ولا يصوغ له نظما اقتصادية كما تفعل المذاهب الوضعية إنما هو يرسخ حقيقة وأصلا اعتقاديا كليا يتمثل بتوكيد الإيمان بالله خالقا عليما حكيما مريدا ،قامت على ذلك الأدلة وفطرت على ذلك النفوس والله سبحانه وتعالى يقدم للبشر وسيلة هذا الإيمان رسالة معجزة هي القرآن الكريم ورسولا صادقا هو النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - .
إن هذه القناعة العقدية لدى المسلمين تجد ترجمتها في الاحتكام إلى مصدر التقويم الوحيد وهو شريعة الله وهذا عكس ما يراه الوضعيون تماما إذ ان مذاهبهم ونظمهم تستند إىل تصوراتهم البشرية وهو منهج يدمغه القرآن الكريم في أحسن الأحول بالظنية : " .... إن يتبعون إلا الظن ... وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " ( النجم 28) ، لأجل ذلك ظل المسلمون مع جدهم في التفكير والتعلم ينظرون إلى الإنسان على انه المخلوق الذي لا يمكن أن يفهم ويحكم إلا بهداية خالقه ويؤسسون على ذلك أن نظاما غير الذي يرتضيه الله للبشر يفقد الوجود اتساقه وتناغمه فالشريعة الإسلامية جزء مكمل للقوانين الفطرية المودعة في الوجود غير العاقل بل والتي تضبط الجزء اللاإرادي من الوجود الإنساني نفسه وبغيرها لا يتحقق الاتساق أبدا :
ومن هنا يؤكد الدكتور السبهاني على نقاك وهي :
1- أن مصدر الفكرالاقتصادي في الإسلام هو القران الكريم والسنة الشريفة .
2- ان البحث في مجال الاقتصاد الإسلامي يجب أن يتم ضمن الأطر التي تحددها المصادر المشار إليها وبذلك يتحدد الدور الاستكشافي للباحث ويتأطر دور التنظير الاقتصادي .
3- إن القناعات العقدية وما يتفرع عنها من تشريعات وقيم تحكم عقول الناس وضمائرهم وأي تنظير اقتصادي يتجاهل هذه الحقيقة هو تنظير غير علمي لأن الاقتصاد يعني من حيث المبدأ بالسلوك الإنساني ، هذا السلوك الذي يأتي إتعكاسا لمنظومة القيم والمبادئ التي يؤمن بها الناس .
الشيخ الدكتور عبدالله بن مبارك العبري
المصدر