البرُ بين الأبناء والآباء
نعيش هذه اللحظات مع أمر من أوامر الله تعالى لعباده وهي آية في سورة الإسراء فكثيرًا ما نسمع هذه الآية المباركة من كتاب الله تعالى:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء 23
والوصية هنا لكل من يرى في نفسه أنه مُقصر مع والديه نوصيه بالبعد عن العقوق, لأنه من أكبر الكبائر ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر (ثلاثًا) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور، أو قول الزور) وكان متكئًا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت).
ونحذر الأبناء من العقوق فهو سبب من أسباب الحرمان من الجنة والطرد من رحمة الله التي وسعت كل شيء، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة) قيل: من هم يا رسول الله ؟ قال: (العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث ).
نتدبر جميعًا قول الرسول: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة)) خابوا وخسروا ورب الكعبة هؤلاء هم الذين طردوا من رحمة الله تعالى، التي وسعت كل شيء، وأول المطرودين: العاق لوالديه, نسأل الله السلامة .
فيا من منَّ الله عليكم الآن بنعمة الآباء والأمهات، وأنتم لا تدركون قدر هذه النعمة، ولن تشعروا بها إلا إذا فقدتم الوالدين، أسأل الله أن يبارك في أعمار آبائنا وأمهاتنا، اللهم آمين. والعقوق لا ينفع معه أي عمل، سواء صلاة أو زكاة أو حجًا أو صيامًا، عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفًا ولا عدلاً: العاق لوالديه, والمنان , والمكذب.
ولنعلم جيدًا أن العقوق دَينُ لا بد من قضائه في الدنيا قبل الآخرة، فكما تدين تُدان، فإن بذلت البر لوالديك سَخَّرَ الله أبناءك لبرك، وإن عققت والديك سَلَّط الله أبناءك لعقوقك، ستجني ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخرة. ما أشقاها والله من حياة: حياة العقوق، وما أطيبها وأروحها وأسعدها وألذها من حياة آلا وهي حياة البر بالوالدين. يكفي أن تعلم أن الله تعالى قد قرن بر الوالدين والإحسان إليهما بتوحيده قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وقال تعالى:" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا".
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاثة، لا يقبل الله واحدة بدون قرينتها. أما الأولى فهي قوله تعالى: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول"َ.
فمن أطاع الله ولم يطع الرسول فلن يُقبل منه.
وأما الثانية فهي قول الله: "وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ" .فمن أقام الصلاة وضيع الزكاة لن يقبل منه.
وأما الثالثة فهي قول الله تعالى: "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ" . فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لن يقبل منه.
حياة البر ما أروعها من حياة، إنها حياة السعادة والطمأنينة، إنها حياة الأمن والأمان، يا لها من لذة, فيها ستشعر بانشراح الصدر، ستشعر بالسعادة في كل الخُطا، بل سيوسع الله عليك رزقك، بل سيبارك الله لك في عمرك.
البِرُّ سبب دخول الجنة: بر الوالدين من أعظم القربات إلى رب الأرض والسماوات.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: (الصلاة على وقتها) قلتُ: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين) قلت: ثم أي؟ قالنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةالجهاد في سبيل الله) .
نقول لكل والد كريم: ابنك أمانة، اجتهد لا تُضيع ولدك فسوف تُسأل عنه. قال تعالى: "يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ونقول للأبناء: اتقوا الله في آبائكم والزموا طاعتهم وبرهم, فإن الأيام غير مضمونة وأذكركم (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم).
فنسأل الله تعالى أن يوفق الوالدين لتربية أبنائهم وأن يوفق الأبناء للقيام بواجبهم مع آبائهم اللهم آمين: والحمد لله رب العالمين .
إبراهيم السيد العربي