أبو العلاء المعري فيلسوف وشاعر عربيّ شهير، وُلدَ عام 973م في معرّة النعمان شمال سوريا ويُنسبُ إليها، وبسبب إصابته بمرض الجدري فقدَ بصرَه في الرابعة من عمره، درسَ علوم الأدب واللغة والتفسير والحديث والفقه، حيث سافر إلى أنطاكيا وحلب من أجل الدراسة، وكان عالمًا بالمذاهب والأديان والعقائد المختلفة والتاريخ والأخبار، وهذا ما تدلُّ عليه أشعاره وكتاباته، بدأ بكتابة الشعر في سنٍّ مبكرة، سافر إلى بغداد واعتزل الناس فترةً فسُمّي رهينَ المحبسين وهما العمى والبيت، ثمَّ عاد إلى المعرّة ورفض الزواج وتوفّي فيها عن عمر يناهز 86 عامًا في عام 1057م، وهذا المقال سيتحدث عن كتب المعري وتلخيص رسالة الغفران واقتباسات منها. كتب أبي العلاء المعري قبل التطرُّق إلى الحديث عن تلخيص رسالة الغفران سيُشار إلى أهمّ مؤلفات أبي العلاء المعري التي تركَها بعد أن عاش عمرَه في سبيل الكتابة والتأليف، فقد نالت الكثيرُ من كتبه شهرةً واسعة؛ لما فيها من إحاطة بمختلف مناحي الحياة ومشاكلها والأسئلة التي تحيط بجوانبها المتنوّعة، وللمعري الكثير من المؤلفات منها: الأيك والغصون، تاج الحرة، رسالة الملائكة، رسالة الهناء وغيرها، وفيما يأتي أهمّ مؤلفات المعري وأشهرها: [١] ديوان سقط الزند: يعدُّ هذا الديوان أوَّل ديوان شعر لأبي العلاء المعريّ، وقد ذاعَ صيتُه وحازَ على شعبيّة كبيرة، ومن خلال ديوان سقط الزند فَرضَ المعري نفسه شاعرًا كبيرًا وبقوّة في ذلك العصر. ديوان لزوم ما لا يلزم: وهو ثاني دواوين المعري، وقد أظهر فيه إبداعًا أكثر وقدرةً أكبر على التحكم بنسجِ البيت الشعري وإحاطةً لا حدَّ لها بالألفاظ والتراكيب، وقد جمع فيه االكثير من نظريّاته التي تتناول الحياة من مختلف مناحيها. رسالة الغفران: من أشهر كتب المعري على الإطلاق، وقد كان له تأثيرٌ كبيرٌ على الأجيال التي تلته، وسيتمُّ الحديث عن تلخيص رسالة الغفران تاليًا بالتفصيل؛ نظرًا لأهمية رسالة الغفران في التراث العربي القديم. كتاب فقرات وفترات: ويُسمَّى أيضًا فصول وغايات، وهو من كتب المعري المثيرة للجدل؛ فقد جعله الكاتب في مجموعة شعريّة يشابه أسلوبُها الأسلوبَ البلاغي في القرآن الكريم، ورأى بعض الباحثين أنَّ المعري كتب هذا الكتاب ليثبتَ أنَّ لغةَ القرآن الكريم غير معجزة، ولكنَّ البعضَ نفى هذا القول. آراء المعري في الأديان عدَّ كثير من الباحثين والفقهاء المعري زنديقًا كافرًا، فقد كان مشكِّكًا بالمعتقدات جميعها التي سبقَ وآمَن فيها، كما ندَّدَ بكثيرٍ بما دَعاهُ خرافات الأديان، وظهر ذلك في الكثير من أشعاره، لذلك كان يوصفُ بأنّه من المفكّرين المتشائمين، ووصفَه البعض بأنَّه يؤمنُ بالربوبيّة لكنَّه لا يؤمنُ بالأديان، بل عدَّ الدين خرافةً من ابتداع القدماء، ورفضَ ادّعاءات الإسلام وغيره بامتلاك الحقيقة المُطلقة، فيقول في بعض أشعاره: [٢] فلا تحسَبْ مقالَ الرسلِ حقًّا ولكنْ قولُ زورٍ سطَّرُوهُ وكانَ النَّاسُ في يمنٍ رغيدٍ فجاءُوا بالمُحال فكدَّروهُ وقد انتقدَ المعري الكثيرَ من الفرائض والمعتقدات الموجودة في الدين الإسلامي ومن أهمِّها: الحج ووصفه بأنَّه رحلة وَثَنيّة، كما عَدَّ تقبيل الحجر الأسود من الخرافات المتوارثة، ورفضَ حقيقة الوحي الإلهيّ وعَدَّها مَزاعِمَ أيضًا، فكانت عقيدتُه عقيدةَ فيلسوفٍ زاهدٍ في الحياة، يرى في العقل وحدَه دليلًا إلى محاسنِ الأخلاق وقنديلًا يضيءُ ظلمات الجهل. تلخيص رسالة الغفران يعدُّ كتاب رسالة الغفران من أشهر الأعمال الأدبيّة التي كتبَها المعريّ في النثر، ويعدّها كثيرٌ من النّقاد والأدباء من أعظم كتب التراث العربيّ النقديّ، ورسالة الغفران عبارة عن رسالة يصفُ فيها المعري أحوال الخلائق في الجنة وفي الجحيم كما يصفُ الشخصيَّات هناك، ويُقال إنَّ الكاتب والشاعر الإيطالي دانتي أليغييري أخذَ فكرة الملحمة الشهيرة التي ألّفها -وهي كوميديا الجحيم- من رسالة الغفران. في بداية الحديث عن تلخيص رسالة الغفران يبدأ المعري بالردّ على رسالة ابن القارح، حيثُ تعدُّ رسالة الغفران ردًّا ضمنيًّا على تلك الرسالة، حيثُ وصفَ المعري في البداية رسالة ابن القارح وما أحدثته من أثرٍ جميل وطيِّب في نفسه وباستفاضة يدفعُ المعري بابن القارح إلى السماء العليا بفضل كلماته الطيّبة، ثمَّ يصف ابن القارح نعيم الجنة وصفًا مُستَمَدًّا من القرآن الكريم ومستفيدًا من قصة الإسراء والمعراج، وفي تلخيص قصة رسالة الغفران ينتقلُ ابن القارح بعد ذلك في أنحاء الجنَّة، ويلتقي أثناء ذلك بالعديد من الشعراء الذين دخلوا الجنة وقد غفر الله لهم بفضل أبيات شعر قالوها، ومن الشعراء الذين كانوا في الجنة: زهير بن أبي سلمى، عبيد بن الأبرص، الأعشى، النابغة الذبياني، حسان بن ثابت، لبيد بن ربيعة، النابغة الجعدي، ويَروي أيضًا تفاصيل لقائه برضوان خازن الجنة ومسامراته للشعراء والأدباء الذي يلتقي بهم، ثم يعود إلى الجنة لحضور مَأدبة أدبيّة يحضرها العديد من الشعراء وينعمون بنعيم الجنة وخيراتها، بعد ذلك يمرُّ في طريقه على النار ويحدّث عددًا من شعراء الجن مثل أبو هدرش، ويلتقي بالعديد من الشعراء الذين يعدُّهم من أهل النار ويسامرهم ومنهم: امرؤ القيس، بشار بن برد، عنترة بن شداد، المهلهل، الشنفرى، عمرو بن كلثوم وغيرهم، ويعود بعد ذلك إلى الجنة وما فيها من نعيم. وتعدُّ تلك المحاورات التي أجراها ابن القارح مع الشعراء في العالم الآخر والتي تخيَّلها المعري في رسالة الغفران من أهمّ مصادر دراسات النقد الأدبيّ القديم، فقد احتوت على أبحاث كثيرة في مجال النقد الأدبيّ، حيثُ ركَّز فيها المعري على النص المحوري للرسالة على حدِّ تعبيره؛ وذلك لإظهار الغاية الأساسية منها والتي حدَّدها بالتعبير عن نظرته للدين والحياة والأدب بأسلوب أدبي بَحت، وركّز فيها أيضًا على الجانب العقائدي من خلال ربطها بعقيدته التي عُرِفَ بها. [٣] اقتباسات من رسالة الغفران بعد تلخيص رسالة الغفران التي جَمَع فيها المعري بين الخيال والواقع والنقد والعديد من وجهات النظر في الدين والأدب والحياة من نواحي عدّة، يجدر بالذّكر إدراج بعض الاقتباسات منها والتي تركت أثرًا في نفوس القرّاء لمئات السنين، وفيما يأتي بعض الاقتباسات من رسالة الغفران: [٤] استرحتُ من حيثُ تعبَ الكرام. وأدلُّ رتب الحلاج أن يكون شَعوذيًّا، لا ثاقبَ الفَهمِ ولا أحْوَذيًا، على أنَّ الصوفية تعظِّمه منهم طائفة، ما هي لأمرِه شائفة. وما علمنا النسكَ موقيًا، ولا في الأسبابِ الرافعةِ مرقيًّا. على أنَّ السرَّ مغيَّبٌ، وكلُّنا في الملتَمَس مُخَيَّب، والجاهل وفوق الجاهل من ادَّعى المعرفة بغبِّ المناهل، واللعنة على الكاذبين. لقد أشبهَتني شمعةٌ في صبابَتي وفي هولِ ما ألقَى وما أتوقَّعُ نُحولٌ وحرقٌ في فناء ووحدةٌ وتَسْهيدُ عينٍ واصفرارٌ وأدمعُ