كان ياما كان، في قديمِ الزمان، وسالفِ العصر والأوان، كان في غابة بعيدة يعيش ثعلب مكّار يظلم الحيوانات الصغيرة البريئة، ويأكل الضعفاء منهم كلّما سنحت له الفرصة، كان يأكل الدجاج والأرانب وكلّ حيوان ضعيف لا يقوى على مقاومته، وكان لهذا الثعلب قصّة حصلت له مع أرنب صغير، عُرفت هذه القصّة باسم قصة الثعلب والأرنب، وتناقلتها الأجيال؛ لتأخذ العبرة منها، وتتعلّم كيف تتصرّف في مثل هذه المواقف، وهذه قصة الثعلب والأرنب ليأخذ العبرة منها من يريد. في يوم من الأيّام، وفي تلك الغابة البعيدة، قرّر أرنب صغير أن يخرج من البيت ليلعب في الغابة، ولكنّ أمّه حذّرته من الثعلب الغدار، ومنعته من اللعب لانّها تحبه وتخشى عليه الثعلب الذي سيؤذيه إن أمسكه، ولكنّ الأرنب لم يسمع كلام والدته، وعصى أمرها وخرج يلعب ويلهو في الغابة، ويقول في نفسه: أمّي تخشى عليّ بلا سبب، الآن أنا ألعب ولم يظهر الثعلب، لا بدّ أنّه ليس هناك ثعلبٌ أصلًا، وأمّي قد بالغت لأنّها لا تريدني أن ألعب في الغابة، وسارت الأمور على طبيعتها، وظنّ الأرنب أنّه بعيد عن الثعلب، وتأخّر في اللعب ولم يعُد إلى البيت، وفجأة لمعت عينان من بعيد، إنّهما عينا الثعلب الغدّار، لقد شاهد الأرنب الصغير وقرر أن يأكله، وتحرّك الثعلب على عجل فسمع صوت حركته الأرنب، وحين شاهده فزِعَ وخاف وهرب يعدو إلى بيته، والثعلب خلفه يطارده، وصار الثعلب قريبًا من الأرنب، وأوشك أن يمسك به، ولكنّ الله -سبحانه- لم يشأ أن يمسكه الثعلب، فتعثّر الثّعلب بغصن شجرة ووقع على الأرض، بينما لاذَ الأرنب الصغير بالفرار، ووصل بيته أخيرًا وهو يبكي، وعانق أمّه وهو يقول لها: سامحيني يا أمّي لقد عصيتُ أمرَك ولم أسمع الكلام، ولولا أن تداركني الله -سبحانه-بلطفه لأكلني ذلك الثعلب الغدار، فقالت له أمّه: هذا لتسمع كلامي، ولا تعود لمثل هذه التصرفات مرة أخرى، لقد خفت عليك كثيرًا، ودعوت الله -تعالى- لك أن تعود سالمًا ولا يصل إليك ذلك الغدار. إنّ العبرة من قصّة الثعلب والأرنب تكمن في طاعة الوالدين، وأنّ الابن مهما بلغ من فرط الخوف على نفسه فإنّه لن يخاف على نفسِه كخوف أبيه وأمّه عليه، ولذا كانت قرارات الوالدين دائمًا تنبع من قلب خائف على فلذّة كبده الذي يحبه أكثر من نفسه، ومن هذا كلّه جعل الله طاعة الوالدين عبادة يتقرّب بها الابن إلى الله -عزّ وجلّ-، وجعل عقوقهما من المسائل التي ترمي المرء في نار جهنم، فعلى المرء أن يطيع والديه، ولا يعصي لهما أمرًا، ويعلم أنّ القرار الذي اتخذاه هو في مصلحته، ولولا أنّهما يَرَيان فيه خيرًا لابنهما لما قرّراه، تمامًا كما حدث في قصة الثعلب والأرنب، فالأرنب يحبّ اللعب، وأمّه تريده أن يلعب ولكنّها ترى حياته أثمن من اللعب، وحين منعته ظنّ أنّها تبالغ، ولم يتعلّم الدّرس إلّا بعد أن تعرّض للخطر