معاجم القرآن ودورها في تعزيز التدبر
عني القرآن بالحرف (في ذاته)، فتصدر الحرف عددًا من السور القرآنية التي يتعبد المسلمون بها، فذكر جل شأنه “الر”، ألم” ” حم”، “كهيعص”..والحرف مركز الكلمة، والكلمة مركز الجملة والآية القرآنية، ومن كل ذلك تُفهم الدلالات المرادة من الوحي. وكان الوحي -بما أعطاه من مكانة ورفعة للحرف والكلمة- دافعًا للعرب لمأسسة الاهتمام بمكونات الآية القرآنية، فكان ظهور المعاجم التي عنيت باللفظة والكلمة، حصرًا وتوضيحًا بما يمَّكن العقل من تفهم أكثر وضوحًا في المعنى لاسيما مع ابتعاد العقل عن فترة الفصاحة العربية.
ونتناول في هذه المقالة الموجزة نماذج من المعاجم التي جعلت مادتها القرآن الكريم، في محاولة لإدماج الثقافة المعجمية وجعلها أداة في إعادة تعليم الدرس القرآني، وكذلك توجيه النظر للعناية البحثية وتطوير أدوات البحث المعجمي العربي فيما يتعلق بالقرآن الكريم، باعتبار تلك المعاجم أحد الأدوات المساعدة على التعامل الراشد مع الوحي بما حدده هو ذاته من غاية رئيسة وهي ” التدبر” كسبيل للأخذ به عملًا، ودعوة الناس إليه.
المعجم لغة: من عجم الحرف والكتابة وعَجْمًا: أزال إبهامه بالنقط والشكل. والمعجم اصطلاحًا: ديوان لمفردات اللغة مرتب على حروف الهجاء[1]، والمعاجم القرآنية حركة معرفية وفكرية ظهرت ضمن العمل على خدمة النص القرآني وتيسيره للفهم والتعامل معه من قبل القارئين له والباحثين فيه..لاسيما في ظل التنوع الثقافي الذي دخلت فيه الأمة بعد الصدر الأول للإسلام من ناحية، والتباعد بينها وبين فصاحة اللسان العربي الذي تعرض لمرض اللحن في العصور المتعاقبة من ناحية أخرى.
وترجع نشأة المعاجم القرآنية تحديدًا –بالإضافة إلى العوامل السابقة- إلى فهم ما أُشكل على العقل المسلم من بعض الألفاظ أو التعابير والتراكيب اللغوية القرآنية، وربما ذلك كان في وقت النبي – صلى الله عليه وسلم- وما أرجعه البعض إلى تباين ثقافة بعض القبائل العربية، وتباين مستواها المعرفي، وتعدد لهجاتها، وقربها أو بعدها من مهبط الوحي.
ومن أقدم المعاجم القرآنية “معجم بن عباس (ت 68هـ) المسمى “بمسائل نافع بن الأزرق في غريب القرآن”، وهناك أيضًا من المعاجم التي وصلتنا ونشرت: مجاز القرآن لأبي عبيدة البصري (ت 209هـ)، وغريب القرآن لابن قتيبة (ت 276هـ)، وغريب القرآن لمحمد بن عزيز السجستاني (ت 250هـ).
منهجية بناء المعاجم القرآنية
وقد وقفنا من خلال دراسة استطلاعية لمعاجم القرآن، على أن تلك المعاجم يمكن تصنيف عملها في ثلاثة ميادين تعمل في خدمة التدبر القرآني: الأول: معاجم الألفاظ، والثاني: معاجم المعاني، والثالث: معاجم الموضوعات، وتم التصنيف لهذه المعاجم وفقًا لنقطة الانطلاق التي تعتمد على بنائها هذه الأنواع الثلاثة.
– فمعاجم الألفاظ :تهتم بتناول ألفاظ القرآن الكريم بصورة حصرية وإحصائية وتكرارها، ومواضع هذا التكرار في سور القرآن. ومن نماذج هذه المعاجم وأشهرها ما كتبه محمد فؤاد عبدالباقي (ت 1968م) (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم).
– أما معاجم المعاني، فنقطة الانطلاق فيها هي الشرح والتعريف باللفظة القرآنية التي تمثل (مادة) المعجم سواء كان هذا التعريف للمعنى داخلي (أي من القرآن) ذاته أو من وجوه اللغة أو الشواهد الحديثية أو الشعرية –كما سيأتي الحديث عنه لاحقًا- ومن أشهرها معاجم (غريب القرآن) -التي ذكرناها سابقًا- والتي كانت أول ما أنجزه العقل المسلم في ميدان المعاجم القرآنية، وكذلك معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (ت 502هـ) وسار على نهجهم عدد كبير من المعاصرين وطوروا في تناولها، كما في معجم ألفاظ القرآن الكريم الذي أصدره مجمع اللغة العربية عام 1989م في جزأين. والقاموس القويم للقرآن الكريم (1983م) الذي أصدره أحمد عبدالفتاح في جزأين أيضًا.
صورة من معجم ألفاظ القرآن الكريم مجمع اللغة العربية[2]
– أما النوع الثالث فهو معاجم الموضوعات القرآنية وهذا النوع يفيد التعاطي الموضوعي مع القرآن الكريم وأثر في ظهور الوعي البحثي والعلمي لدى فئة من المسلمين الذين رأوا في القرآن مدخلًا لبناء علوم إنسانية جديدة من منطلق توحيدي قرآني وظهر في صورة (كشافات موضوعية) تراعي أصول العرض المعجمي من ناحية البناء الشكلي (الترتيب على حروف الهجاء) ولكن بإضافة رؤوس موضوعات مستخلصة من النص القرآني تفيد فرع العلم الذي يهدف إلى خدمته المعجم مع القيام بالتبويب والترتيب اللازمين بما يفيد العمل البحثي والأكاديمي. وقد ظهرت هذه الكشافات المعجمية في عدد من العلوم الإنسانية مثل الاقتصاد والاجتماع.
صورة من الكشاف الاقتصادي لآيات القرآن الكريم[3]
معاجم الألفاظ
من أشهر المعاجم الحديثة ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) والذي وضعه محمد فؤاد عبدالباقي[4] وأنجزه كما يذكر -في نهاية المعجم- عام 1945م، وقام هذا المعجم على تصويب معجم المستشرق الألماني فلوجل الذي طبع عام 1842م، وعمل عبدالباقي على إعادة ترتيبه على نسخة مصحف الملك فؤاد الأول، وإعادة ترتيبه وتنظيمه ومعالجة ما وقع فيه من أخطاء في نسخته الاستشراقية، واتبع – هذا المعجم- المنهجية التالية في إخراج المعجم بالصورة التي بين أيدينا
– ترتيب مادة المعجم (الكلمات) على طريقة الزمخشري في كتاب أساس البلاغة، فرتب أصول الكلمات على أوائلها، فثوانيها، فثوالثها، وافتتح المعجم بمادة (أ ب ب) واختتمه بمادة (ي و م).
– ابتداء مادة المعجم ( الكلمة) بالفعل المجرد المبني للمعلوم ماضيه فمضارعه فأمره، ثم المبني للمجهول من الماضي والمضارع ثم المزيد من التضعيف، فالمزيد بحرف..وهكذا..ثم باقي المشتقات من المصدر واسم الفاعل والمفعول، فباقي الأسماء، متبعًا في ترتيب كلمات كل باب من هذه الفروع نفس الطريقة التي اتبعت في ترتيب المواد الأصلية.
– أما طريقة العرض للقارئ فكانت على صورة جدول يتضمن: اللفظة (المفردة) ..الآية (الآيات) التي وردت فيها هذه اللفظة..رقم الآية/الآيات..اسم السورة ..رقم السورة.
ويهتم هذا المعجم بفهرسة ألفاظ القرآن الكريم، بصورة حصرية كاملة وحصر تكراراتها ومواضع تلك التكرارات، كما أنه مزود بحاشية القرآن الكريم.
صورة من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم
معاجم المعاني
وهذا النوع من المعاجم يهتم – كما سبق وأشرنا- بمعاني الألفاظ وشرحها وتوضيحها، وإبراز المعاني المتعددة للفظة الواحدة – إن وجدت- حسب السياقات القرآنية المختلفة، وأشهر المعاجم في هذا الميدان ” مفردات ألفاظ القرآن” للراغب الأصفهاني. أما منهجه في المعجم فيقوم على ذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتق منها، ثم يذكر المعاني المجازية للمادة، ويوضح مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي، ويذكر في كل ذلك الشواهد القرآنية كاملة، ثم من الحديث النبوي، ثم من أشعار العرب وأقوالهم إن وجد. كما أورد – الأصفهاني- القراءات القرآنية المختلفة ومعنى اللفظة القرآنية عند اختلاف القراءة.[5]
المعاجم الموضوعية
ظهرت حركة معجمية جديدة- إن جاز هذا القول- في العقود الأخيرة من القرن العشرين، تقوم على تكشيف القرآن وتقديمه للباحثين في مجالات العلوم الإنسانية بهدف اكتشاف الأصول المعرفية لهذه العلوم من القرآن بصورة حصرية وإحصائية وتوضيحية لهذه المجالات، ومما لفت نظر كاتب هذه المقالة عند البحث في هذا الميدان هذا الكشاف الموضوعي ” أصول العلوم الإنسانية من القرآن الكريم”.[6]
ينقسم هذا الكشاف المعجمي – ما طبع منه حتى الآن [7]– إلى جزأين، الجزء الأول: السنن الإلهية في الآفاق والأنفس والأمم، وتضمن هذا الجزء (90) سنة إلهية مستخلصة من النص القرآني مثل: الابتلاء، الاختلاف، الاستخلاف، إتباع الأسباب، التعارف، التكاثر، التنافس، الزوجية، القصاص، …والجزء الثاني: يتضمن سنن التغيير ذات العلاقة السببية، ويتضمن فصلين: الأول بعنوان: ارتباط السلوك الإنساني بالأحداث الكونية، و الثاني بعنوان: ارتباط السلوك الإنساني بالسعادة أو الشقاء الدنيوي.
أما منهجية هذا الكشاف الموضوعي المعجمي فيقوم على تحديد أهم السُنَن التي تضمنها القرآن الكريم، من حيث هي كلية، ثم يقوم بحصر كل التضمينات المعرفية في القرآن من خلال الألفاظ الدالة على هذه السُّنة وتكون بمثابة مفردات لها .
وعلى سبيل المثال (سُّنة الزينة) – التي يتضمنها الكشاف- نلاحظ أنها تتضمن كل ما يتعلق بها في المضمون القرآني مثل: ابتغاء الحلية، استخراج الحلية، الاعتدال في الزينة، بهجة الحدائق، التبرج بالزينة-، تربية النظرة الجمالية، تزيين الإيمان، تزيين الأعمال للأمم تزيين الأعمال للكافرين، تزيين حب الشهوات، تزيين الحياة الدنيا، تزيين السماء الدنيا، تزيين سوء العمل، تزيين الشيطان للأعمال، التزيين في القلوب، التنشئة في الحلية، وهكذا .. وتجمع هذه السُنّة (سُّنة الزينة )كل ما يتعلق بمسألة التزين في القرآن وتطرحه في صورة مفردات للسنة الرئيسة أما كيفية التناول فتحت كل مفردة تكتب الآية المستوحاة منها تلك المفردة يعقبها (البيان) أو الشرح والتوضيح لها كما هو في الصورة التالية فيما يتعلق بمفردة (تزيين الإيمان) والتي جاءت تحت (سُّنة الزينة).
[1] . المعجم الوسيط، ص 586.
[2] مجمع اللغة العربية: معجم ألفاظ القرآن الكريم، القاهرة، 1988.
[3] محي الدين عطية: الكشاف الاقتصادي لآيات القرآن الكريم المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1991.
[4] محمد فؤادا عبدالباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، القاهرة، دار الحديث، 1996.
[5] الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دمشق، دار القلم، 1992.
[6] زينب عطية محمد: أصول العلوم الإنسانية من القرآن الكريم ..كشاف موضوعي، إشراف: جمال الدين عطية، المنصورة، دار الوفاء، 1995.
[7] في اتصال كاتب المقالة مع مؤلفة هذا المعجم ذكرت له أن هناك أجزاء أخرى لهذا الكشاف الموضوعي لم تنشر بعد، وأنها تبحث عن ناشر جاد لإعادة إصداره في شكل معجم موسوعي للعلوم الإنسانية يضم ما يقرب من (6) أجزاء.
إسلام أون لاين
عني القرآن بالحرف (في ذاته)، فتصدر الحرف عددًا من السور القرآنية التي يتعبد المسلمون بها، فذكر جل شأنه “الر”، ألم” ” حم”، “كهيعص”..والحرف مركز الكلمة، والكلمة مركز الجملة والآية القرآنية، ومن كل ذلك تُفهم الدلالات المرادة من الوحي. وكان الوحي -بما أعطاه من مكانة ورفعة للحرف والكلمة- دافعًا للعرب لمأسسة الاهتمام بمكونات الآية القرآنية، فكان ظهور المعاجم التي عنيت باللفظة والكلمة، حصرًا وتوضيحًا بما يمَّكن العقل من تفهم أكثر وضوحًا في المعنى لاسيما مع ابتعاد العقل عن فترة الفصاحة العربية.
ونتناول في هذه المقالة الموجزة نماذج من المعاجم التي جعلت مادتها القرآن الكريم، في محاولة لإدماج الثقافة المعجمية وجعلها أداة في إعادة تعليم الدرس القرآني، وكذلك توجيه النظر للعناية البحثية وتطوير أدوات البحث المعجمي العربي فيما يتعلق بالقرآن الكريم، باعتبار تلك المعاجم أحد الأدوات المساعدة على التعامل الراشد مع الوحي بما حدده هو ذاته من غاية رئيسة وهي ” التدبر” كسبيل للأخذ به عملًا، ودعوة الناس إليه.
المعجم لغة: من عجم الحرف والكتابة وعَجْمًا: أزال إبهامه بالنقط والشكل. والمعجم اصطلاحًا: ديوان لمفردات اللغة مرتب على حروف الهجاء[1]، والمعاجم القرآنية حركة معرفية وفكرية ظهرت ضمن العمل على خدمة النص القرآني وتيسيره للفهم والتعامل معه من قبل القارئين له والباحثين فيه..لاسيما في ظل التنوع الثقافي الذي دخلت فيه الأمة بعد الصدر الأول للإسلام من ناحية، والتباعد بينها وبين فصاحة اللسان العربي الذي تعرض لمرض اللحن في العصور المتعاقبة من ناحية أخرى.
وترجع نشأة المعاجم القرآنية تحديدًا –بالإضافة إلى العوامل السابقة- إلى فهم ما أُشكل على العقل المسلم من بعض الألفاظ أو التعابير والتراكيب اللغوية القرآنية، وربما ذلك كان في وقت النبي – صلى الله عليه وسلم- وما أرجعه البعض إلى تباين ثقافة بعض القبائل العربية، وتباين مستواها المعرفي، وتعدد لهجاتها، وقربها أو بعدها من مهبط الوحي.
ومن أقدم المعاجم القرآنية “معجم بن عباس (ت 68هـ) المسمى “بمسائل نافع بن الأزرق في غريب القرآن”، وهناك أيضًا من المعاجم التي وصلتنا ونشرت: مجاز القرآن لأبي عبيدة البصري (ت 209هـ)، وغريب القرآن لابن قتيبة (ت 276هـ)، وغريب القرآن لمحمد بن عزيز السجستاني (ت 250هـ).
منهجية بناء المعاجم القرآنية
وقد وقفنا من خلال دراسة استطلاعية لمعاجم القرآن، على أن تلك المعاجم يمكن تصنيف عملها في ثلاثة ميادين تعمل في خدمة التدبر القرآني: الأول: معاجم الألفاظ، والثاني: معاجم المعاني، والثالث: معاجم الموضوعات، وتم التصنيف لهذه المعاجم وفقًا لنقطة الانطلاق التي تعتمد على بنائها هذه الأنواع الثلاثة.
– فمعاجم الألفاظ :تهتم بتناول ألفاظ القرآن الكريم بصورة حصرية وإحصائية وتكرارها، ومواضع هذا التكرار في سور القرآن. ومن نماذج هذه المعاجم وأشهرها ما كتبه محمد فؤاد عبدالباقي (ت 1968م) (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم).
– أما معاجم المعاني، فنقطة الانطلاق فيها هي الشرح والتعريف باللفظة القرآنية التي تمثل (مادة) المعجم سواء كان هذا التعريف للمعنى داخلي (أي من القرآن) ذاته أو من وجوه اللغة أو الشواهد الحديثية أو الشعرية –كما سيأتي الحديث عنه لاحقًا- ومن أشهرها معاجم (غريب القرآن) -التي ذكرناها سابقًا- والتي كانت أول ما أنجزه العقل المسلم في ميدان المعاجم القرآنية، وكذلك معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (ت 502هـ) وسار على نهجهم عدد كبير من المعاصرين وطوروا في تناولها، كما في معجم ألفاظ القرآن الكريم الذي أصدره مجمع اللغة العربية عام 1989م في جزأين. والقاموس القويم للقرآن الكريم (1983م) الذي أصدره أحمد عبدالفتاح في جزأين أيضًا.
صورة من معجم ألفاظ القرآن الكريم مجمع اللغة العربية[2]
– أما النوع الثالث فهو معاجم الموضوعات القرآنية وهذا النوع يفيد التعاطي الموضوعي مع القرآن الكريم وأثر في ظهور الوعي البحثي والعلمي لدى فئة من المسلمين الذين رأوا في القرآن مدخلًا لبناء علوم إنسانية جديدة من منطلق توحيدي قرآني وظهر في صورة (كشافات موضوعية) تراعي أصول العرض المعجمي من ناحية البناء الشكلي (الترتيب على حروف الهجاء) ولكن بإضافة رؤوس موضوعات مستخلصة من النص القرآني تفيد فرع العلم الذي يهدف إلى خدمته المعجم مع القيام بالتبويب والترتيب اللازمين بما يفيد العمل البحثي والأكاديمي. وقد ظهرت هذه الكشافات المعجمية في عدد من العلوم الإنسانية مثل الاقتصاد والاجتماع.
صورة من الكشاف الاقتصادي لآيات القرآن الكريم[3]
معاجم الألفاظ
من أشهر المعاجم الحديثة ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) والذي وضعه محمد فؤاد عبدالباقي[4] وأنجزه كما يذكر -في نهاية المعجم- عام 1945م، وقام هذا المعجم على تصويب معجم المستشرق الألماني فلوجل الذي طبع عام 1842م، وعمل عبدالباقي على إعادة ترتيبه على نسخة مصحف الملك فؤاد الأول، وإعادة ترتيبه وتنظيمه ومعالجة ما وقع فيه من أخطاء في نسخته الاستشراقية، واتبع – هذا المعجم- المنهجية التالية في إخراج المعجم بالصورة التي بين أيدينا
– ترتيب مادة المعجم (الكلمات) على طريقة الزمخشري في كتاب أساس البلاغة، فرتب أصول الكلمات على أوائلها، فثوانيها، فثوالثها، وافتتح المعجم بمادة (أ ب ب) واختتمه بمادة (ي و م).
– ابتداء مادة المعجم ( الكلمة) بالفعل المجرد المبني للمعلوم ماضيه فمضارعه فأمره، ثم المبني للمجهول من الماضي والمضارع ثم المزيد من التضعيف، فالمزيد بحرف..وهكذا..ثم باقي المشتقات من المصدر واسم الفاعل والمفعول، فباقي الأسماء، متبعًا في ترتيب كلمات كل باب من هذه الفروع نفس الطريقة التي اتبعت في ترتيب المواد الأصلية.
– أما طريقة العرض للقارئ فكانت على صورة جدول يتضمن: اللفظة (المفردة) ..الآية (الآيات) التي وردت فيها هذه اللفظة..رقم الآية/الآيات..اسم السورة ..رقم السورة.
ويهتم هذا المعجم بفهرسة ألفاظ القرآن الكريم، بصورة حصرية كاملة وحصر تكراراتها ومواضع تلك التكرارات، كما أنه مزود بحاشية القرآن الكريم.
صورة من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم
معاجم المعاني
وهذا النوع من المعاجم يهتم – كما سبق وأشرنا- بمعاني الألفاظ وشرحها وتوضيحها، وإبراز المعاني المتعددة للفظة الواحدة – إن وجدت- حسب السياقات القرآنية المختلفة، وأشهر المعاجم في هذا الميدان ” مفردات ألفاظ القرآن” للراغب الأصفهاني. أما منهجه في المعجم فيقوم على ذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتق منها، ثم يذكر المعاني المجازية للمادة، ويوضح مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي، ويذكر في كل ذلك الشواهد القرآنية كاملة، ثم من الحديث النبوي، ثم من أشعار العرب وأقوالهم إن وجد. كما أورد – الأصفهاني- القراءات القرآنية المختلفة ومعنى اللفظة القرآنية عند اختلاف القراءة.[5]
المعاجم الموضوعية
ظهرت حركة معجمية جديدة- إن جاز هذا القول- في العقود الأخيرة من القرن العشرين، تقوم على تكشيف القرآن وتقديمه للباحثين في مجالات العلوم الإنسانية بهدف اكتشاف الأصول المعرفية لهذه العلوم من القرآن بصورة حصرية وإحصائية وتوضيحية لهذه المجالات، ومما لفت نظر كاتب هذه المقالة عند البحث في هذا الميدان هذا الكشاف الموضوعي ” أصول العلوم الإنسانية من القرآن الكريم”.[6]
ينقسم هذا الكشاف المعجمي – ما طبع منه حتى الآن [7]– إلى جزأين، الجزء الأول: السنن الإلهية في الآفاق والأنفس والأمم، وتضمن هذا الجزء (90) سنة إلهية مستخلصة من النص القرآني مثل: الابتلاء، الاختلاف، الاستخلاف، إتباع الأسباب، التعارف، التكاثر، التنافس، الزوجية، القصاص، …والجزء الثاني: يتضمن سنن التغيير ذات العلاقة السببية، ويتضمن فصلين: الأول بعنوان: ارتباط السلوك الإنساني بالأحداث الكونية، و الثاني بعنوان: ارتباط السلوك الإنساني بالسعادة أو الشقاء الدنيوي.
أما منهجية هذا الكشاف الموضوعي المعجمي فيقوم على تحديد أهم السُنَن التي تضمنها القرآن الكريم، من حيث هي كلية، ثم يقوم بحصر كل التضمينات المعرفية في القرآن من خلال الألفاظ الدالة على هذه السُّنة وتكون بمثابة مفردات لها .
وعلى سبيل المثال (سُّنة الزينة) – التي يتضمنها الكشاف- نلاحظ أنها تتضمن كل ما يتعلق بها في المضمون القرآني مثل: ابتغاء الحلية، استخراج الحلية، الاعتدال في الزينة، بهجة الحدائق، التبرج بالزينة-، تربية النظرة الجمالية، تزيين الإيمان، تزيين الأعمال للأمم تزيين الأعمال للكافرين، تزيين حب الشهوات، تزيين الحياة الدنيا، تزيين السماء الدنيا، تزيين سوء العمل، تزيين الشيطان للأعمال، التزيين في القلوب، التنشئة في الحلية، وهكذا .. وتجمع هذه السُنّة (سُّنة الزينة )كل ما يتعلق بمسألة التزين في القرآن وتطرحه في صورة مفردات للسنة الرئيسة أما كيفية التناول فتحت كل مفردة تكتب الآية المستوحاة منها تلك المفردة يعقبها (البيان) أو الشرح والتوضيح لها كما هو في الصورة التالية فيما يتعلق بمفردة (تزيين الإيمان) والتي جاءت تحت (سُّنة الزينة).
[1] . المعجم الوسيط، ص 586.
[2] مجمع اللغة العربية: معجم ألفاظ القرآن الكريم، القاهرة، 1988.
[3] محي الدين عطية: الكشاف الاقتصادي لآيات القرآن الكريم المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1991.
[4] محمد فؤادا عبدالباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، القاهرة، دار الحديث، 1996.
[5] الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دمشق، دار القلم، 1992.
[6] زينب عطية محمد: أصول العلوم الإنسانية من القرآن الكريم ..كشاف موضوعي، إشراف: جمال الدين عطية، المنصورة، دار الوفاء، 1995.
[7] في اتصال كاتب المقالة مع مؤلفة هذا المعجم ذكرت له أن هناك أجزاء أخرى لهذا الكشاف الموضوعي لم تنشر بعد، وأنها تبحث عن ناشر جاد لإعادة إصداره في شكل معجم موسوعي للعلوم الإنسانية يضم ما يقرب من (6) أجزاء.
إسلام أون لاين