السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأحد قادة جيشه وهو يزيد بن أبي سفيان وذلك قبل سفره لغزو الشام ,
اقرأوا الوصية لتعلموا بإذن الله أن الإسلام شمل كماله شتى الميادين
حربا وسلما دعوة وسياسة
فهذا هو كمال الإسلام
أما من ظن في الإسلام أنه يصلح لشيء دون آخر وأن له كلمة في مجال دون آخر فإن القصور فيه وليس في الإسلام .
فهذا هو الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع قائد جيشه ماشيا (وصدق من قال عنه إنه كان عظيما في تواضعه متواضعا في عظمته)
فقد ودعه ماشيا ثم أوصاه وصية بليغة عالية المستوى تشتمل على حِكَم باهرة في مجالي الحرب والسلم،
فقد أوصاه بما يأتي:
(( إني قد وليتك لأبلونك وأجربك وأخرِّجك، فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك، وإن أسأت عزلتك. فعليك بتقوى الله، فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك، وإن أولى الناس بالله أشدهم توليًا له، وأقرب الناس من الله أشدهم تقربا إليه بعمله، وقد وليتك عمل خالد (يقصد خالد بن سعيد بن العاص )، فإياك وعِبِّيَّة الجاهلية (يقصد التعصب للآباء والأجداد) فإن الله يبغضها ويبغض أهلها. إذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم، وابدأهم بالخير وعدهم إياه، وإذا وعظتهم فأوجز؛ فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضًا، وأصلح نفسك يصلح لك الناس، وصلِّ الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها، وإذا قدم عليكم رسل عدوك فأكرمهم، وأقلل لُبْثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ولا ترينهم فيروا خللك (يعني لا تطلعهم على دخيلة أمرك فيطلعوا على عيوبك)، ويعلموا علمك، وأنزلهم في ثروة عسكرك (ليروا قوة المسلمين)،
وامنع من قبلك من محادثتهم، وكن أنت المتولي لكلامهم، ولا تجعل سرك لعلانيتك فيخلط أمرك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، ولا تَخْزُن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك، واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار، وتنكشف عندك الأستار، وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك، وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه، وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة، فإنها أيسرهما لقربها من النهار، ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجَّنَّ فيها، ولا تسرع إليها ولا تتخذ لها مدفعًا، ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده، ولا تجسس عليهم فتفضحهم، ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتفِ بعلانيتهم، ولا تجالس العبَّاثين وجالس أهل الصدق والوفاء، واصدق اللقاء، ولا تجبن فيجبن الناس، واجتنب الغلول؛ فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر، وستجدون أقوامًا حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له)).
قال ابن الأثير: وهذه من أحسن الوصايا وأكثرها نفعا لولاة الأمر .
من فوائد هذه الوصية:
* أن الولايات والمناصب ليست حقًّا ثابتًا لأصحابها، وإنما بقاؤهم فيها مرهون بالإحسان والنجاح في العمل، ومن واجب المسئول الأعلى أن يعزلهم إذا أساءوا، وإن هذا الشعور يدفع صاحب العمل إلى مضاعفة الجهد في بذل الطاعة ليصل إلى مستوى أعلى من النجاح في العمل، أما إذا ضمن البقاء فإنه قد يميل إلى الكسل والاشتغال بمتاع الدنيا فيخل بمسئوليته ويعرض من تحت ولايته إلى أنواع من الفساد والفوضى والنزاع.
* إن تقوى الله -عز وجل- هي أهم عوامل النجاح في العمل؛ لأن الله تعالى مطلع على ظاهر أعمال الناس وباطنهم، فإذا اتقوه في باطنهم فحري بهم أن يتقوه في ظاهرهم، وبذلك يتجنب الوالي كل مظاهر الفساد والإفساد، التي تكون عادة من الاستجابة للعواطف الجامحة التي لا تلتزم بتقوى الله تعالى.
* التحذير من التعصب للآباء والأجداد والأقوام، فإن التعصب لذلك قد يحمل الإنسان على الانحراف عن الطريق المستقيم، إذا كان ما عليه الآباء والأجداد مخالفًا للاستقامة، إضافة إلى أنه يضعف من الانتماء للرابطة الإسلامية الوحيدة وهي الأخوة في الله تعالى.
* الإيجاز في الموعظة؛ فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضًا فيضيع المقصود، ويغلب على السامع الإعجاب ببلاغة المتكلم إن كان بليغًا عن استيعاب ما يقول، والاستفادة من مواعظه، وإن لم يكن بليغا فإن الملل يأخذ بالسامع فلا يعي ما يقول المتكلم.
* إذا أصلح المسئول نفسه وتفقد عيوبه وجعل من نفسه نموذجًا صالحًا للقدوة الحسنة، فإن ذلك يكون سببا في صلاح مَنْ هم تحت رعايته.
* الاهتمام بإقامة الصلاة كاملة مظهرًا ومخبرًا، مظهرًا من ناحية إكمال أقوالها وأفعالها، ومخبرًا من ناحية الخشوع فيها وحضور القلب مع الله تعالى، فإن هذه الصلاة الكاملة يقام بها ذكر الله في الأرض، وتهذب السلوك وتقوي القلوب، وتبعث على ارتياح النفوس، وتعتبر ملاذًا للمسلم عند الشدائد.
* إكرام رسل العدو إذا قدموا، مع الاحتراس منهم وتمكينهم من معرفة واقع الجيش الإسلامي، فإكرامهم نوع من الدعوة إلى الإسلام فيما إذا عرف العالم ما يتحلى به المسلمون من مكارم الأخلاق، ولكن لا يصل هذا الإكرام إلى حد إطلاعهم على بطانة أمور المسلمين؛ بل ينبغي إطلاعهم على قوة جيش المسلمين ليرهبوا بذلك أقوامهم.
* الاحتفاظ بالأسرار وعدم التهاون بإفشائها، خاصة فيها يتعلق بأمور المسلمين العامة، فإن الحكيم يستطيع التصرف في الأمور وإن تغيرت وجوهها ما دام سره حبيسًا في ضميره، فإذا أفشاه اختلطت عليه الأمور ولم يستطع التحكم فيها.
* إتقان المشورة أهم من النظر في نتائجها، فإن المستشار وإن كان حصيف الرأي ثاقب الفكر فإنه لا يستطيع أن يفيد مَنْ استشاره حتى ينكشف له أمره بغاية الوضوح،
فإذا أخفى المستشير بعض تفاصيل القضية، فإنه يكون قد جنى على نفسه؛ حيث قد يتضرر بهذه المشورة.
* أن على القائد وكل مسئول أن يكون مخالطًا لمن ولي أمرهم على مختلف طبقاتهم؛ ليكون دقيق الخبرة بأمورهم، وفي هذا أكبر العون له على تصور مشكلاتهم والمبادرة بإيجاد الحلول لها، أما المسئول الذي يعيش في عزلة ولا يختلط إلا بأفراد من كبار رعيته، فإنه لا يصل إليه من المعلومات إلا ما كان من طريق هؤلاء، وقد لا يكشفون له الأمور على غير وجهها الصحيح.
* الاهتمام بأمر حراسة المسلمين خاصة في مكامن الخطر، واختبار الحراس الأمناء من ذوي النباهة، وعدم وضع الثقة الكاملة بهم؛ بل لا بد من الرقابة عليهم حتى لا يؤتى المسلمون من قبلهم.
* أن يسلك المسئول في عقاب المخالف مسلكًا وسطًا فلا يتهاون فيترك عقوبة المستحق، فإن ذلك يجرئه على مزيد من المخالفة ويجرئ غيره على ارتكاب المخالفات، فتسود الفوضى وينفلت الأمر، ولا يشتد في العقوبة فينفر الرعية، ويدفعهم إلى التسخط والتحزب؛ بل تكون عقوبته بحكمة واتزان وبعد النظر والتروي؛ بحيث تؤدي غرضها التربوي بدون إثارة ضجة ولا دفع إلى النقد والتسخط.
* أن يكون لدى المسئول يقظة وانتباه لكل ما يجري في حدود المسئولية المناطة به؛ حتى يشعر أفراد الرعية بأن هناك اهتمامًا بأمورهم فيزيد المحسن إحسانًا ويقتصر المسيء عن الإساءة، ولكن بدون تجسس عليهم؛ فإن ذلك يعتبر فضيحة لهم، وقد ينقطع بذلك خيط العلاقة الذي يربط المسئول بأفراد رعيته، من المودة والإعجاب والشكر على الجميل، وهذا الخيط ما دام قائمًا فإنه يمنع أصحاب الجنوح من ارتكاب المخالفات التي تفسد المجتمع وتحدث الفوضى، فإذا انقطع ولم يكن هناك عاصم من تقوى الله تعالى، فإن أهم الحواجز التي تحول دون الانطلاق وراء الشهوات تكون قد تحطمت، ويصعب بعد ذلك علاج الأمور؛ لأنها تحتاج إلى قوة رادعة، وهذه لها سلبياتها المعروفة.
* أن يحرص المسئول على مجالسة أهل الصدق والوفاء والعقول الراجحة، وإن سمع منهم ما يكره أحيانًا من النقد والتوجيه؛ فإن ذلك يعود عليه وعلى من استرعاه الله أمرهم بالنفع. وأن لا يجالس أصحاب اللهو والأهداف الدنيوية، فإن هؤلاء وإن أنس بكلامهم وثنائهم، فإنهم يحولون بينه وبين التفكير في الأمور الجادة، فلا يستفيق بعد ذلك إلا والنكبات قد حلت به وبمن ولي أمورهم.
* أن يصدق القائد في لقاء الأعداء وأن لا يجبن؛ فإن جبنه يسري على جنده، فيقع بذلك الفشل والهزيمة، وفي غير الحرب أن يكون المسئول شجاعًا في مواجهة المواقف، وأن لا يضعف فيسري ضعفه على من هم تحت إدارته من العاملين، فيقل بذلك مستوى الأداء ويضعف الإنتاج.
* أن يتجنب القائد الغلول (وهو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها)، هذا في مجال الحرب، وفي مجالات السلم أن يتجنب المسئول أية استفادة دنيوية من عمله لا تحل له شرعًا؛ مثل: أخذ الهدايا التي يقصد بها من دفعها الاستفادة من المسئول في مجانبة الحق، فإن ذلك من الغلول، والغلول كما جاء في هذه الوصية يقرب إلى الفقر ويدفع النصر.
* ومن هذه الفوائد تبين لنا عظمة هذه الوصية التي أوصى بها أبو بكر أحد قواده، وهي تبين لنا أنه كان يعيش بفكره مع قضايا المسلمين، وأنه كان يتصور ما قد يواجهه قواده، فيحاول تزويدهم بما ينفعهم في تلافي الوقوع في المشكلات وحلها إذا وقعت، وهذه الوصية وأمثالها تسجل إضافة جديدة لمواقف أبي بكر المتعددة الأنواع، فإذا تأملت إدارته للحكم وجدت رجلاً بارعًا في أمور السياسة، وإذا رأيت توجيهه للقادة العسكريين تجده رجلاً بارعًا في شئون الحرب وكأنه مع القادة في الميادين، وإذا رأيت رحمته وتأليفه للقلوب رأيت رجلاً بارعًا في الدعوة إلى الله تعالى، فهو الرجل الرحيم بالمؤمنين، الرافع لشأن أهل البلاء والصدق منهم، الخبير بأهل الكفاءة والقدرة، القوي الحازم على أعداء الله من المنافقين والكافرين .
منقول من كتاب (الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق) للصلابي
وعلى من قرأ الكتاب أن يتثبت من نص وصحة كل حديث نبوي.
فإن الصلابي على نفاسة كلامه وفائدة كتبه وروعة أسلوبه أحيانا يذكر أحاديثا ضعيفة أو موضوعة
فلنأخذ منه النافع ولنتجنب تلك الثغرة