كن مع الصالحين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أرق النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال (ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة). إذ سمعنا صوت السلاح قال (من هذا). قيل سعد يا رسول الله جئت أحرسك فنام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا غطيطه.
أمنية ورغبة نزلت في خلد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، "رجل صالح يحرسه"، في زمان كان الصالحون فيه كثر كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، لينام بعدها بأبي هو وأمي قرير العين مطمئن البال لتصف لنا الصديقة بنت الصديق عمق راحته فتقول: " حتى سمعنا غطيطه".
وهكذا هو الرجل الصالح عمله نادرة يبحث عنه الجميع وخصوصاً في زماننا الذي قلت فيه الأمانة وضعفت فيه الديانة ورق فيه الإيمان واختلطت فيه الصور والأشكال وقل فيه الصالحون وكثر في المفسدون، وكأنه الزمان الذي أخبرنا عنه الصادق عليه الصلاة والسلام يوم أن قال: (يقبض الصالحون الأول فالأول وتبقى حفالة كحفالة التمر والشعير لا يعبأ الله بهم شيئا).
إذا أردنا حفظا وأمنا وسلاما لأمتنا اليوم فإنه لا يأتي إلا ببركة الصالحين فقد روى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) فالصالحون محفوظون بحفظ الله لهم، والأمن والسلام لا يتحقق إلا بوجود أولئك الصالحين وها أنت أيها المسلم تدعو في كل تشهد فتقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فأنت تدعو لهم في كل صلاة بالسلام وتدعو أن يدخلك الله معهم لتنال تلك الخلال.
وكذا تأمل في البشارات فإنها من سيما الصالحين فقد قال عليه الصلاة والسلام والحديث عند الإمام مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "رؤيا الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".
وهكذا هم الصالحون فهم سعداء في الدنيا وشفعاء مقربون في الآخرة، وإليك ما رواه البخاري في الصحيح "عن النجاشي ملك الحبشة" من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم (قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه). قال فصففنا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ونحن صفوف.
وإذا ما حملت جنازته قالت كما روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني قدموني)، وإذا وضع في قبره أتاه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح " رواه أحمد بسند صحيح من حديث البراء"، وإذا لقي ربه فإنه سيرى عظيم الجزاء كما ورد في الحديث القدسي المتفق عليه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].
حينها يرى أهل الموقف ذلك المشهد، فلا يزيدون على قولهم: ﴿ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12]، ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 100]، ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [فاطر: 37].
لقد علم الأنبياء كبير تلك المنزلة فسألوها وحازوها، فالخليل إبراهيم ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: 130]، وابنه اسحاق ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 112]، ويحيى ﴿ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 39]، وعيسى ﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 46]، ويونس ﴿ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القلم: 50]، واسماعيل وإدريس وذا الكفل ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 86].
ويأتي السؤال المهم.. هل أنت من الصالحين؟ وهل تريد أن تكتب فيهم؟
والأمر يسير لمن يسر الله له.. وكل ما عليك فعله أن تحقق مراد الله في قوله جل في علاه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 9].
اللهم اجعلنا من الصالحين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
د. حسام الدين السامرائي
الالوكة