تفسير: ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين )
♦ الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: سورة البقرة (26).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ إنَّ الله لا يَسْتَحْيِ ﴾ الآية لمَّا ضرب الله سبحانه المَثل للمشركين بالذُّباب والعنكبوت في كتابه ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله سبحانه فأنزل الله تعالى: ﴿ إنَّ الله لا يَسْتَحْيِ ﴾ لا يترك ولا يخشى ﴿ أن يضرب مثلًا ﴾ أَنْ يُبيِّنَ شبهًا ﴿ ما بعوضةً ﴾ ما زائدة مؤكِّدة والبعوض: صغار البق الواحدة: بعوضة ﴿ فما فوقها ﴾ يعني: فما هو أكبر منها والمعنى: إنَّ الله تعالى لا يترك ضرب المثل ببعوضةٍ فما فوقها إذا علم أنَّ فِيهِ عبرةُ لمن اعتبر وحجَّةً على مَنْ جحد (واستكبر) ﴿ فأمَّا الذين آمنوا فيعلمون ﴾ أنَّ المثل وقع في حقِّه ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بهذا مثلًا ﴾ أَيْ: أَيُّ شيء أراد الله بهذا من الأمثال؟ والمعنى أنهم يقولون: أَيُّ فائدةٍ في ضرب الله المثل بهذا؟ فأجابهم الله سبحانه فقال ﴿ يضلُّ به كثيرًا ﴾ أَيْ: أراد الله بهذا المثل أن يضلَّ به كثيرًا من الكافرين وذلك أنَّهم يُنكرونه ويُكذِّبونه ﴿ ويهدي به كثيرًا ﴾ من المؤمنين لأنَّهم يعرفونه ويصدِّقونه ﴿ وما يضلُّ به إلاَّ الفاسقين ﴾ الكافرين الخارجين عن طاعته.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ﴾: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ فَقَالَ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾ [الْحَجِّ: 73]، وَقَالَ: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ﴾ [العنكبوت: 411]، قالت اليهود: ماذا أَرَادَ اللَّهُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ؟ وَقِيلَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَا نَعْبُدُ إِلَهَا يَذْكُرُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي ﴾، أَيْ: لَا يَتْرُكُ وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ ﴿ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ﴾؛ أي: يَذْكُرُ شَبَهًا، ﴿ مَا بَعُوضَةً ﴾، مَا: صلة، أي: مثلًا بالبعوضة، وبعوضة: نَصْبُ بَدَلٍ عَنِ الْمَثَلِ، وَالْبَعُوضُ صغار البق، سمّيت بعوضة لأنها بَعْضُ الْبَقِّ، ﴿ فَما فَوْقَها ﴾، يَعْنِي: الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: فَمَا دُونَهَا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ: وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ: وَأَجْهَلُ، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾: بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، ﴿ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ﴾، يَعْنِي: الْمَثَلُ هُوَ ﴿ الْحَقُّ ﴾: الصِّدْقُ مِنْ رَبِّهِمْ، ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ﴾؛ أَيْ: بِهَذَا الْمَثَلِ، فَلَمَّا حَذَفَ الألف واللام نصب عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ فقال: ﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ﴾ من الكفار، وذلك أنهم يكذبون فَيَزْدَادُونَ ضَلَالًا، ﴿ وَيَهْدِي بِهِ ﴾، أَيْ: بهذا المثل كَثِيرًا من الْمُؤْمِنِينَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْإِضْلَالُ هُوَ الصَّرْفُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَقِيلَ: هُوَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا هَلَكَ، ﴿ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ﴾: الْكَافِرِينَ، وَأَصْلُ الْفِسْقَ: الْخُرُوجُ، يُقَالُ: فَسَقَتِ الرطبة إذا خرجت عن قِشْرِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [الْكَهْفِ: 500].