بسم الله الرحمن الرحيم:
فصل في الدلالةِ على الفورِ:
آياتُ الله دلَّت على إيجابِ المسارعةِ:
من ذلك: قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] وقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، وامتثالُ الأمرِ من الخيراتِ لما فيه من حصولِ الثوابِ، واغتنامِ الوقت الصالحِ للفعل قبل الفوات.
وقوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] , ولو كان على التراخي لما حسن العتبُ.
ومن ذلكَ: عتبُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على من دَعاه وهو في الصلاة فلم يُجبه، واحتجاجُه عليه بقوله: "ألم تسمع ... إلى قوله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24]". فما فسحَ له في التأخيرِ إلى انقضاءِ صلاتهِ، وهذا غاية في الفور.
ومن ذلكَ أن النهيَ استدعاءُ التركِ والكف عن أفعال مخصوصةٍ، كما أن الأمرَ استدعاءٌ الفعل لأفعال مخصوصة، ثم النهيُ يقتضي التركَ على الفورِ، كذلكَ الأمر ولا فرق.
ومن ذلكَ: أن الأمرَ بالشيءِ نهى عن ضدّه معنىً، وذلكَ انه لا يتحققُ المأمورُ ذوُ الضدّ الواحدِ إلا بتركِ أضدادِه، كالمأمورِ بالسكونِ، لا يمكنُه ذلكَ إلا بتركِ الحركةِ، أو بالقيامِ، فلا يمكنُه الامتثالُ إلا بالكفِ عن الجلوسِ والاضطجاعِ اللذينَ هما ضدُّ القيام، والنهيُ يقتضي الفورَ، فاقتضى فعلَ ضدِّه الذي لا يصحُّ التركُ إلاَ به على الفورِ.
ومن ذلِك: أن الأمرَ يقتضي ثلاثةَ أشياء:
اعتقاد الوجوب.
والعزم على الفعل.
وفعل المأمور.
ثم إنَّ الاعتقادَ والعزمَ على الفورِ، فكذلك الفعل.
ومن ذلكَ: أنَ الأمرَ يقتضي الفعلَ، لكونِه استدعاءً له، والتراخي تأخير ليس في اللفظِ، وتخيِير بين وقتٍ ووقتٍ ليس في صيغةِ الأمرِ، فلا وجهَ لإثباتِ معنىً لا يتضمنُه اللفظُ ولا يظهرُ فيه.
ومن ذلكَ: أن الوقتَ الأولَ الذي يلي الأمرَ، وقت يحصل فيه الإِجزاءُ، ويقطعُ على انَّه لا مفسدةَ فيه، وأنه يجوزُ النقلُ فيه، ويكونُ ممتثلًا، والثاني والثالثُ من الأوقاتِ تجردَ الفعلُ فيه بين أن يكونَ مفسدةً أو غير مجزىء، أو غيرَ مُوافقٍ لإرادةِ الأمر وعْرضِهِ، ولا يجوزُ أن يطاعَ الأمرُ الموجبُ إلا بفعلٍ متحقق فيه ما قصد به، وذلكَ في الوقتِ الثاني والثالث مقدر.
ومن ذلك: أن الله سبحانه لما خصَّ هذا الوقت بإظهار صيغةِ الأمرِ فيه مع إمكانِ التأخيرِ، دل على انه استدعى الفعلَ عقيبه بلا فصلٍ، إذ لو أرادَ الفصْلَ لأخر الصيغةَ إلى الوقتِ الثاني.
عن كتاب (الواضح في اصول الفقه، لابن عقيل الحنبلي).