للاختبار في النفس رهبته، وللسؤال على القلب وقعه، وللجواب الصحيح حلاوته، وللإخفاق حسرته، وعلى قدر أهمية الاختبار يهتم الإنسان، وتتوتر نفسه، ويضطرب قلبه؛ فليس من يسأل في مسابقة ترفيهية كمن يختبر لنيل شهادة مصيرية، وليس من يسابق على وظيفة مضمونة كمن يزاحم الألوف على وظيفة شبه معدومة.
وإذا كان ذلك كذلك في حياة الناس وطلب معاشهم، وتنافسهم على مراتب دنياهم، فكيف الحال إذًا بامتحانٍ من اجتازه فاز فوزًا أبديًا، ومن أخفق فيه خسر خسرانًا نهائيًا، فليس ثمة إعادة ولا تعويض ولا فرص أخرى، حياة في الدنيا واحدة، وفرصة للعمل فيها واحدة، والجزاء يكون على عمل الإنسان في هذه الفرصة، وأي جزاء أعظم من ذلك الجزاء، الذي أدناه مثل مُلْك مُلِك في الدنيا وعشرة أضعافه، وأعلاه القرب من الرحمن في جنة الفردوس، فيا له من فوز!
وكيف إذًا بامتحان نتيجته سعادة أبدية، أو شقاء أبدي، نتيجته نعيم مقيم لا يحول ولا يزول، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أو في عذاب أليم مهين، شديد لا يخفف، ودائم لا ينقطع: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ) [النساء:56].
ذلكم -يا عباد الله- امتحان الآخرة وسؤالها، وجزاء الرب سبحانه على أعمال العباد فيها، فيا لكياسة من اعتبر بأحوال الدنيا للآخرة، وتزود من الفانية للباقية، ويا لسعادة من قدم على الله تعالى وقد بلغ درجة السابقين، ويا لشقوة من لقي الله تعالى بأعمال الظالمين.
في يوم القيامة حين يجيء الرب سبحانه لفصل القضاء، والملائكة صفوف في ذلك المقام العظيم، سيرفع أناس ويدنون من الرحمن سبحانه؛ كرامة لهم على سبقهم في الدنيا، ترقص قلوبهم طربًا مما يرون من سبقهم وكرامة الرحمن سبحانه لهم، ودونهم فائزون آخرون يقال لهم: أصحاب اليمين، قد أسفرت وجوههم، وفرحت بالفوز قلوبهم، وآخرون خاسرون يقفون بوجوه مظلمة، وحال محزنة، وبقلوب قد ملأها الهم والغم، وتقطعت بالحسرة والندم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) [القيامة:22-25]، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) [عبس:38-41].
أقسام ثلاثة لا رابع لها، لا بد أن يكون كل واحد من الناس في أحدها، وهي المذكورة في قول الله تعالى: (فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [الواقعة:8-10].
وهم المذكورون في قول الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ) [فاطر:32].
فأعلاهم منزلة، وأكثرهم نعيمًا، وأحضهم بالقرب من الله تعالى، ونيل رضوانه، والفوز برؤيته سبحانه؛ فئة السابقين، الذين سبقوا غيرهم إلى الإيمان والعمل الصالح، وأمضوا حياتهم لا يرون ميدانًا فيه رضا الرحمن سبحانه إلا سبقوا إليه، ونافسوا الناس عليه، وتركوا الدنيا لأجله، وقد ذكر الله تعالى بعضًا من نعيمهم عند ذكرهم؛ لإغراء أهل الإيمان، وحث قراء القرآن على التنافس لبلوغ منزلتهم، والاستباق إلى أعمالهم: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآَخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) [الواقعة:10-26]، ولهم عين التسنيم خاصة خالصة، بينما تمزج لغيرهم بغيرها: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ) [المطَّففين:28].
يعلمون بفوزهم وبرضا الرحمن عنهم عند موتهم: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [الواقعة:88-89]، تلك بشراهم، وهذا مآلهم، جعلنا الله ووالدينا وذرياتنا منهم.
وللسابقين المقربين أوصاف مذكورة في القرآن لمن أراد أن يتصف بها فيكون منهم: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:57-61].
وأما القسم الثاني من الناس فيلي السابقين في المنزلة، وهم أصحاب اليمين، أطلق عليهم هذا الوصف لأنهم في أصل الخلق كانوا عن يمين أبيهم آدم -عليه السلام-، ويعطون كتبهم يوم القيامة بأيمانهم، فيكون ذلك علامة فوزهم، وهم ميامين مباركون على أنفسهم وعلى غيرهم؛ لأنهم أطاعوا ربهم فدخلوا الجنة، واليُمن هو البركة، ومن بركتهم على غيرهم في الدنيا دعوتهم لهم إلى الخير، ونهيهم عن الشر، ومن بركتهم يوم القيامة على غيرهم شفاعتهم لمن يستحق الشفاعة من قرابتهم ومعارفهم، وقد ذكر الله تعالى جملة من نعيمهم في الآخرة فقال تعالى: (وَأَصْحَابُ اليَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ اليَمِينِ) [الواقعة:27-38].
ومن أعمالهم: (فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ) [البلد:13-18].
ويعلمون بسلامتهم حال احتضارهم: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ) [الواقعة:90-91].
وأما القسم الثالث فأصحاب الشمال -أعاذنا الله تعالى من حالهم ومآلهم-، سموا بذلك لأنهم كانوا عن شمال أبيهم آدم -عليه السلام- في أصل الخلق، ويعطون كتبهم يوم القيامة بشمائلهم، وهم شؤم على أنفسهم وعلى من اقترن بهم فوافقهم في أفعالهم؛ لأنهم أوجبوا النار لأنفسهم ولمن أطاعهم، والعرب تسمي الشمال شؤمًا، كما تسمي اليمين يمنًا، وهم المخلدون في النار من الكفار والمنافقين، وقد ذكر الله تعالى شيئًا من عذابهم في الآخرة فقال تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) [الواقعة:41-44]، وفي موضع آخر ذكر الله تعالى كفرهم، وعاقبة كفرهم به سبحانه فقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) [البلد:19-20].
ويعلمون بمصيرهم المشؤوم عند موتهم: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [الواقعة:92-94].
وليس بعد هذه الأقسام الثلاثة قسم رابع، فقسمان في الجنة، وقسم في النار، فليختر الإنسان لنفسه ما يريد منها، وليعمل بعمل أهله، ومن تأمل هذه الدنيا وأكدارها وسرعة زوالها وكثرة موت الناس فيها؛ هان عليه أمرها، ولم يقدمها على الآخرة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ) [فاطر:5].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ...
الحمد لله رب العالمين ,,,,,,,
وإذا كان ذلك كذلك في حياة الناس وطلب معاشهم، وتنافسهم على مراتب دنياهم، فكيف الحال إذًا بامتحانٍ من اجتازه فاز فوزًا أبديًا، ومن أخفق فيه خسر خسرانًا نهائيًا، فليس ثمة إعادة ولا تعويض ولا فرص أخرى، حياة في الدنيا واحدة، وفرصة للعمل فيها واحدة، والجزاء يكون على عمل الإنسان في هذه الفرصة، وأي جزاء أعظم من ذلك الجزاء، الذي أدناه مثل مُلْك مُلِك في الدنيا وعشرة أضعافه، وأعلاه القرب من الرحمن في جنة الفردوس، فيا له من فوز!
وكيف إذًا بامتحان نتيجته سعادة أبدية، أو شقاء أبدي، نتيجته نعيم مقيم لا يحول ولا يزول، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أو في عذاب أليم مهين، شديد لا يخفف، ودائم لا ينقطع: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ) [النساء:56].
ذلكم -يا عباد الله- امتحان الآخرة وسؤالها، وجزاء الرب سبحانه على أعمال العباد فيها، فيا لكياسة من اعتبر بأحوال الدنيا للآخرة، وتزود من الفانية للباقية، ويا لسعادة من قدم على الله تعالى وقد بلغ درجة السابقين، ويا لشقوة من لقي الله تعالى بأعمال الظالمين.
في يوم القيامة حين يجيء الرب سبحانه لفصل القضاء، والملائكة صفوف في ذلك المقام العظيم، سيرفع أناس ويدنون من الرحمن سبحانه؛ كرامة لهم على سبقهم في الدنيا، ترقص قلوبهم طربًا مما يرون من سبقهم وكرامة الرحمن سبحانه لهم، ودونهم فائزون آخرون يقال لهم: أصحاب اليمين، قد أسفرت وجوههم، وفرحت بالفوز قلوبهم، وآخرون خاسرون يقفون بوجوه مظلمة، وحال محزنة، وبقلوب قد ملأها الهم والغم، وتقطعت بالحسرة والندم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) [القيامة:22-25]، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) [عبس:38-41].
أقسام ثلاثة لا رابع لها، لا بد أن يكون كل واحد من الناس في أحدها، وهي المذكورة في قول الله تعالى: (فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [الواقعة:8-10].
وهم المذكورون في قول الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ) [فاطر:32].
فأعلاهم منزلة، وأكثرهم نعيمًا، وأحضهم بالقرب من الله تعالى، ونيل رضوانه، والفوز برؤيته سبحانه؛ فئة السابقين، الذين سبقوا غيرهم إلى الإيمان والعمل الصالح، وأمضوا حياتهم لا يرون ميدانًا فيه رضا الرحمن سبحانه إلا سبقوا إليه، ونافسوا الناس عليه، وتركوا الدنيا لأجله، وقد ذكر الله تعالى بعضًا من نعيمهم عند ذكرهم؛ لإغراء أهل الإيمان، وحث قراء القرآن على التنافس لبلوغ منزلتهم، والاستباق إلى أعمالهم: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآَخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) [الواقعة:10-26]، ولهم عين التسنيم خاصة خالصة، بينما تمزج لغيرهم بغيرها: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ) [المطَّففين:28].
يعلمون بفوزهم وبرضا الرحمن عنهم عند موتهم: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [الواقعة:88-89]، تلك بشراهم، وهذا مآلهم، جعلنا الله ووالدينا وذرياتنا منهم.
وللسابقين المقربين أوصاف مذكورة في القرآن لمن أراد أن يتصف بها فيكون منهم: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:57-61].
وأما القسم الثاني من الناس فيلي السابقين في المنزلة، وهم أصحاب اليمين، أطلق عليهم هذا الوصف لأنهم في أصل الخلق كانوا عن يمين أبيهم آدم -عليه السلام-، ويعطون كتبهم يوم القيامة بأيمانهم، فيكون ذلك علامة فوزهم، وهم ميامين مباركون على أنفسهم وعلى غيرهم؛ لأنهم أطاعوا ربهم فدخلوا الجنة، واليُمن هو البركة، ومن بركتهم على غيرهم في الدنيا دعوتهم لهم إلى الخير، ونهيهم عن الشر، ومن بركتهم يوم القيامة على غيرهم شفاعتهم لمن يستحق الشفاعة من قرابتهم ومعارفهم، وقد ذكر الله تعالى جملة من نعيمهم في الآخرة فقال تعالى: (وَأَصْحَابُ اليَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ اليَمِينِ) [الواقعة:27-38].
ومن أعمالهم: (فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ) [البلد:13-18].
ويعلمون بسلامتهم حال احتضارهم: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ) [الواقعة:90-91].
وأما القسم الثالث فأصحاب الشمال -أعاذنا الله تعالى من حالهم ومآلهم-، سموا بذلك لأنهم كانوا عن شمال أبيهم آدم -عليه السلام- في أصل الخلق، ويعطون كتبهم يوم القيامة بشمائلهم، وهم شؤم على أنفسهم وعلى من اقترن بهم فوافقهم في أفعالهم؛ لأنهم أوجبوا النار لأنفسهم ولمن أطاعهم، والعرب تسمي الشمال شؤمًا، كما تسمي اليمين يمنًا، وهم المخلدون في النار من الكفار والمنافقين، وقد ذكر الله تعالى شيئًا من عذابهم في الآخرة فقال تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) [الواقعة:41-44]، وفي موضع آخر ذكر الله تعالى كفرهم، وعاقبة كفرهم به سبحانه فقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) [البلد:19-20].
ويعلمون بمصيرهم المشؤوم عند موتهم: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [الواقعة:92-94].
وليس بعد هذه الأقسام الثلاثة قسم رابع، فقسمان في الجنة، وقسم في النار، فليختر الإنسان لنفسه ما يريد منها، وليعمل بعمل أهله، ومن تأمل هذه الدنيا وأكدارها وسرعة زوالها وكثرة موت الناس فيها؛ هان عليه أمرها، ولم يقدمها على الآخرة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ) [فاطر:5].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ...
الحمد لله رب العالمين ,,,,,,,