قال الله تعالى : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين . وقال تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا . وقال تعالى : ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ، ومعنى تصعر خدك للناس أي تميله وتعرض به عن الناس تكبرا عليهم والمرح التبختر . وقال تعالى : إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين . إلى قوله تعالى : فخسفنا به وبداره الأرض الآيات .
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله - : باب تحريم الكبر والإعجاب . والكبر : هو الترفع واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير ، وأنه فوق الناس ، وأن له فضلا عليهم . والإعجاب : أن يرى الإنسان عمل نفسه فيعجب به ، ويستعظمه ويستكثره . فالإعجاب يكون في العمل ، والكبر يكون في النفس ، وكلاهما خلق مذموم . والكبر نوعان : كبر على الحق ، وكبر على الخلق ، وقد بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : الكبر بطر الحق وغمط الناس فبطر الحق يعني رده والإعراض عنه ، وعدم قبوله وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم ، وألا يرى الناس شيئا ويرى أنه فوقهم . وقيل لرجل : ماذا ترى الناس ؟ قال : لا أراهم إلا مثل البعوض فقيل له إنهم لا يرونك إلا كذلك . وقيل لآخر ما ترى الناس قال : أرى الناس أعظم مني ولهم شأن ولهم منزلة فقيل له إنهم يرونك أعظم منهم وأن لك شأنا ومحلا . فأنت إذا رأيت الناس على أي وجه فالناس يرونك بمثل ما تراهم به ، إن رأيتهم في محل الإكرام والإجلال والتعظيم ، ونزلتهم منزلتهم عرفوا لك ذلك ، ورأوك في محل الإجلال والإكرام والتعظيم ونزلوك منزلتك والعكس بالعكس أما بطر الحق : فهو رده وألا يقبل الإنسان الحق بل يرفضه ويرده اعتدادا بنفسه ورأيه فيرى - والعياذ بالله - أنه أكبر من الحق ، وعلامة ذلك أن الإنسان يؤتى إليه بالأدلة من الكتاب والسنة ، ويقال : هذا كتاب الله ، هذه سنة رسول الله ، ولكنه لا يقبل بل يستمر على رأيه فهذا رد الحق والعياذ بالله . وكثير من الناس ينتصر لنفسه فإذا قال قولا لا يمكن أن يتزحزح عنه ، ولو رأى الصواب في خلافه ، ولكن هذا خلاف العقل وخلاف الشرع . والواجب أن يرجع الإنسان للحق حيثما وجده ، حتى لو خالف قوله فليرجع إليه ، فإن هذا أعز له عند الله ، وأعز له عند الناس ، وأسلم لذمته وأبرأ . فلا تظن أنك إذا رجعت عن قولك إلى الصواب أن ذلك يضع منزلتك عند الناس ، بل هذا يرفع منزلتك ، ويعرف الناس أنك لا تتبع إلا الحق ، أما الذي يعاند ويبقى على ما هو عليه ويرد الحق ، فهذا متكبر والعياذ بالله . وهذا يقع من بعض الناس - والعياذ بالله - حتى من طلبة العلم ، تبين له بعد المناقشة وجه الصواب وأن الصواب خلاف ما قاله بالأمس ولكنه يبقى على رأيه يملي عليه الشيطان أنه إذا رجع استهان الناس به وقالوا عنه إنه إمعة كل يوم له قول ، وهذا لا يضر إذا رجعت إلى الصواب ، فليكن قولك اليوم خلاف قولك بالأمس ، فالأئمة الأجلة كان يكون لهم في المسألة الواحدة أقوال متعددة . وهذا هو الإمام أحمد - رحمه الله - إمام أهل السنة ، وأرفع الأئمة من حيث اتباع الدليل وسعة الإطلاع نجد أن له في المسألة الواحدة في بعض الأحيان أكثر من أربعة أقوال ، لماذا ؟ لأنه إذا تبين له الدليل رجع إليه ، وهكذا شأن كل إنسان منصف عليه أن يتبع الدليل حيثما كان . ثم ذكر المؤلف - رحمه الله - آيات تتعلق بهذا الباب بين فيها - رحمه الله - أنها كلها تدل على ذم الكبر ، وآخرها الآيات المتعلقة بقارون . وقارون رجل من بني إسرائيل من قوم موسى ، أعطاه الله سبحانه وتعالى مالا كثيرا ، حتى إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، يعنى مفاتيح تثقل وتشق على العصبة ، أي الجماعة من الرجال أولي القوة لكثرتها . إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين فإن هذا الرجل بطر - والعياذ بالله - وتكبر ولما ذكر بآيات الله ردها واستكبر قال إنما أوتيته على علم عندي فأنكر فضل الله عليه ، وقال أنا اكتسبته بنفسي ، وقوتي ، وبعلم أدركت به هذا المال . وكانت النتيجة أن الله خسف به وبداره الأرض ، وزال هو وأملاكه فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا فتأمل نتيجة الكبر - والعياذ بالله - والعجب والاعتداد بالنفس وكيف كان عاقبة ذلك من الهلاك والدمار . ثم ذكر المؤلف عدة آيات منها قوله تعالى : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين الدار الآخرة هي آخر دور بني آدم ، لأن ابن آدم له أربعة دور كلها تنتهي بالآخرة . الدار الأولى : في بطن أمه . الدار الثانية : إذا خرج من بطن أمه إلى دار الدنيا . والدار الثالثة : البرزخ ما بين موته وقيام الساعة . والدار الرابعة : الدار الآخرة وهي النهاية ، وهي القرار ، هذه الدار قال الله تعالى عنها : نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا لا يريدون التعالي # على الحق ، ولا التعالي # على الخلق وإنما هم متواضعون وإذا نفى الله عنهم إرادة العلم والفساد ، فهو من باب أولى ألا يكون منهم علو ولا فساد فهم لا يعلون في الأرض ولا يفسدون ولا يريدون ذلك ، لأن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : قسم علا وفسد وأفسد ، فهذا اجتمع في حقه الإرادة والفعل . 2 - وقسم لم يرد الفساد ولا العلو فقد انتفى عنه الأمران . 3 - وقسم ثالث يريد العلو والفساد ولكن لا يقدر عليه . وهذا الثالث بين الأول والثاني ، لكن عليه الوزر لأنه أراد السوء فالدار الآخرة إنما تكون للذين لا يريدون علوا في الأرض أي تعليا على الحق أو على الخلق ولا فسادا والعاقبة للمتقين فإن قال قائل : ما هو الفساد في الأرض ؟ فالجواب أن الفساد في الأرض ليس هدم المنازل ولا إحراق الزرع ، بل الفساد في الأرض بالمعاصي كما قال أهل العلم - رحمهم الله - في قوله تعالى : ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها أي لا تعصوا الله لأن المعاصي سبب الفساد . وقال الله تبارك وتعالى : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون فلم يفتح الله عليهم بركات من السماء ولا من الأرض فالفساد في الأرض يكون بالمعاصي نسأل الله العافية وقال الله تبارك وتعالى : ولا تمش في الأرض مرحا يعني لا تمش مرحا مستكبرا متبخترا في نفسك إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا يعني مهما كنت فأنت لا تقدر أن تنزل في الأرض ولا تتباهى حتى تساوي الجبال ، بل إنك أنت أنت . أنت ابن آدم حقير ضعيف فكيف تمشي في الأرض مرحا . وقال تعالى : ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور تصعير الخد للناس : أن يعرض الإنسان عن الناس ، فتجده والعياذ بالله مستكبرا لاويا عنقه ، تحدثه وهو يحدثك وقد صد عنك ، وصعر خده . ولا تمش في الأرض يعني لا تمش تبخترا وتعاظما وتكبرا إن الله لا يحب كل مختال فخور المختال في هيئته ، والفخور بلسانه وقوله فهو بهيئته مختال ، في ثيابه في ملابسه في مظهره في مشيته فخور بقوله ولسانه والله تعالى لا يحب هذا إنما يحب المتواضع الغني الخفي التقي ، هذا هو الذي يحبه الله عز وجل .
الشرح
قال المؤلف - رحمه الله - : باب تحريم الكبر والإعجاب . والكبر : هو الترفع واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير ، وأنه فوق الناس ، وأن له فضلا عليهم . والإعجاب : أن يرى الإنسان عمل نفسه فيعجب به ، ويستعظمه ويستكثره . فالإعجاب يكون في العمل ، والكبر يكون في النفس ، وكلاهما خلق مذموم . والكبر نوعان : كبر على الحق ، وكبر على الخلق ، وقد بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : الكبر بطر الحق وغمط الناس فبطر الحق يعني رده والإعراض عنه ، وعدم قبوله وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم ، وألا يرى الناس شيئا ويرى أنه فوقهم . وقيل لرجل : ماذا ترى الناس ؟ قال : لا أراهم إلا مثل البعوض فقيل له إنهم لا يرونك إلا كذلك . وقيل لآخر ما ترى الناس قال : أرى الناس أعظم مني ولهم شأن ولهم منزلة فقيل له إنهم يرونك أعظم منهم وأن لك شأنا ومحلا . فأنت إذا رأيت الناس على أي وجه فالناس يرونك بمثل ما تراهم به ، إن رأيتهم في محل الإكرام والإجلال والتعظيم ، ونزلتهم منزلتهم عرفوا لك ذلك ، ورأوك في محل الإجلال والإكرام والتعظيم ونزلوك منزلتك والعكس بالعكس أما بطر الحق : فهو رده وألا يقبل الإنسان الحق بل يرفضه ويرده اعتدادا بنفسه ورأيه فيرى - والعياذ بالله - أنه أكبر من الحق ، وعلامة ذلك أن الإنسان يؤتى إليه بالأدلة من الكتاب والسنة ، ويقال : هذا كتاب الله ، هذه سنة رسول الله ، ولكنه لا يقبل بل يستمر على رأيه فهذا رد الحق والعياذ بالله . وكثير من الناس ينتصر لنفسه فإذا قال قولا لا يمكن أن يتزحزح عنه ، ولو رأى الصواب في خلافه ، ولكن هذا خلاف العقل وخلاف الشرع . والواجب أن يرجع الإنسان للحق حيثما وجده ، حتى لو خالف قوله فليرجع إليه ، فإن هذا أعز له عند الله ، وأعز له عند الناس ، وأسلم لذمته وأبرأ . فلا تظن أنك إذا رجعت عن قولك إلى الصواب أن ذلك يضع منزلتك عند الناس ، بل هذا يرفع منزلتك ، ويعرف الناس أنك لا تتبع إلا الحق ، أما الذي يعاند ويبقى على ما هو عليه ويرد الحق ، فهذا متكبر والعياذ بالله . وهذا يقع من بعض الناس - والعياذ بالله - حتى من طلبة العلم ، تبين له بعد المناقشة وجه الصواب وأن الصواب خلاف ما قاله بالأمس ولكنه يبقى على رأيه يملي عليه الشيطان أنه إذا رجع استهان الناس به وقالوا عنه إنه إمعة كل يوم له قول ، وهذا لا يضر إذا رجعت إلى الصواب ، فليكن قولك اليوم خلاف قولك بالأمس ، فالأئمة الأجلة كان يكون لهم في المسألة الواحدة أقوال متعددة . وهذا هو الإمام أحمد - رحمه الله - إمام أهل السنة ، وأرفع الأئمة من حيث اتباع الدليل وسعة الإطلاع نجد أن له في المسألة الواحدة في بعض الأحيان أكثر من أربعة أقوال ، لماذا ؟ لأنه إذا تبين له الدليل رجع إليه ، وهكذا شأن كل إنسان منصف عليه أن يتبع الدليل حيثما كان . ثم ذكر المؤلف - رحمه الله - آيات تتعلق بهذا الباب بين فيها - رحمه الله - أنها كلها تدل على ذم الكبر ، وآخرها الآيات المتعلقة بقارون . وقارون رجل من بني إسرائيل من قوم موسى ، أعطاه الله سبحانه وتعالى مالا كثيرا ، حتى إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، يعنى مفاتيح تثقل وتشق على العصبة ، أي الجماعة من الرجال أولي القوة لكثرتها . إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين فإن هذا الرجل بطر - والعياذ بالله - وتكبر ولما ذكر بآيات الله ردها واستكبر قال إنما أوتيته على علم عندي فأنكر فضل الله عليه ، وقال أنا اكتسبته بنفسي ، وقوتي ، وبعلم أدركت به هذا المال . وكانت النتيجة أن الله خسف به وبداره الأرض ، وزال هو وأملاكه فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا فتأمل نتيجة الكبر - والعياذ بالله - والعجب والاعتداد بالنفس وكيف كان عاقبة ذلك من الهلاك والدمار . ثم ذكر المؤلف عدة آيات منها قوله تعالى : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين الدار الآخرة هي آخر دور بني آدم ، لأن ابن آدم له أربعة دور كلها تنتهي بالآخرة . الدار الأولى : في بطن أمه . الدار الثانية : إذا خرج من بطن أمه إلى دار الدنيا . والدار الثالثة : البرزخ ما بين موته وقيام الساعة . والدار الرابعة : الدار الآخرة وهي النهاية ، وهي القرار ، هذه الدار قال الله تعالى عنها : نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا لا يريدون التعالي # على الحق ، ولا التعالي # على الخلق وإنما هم متواضعون وإذا نفى الله عنهم إرادة العلم والفساد ، فهو من باب أولى ألا يكون منهم علو ولا فساد فهم لا يعلون في الأرض ولا يفسدون ولا يريدون ذلك ، لأن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام : قسم علا وفسد وأفسد ، فهذا اجتمع في حقه الإرادة والفعل . 2 - وقسم لم يرد الفساد ولا العلو فقد انتفى عنه الأمران . 3 - وقسم ثالث يريد العلو والفساد ولكن لا يقدر عليه . وهذا الثالث بين الأول والثاني ، لكن عليه الوزر لأنه أراد السوء فالدار الآخرة إنما تكون للذين لا يريدون علوا في الأرض أي تعليا على الحق أو على الخلق ولا فسادا والعاقبة للمتقين فإن قال قائل : ما هو الفساد في الأرض ؟ فالجواب أن الفساد في الأرض ليس هدم المنازل ولا إحراق الزرع ، بل الفساد في الأرض بالمعاصي كما قال أهل العلم - رحمهم الله - في قوله تعالى : ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها أي لا تعصوا الله لأن المعاصي سبب الفساد . وقال الله تبارك وتعالى : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون فلم يفتح الله عليهم بركات من السماء ولا من الأرض فالفساد في الأرض يكون بالمعاصي نسأل الله العافية وقال الله تبارك وتعالى : ولا تمش في الأرض مرحا يعني لا تمش مرحا مستكبرا متبخترا في نفسك إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا يعني مهما كنت فأنت لا تقدر أن تنزل في الأرض ولا تتباهى حتى تساوي الجبال ، بل إنك أنت أنت . أنت ابن آدم حقير ضعيف فكيف تمشي في الأرض مرحا . وقال تعالى : ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور تصعير الخد للناس : أن يعرض الإنسان عن الناس ، فتجده والعياذ بالله مستكبرا لاويا عنقه ، تحدثه وهو يحدثك وقد صد عنك ، وصعر خده . ولا تمش في الأرض يعني لا تمش تبخترا وتعاظما وتكبرا إن الله لا يحب كل مختال فخور المختال في هيئته ، والفخور بلسانه وقوله فهو بهيئته مختال ، في ثيابه في ملابسه في مظهره في مشيته فخور بقوله ولسانه والله تعالى لا يحب هذا إنما يحب المتواضع الغني الخفي التقي ، هذا هو الذي يحبه الله عز وجل .