بسم الله الرحمن الرحيم
قلب الإنسان ذو شأن عجيب ونبأ غريب، نعم هو مضغة صغيرة لكنّه يحمل الكثير، كيف لا وصلاح الأجساد موقوف على صلاح القلوب، وفساد الأجساد موقوف على فساد القلوب، ولذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “ألَا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألَا وهي القلب”، أجل فبصلاح القلب واستقامته تصلُح أعمال الجوارح، وبفساده وقسوته تفسد الأعمال وتخبث الأقوال.
فهذه المضغة في جوف ابن آدم تحمل الحبّ والكره، والرّحمة والقسوة، والتأثّر والتّأثير، بل مدار الأعمال على النيّة، ومحلّ النيّة القلب، ومن هنا قال صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّما الأعمال بالنّيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى”، فأعمال القلوب هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح مكمّلة تابعة لها. والقلوب ثلاثة: قلب قد ملئ إيمانًا ويقينًا وسلِم من الشّبهات والشّهوات المحرّمة، فصاحبه منعم في الدّنيا والآخرة، وقلب فيه إيمان وعليه ظلمة الشّهوات وعواصف المخالفات، فللشّيطان هناك إقبال وإدبار ومطامع، فالحرب دول وسجال، وأمّا القلب الثالث: فقلب خلَا من الإيمان والخير وقسَا، فهو مظلم قد اتّخذه الشّيطان وكرًا، فنعوذ باللّه من موت القلوب.
إنّ موضوع القلب والحديث عنه وأمراضه وعلاجه، موضوع طويل متشعّب الجوانب، لكن الّذي يعنينا هنا هو الكلام عن صفة تنطوي عليها بعض قلوب بني آدم، وهذه الخصلة إذا انطبعت في القلب أثرت في الجوارح، وهي القسوة والغلظة والفظاظة الّتي تعني اليبس والصّلابة والشِّدّة المذمومة الّتي لا يعي صاحبها الخير ولا يفعله، بل كثيرًا ما يلحق الأذى والألم بالآخرين غير هياب ولا وجل، وكلّما كان المرء أشدّ كفرًا كلّما كان أقسى قلبًا حتّى لو تصنع ولبس ثوبًا غير ثوبه، فإنّه سرعان ما تنكشف سوأته، وتأمّل حال الجاهلية الّذين كفروا باللّه وبرسوله ورفضوا وحيَهُ، كيف فارقت الرّحمة الأعمّ الأغلب منهم، فلا يكرم والد لسِنِّه، ولا مولود لصغره، ولا ضعيف لضعفه، ولا منكوب توالَت عليه المحن، بل الأذى والتّعذيب يصيب كلّ مَن اتّخذه له عدوًا.
إذا خَلَا القلب من الإيمان واستسلم للشّهوات قسَا وفَقَدَ الرّحمة وفقد مقوّمات الإنسان فارتكب الجرائم، وكلّ ما يؤدّي إلى نكبات البشر من قتل الآباء ويتم الأبناء وترميل الزّوجات واستعباد البشر وتشريدهم، وهذا الصنف هم مصدر البلاء على الإنسانية في كلّ حقب التاريخ، فويل لهم في الدّنيا والآخرة: “مَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم”.
فرعون تجبّر وطغى وقال: أنا ربُّكم الأعلى، أخبر اللّه عنه أنّه استذل العباد وقتلهم وعذّبهم بلا شفقة ولا رحمة: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحِيي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، وها هم أصحاب الأخدود الّذين عذّبوا المؤمنين وحفروا لهم الأخدود، وأضرموا فيه النّيران ثمّ قعدوا يتلذّذون بالنّظر إلى المؤمنين وهم يقذفون في الأخدود والنّيران تحرق أجساد المؤمنين صغارًا وكبارًا، ألَا لعنة اللّه على الظّالمين.
ومن أصحاب القلوب القاسية الغليظة اليهود: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، فهم الحسّاد القتلة، والبُغاة المَردَة قديمًا وحديثًا، وبسبب ما كسبت أيديهم حكم اللّه عليهم باللّعنة والحِرمان من الرّحمة: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}.
وإذا كان الأصل في الفظاظة والقسوة وغلظ القلب أنّها في قلوب الكفّار، فإنّ من العجب العجاب أن يتّصِف بعض المسلمين بهذه الصّفة، فيكون قاسيًا على أهل بيته، صلفًا على أولاده، فظًّا غليظًا مع والديه، شديدًا على إخوانه وجيرانه وذوي رحمه، لا يَرحم ضعيفًا، ولا يعطف على يتيم، ولا يتألّم لمَصاب المسلمين، قال مالك بن دينار: “ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب اللّه على قوم إلّا نزع الرّحمة من قلوبهم”، فمِن الشّقاء وقسوة القلب ضرب الزّوجة والولد لأمور تافهة، وسوء المعاملة، حتّى لربّما أثّر هذا في نفسياتهم ومستقبل حياتهم، وإنّ من الشّقاء وقسوة القلب سوء معاملة الوالدين، وإنّ مِن قلّة الرّحمة وشقاء القلب أكل مال اليتيم، وظلم العباد وأخذ حقوقهم وخاصة المستضعفين، ولا تنزع الرّحمة إلّا من شقي، وإنّما يرحم اللّه من عباده الرُّحماء. واللّه وليّ التّوفيق.
قلب الإنسان ذو شأن عجيب ونبأ غريب، نعم هو مضغة صغيرة لكنّه يحمل الكثير، كيف لا وصلاح الأجساد موقوف على صلاح القلوب، وفساد الأجساد موقوف على فساد القلوب، ولذلك قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “ألَا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألَا وهي القلب”، أجل فبصلاح القلب واستقامته تصلُح أعمال الجوارح، وبفساده وقسوته تفسد الأعمال وتخبث الأقوال.
فهذه المضغة في جوف ابن آدم تحمل الحبّ والكره، والرّحمة والقسوة، والتأثّر والتّأثير، بل مدار الأعمال على النيّة، ومحلّ النيّة القلب، ومن هنا قال صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّما الأعمال بالنّيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى”، فأعمال القلوب هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح مكمّلة تابعة لها. والقلوب ثلاثة: قلب قد ملئ إيمانًا ويقينًا وسلِم من الشّبهات والشّهوات المحرّمة، فصاحبه منعم في الدّنيا والآخرة، وقلب فيه إيمان وعليه ظلمة الشّهوات وعواصف المخالفات، فللشّيطان هناك إقبال وإدبار ومطامع، فالحرب دول وسجال، وأمّا القلب الثالث: فقلب خلَا من الإيمان والخير وقسَا، فهو مظلم قد اتّخذه الشّيطان وكرًا، فنعوذ باللّه من موت القلوب.
إنّ موضوع القلب والحديث عنه وأمراضه وعلاجه، موضوع طويل متشعّب الجوانب، لكن الّذي يعنينا هنا هو الكلام عن صفة تنطوي عليها بعض قلوب بني آدم، وهذه الخصلة إذا انطبعت في القلب أثرت في الجوارح، وهي القسوة والغلظة والفظاظة الّتي تعني اليبس والصّلابة والشِّدّة المذمومة الّتي لا يعي صاحبها الخير ولا يفعله، بل كثيرًا ما يلحق الأذى والألم بالآخرين غير هياب ولا وجل، وكلّما كان المرء أشدّ كفرًا كلّما كان أقسى قلبًا حتّى لو تصنع ولبس ثوبًا غير ثوبه، فإنّه سرعان ما تنكشف سوأته، وتأمّل حال الجاهلية الّذين كفروا باللّه وبرسوله ورفضوا وحيَهُ، كيف فارقت الرّحمة الأعمّ الأغلب منهم، فلا يكرم والد لسِنِّه، ولا مولود لصغره، ولا ضعيف لضعفه، ولا منكوب توالَت عليه المحن، بل الأذى والتّعذيب يصيب كلّ مَن اتّخذه له عدوًا.
إذا خَلَا القلب من الإيمان واستسلم للشّهوات قسَا وفَقَدَ الرّحمة وفقد مقوّمات الإنسان فارتكب الجرائم، وكلّ ما يؤدّي إلى نكبات البشر من قتل الآباء ويتم الأبناء وترميل الزّوجات واستعباد البشر وتشريدهم، وهذا الصنف هم مصدر البلاء على الإنسانية في كلّ حقب التاريخ، فويل لهم في الدّنيا والآخرة: “مَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم”.
فرعون تجبّر وطغى وقال: أنا ربُّكم الأعلى، أخبر اللّه عنه أنّه استذل العباد وقتلهم وعذّبهم بلا شفقة ولا رحمة: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحِيي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، وها هم أصحاب الأخدود الّذين عذّبوا المؤمنين وحفروا لهم الأخدود، وأضرموا فيه النّيران ثمّ قعدوا يتلذّذون بالنّظر إلى المؤمنين وهم يقذفون في الأخدود والنّيران تحرق أجساد المؤمنين صغارًا وكبارًا، ألَا لعنة اللّه على الظّالمين.
ومن أصحاب القلوب القاسية الغليظة اليهود: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، فهم الحسّاد القتلة، والبُغاة المَردَة قديمًا وحديثًا، وبسبب ما كسبت أيديهم حكم اللّه عليهم باللّعنة والحِرمان من الرّحمة: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}.
وإذا كان الأصل في الفظاظة والقسوة وغلظ القلب أنّها في قلوب الكفّار، فإنّ من العجب العجاب أن يتّصِف بعض المسلمين بهذه الصّفة، فيكون قاسيًا على أهل بيته، صلفًا على أولاده، فظًّا غليظًا مع والديه، شديدًا على إخوانه وجيرانه وذوي رحمه، لا يَرحم ضعيفًا، ولا يعطف على يتيم، ولا يتألّم لمَصاب المسلمين، قال مالك بن دينار: “ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب اللّه على قوم إلّا نزع الرّحمة من قلوبهم”، فمِن الشّقاء وقسوة القلب ضرب الزّوجة والولد لأمور تافهة، وسوء المعاملة، حتّى لربّما أثّر هذا في نفسياتهم ومستقبل حياتهم، وإنّ من الشّقاء وقسوة القلب سوء معاملة الوالدين، وإنّ مِن قلّة الرّحمة وشقاء القلب أكل مال اليتيم، وظلم العباد وأخذ حقوقهم وخاصة المستضعفين، ولا تنزع الرّحمة إلّا من شقي، وإنّما يرحم اللّه من عباده الرُّحماء. واللّه وليّ التّوفيق.