السؤال:
جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اكلفوا
من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا. وإن أحب الأعمال إلى
الله أدومها وإن قلّ".
هل نفهم من هذا الحديث أنه ينبغي على المسلم أن يلتزم الوسطية في كل أمور
حياته؟ الذي أقصده، أن الشخص إذا كان معتدلاً دائماً فكيف سينجح في هذه
الحياة، لأن النجاح لا يتأتى إلا بالعمل الشاق والجهد المثابرة؟.. ونحن
كمسلمين يجب أن نندب أنفسنا إلى العمل والمثابرة على كل الأحوال حتى نبلغ
أعلى درجات التميّز.. لا أن نأخذ الأمور بالاعتدال.
هذا هو فهمي، فأرجو تبيين ما إذا كان صحيحاً أم لا مع الشرح والتوضيح.
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله
لا تعارض بين الجد والمثابرة وإتقان العمل بل والإكثار من العمل الصالح والمسابقة
إلى الخيرات، وبين الأمر بالقصد والاعتدال والبعد عن التشديد على النفس وتكليفها ما
لا تطيق .
فقد ذكر الله تعالى في القرآن ما يدل على الأمرين ووضح ذلك رسوله صلى الله عليه
وسلم بسنته القولية والعملية
أما القرآن فقد قال الله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ
بِكُمُ العُسْرَ ) البقرة/185
وقال - تعالى -:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/ 78.
وقال سبحانه : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران /
133.
وأما السنة :
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ( لن
ينجي أحداً منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني
الله برحمته. سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا )
رواه البخاري (6463) .
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سئل النبي - صلى
الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ( أدومها وإن قل. وقال: اكلفوا من
الأعمال ما تطيقون ) رواه البخاري(6465).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ( إن الدين
يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة
والروحة وشيء من الدلجة ) البخاري (39) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" (ما تطيقون) أي قدر طاقتكم، والحاصل أنه أمر بالجد في العبادة ، والإبلاغ بها إلى
حد النهاية ، لكن بقيد : ما لا تقع معه المشقة المفضية إلى السآمة والملال" انتهى
من "فتح البارى" (11/299) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " فإن المشروع المأمور به الذي يحبه
الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الاقتصاد في العبادة .. "
إلى أن قال : " فمتى كانت العبادة توجب له ضرراً يمنعه عن فعل واجب أنفع له منها،
كانت محرمة، مثل أن يصوم صومأ يضعفه عن الكسب الواجب ، أو يمنعه عن العمل أو الفهم
الواجب ، أو يمنعه عن الجهاد الواجب .
وكذلك إذا كانت توقعه في محل محرم لا يقاوم مفسدته مصلحتها، مثل أن يخرج ماله كله،
ثم يستشرف إلى أموال الناس ويسألهم .
وأما إن أضعفته عما هو أصلح منها، وأوقعته في مكروهات، فإنها مكروهة" انتهى من
"مجموع الفتاوى" ( 25/ 272 ) .
وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في معرض شرحه للأحاديث المذكورة السابقة
أن فيها إشارة إلى أن أحب الأعمال إلى الله - عز وجل - شيئان:
أحدهما: ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلاً، وهكذا كان عمل النبي - صلى الله عليه
وسلم - وعمل آله وأزواجه من بعده. وكان ينهى عن قطع العمل .
والثاني: أن أحب الأعمال إلى الله ما كان على وجه السداد والاقتصاد والتيسير ، دون
ما كان على وجه التكلف والاجتهاد والتعسير.
وقال - رحمه الله - في تفسير (سددوا وقاربوا): المراد بالتسديد: العمل بالسداد، وهو
القصد، والتوسط في العبادة فلا يقصر فيما أمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه .انتهى
من ( المحجة في سير الدلجة 45 - 51 )
فعلم بما سبق أن النهي عن التكلف ، والأمر بالاقتصاد معناه : أن يبذل الإنسان وسعه
وجهده في تحصيل الخير ، ولو كان في كان ذلك نوع من المشقة التي يمكن لمثله أن
يحتملها ، ويداوم على أمره ؛ فإن وصل به الحال إلى أن يلزم نفسه أكثر مما تحتمله ،
أو ترتب على فعلها للخير ضرر أعظم في دين أو دنيا : كان هذا من تكليف النفس ما لا
تطيق ، وربما أفضى به ذلك إلى الانقطاع عن العمل الصالح ؛ لأن كل خير في اتباع هذه
الشريعة التي أنزلها خالق النفس البشرية ، وهو أعلم بما خلق وهو اللطيف الخبير.
وهذا كله ، وإن كان واردا في أمور العبادة والطاعة لله ، التي ينهى عن الانقطاع
عنها ، أو فعل ما يقطع العبد عنها ، ويؤمر المرء بالمداومة عليها ، فإن هذا هو
النصيحة أيضا في أمور الدنيا ، غير أن الأمر فيها أوسع ، فقد يطلب من المرء أن يبذل
جهدا مضاعفا في حال ، ليرتاح في غيره ، أو يحصل فرصة تفوته ، أو نحو ذلك ، فهذا
ينظر فيه بحسب الحال والمقام ، والأمر فيها أوسع وأسهل من أمور العبادة .
والجامع فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ
وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ
عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ
شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ
قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )
رواه مسلم (2664) .
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح .
والله تعالى أعلم.
جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اكلفوا
من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا. وإن أحب الأعمال إلى
الله أدومها وإن قلّ".
هل نفهم من هذا الحديث أنه ينبغي على المسلم أن يلتزم الوسطية في كل أمور
حياته؟ الذي أقصده، أن الشخص إذا كان معتدلاً دائماً فكيف سينجح في هذه
الحياة، لأن النجاح لا يتأتى إلا بالعمل الشاق والجهد المثابرة؟.. ونحن
كمسلمين يجب أن نندب أنفسنا إلى العمل والمثابرة على كل الأحوال حتى نبلغ
أعلى درجات التميّز.. لا أن نأخذ الأمور بالاعتدال.
هذا هو فهمي، فأرجو تبيين ما إذا كان صحيحاً أم لا مع الشرح والتوضيح.
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله
لا تعارض بين الجد والمثابرة وإتقان العمل بل والإكثار من العمل الصالح والمسابقة
إلى الخيرات، وبين الأمر بالقصد والاعتدال والبعد عن التشديد على النفس وتكليفها ما
لا تطيق .
فقد ذكر الله تعالى في القرآن ما يدل على الأمرين ووضح ذلك رسوله صلى الله عليه
وسلم بسنته القولية والعملية
أما القرآن فقد قال الله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ
بِكُمُ العُسْرَ ) البقرة/185
وقال - تعالى -:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/ 78.
وقال سبحانه : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران /
133.
وأما السنة :
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ( لن
ينجي أحداً منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني
الله برحمته. سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا )
رواه البخاري (6463) .
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سئل النبي - صلى
الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ( أدومها وإن قل. وقال: اكلفوا من
الأعمال ما تطيقون ) رواه البخاري(6465).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ( إن الدين
يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة
والروحة وشيء من الدلجة ) البخاري (39) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" (ما تطيقون) أي قدر طاقتكم، والحاصل أنه أمر بالجد في العبادة ، والإبلاغ بها إلى
حد النهاية ، لكن بقيد : ما لا تقع معه المشقة المفضية إلى السآمة والملال" انتهى
من "فتح البارى" (11/299) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " فإن المشروع المأمور به الذي يحبه
الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الاقتصاد في العبادة .. "
إلى أن قال : " فمتى كانت العبادة توجب له ضرراً يمنعه عن فعل واجب أنفع له منها،
كانت محرمة، مثل أن يصوم صومأ يضعفه عن الكسب الواجب ، أو يمنعه عن العمل أو الفهم
الواجب ، أو يمنعه عن الجهاد الواجب .
وكذلك إذا كانت توقعه في محل محرم لا يقاوم مفسدته مصلحتها، مثل أن يخرج ماله كله،
ثم يستشرف إلى أموال الناس ويسألهم .
وأما إن أضعفته عما هو أصلح منها، وأوقعته في مكروهات، فإنها مكروهة" انتهى من
"مجموع الفتاوى" ( 25/ 272 ) .
وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في معرض شرحه للأحاديث المذكورة السابقة
أن فيها إشارة إلى أن أحب الأعمال إلى الله - عز وجل - شيئان:
أحدهما: ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلاً، وهكذا كان عمل النبي - صلى الله عليه
وسلم - وعمل آله وأزواجه من بعده. وكان ينهى عن قطع العمل .
والثاني: أن أحب الأعمال إلى الله ما كان على وجه السداد والاقتصاد والتيسير ، دون
ما كان على وجه التكلف والاجتهاد والتعسير.
وقال - رحمه الله - في تفسير (سددوا وقاربوا): المراد بالتسديد: العمل بالسداد، وهو
القصد، والتوسط في العبادة فلا يقصر فيما أمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه .انتهى
من ( المحجة في سير الدلجة 45 - 51 )
فعلم بما سبق أن النهي عن التكلف ، والأمر بالاقتصاد معناه : أن يبذل الإنسان وسعه
وجهده في تحصيل الخير ، ولو كان في كان ذلك نوع من المشقة التي يمكن لمثله أن
يحتملها ، ويداوم على أمره ؛ فإن وصل به الحال إلى أن يلزم نفسه أكثر مما تحتمله ،
أو ترتب على فعلها للخير ضرر أعظم في دين أو دنيا : كان هذا من تكليف النفس ما لا
تطيق ، وربما أفضى به ذلك إلى الانقطاع عن العمل الصالح ؛ لأن كل خير في اتباع هذه
الشريعة التي أنزلها خالق النفس البشرية ، وهو أعلم بما خلق وهو اللطيف الخبير.
وهذا كله ، وإن كان واردا في أمور العبادة والطاعة لله ، التي ينهى عن الانقطاع
عنها ، أو فعل ما يقطع العبد عنها ، ويؤمر المرء بالمداومة عليها ، فإن هذا هو
النصيحة أيضا في أمور الدنيا ، غير أن الأمر فيها أوسع ، فقد يطلب من المرء أن يبذل
جهدا مضاعفا في حال ، ليرتاح في غيره ، أو يحصل فرصة تفوته ، أو نحو ذلك ، فهذا
ينظر فيه بحسب الحال والمقام ، والأمر فيها أوسع وأسهل من أمور العبادة .
والجامع فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ
وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ
عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ
شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ
قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )
رواه مسلم (2664) .
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح .
والله تعالى أعلم.