لم يكن الهدف من الرسالات السماوية الفوز بالجنة أو النجاة من النار , إنما خلقت الجنة والنار لينضبط سلوك البشر فى الحياة الدنيا , فلو خلقنا الله من اجل الجنة لما اخرج أدم منها, ولو خلقنا الله من اجل النار لقذف فيها أدم مع اول معصية له , إنما نحن بالحياة الدنيا نخوض معركة مع النفس إما أن نفوز بتربيتها فنكون من اتباع الله أو تفوز النفس علينا فنكون من اتباع الهوى والشهوات , والرسالات السماوية تهذيب للأخلاق البشرية , فقال الرسول صل الله عليه وسلم (" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ) وعندما نتعرف على المعنى الحقيقى للأخلاق سوف ندرك الانسجام بين العبادة والأخلاق . ويمكن تعريف الأخلاق بأنها مجموعة صفات راسخة بالنفس تصدر افعال , ونعلم ان الافعال الحسنة هى طاعة وعبادة , ومن الأحاديث الدالة على التلازم بين الأخلاق والعبادة قول الرسول صل الله عليه وسلم (:" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ") [رواه أحمد[. وقال عليه الصلاة والسلام : (" أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق ) " [رواه الترمذي [وقال عليه الصلاة والسلام : (" إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً) " [رواه أحمد والترمذي وابن حبان([.والمصدر الرئيسى لمكارم الأخلاق هى السنة النبيوية الشريفة التى صدرت عن الرسول محمد صل الله عليه وسلم بوحى وتعليم من رب العالمين , فقال سبحانه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُشَدِيدُ الْقُوَى). وفى قوله سبحانه وتعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) تصحيح لمفهوم الفارق بين العظماء والمشاهير , ويمنح لقب العظماء لكل شخص صدر منه افعال أوإنجازات دون انتظار أجر أو مقابل فى الحياة الدنيا , أما دون ذلك فيطلق عليهم لقب المشاهير أو نجوم المجتمع ممن حصدوا ثمن اعمالهم أواختراعتهم فى حياتنا الدنيا , ويوجد فارق جوهرى بين الشهرة والعظمة , فلا يشترط أن يكون الشخص المشهور على خلق حسن أوتكون اعماله نافعة للمجتمع, فكم من فنان مشهور اشتهر لفنه الهابط الذى يثير الغرائز والشهوات المحرمة, وكم من عالم اشتهر لأختراعه سلاح افسد به البيئة فقتل به الإنسان والحيوان والنبات, وكم من قائد مشهور قتل ابناء شعب سلاحه الوحيد هى الحجارة , وكم من لاعب رياضى مشهور فى الحقيقة هو شمام مخدرات, لكن العظماء اشخاص تعطى بدون انتظار مقابل وكل افعالهم نافعة تفيد البشرية , فكل الرسل والأنبياء ذاقوا الويلات والمشقات لتبليغ الرسالات السماوية دون انتظار اجرا من البشر , والقرأن يشهد بقولهم { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } وعلى الرغم مما تقدم فلم يغلق باب العظمة أمام مشاهير الحياة الدنيا , فكل من ساهم بعمل لإسعاد البشرية يبتغى به مرضات الله فهو من العظماء , فالزعماء المدافعين عن حقوق ومصير شعوبهم عظماء حتى الفنان والمؤلف والعالم والقائد والاعب الرياضى عظماء عندما تصبح اعمالهم نافعة خالصة لله , وقد اتفق اصحاب العقول المستنيرة بإجماع أن شخصية الرسول محمد صل الله عليه وسلم جمعت بين عظمة الدنيا وعظماء الحياة الأبدية فأستقروا على انه أعظم العظماء بإطلاق (عليه الصلاة واذكى السلام )
بقلم / يحيى حسن حسانيناللهم ارحم امواتنا جميعا واجمعنا بهم فى خير يوم نصيروا الى ما صاروا اليه