أين دمعتك من خشية الله ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد
غاب عن حياة الكثيرين منَّا سَمتٌ جليل، وسِمة ربانيَّة، أنْسَتْنا
الدُّنيا ومشاغلها، ولَهَونا بها في الليل والنهار، هذه الخصْلة الكريمة
الشريفة، وهي صفة قدِ امتدحَ اللهُ ورسولُه - صلى الله عليه وسلم -
فاعِلِيها.
نعم، لقد
فَقَدْنا البكاءَ مِن خشية الله
وغاب
عنَّا هذا السمت البُكائي وندر، حتى صار يُقال: إنَّ فلانًا يبكي، وحتى
صار منَ المُسْتَغْرَب أن تجدَ مَن يخشع في الموعظة، وحتى صار صَفُّ
الملتزمينَ في الصلاة أشَحَّ بالدَّمع منَ الصَّخر، إنَّ هذا كلَّه مؤذنٌ
بِخَلل خطيرٍ، ومُنذر بشرٍّ وَبِيل.
لا نريد المُخادَعة...
ولا الضَّحِك على النَّفْس
فربَّما
الْتَمَسَ الإنسان لنفسه أَلْف عُذْر، وربما قال ما قال إياس لأبيه: إنما
هي رقَّة في القلوب، يريد أنَّ المسألة طبائع، فهناك مَن في قلبه رِقَّة،
وهناك مَن في قلبه قسوة، وكلُّ هذه مبررات واهِية، وحُجج ساقِطة، واجعل نصب
عي*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*َ أبدًا قول مَن قال: إذا لم تبكِ مِن خشية الله، فابكِ على نفسك؛
لأنَّكَ لَمْ تبكِ.
كثيرٌ منَّا مَن يقرأ القرآن...
ولكن لا
تدمع عيونُه مِن خشية الله، وكثيرٌ منَّا مَن يستمع إلى أحاديث تُذَكِّرُه
بالآخرة، وتُخَوِّفه بالنار، وتُحَبِّبه في الجنَّة؛ ولكن قلبه لا يخشع،
ولا يخضع، ولا يلين، فقد عَمَّتِ البلوى، وانتشرتِ المعاصي والآثام، فلم
يبقَ لهذا القلب خوفٌ منَ الله، ولم يبقَ لهذه العين خَشْيَة حتى تدمعَ
شوقًا إلى الله.
أخواني
ليسأل الواحدُ منَّا نفسَه : بالله عليكِ، متى آخر مرةٍ دَمِعَتْ عيناكي خشيةً وخوفًا منَ الله؟
ولعلَّ جواب كثيرٍ منَّا قد يكون: مِن سنواتٍ عديدةٍ، أو أنها لم تدمعْ أَصْلاً خشية لله
فلماذا هذه القسوة في القلوب؟
ولماذا هذا التَّحَجُّر في العيون؟
ما هو إلاَّ بسبب الابتعاد عن منهج الله
والرُّكون إلى هذه الدُّنيا الفانية
فقد نقرأ القرآن ولا نتأثَّر
ولا نبكي
ونسمع أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -
ولا تَقْشَعِرُّ الجلودُ
ونسمع المواعظ والتَّخْويف بالله وبالآخرة
ولا تُحَرِّك فينا ساكنًا.
وحسبنا
هذا التَّهديد الإلهي المخيف: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ
ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزمر: 22].
قال
مالك بن دينار - رحمه الله -: ما ضرب الله عبدًا بعقوبة أعظم من قسوة
القلب، وما غضب الله - عَزَّ وجل - على قوم إلاَّ نَزَعَ منهمُ الرحمة.
أخواني:
إنَّ البكاءَ مِن خشية الله - تعالى -
مقامٌ عظيم
وهو مقامُ الأنبياء والصالحين
إنَّه مقام الخُشُوع
وإراقة الدُّموع خوفًا منَ الله
إنَّه التعبير عن حُزن القلب
وانكسار الفؤاد.
أخواني:
يقول الله - سبحانه وتعالى - عنْ أولئك الذين تدمع عيونُهم من خشية الله، وترق قلوبُهم لِذِكْر الله؛ يقول - سبحانه -:
{وَإِذَا
سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا
فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83]
ويقول عنهم - سبحانه - أيضًا:
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]
ويقول كذلك: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109]
إنَّ
البكاء مِن خشية الله - تعالى - مِن أعظم الأمور التي يحبُّها الله -
تبارك وتعالى - فعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: ((ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين، قطرة من دموع في
خشية الله، وقطرة دم تُهراق في سبيل الله...)) الحديث؛ رواه التِّرمذي،
وصَحَّحه الألباني.
وانْظُروا إلى الفَضْل العظيم الذي أَعَدَّهُ اللهُ - سبحانه - لصاحب العين التي تدمع خشية وخوفًا منَ الله
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَلِج النار رَجُل بَكَى مِن خشية الله، حتى يعود اللَّبن في الضرع))،
ويقول
- صلى الله عليه وسلم -: ((عينانِ لا تَمَسهما النار: عينٌ بكتْ مِن خشية
الله، وعينٌ باتَتْ تحرُس في سبيل الله))رواهما التِّرمذي، وصَححهما
الألباني
وقد عدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الرَّجل الذي يبكي من
خشية الله منَ السبعة الذين يُظِلهم الله يوم القيامة؛ يقول النبي - صلى
الله عليه وسلم -: ((سبعةٌ يُظِلُّهم الله، يوم لا ظِلَّ إِلاَّ ظله))
ذكر منهم: ((ورجُلٌ ذَكَر الله خاليًا ففاضَتْ عَيْنَاه))؛ متفق عليه.
ما رَقَّ قلبٌ لله - عَزَّ وَجَلَّ - إلا كان صاحبه سابقًا إلى الخيرات، مُشَمِّرًا في الطاعات.
ما رَقَّ قلبٌ لله - عَزَّ وَجَلَّ - إلاَّ كان حريصًا على طاعة الله ومحبته.
ما رَقَّ قلب لله - عَزَّ وَجَلَّ - إلاَّ وَجَدْتَ صاحبَه مُطمئنًّا بِذِكْر الله.
وما رَقَّ قلبٌ لله - عَزَّ وَجَلَّ - إلا وجدتَهُ أبعد ما يكون عَنْ معاصي الله - عز وجل.
فالقلبُ الرَّقيق قلبٌ ذليلٌ أمام عظمة الله، وبطشه - تبارك وتعالى.
ما انتزعه داعي الشيطان
إلاَّ وانكسر خوفًا
وخشية للرَّحمن - سبحانه وتعالى.
ولا جاءَهُ داعي الغَي والهوى
إلاَّ ارتعدتْ
فرائِصه من خشية المَلِيكِ - سبحانه وتعالى
أخواتي:
مِن أعظم أسباب القَسْوة للقلب، وقِلَّة البكاء مِن خشية الله:
الرُّكون إلى الدُّنيا
والغُرُور بأهلها
وكثْرة الاشتغال بِفُضُول أحادِيثها.
وكذا منَ الأسباب كَثْرة الذُّنوب
فواللهِ ما تحجَّرَتِ العيون، وقَسَتِ القلوب
إلاَّ بِتَرَاكُم المعاصي والآثام
فأصبح القلبُ لا يجد مساغًا
لآيات تُتْلى
وأحاديث تُذكِّر
والنبي
- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ العبد إذا أذنبَ ذنبًا نُكِتَتْ في
قلبه نُكتةٌ سوداء، فإنْ تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادتْ حتى
تعلوَ قلبَه، فذلك الرَّان الذي ذَكَرَ الله في القرآن: {كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]))؛ رواه أحمد،
والترمذي، وابن ماجَهْ، وحَسَّنَهُ الألباني
فقد أظلم هذا القلب
بِشُؤْم المعصية، فكيف لقلبٍ علاه الرَّان أنْ يبكيَ مِن خشية الله؟ وكيف
لقلبٍ سَوَّدَتْهُ المعاصي والآثام أن يَتَفَكَّر في خلق الله؟
يقول الحسن البصرى :
والله يا بن ادم لو قرأت القرأن
ثم آمنت به ليطولن حزنك وليشتدن
خوفك وليكثرن فى الدنيا بكاؤك
أخواتي:
إنَّ
لِرقَّة القلب علاماتٍ، فمِن علامات رقَّة القلب ألاَّ يفترَ صاحِبُه عن
ذكر ربِّه، فإنَّ ذِكْرَ الله تطمئنُّ به القلوب:{الَّذِينَ آَمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]
وفي القلب فاقة لا يسدها إلاَّ ذكر الله، فيكون صاحبه
غنيًّا بلا مال
عزيزًا بلا عشيرة
مهيبًا بلا سلطان
قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، أشكو قسوة قلبي، قال: أذِبه بذِكْر الله.
ومِن علامات رقَّة القلب
أن يكونَ صاحبه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همُّه وغمه بالدُّنيا
ووجد فيها راحته ونعيمه وقرَّة عينه وسرور قلبه
وسبحان الله
نحن الواحد منَّا إذا دَخَل في الصلاة تذكَّرَ أمور دُنياه، وما هذا إلاَّ لِقَسْوة في القَلْب
ومِن علامات رِقَّة القَلْب
أنَّ صاحبه إذا فاتَهُ وِرْده أو طاعة منَ الطاعات، وَجَد لذلك أَلَمًا أعظم مِن تألمُّ الحريص بِفَوات ماله ودُنياه.
ومِن علامات رِقَّة القَلْب
أنَّ صاحبَه يخلو بربِّه، فيتضرَّع إليه ويدعوه، ويَتَلَذَّذ بين يديه - سبحانه - قال ابن مسعود - رضيَ الله عنه -:
"اطلُب قلبكَ في مواطن ثلاثة:
عند سَمَاع القرآن
وعند مجالِس الذِّكر
وفي أوقات الخلوة،
فإن لم تجدْه فسَل اللهَ قلبًا؛ فإنه لا قلب لك".
ثَبَتَ عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا صَلَّى سُمِع لصدره أزيز كأزيز المِرْجَل منَ البكاء
أي: كصوت القدر إذا اشتدَّ غليانه؛ رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي.
وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال:
" لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"
فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين
أخواني...
أما آن الأوان لكم أن يخشع قلبك ويرق حالك؟؟
فربك جل في علاه يقول
{
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ
اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ
وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [الحديد: 16].
{ اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } [الزمر: 23].
الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد
غاب عن حياة الكثيرين منَّا سَمتٌ جليل، وسِمة ربانيَّة، أنْسَتْنا
الدُّنيا ومشاغلها، ولَهَونا بها في الليل والنهار، هذه الخصْلة الكريمة
الشريفة، وهي صفة قدِ امتدحَ اللهُ ورسولُه - صلى الله عليه وسلم -
فاعِلِيها.
نعم، لقد
فَقَدْنا البكاءَ مِن خشية الله
وغاب
عنَّا هذا السمت البُكائي وندر، حتى صار يُقال: إنَّ فلانًا يبكي، وحتى
صار منَ المُسْتَغْرَب أن تجدَ مَن يخشع في الموعظة، وحتى صار صَفُّ
الملتزمينَ في الصلاة أشَحَّ بالدَّمع منَ الصَّخر، إنَّ هذا كلَّه مؤذنٌ
بِخَلل خطيرٍ، ومُنذر بشرٍّ وَبِيل.
لا نريد المُخادَعة...
ولا الضَّحِك على النَّفْس
فربَّما
الْتَمَسَ الإنسان لنفسه أَلْف عُذْر، وربما قال ما قال إياس لأبيه: إنما
هي رقَّة في القلوب، يريد أنَّ المسألة طبائع، فهناك مَن في قلبه رِقَّة،
وهناك مَن في قلبه قسوة، وكلُّ هذه مبررات واهِية، وحُجج ساقِطة، واجعل نصب
عي*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*َ أبدًا قول مَن قال: إذا لم تبكِ مِن خشية الله، فابكِ على نفسك؛
لأنَّكَ لَمْ تبكِ.
كثيرٌ منَّا مَن يقرأ القرآن...
ولكن لا
تدمع عيونُه مِن خشية الله، وكثيرٌ منَّا مَن يستمع إلى أحاديث تُذَكِّرُه
بالآخرة، وتُخَوِّفه بالنار، وتُحَبِّبه في الجنَّة؛ ولكن قلبه لا يخشع،
ولا يخضع، ولا يلين، فقد عَمَّتِ البلوى، وانتشرتِ المعاصي والآثام، فلم
يبقَ لهذا القلب خوفٌ منَ الله، ولم يبقَ لهذه العين خَشْيَة حتى تدمعَ
شوقًا إلى الله.
أخواني
ليسأل الواحدُ منَّا نفسَه : بالله عليكِ، متى آخر مرةٍ دَمِعَتْ عيناكي خشيةً وخوفًا منَ الله؟
ولعلَّ جواب كثيرٍ منَّا قد يكون: مِن سنواتٍ عديدةٍ، أو أنها لم تدمعْ أَصْلاً خشية لله
فلماذا هذه القسوة في القلوب؟
ولماذا هذا التَّحَجُّر في العيون؟
ما هو إلاَّ بسبب الابتعاد عن منهج الله
والرُّكون إلى هذه الدُّنيا الفانية
فقد نقرأ القرآن ولا نتأثَّر
ولا نبكي
ونسمع أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -
ولا تَقْشَعِرُّ الجلودُ
ونسمع المواعظ والتَّخْويف بالله وبالآخرة
ولا تُحَرِّك فينا ساكنًا.
وحسبنا
هذا التَّهديد الإلهي المخيف: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ
ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزمر: 22].
قال
مالك بن دينار - رحمه الله -: ما ضرب الله عبدًا بعقوبة أعظم من قسوة
القلب، وما غضب الله - عَزَّ وجل - على قوم إلاَّ نَزَعَ منهمُ الرحمة.
أخواني:
إنَّ البكاءَ مِن خشية الله - تعالى -
مقامٌ عظيم
وهو مقامُ الأنبياء والصالحين
إنَّه مقام الخُشُوع
وإراقة الدُّموع خوفًا منَ الله
إنَّه التعبير عن حُزن القلب
وانكسار الفؤاد.
أخواني:
يقول الله - سبحانه وتعالى - عنْ أولئك الذين تدمع عيونُهم من خشية الله، وترق قلوبُهم لِذِكْر الله؛ يقول - سبحانه -:
{وَإِذَا
سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا
فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83]
ويقول عنهم - سبحانه - أيضًا:
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]
ويقول كذلك: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109]
إنَّ
البكاء مِن خشية الله - تعالى - مِن أعظم الأمور التي يحبُّها الله -
تبارك وتعالى - فعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: ((ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين، قطرة من دموع في
خشية الله، وقطرة دم تُهراق في سبيل الله...)) الحديث؛ رواه التِّرمذي،
وصَحَّحه الألباني.
وانْظُروا إلى الفَضْل العظيم الذي أَعَدَّهُ اللهُ - سبحانه - لصاحب العين التي تدمع خشية وخوفًا منَ الله
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَلِج النار رَجُل بَكَى مِن خشية الله، حتى يعود اللَّبن في الضرع))،
ويقول
- صلى الله عليه وسلم -: ((عينانِ لا تَمَسهما النار: عينٌ بكتْ مِن خشية
الله، وعينٌ باتَتْ تحرُس في سبيل الله))رواهما التِّرمذي، وصَححهما
الألباني
وقد عدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الرَّجل الذي يبكي من
خشية الله منَ السبعة الذين يُظِلهم الله يوم القيامة؛ يقول النبي - صلى
الله عليه وسلم -: ((سبعةٌ يُظِلُّهم الله، يوم لا ظِلَّ إِلاَّ ظله))
ذكر منهم: ((ورجُلٌ ذَكَر الله خاليًا ففاضَتْ عَيْنَاه))؛ متفق عليه.
ما رَقَّ قلبٌ لله - عَزَّ وَجَلَّ - إلا كان صاحبه سابقًا إلى الخيرات، مُشَمِّرًا في الطاعات.
ما رَقَّ قلبٌ لله - عَزَّ وَجَلَّ - إلاَّ كان حريصًا على طاعة الله ومحبته.
ما رَقَّ قلب لله - عَزَّ وَجَلَّ - إلاَّ وَجَدْتَ صاحبَه مُطمئنًّا بِذِكْر الله.
وما رَقَّ قلبٌ لله - عَزَّ وَجَلَّ - إلا وجدتَهُ أبعد ما يكون عَنْ معاصي الله - عز وجل.
فالقلبُ الرَّقيق قلبٌ ذليلٌ أمام عظمة الله، وبطشه - تبارك وتعالى.
ما انتزعه داعي الشيطان
إلاَّ وانكسر خوفًا
وخشية للرَّحمن - سبحانه وتعالى.
ولا جاءَهُ داعي الغَي والهوى
إلاَّ ارتعدتْ
فرائِصه من خشية المَلِيكِ - سبحانه وتعالى
أخواتي:
مِن أعظم أسباب القَسْوة للقلب، وقِلَّة البكاء مِن خشية الله:
الرُّكون إلى الدُّنيا
والغُرُور بأهلها
وكثْرة الاشتغال بِفُضُول أحادِيثها.
وكذا منَ الأسباب كَثْرة الذُّنوب
فواللهِ ما تحجَّرَتِ العيون، وقَسَتِ القلوب
إلاَّ بِتَرَاكُم المعاصي والآثام
فأصبح القلبُ لا يجد مساغًا
لآيات تُتْلى
وأحاديث تُذكِّر
والنبي
- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ العبد إذا أذنبَ ذنبًا نُكِتَتْ في
قلبه نُكتةٌ سوداء، فإنْ تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادتْ حتى
تعلوَ قلبَه، فذلك الرَّان الذي ذَكَرَ الله في القرآن: {كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]))؛ رواه أحمد،
والترمذي، وابن ماجَهْ، وحَسَّنَهُ الألباني
فقد أظلم هذا القلب
بِشُؤْم المعصية، فكيف لقلبٍ علاه الرَّان أنْ يبكيَ مِن خشية الله؟ وكيف
لقلبٍ سَوَّدَتْهُ المعاصي والآثام أن يَتَفَكَّر في خلق الله؟
يقول الحسن البصرى :
والله يا بن ادم لو قرأت القرأن
ثم آمنت به ليطولن حزنك وليشتدن
خوفك وليكثرن فى الدنيا بكاؤك
أخواتي:
إنَّ
لِرقَّة القلب علاماتٍ، فمِن علامات رقَّة القلب ألاَّ يفترَ صاحِبُه عن
ذكر ربِّه، فإنَّ ذِكْرَ الله تطمئنُّ به القلوب:{الَّذِينَ آَمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]
وفي القلب فاقة لا يسدها إلاَّ ذكر الله، فيكون صاحبه
غنيًّا بلا مال
عزيزًا بلا عشيرة
مهيبًا بلا سلطان
قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، أشكو قسوة قلبي، قال: أذِبه بذِكْر الله.
ومِن علامات رقَّة القلب
أن يكونَ صاحبه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همُّه وغمه بالدُّنيا
ووجد فيها راحته ونعيمه وقرَّة عينه وسرور قلبه
وسبحان الله
نحن الواحد منَّا إذا دَخَل في الصلاة تذكَّرَ أمور دُنياه، وما هذا إلاَّ لِقَسْوة في القَلْب
ومِن علامات رِقَّة القَلْب
أنَّ صاحبه إذا فاتَهُ وِرْده أو طاعة منَ الطاعات، وَجَد لذلك أَلَمًا أعظم مِن تألمُّ الحريص بِفَوات ماله ودُنياه.
ومِن علامات رِقَّة القَلْب
أنَّ صاحبَه يخلو بربِّه، فيتضرَّع إليه ويدعوه، ويَتَلَذَّذ بين يديه - سبحانه - قال ابن مسعود - رضيَ الله عنه -:
"اطلُب قلبكَ في مواطن ثلاثة:
عند سَمَاع القرآن
وعند مجالِس الذِّكر
وفي أوقات الخلوة،
فإن لم تجدْه فسَل اللهَ قلبًا؛ فإنه لا قلب لك".
ثَبَتَ عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا صَلَّى سُمِع لصدره أزيز كأزيز المِرْجَل منَ البكاء
أي: كصوت القدر إذا اشتدَّ غليانه؛ رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي.
وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال:
" لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"
فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين
أخواني...
أما آن الأوان لكم أن يخشع قلبك ويرق حالك؟؟
فربك جل في علاه يقول
{
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ
اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ
وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [الحديد: 16].
{ اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } [الزمر: 23].
الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله