أولاً- لفظ ( القرية ) مشتق من ( القاف والراء والحرف المعتل ) ، وهو أصل صحيح يدل على جمع واجتماع . وسمِّيت القرية قرية لاجتماع الناس بها . ومنه : قريت الماء في الحوض . أي : جمعته . والنسبة إلى القَرْية : قَرَويٌّ بفتح القاف ، وتجمع على ( قُرًى ) بضم القاف ، وهي لغة أهل الحجاز ، وبها نزل القرآن . قال تعالى :﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً ﴾(الكهف:59) . ولغة أهل اليمن : قِرْيَة ، بكسر القاف ، ويجمعونها على ( قِرى ) بكسر القاف .
أما لفظ ( المدينة ) فهو مشتق من ( الميم والدال والنون ) ، وليس فيه إلا ( مدينة ) ، على وزن : فعيلة . ومنهم من يجعل الميم زائدة ، فيكون وزنها : مَفْعِلة ، من قولهم : دِينَ . أَي : مُلِكَ . ويقال : مَدَنَ الرجل ؛ إذا أتى المدينة . وهذا يدل على أن الميم أصلية . وقيل : مَدَنَ بالمكان : أقام به ؛ ومنه سمِّيت المَدينَةُ .
وقيل : المدينة هي الحصن ، وكل أرض يُبنَى بها حِصْنٌ في وسطها فهو مدينتها ، وتجمع على : ( مُدُن ) بضمتين ، و ( مُدْن ) بضم فسكون . وتجمع أيضًا على : ( مَدائن ) ، وأصلها : ( مداين ) ، همزت الياء ؛ لأنها زائدة ، ومنها قوله تعالى :﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾(الشعراء:53) .
ثانيًا- إذا عرفت ذلك فاعلم أن اسم ( القرية ) يطلق في اللغة ، ويراد به ( المدينة ) ، كما يطلق اسم ( المدينة ) ويراد به ( القرية ) , والدليل على ذلك قوله تعالى :﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ﴾ ، فسمَّاها : قرية ، ثم قال :﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ ، فسمَّاها : مدينة بعد أن سمَّاها : قرية .
ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾(يس:13) ، ثم قال :﴿ وَجاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ﴾(يس:20) ، فسمَّاها : مدينة ، بعد أن سمَّاها قرية ، فدل ذلك على جواز تسمية إحداهما بالأخرى .
ومن ذلك إطلاق اسم ( أم القرى ) على مكة المكرمة ، وإطلاق اسم ( القريتين ) على مكة والطائف ، ومن الأول قوله تعالى :﴿ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ ، ومن الثاني :﴿ لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ ﴾ . وقيل : سمِّيت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة خاصة ، وغلبت عليها هذه التسمية تفخيمًا لها ، شرَّفها الله .
ثالثًا- ومن الفروق بين ( القرية ) ، و( المدينة ) :
1- أن عدد من يسكن ( القرية ) أقل من عدد من يسكن ( المدينة ) . ومن هنا قيل : إن قلُّوا قيل لها : قرية ، وإن كثروا قيل لها : مدينة . وقيل : أقل العدد الذي تسمَّى به قرية ثلاثة فما فوقها . فالمدينة أوسع من القرية ، وأكبر .
2- أن لفظ ( القرية ) يطلق على السكان تارة ، وعلى المسكن تارة ؛ وذلك لكثرة استعمالهم لهذا اللفظ ودورانه في كلامهم . قال الراغب : القرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس ، وللناس جميعًا ، ويستعمل في كل واحد منهما . قال تعالى :﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾(يوسف:82) قال كثير من المفسرين معناه : أهل القرية . وقال بعضهم : بل القرية ههنا القوم أنفسهم . وعلى هذا قوله :﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً ﴾ وقال :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ﴾(محمد:13) . وقوله :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾(هود:117) ، فإنها اسم للمدينة .
وحُكِي أن بعض القضاة دخل على علي ابن الحسين رضي الله عنهما ، فقال : أخبرني عن قول الله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ﴾(سبأ:18) ، ما يقول فيه علماؤكم ؟ قال : يقولون : إنها مكة ، فقال : وهل رأيت ؟ فقلت : ما هي ؟ قال : إنما عنى الرجال ، فقال : فقلت : فأين ذلك في كتاب الله ؟ فقال : ألم تسمع قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ .. ﴾(الطلاق: .
رابعًا- بقي أن تعلم أن الله تعالى عبَّر في قوله :﴿ حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ﴾ عن ( المدينة ) بلفظ ( القرية ) ؛ لأنه أدلُّ على الذم ؛ لأن معناه يدور على الجمع الذي يلزمه الإمساك ، فكان أليق بالذم في ترك الضيافة . ففيه إشعار ببخلهم حالة الاجتماع ، وبمحبتهم للجمع والإمساك . ثم وصف القرية بقوله :﴿ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ﴾ ؛ ليبين أن لها مدخلاً في لؤم أهلها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم :« كانوا أهل قرية لئامًا » .
وأظهر في قوله :﴿ أَهْلَهَا ﴾ ، ولم يضمر ، فيقول : ( استطعماهم ) ؛ لأنهما استطعما بعض أهلها الذين أتياهم ، فجيء بلفظ ( أهلها ) ؛ ليعم جميعهم ، وأنهم يتبعونهم واحدًا واحدًا بالاستطعام . ولو كان التركيب ( استطعماهم ) ، لكان عائدًا على البعض المأتي .
ثم قال تعالى :﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ ، فعبَّر عنها بلفظ ( المدينة ) ؛ لإظهار نوع اعتداد بها ، باعتداد ما فيها من اليتيمين ، وأبيهما الصالح . وفي الحديث « إن الله تعالى يحفظ الرجل الصالح في ذريته » . ولما كان سوق الكلام السابق على غير هذا المساق عبَّر بلفظ ( القرية ) فيه ، دون لفظ ( المدينة ) .
وقيل : لما كانت ( المدينة ) بمعنى : الإقامة ، كان التعبير بها هنا أليق ؛ للإشارة به إلى أن الناس يقيمون فيها ، فينهدم الجدار وهم مقيمون ، فيأخذون الكنز ؛ ولهذا قال :( في المدينة ) .
وأما التعبير عن ( القرية ) بـ( المدينة ) في قوله تعالى :﴿ وَجاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ﴾(يس:20) ، بعد قوله :﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾(يس:13) ، فللإشارة إلى السعة ؛ إذ كانت قرية واسعة ممتدة الأطراف ، بدليل أن الرجل جاء يسعى من أقصاها . أي : من أبعد مواضعها ؛ ولذلك عبَّر عنها هنا بلفظ ( المدينة ) بعد التعبير عنها بلفظ ( القَرْيَة ) .. والله تعالى أعلم
أما لفظ ( المدينة ) فهو مشتق من ( الميم والدال والنون ) ، وليس فيه إلا ( مدينة ) ، على وزن : فعيلة . ومنهم من يجعل الميم زائدة ، فيكون وزنها : مَفْعِلة ، من قولهم : دِينَ . أَي : مُلِكَ . ويقال : مَدَنَ الرجل ؛ إذا أتى المدينة . وهذا يدل على أن الميم أصلية . وقيل : مَدَنَ بالمكان : أقام به ؛ ومنه سمِّيت المَدينَةُ .
وقيل : المدينة هي الحصن ، وكل أرض يُبنَى بها حِصْنٌ في وسطها فهو مدينتها ، وتجمع على : ( مُدُن ) بضمتين ، و ( مُدْن ) بضم فسكون . وتجمع أيضًا على : ( مَدائن ) ، وأصلها : ( مداين ) ، همزت الياء ؛ لأنها زائدة ، ومنها قوله تعالى :﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾(الشعراء:53) .
ثانيًا- إذا عرفت ذلك فاعلم أن اسم ( القرية ) يطلق في اللغة ، ويراد به ( المدينة ) ، كما يطلق اسم ( المدينة ) ويراد به ( القرية ) , والدليل على ذلك قوله تعالى :﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ﴾ ، فسمَّاها : قرية ، ثم قال :﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ ، فسمَّاها : مدينة بعد أن سمَّاها : قرية .
ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾(يس:13) ، ثم قال :﴿ وَجاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ﴾(يس:20) ، فسمَّاها : مدينة ، بعد أن سمَّاها قرية ، فدل ذلك على جواز تسمية إحداهما بالأخرى .
ومن ذلك إطلاق اسم ( أم القرى ) على مكة المكرمة ، وإطلاق اسم ( القريتين ) على مكة والطائف ، ومن الأول قوله تعالى :﴿ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ ، ومن الثاني :﴿ لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ ﴾ . وقيل : سمِّيت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة خاصة ، وغلبت عليها هذه التسمية تفخيمًا لها ، شرَّفها الله .
ثالثًا- ومن الفروق بين ( القرية ) ، و( المدينة ) :
1- أن عدد من يسكن ( القرية ) أقل من عدد من يسكن ( المدينة ) . ومن هنا قيل : إن قلُّوا قيل لها : قرية ، وإن كثروا قيل لها : مدينة . وقيل : أقل العدد الذي تسمَّى به قرية ثلاثة فما فوقها . فالمدينة أوسع من القرية ، وأكبر .
2- أن لفظ ( القرية ) يطلق على السكان تارة ، وعلى المسكن تارة ؛ وذلك لكثرة استعمالهم لهذا اللفظ ودورانه في كلامهم . قال الراغب : القرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس ، وللناس جميعًا ، ويستعمل في كل واحد منهما . قال تعالى :﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾(يوسف:82) قال كثير من المفسرين معناه : أهل القرية . وقال بعضهم : بل القرية ههنا القوم أنفسهم . وعلى هذا قوله :﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً ﴾ وقال :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ﴾(محمد:13) . وقوله :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾(هود:117) ، فإنها اسم للمدينة .
وحُكِي أن بعض القضاة دخل على علي ابن الحسين رضي الله عنهما ، فقال : أخبرني عن قول الله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ﴾(سبأ:18) ، ما يقول فيه علماؤكم ؟ قال : يقولون : إنها مكة ، فقال : وهل رأيت ؟ فقلت : ما هي ؟ قال : إنما عنى الرجال ، فقال : فقلت : فأين ذلك في كتاب الله ؟ فقال : ألم تسمع قوله تعالى :﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ .. ﴾(الطلاق: .
رابعًا- بقي أن تعلم أن الله تعالى عبَّر في قوله :﴿ حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ﴾ عن ( المدينة ) بلفظ ( القرية ) ؛ لأنه أدلُّ على الذم ؛ لأن معناه يدور على الجمع الذي يلزمه الإمساك ، فكان أليق بالذم في ترك الضيافة . ففيه إشعار ببخلهم حالة الاجتماع ، وبمحبتهم للجمع والإمساك . ثم وصف القرية بقوله :﴿ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ﴾ ؛ ليبين أن لها مدخلاً في لؤم أهلها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم :« كانوا أهل قرية لئامًا » .
وأظهر في قوله :﴿ أَهْلَهَا ﴾ ، ولم يضمر ، فيقول : ( استطعماهم ) ؛ لأنهما استطعما بعض أهلها الذين أتياهم ، فجيء بلفظ ( أهلها ) ؛ ليعم جميعهم ، وأنهم يتبعونهم واحدًا واحدًا بالاستطعام . ولو كان التركيب ( استطعماهم ) ، لكان عائدًا على البعض المأتي .
ثم قال تعالى :﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ ، فعبَّر عنها بلفظ ( المدينة ) ؛ لإظهار نوع اعتداد بها ، باعتداد ما فيها من اليتيمين ، وأبيهما الصالح . وفي الحديث « إن الله تعالى يحفظ الرجل الصالح في ذريته » . ولما كان سوق الكلام السابق على غير هذا المساق عبَّر بلفظ ( القرية ) فيه ، دون لفظ ( المدينة ) .
وقيل : لما كانت ( المدينة ) بمعنى : الإقامة ، كان التعبير بها هنا أليق ؛ للإشارة به إلى أن الناس يقيمون فيها ، فينهدم الجدار وهم مقيمون ، فيأخذون الكنز ؛ ولهذا قال :( في المدينة ) .
وأما التعبير عن ( القرية ) بـ( المدينة ) في قوله تعالى :﴿ وَجاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ﴾(يس:20) ، بعد قوله :﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾(يس:13) ، فللإشارة إلى السعة ؛ إذ كانت قرية واسعة ممتدة الأطراف ، بدليل أن الرجل جاء يسعى من أقصاها . أي : من أبعد مواضعها ؛ ولذلك عبَّر عنها هنا بلفظ ( المدينة ) بعد التعبير عنها بلفظ ( القَرْيَة ) .. والله تعالى أعلم