يدخل علينا
رمضان، ونحن نحتفل بطقوس جديدة لم نعهدها من قبل، طقوس فرضتها علينا ثورة
التقدم التكنولوجي التي أثرت وتأثرت بالسياق العام لحياة الناس.
كنا قبل ثلاث عشريات من السنين ننتظر رمضان بفارغ الصبر، وعندما يهل علينا
تبدأ الليالي بالتزين بأجواءه الروحانية الفريدة، وتنعكس سماته الخالدة
على سمات الناس وحياتهم الاجتماعية والدينية وغيرها، لتشكل لوحة فريدة لا
تتكرر إلا في الشهر نفسه.
ما ان انتهت صلاة المغرب حتى هممت بالرجوع انا وصديقي ابو هاني،ونحن
نتسائل هل سثبت رؤية الهلال؟ ورجعنا بذكرياتنا الى سنين خلت ، مسترجعين
الطريقة التي كانوا يعلنوا بها ثبوت الشهل الفضيل ... ايام وسنين مضت
عشناها مع اصدقاء بعضهم لا زال حيا والبعض الاخر رحل عنا ، تعرفنا على
بعضنا وكان الحديث يحلوا في تلك الليالي بين إخوة التقوا وتحابوا.
الحقيقة أني وأنا أسترجع تلك الذكريات الجميلة بصحبة ابو هاني شعرت ببرد
في عروقي رغم الحر الشديد ، حيث كانت المشاعر الدافئة تلك الأيام الخوالي
تدخلنا في فرح غمرنا جميعاً كعائلة واحدة كنا نتحدث ونعرف ماذا وضع "أبو
العبد" على مائدة الافطار "وأبو زياد" على مائدة السحور ، و"محمدالحمايدة"
الذي كان يتحفنا بقفشاته ودعابة روحه المرحة .
قال لي ابو هاني : زمان"، كان استقبال الإعلان عن بداية الشهر الفضيل يتم
عبر "مذياع نص عمر" وبعدها يتولّى امام المسجد التبشير بقدوم الشهر
المبارك من خلال المناداة بمئذنة الجامع . وكان هو نفسه الذي يتولّى عملية
"التسحير" أيضاً وقتها.
اليوم – يضيف ابو هاني- ، نتأهب لمراقبة الاعلان عن ثبوت شهر رمضان من
خلال أحدث أجهزة التكنولوجيا والرصد الفلكي...ضحك قليلا، وأردف قائلا: في
رمضان الماضي رأيت أبنائي منهمكين على شبكة الإنترنت، ويتحدثون "بطلاقة"
مع أصدقاء في قارات العالم ، يهنئون بعضهم بعضا بشهر البركة"!
قلت له نعم، وانا الآخر من جيل استطاع ان يرى رمضان الذي كان يتم الاعلان
عنه باقامة صلاة التراويح ، واستعداد العائلة التي كانت تتزاحم في حضوره
كحبات المسبحة منذ لحظة السحور حتى لحظة الامساك وصلاة الفجر والبدء
باستقبال اليوم الاول منه. حيث الام التي قررت ان يصوم آخر العنقود ،
والتباري في مد اللسان كي يتم التأكد من صوم هذا وافطار ذاك ...الخ
لقد كان رمضان تلك الايام بريئاً كبراءة الاطفال وكانت ايامه تكتظ بالتقوى
والدعاءات والرجاءات وصلة الرحم والتواصل بين الاقارب والجيران ، وكانت
عبارة "اللهم اني صائم" تسمعها تتردد في الشوارع والاسواق والحوانيت.
كنا نجتمع على مائدة الافطار وفي جميع الصلوات نجدد إيماننا ونجدد العهد
مع الله،كنا ونحن صغاراً نتوسل أمهاتنا بالدموع أن يوقظننا للسحور ، ونقسم
أيماناً غليظة ، أننا سنصوم ولو لحد الظهيرة .
يبدو أن رمضان بدأ يفقد المعاني السامية التي شرع من أجلها، لا يمكن
الوصول اليها وهمنا اليومي ماذا نعد من موائد للإفطار والسحور، وأين نسهر
في أي من الخيم الرمضانية، وأي مسلسل نتابع، رمضاننا الحالي المدجج بما لا
يقل عن ستين عملاً درامياً ، وتفشي الخيم والمقاهي التي يزدهر سوقها في
الشهر الفضيل.
لماذا لا يتركوا لنا رمضاننا ، الذي نعود فيه لأنفسنا ، بفطرتنا الأولى ،
ونلوذ به من فجاجة وقبح ومادية هذا العالم؟! تساءل أبو هاني.
شاركوني رأيكم : هل ثمة فوراق بين رمضان زمان ورمضان اليوم؟ أم أنني وابا
هاني لا زلنا متمسكين بعبق الماضي والحنين لطفولتنا ورمضان ايام زمان الذي
ضرب جذراً في أعماق نفوسنا ولا زال يعشعش فينا؟!
المزيد
رمضان، ونحن نحتفل بطقوس جديدة لم نعهدها من قبل، طقوس فرضتها علينا ثورة
التقدم التكنولوجي التي أثرت وتأثرت بالسياق العام لحياة الناس.
كنا قبل ثلاث عشريات من السنين ننتظر رمضان بفارغ الصبر، وعندما يهل علينا
تبدأ الليالي بالتزين بأجواءه الروحانية الفريدة، وتنعكس سماته الخالدة
على سمات الناس وحياتهم الاجتماعية والدينية وغيرها، لتشكل لوحة فريدة لا
تتكرر إلا في الشهر نفسه.
ما ان انتهت صلاة المغرب حتى هممت بالرجوع انا وصديقي ابو هاني،ونحن
نتسائل هل سثبت رؤية الهلال؟ ورجعنا بذكرياتنا الى سنين خلت ، مسترجعين
الطريقة التي كانوا يعلنوا بها ثبوت الشهل الفضيل ... ايام وسنين مضت
عشناها مع اصدقاء بعضهم لا زال حيا والبعض الاخر رحل عنا ، تعرفنا على
بعضنا وكان الحديث يحلوا في تلك الليالي بين إخوة التقوا وتحابوا.
الحقيقة أني وأنا أسترجع تلك الذكريات الجميلة بصحبة ابو هاني شعرت ببرد
في عروقي رغم الحر الشديد ، حيث كانت المشاعر الدافئة تلك الأيام الخوالي
تدخلنا في فرح غمرنا جميعاً كعائلة واحدة كنا نتحدث ونعرف ماذا وضع "أبو
العبد" على مائدة الافطار "وأبو زياد" على مائدة السحور ، و"محمدالحمايدة"
الذي كان يتحفنا بقفشاته ودعابة روحه المرحة .
قال لي ابو هاني : زمان"، كان استقبال الإعلان عن بداية الشهر الفضيل يتم
عبر "مذياع نص عمر" وبعدها يتولّى امام المسجد التبشير بقدوم الشهر
المبارك من خلال المناداة بمئذنة الجامع . وكان هو نفسه الذي يتولّى عملية
"التسحير" أيضاً وقتها.
اليوم – يضيف ابو هاني- ، نتأهب لمراقبة الاعلان عن ثبوت شهر رمضان من
خلال أحدث أجهزة التكنولوجيا والرصد الفلكي...ضحك قليلا، وأردف قائلا: في
رمضان الماضي رأيت أبنائي منهمكين على شبكة الإنترنت، ويتحدثون "بطلاقة"
مع أصدقاء في قارات العالم ، يهنئون بعضهم بعضا بشهر البركة"!
قلت له نعم، وانا الآخر من جيل استطاع ان يرى رمضان الذي كان يتم الاعلان
عنه باقامة صلاة التراويح ، واستعداد العائلة التي كانت تتزاحم في حضوره
كحبات المسبحة منذ لحظة السحور حتى لحظة الامساك وصلاة الفجر والبدء
باستقبال اليوم الاول منه. حيث الام التي قررت ان يصوم آخر العنقود ،
والتباري في مد اللسان كي يتم التأكد من صوم هذا وافطار ذاك ...الخ
لقد كان رمضان تلك الايام بريئاً كبراءة الاطفال وكانت ايامه تكتظ بالتقوى
والدعاءات والرجاءات وصلة الرحم والتواصل بين الاقارب والجيران ، وكانت
عبارة "اللهم اني صائم" تسمعها تتردد في الشوارع والاسواق والحوانيت.
كنا نجتمع على مائدة الافطار وفي جميع الصلوات نجدد إيماننا ونجدد العهد
مع الله،كنا ونحن صغاراً نتوسل أمهاتنا بالدموع أن يوقظننا للسحور ، ونقسم
أيماناً غليظة ، أننا سنصوم ولو لحد الظهيرة .
يبدو أن رمضان بدأ يفقد المعاني السامية التي شرع من أجلها، لا يمكن
الوصول اليها وهمنا اليومي ماذا نعد من موائد للإفطار والسحور، وأين نسهر
في أي من الخيم الرمضانية، وأي مسلسل نتابع، رمضاننا الحالي المدجج بما لا
يقل عن ستين عملاً درامياً ، وتفشي الخيم والمقاهي التي يزدهر سوقها في
الشهر الفضيل.
لماذا لا يتركوا لنا رمضاننا ، الذي نعود فيه لأنفسنا ، بفطرتنا الأولى ،
ونلوذ به من فجاجة وقبح ومادية هذا العالم؟! تساءل أبو هاني.
شاركوني رأيكم : هل ثمة فوراق بين رمضان زمان ورمضان اليوم؟ أم أنني وابا
هاني لا زلنا متمسكين بعبق الماضي والحنين لطفولتنا ورمضان ايام زمان الذي
ضرب جذراً في أعماق نفوسنا ولا زال يعشعش فينا؟!
المزيد