وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي متفق عليه
الشرح
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في حديثين عن أبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما في ثواب الصبر والاحتساب وأن الإنسان يجب عليه أن يصبر وأن يتحمل . أما حديث أبي هريرة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من يرد الله به خيرا يصب منه ويصب قرأت على وجهين بفتح الصاد يصب وكسرها يصب وكلاهما صحيح أما يصب منه فالمعنى أن الله يقدر عليه المصائب حتى يبتليه بها أيصبر أم يضجر أما يصب منه فهي أعم أي يصاب من الله ومن غيره ولكن هذا الحديث المطلق مقيد بأحاديث أخرى تدل على أن المراد : من يرد الله به خيرا فيصبر ويحتسب فيصيب الله منه حتى يبلوه . أما إذا لم يصبر فإنه قد يصاب الإنسان ببلايا كثيرة وليس فيها خير ولم يرد الله به خيرا فالكفار يصابون بمصائب كثيرة ومع هذا يبقون على كفرهم حتى يموتوا عليه وهؤلاء بلا شك لم يرد الله بهم خيراً لكن المراد من يصبر على هذه المصائب فإن ذلك من الخير له لأنه سبق أن المصائب يكفر بها الذنوب ويحط بها الخطايا ومن المعلوم أن تكفير الذنوب والسيئات وحط الخطايا لا شك أنه خير للإنسان لأن المصائب غاية ما فيها أنها مصائب دنيوية تزول بالأيام كلما مضت الأيام خففت عليك المصيبة لكن عذاب الآخرة باق والعياذ بالله فإذا كفر الله عنك بهذه المصائب صار ذلك خيراً لك أما الثاني فهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يتمنى الإنسان لضر نزل به وذلك أن الإنسان ربما ينزل به ضر يعجز عن التحمل ويتعب فيتمنى الموت ، يقول يا رب أمتني سواء قال ذلك بلسانه أو بقلبه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأنه قد يكون خيراً له هذا الضر ولكن إذا أصبت بضر فقل اللهم أعني على الصبر عليه حتى يعينك الله فتصبر ويكون ذلك لك خيراً أما أن تتمنى الموت فأنت لا تدري ربما يكون الموت شراً عليك لا يحصل به راحة فليس كل موت راحة كما قال الشاعر : % ليس من مات فاستراح بميت % % إنما الميت ميت الأحياء % الإنسان ربما يموت إلى عقوبة وعذاب قبر وإذا بقي في الدنيا فربما يستعتب ويتوب ويرجع إلى الله فيكون خيرا له . المهم أنه إذا نزل بك ضر فلا تتمن الموت وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن يتمنى الإنسان الموت للضر الذي نزل به فكيف بمن يقتل نفسه إذا نزل به الضر كما يوجد من بعض الحمقى الذين إذا نزلت بهم المضائق خنقوا أنفسهم أو نحروها أو أكلوا سما وما أشبه ذلك فإن هؤلاء ارتحلوا من عذاب إلى أشد منه فلم يستريحوا انتقلوا من عذاب إلى أشد لأن الذي يقتل نفسه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها أبداً كما جاء ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم إن قتل نفسه بحديدة - خنجر أو سكين أو مسمار أو غيره - فإنه يوم القيامة في جهنم يطعن نفسه بهذه الحديدة التي قتل بها نفسه . إن قتل نفسه بسم فإنه يتحساه في نار جهنم إن قتل نفسه بالتردي من جبل فإنه ينصب له جبل في جهنم يتردى منه أبد الآبدين وهلم جراً فأقول إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتمنى الإنسان الموت لضر نزل به فإن أعظم من ذلك أن يقتل الإنسان نفسه ويبادر الله بنفسه نسأل الله العافية . ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما نهى عن شيء كان من عادته إذا كان له بديل من المباح أن يذكر بديله من المباح اقتداءً بالرب عز وجل قال الله سبحانه يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا فلما نهى الله عن كلمة راعنا بين لنا الكلمة المباحة قال وقولوا انظرنا . ولما جيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بتمر جيد استنكره وقال أكل تمر خيبر هكذا قالوا لا ولكنا نشتري الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة قال لا تفعل لكن بع التمر - يعني الرديء - بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً أي اشتر الجنيب وهو من أعلى أنواع التمر فلما منعه بين الوجه المباح . هنا قال : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي فتح لك الباب لكنه باب سليم لأن تمني الموت يدل على ضجر الإنسان وعدم صبره على قضاء الله لكن هذا الدعاء يكل الإنسان فيه أمره إلى الله لأن الإنسان لا يعلم الغيب فيكل الأمر إلى عالمه عز وجل . وتمني الموت استعجال من الإنسان بأن يقطع الله حياته وربما يحرمه من خير كثير ، ربما يحرمه من التوبة وزيادة الأعمال الصالحة ، ولهذا جاء في الحديث : ما من ميت يموت إلا ندم فإن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد ، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون استعتب أي استعتب من ذنبه وطلب العتبة وهي المعذرة ، فإن قال قائل كيف يقول : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي ؟ نقول نعم لأن الله سبحانه يعلم ما سيكون أما الإنسان فلا يعلم كما قال الله : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي تموت فأنت لا تدري قد تكون الحياة خيراً لك وقد تكون الوفاة خيراً لك . ولهذا ينبغي للإنسان إذا دعا لشخص بطول العمر أن يقيد هذا فيقول أطال الله بقاءك على طاعته ، حتى يكون في طول بقائه خير ، فإن قال قائل إنه قد جاء تمني الموت من مريم ابنة عمران حيث قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسياً فكيف وقعت فيما فيه النهي ؟ فالجواب عن ذلك أن نقول أولاً يجب أن نعلم أن شرع من قبلنا إذا ورد شرعنا بخلافه فليس بحجة ، لأن شرعنا نسخ كل ما سبقه من الأديان . ثانياً : أمر مريم لم تتمن الموت لكنها تمنت الموت قبل هذه الفتنة ولو بقيت ألف سنة ولم تتمن استعجال الموت . المهم أن تموت بلا فتنة ومثله قول يوسف عليه الصلاة والسلام أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ليس معناه سؤال الله أن يتوفاه بل هو يسأل أن يتوفاه الله على الإسلام ، وهذا لا بأس به كأن تقول اللهم توفني على الإسلام وعلى الإيمان وعلى التوحيد والإخلاص أو توفني وأنت راض عني وما أشبه ذلك فيجب معرفة الفرق بين شخص يتمنى الموت من ضيق نزل به وبين شخص يتمنى الموت على صفة معينة يرضاها الله عز وجل . فالأول : هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام . والثاني : جائز . وإنما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن تمني الموت لضر نزل به لأن من تمنى الموت لضر نزل به ليس عنده صبر والواجب أن يصبر الإنسان على الضر وأن يحتسب الأجر من الله عز وجل ، فإن الضرر الذي يصيبك من هم أو غم أو مرض أو أي شيء مكفر لسيئاتك فإن احتسبت الأجر كان رفعة لدرجاتك وهذا الذي ينال الإنسان من الأذى والمرض وغيره لا يدوم ولا بد أن ينتهي فإذا انتهى وأنت تكسب حسنات باحتساب الأجر على الله عز وجل ويكفر عنك من سيئاتك بسببه صار خيراً لك كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له فالمؤمن على كل حال هو في خير في ضراء أو في سراء
الشرح
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في حديثين عن أبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما في ثواب الصبر والاحتساب وأن الإنسان يجب عليه أن يصبر وأن يتحمل . أما حديث أبي هريرة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من يرد الله به خيرا يصب منه ويصب قرأت على وجهين بفتح الصاد يصب وكسرها يصب وكلاهما صحيح أما يصب منه فالمعنى أن الله يقدر عليه المصائب حتى يبتليه بها أيصبر أم يضجر أما يصب منه فهي أعم أي يصاب من الله ومن غيره ولكن هذا الحديث المطلق مقيد بأحاديث أخرى تدل على أن المراد : من يرد الله به خيرا فيصبر ويحتسب فيصيب الله منه حتى يبلوه . أما إذا لم يصبر فإنه قد يصاب الإنسان ببلايا كثيرة وليس فيها خير ولم يرد الله به خيرا فالكفار يصابون بمصائب كثيرة ومع هذا يبقون على كفرهم حتى يموتوا عليه وهؤلاء بلا شك لم يرد الله بهم خيراً لكن المراد من يصبر على هذه المصائب فإن ذلك من الخير له لأنه سبق أن المصائب يكفر بها الذنوب ويحط بها الخطايا ومن المعلوم أن تكفير الذنوب والسيئات وحط الخطايا لا شك أنه خير للإنسان لأن المصائب غاية ما فيها أنها مصائب دنيوية تزول بالأيام كلما مضت الأيام خففت عليك المصيبة لكن عذاب الآخرة باق والعياذ بالله فإذا كفر الله عنك بهذه المصائب صار ذلك خيراً لك أما الثاني فهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يتمنى الإنسان لضر نزل به وذلك أن الإنسان ربما ينزل به ضر يعجز عن التحمل ويتعب فيتمنى الموت ، يقول يا رب أمتني سواء قال ذلك بلسانه أو بقلبه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأنه قد يكون خيراً له هذا الضر ولكن إذا أصبت بضر فقل اللهم أعني على الصبر عليه حتى يعينك الله فتصبر ويكون ذلك لك خيراً أما أن تتمنى الموت فأنت لا تدري ربما يكون الموت شراً عليك لا يحصل به راحة فليس كل موت راحة كما قال الشاعر : % ليس من مات فاستراح بميت % % إنما الميت ميت الأحياء % الإنسان ربما يموت إلى عقوبة وعذاب قبر وإذا بقي في الدنيا فربما يستعتب ويتوب ويرجع إلى الله فيكون خيرا له . المهم أنه إذا نزل بك ضر فلا تتمن الموت وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن يتمنى الإنسان الموت للضر الذي نزل به فكيف بمن يقتل نفسه إذا نزل به الضر كما يوجد من بعض الحمقى الذين إذا نزلت بهم المضائق خنقوا أنفسهم أو نحروها أو أكلوا سما وما أشبه ذلك فإن هؤلاء ارتحلوا من عذاب إلى أشد منه فلم يستريحوا انتقلوا من عذاب إلى أشد لأن الذي يقتل نفسه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها أبداً كما جاء ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم إن قتل نفسه بحديدة - خنجر أو سكين أو مسمار أو غيره - فإنه يوم القيامة في جهنم يطعن نفسه بهذه الحديدة التي قتل بها نفسه . إن قتل نفسه بسم فإنه يتحساه في نار جهنم إن قتل نفسه بالتردي من جبل فإنه ينصب له جبل في جهنم يتردى منه أبد الآبدين وهلم جراً فأقول إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتمنى الإنسان الموت لضر نزل به فإن أعظم من ذلك أن يقتل الإنسان نفسه ويبادر الله بنفسه نسأل الله العافية . ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما نهى عن شيء كان من عادته إذا كان له بديل من المباح أن يذكر بديله من المباح اقتداءً بالرب عز وجل قال الله سبحانه يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا فلما نهى الله عن كلمة راعنا بين لنا الكلمة المباحة قال وقولوا انظرنا . ولما جيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بتمر جيد استنكره وقال أكل تمر خيبر هكذا قالوا لا ولكنا نشتري الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة قال لا تفعل لكن بع التمر - يعني الرديء - بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً أي اشتر الجنيب وهو من أعلى أنواع التمر فلما منعه بين الوجه المباح . هنا قال : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي فتح لك الباب لكنه باب سليم لأن تمني الموت يدل على ضجر الإنسان وعدم صبره على قضاء الله لكن هذا الدعاء يكل الإنسان فيه أمره إلى الله لأن الإنسان لا يعلم الغيب فيكل الأمر إلى عالمه عز وجل . وتمني الموت استعجال من الإنسان بأن يقطع الله حياته وربما يحرمه من خير كثير ، ربما يحرمه من التوبة وزيادة الأعمال الصالحة ، ولهذا جاء في الحديث : ما من ميت يموت إلا ندم فإن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد ، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون استعتب أي استعتب من ذنبه وطلب العتبة وهي المعذرة ، فإن قال قائل كيف يقول : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي ؟ نقول نعم لأن الله سبحانه يعلم ما سيكون أما الإنسان فلا يعلم كما قال الله : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي تموت فأنت لا تدري قد تكون الحياة خيراً لك وقد تكون الوفاة خيراً لك . ولهذا ينبغي للإنسان إذا دعا لشخص بطول العمر أن يقيد هذا فيقول أطال الله بقاءك على طاعته ، حتى يكون في طول بقائه خير ، فإن قال قائل إنه قد جاء تمني الموت من مريم ابنة عمران حيث قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسياً فكيف وقعت فيما فيه النهي ؟ فالجواب عن ذلك أن نقول أولاً يجب أن نعلم أن شرع من قبلنا إذا ورد شرعنا بخلافه فليس بحجة ، لأن شرعنا نسخ كل ما سبقه من الأديان . ثانياً : أمر مريم لم تتمن الموت لكنها تمنت الموت قبل هذه الفتنة ولو بقيت ألف سنة ولم تتمن استعجال الموت . المهم أن تموت بلا فتنة ومثله قول يوسف عليه الصلاة والسلام أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ليس معناه سؤال الله أن يتوفاه بل هو يسأل أن يتوفاه الله على الإسلام ، وهذا لا بأس به كأن تقول اللهم توفني على الإسلام وعلى الإيمان وعلى التوحيد والإخلاص أو توفني وأنت راض عني وما أشبه ذلك فيجب معرفة الفرق بين شخص يتمنى الموت من ضيق نزل به وبين شخص يتمنى الموت على صفة معينة يرضاها الله عز وجل . فالأول : هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام . والثاني : جائز . وإنما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن تمني الموت لضر نزل به لأن من تمنى الموت لضر نزل به ليس عنده صبر والواجب أن يصبر الإنسان على الضر وأن يحتسب الأجر من الله عز وجل ، فإن الضرر الذي يصيبك من هم أو غم أو مرض أو أي شيء مكفر لسيئاتك فإن احتسبت الأجر كان رفعة لدرجاتك وهذا الذي ينال الإنسان من الأذى والمرض وغيره لا يدوم ولا بد أن ينتهي فإذا انتهى وأنت تكسب حسنات باحتساب الأجر على الله عز وجل ويكفر عنك من سيئاتك بسببه صار خيراً لك كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له فالمؤمن على كل حال هو في خير في ضراء أو في سراء