الدجال مأخوذ من الدَجَلِ وهو الكذب، وهو عَلَمٌ على شخص يظهر في آخر الزمان يدعي الربوبية، ويجري الله على يديه من العجائب والخوارق ما تعظم به الفتنة على البشر، ويُحدث خروجه اهتزازاً وتشكيكاً في العقائد فينقسم الناس في شأنه بين مصدق مقتنع، وتابع راغب أو راهب، وبين مكذب فار من فتنته، أو مكذب مقاوم .
وقد حذر الأنبياء أممهم منه، وتوسع النبي صلى الله عليه وسلم في بيان خطورته على عقائد الناس وأديانهم، وبيّن للأمة شأنه وفصّل في أمره فوصف شكله وخلْقَه، وبين خوارقه ووجوه دجله، وأوضح أتباعه ومريديه، وأعلم الأمة بمدة لبثه ومكثه في الأرض، وطريقة موته ومن يقتله في تفصيل دقيق شمل حياة الدجال كلها؛ نصحاً للأمة وصيانة لدينها أن يداخله تشكيك أو ريب، وسوف نستعرض جميع ذلك بشيء من التفصيل:
تحذير النبي أمته من الدجال
رغم أن الدجال سيخرج في آخر الزمان وعند اقتراب الساعة ودنو أمرها، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء قبله حذروا أممهم منه، حتى بلغ من تشديد النبي - صلى الله عليه وسلم - في التحذير من فتنة الدجال أن قرنها بفتنة القبر عند الاستعاذة بالله، في دلالة على ما يدخل الناس من شره؛ وذلك أن فتنته تقع في تشكيك الناس في أصل دينهم، وفي ربهم سبحانه وتعالى فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو : ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله - ثم ذكر الدجال – فقال: ( إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه ) متفق عليه.
وبيّن أنه أعظم وأكبر فتنة تمر على العباد منذ خلق الله آدم عليه السلام فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال ) رواه مسلم .
مكان وزمان الدجال
دلَّ حديث تميم الداري رضي الله عنه في "صحيح مسلم" أن الدجال موجود منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وربما قبل ذلك، وأنه محبوس في جزيرة في بحر ما إلى أن يأذن الله له بالخروج عند حلول زمنه، ويكون ذلك في آخر الزمان في زمن يتسم بالفتن والحروب، ويتسم أهله بخفة الدين وقلة العلم، ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبر أصحابه بأن: ( المسلمين يغزون مدينة جانب منها في البحر، وجانب منها في البر، فيفتحها الله فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون ) رواه مسلم .
وفي حديث حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - ما يؤكد أن خروج الدجال أحد الأحداث العظام التي تنبئ بقرب قيام الساعة ودنوها، قال – رضي الله عنه - : " اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر. فقال: ( ما تذكرون ؟ . قالوا نذكر الساعة . قال إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) رواه مسلم . وقد وقع الاختلاف بين العلماء في ترتيب زمن وقوع هذه العلامات إلا أن غير واحد من أهل العلم ذكر بأن الدجال هو أول هذه العلامات قال القرطبي في "التذكرة": "فإن أول الآيات ظهور الدجال" .
هذا عن زمن خروج الدجال أما مكان خروجه فقد جاءت الأحاديث بأنه يخرج من جهة المشرق من خراسان من يهودية أصبهان فعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( الدجال يخرج من أرض بالمشرق؛ يقال لها: خراسان ) رواه الترمذي ، وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: ( يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفاً من اليهود ) رواه أحمد . و"اليهودية" من جملة قرى أصبهان، وأصبهان من خراسان، وانما سميت اليهودية؛ لأنها كانت تختص بسكنى اليهود، وعندما سكنها المسلمون انفرد اليهود بقطعة منها .
صفة الدجال الخلقية
وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال وصفاً خلْقياً دقيقاً فذكر علاماته المميزة، وشبهه للصحابة بمن يعرفون، حتى يكون الناس على بينة من أمره ولا يشتبه عليهم، فجاء في وصفه أنه أعور العين اليمنى، وأن عينه اليمنى ناتئة، كالعنبة الطافية على وجه الماء، فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ) البخاري ، أما عينه اليسرى فورد في المسند عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن الدجال ممسوح العين اليسرى عليها ظفرة مكتوب بين عينيه كافر ) والظفرة لحمة تنبت عند المآقي، وقيل: جلدة تخرج في العين من الجانب الذي يلي الأنف.
وجاء في وصف الدجال أيضاً أن: ( بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل مسلم ) رواه البخاري . قال الإمام النووي : " الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ".
وجاء في وصفه أنه جسيم أي عظيم الجثة، أحمر البشرة - والعرب تطلق وصف الحمرة على الأبيض - كثيف الشعر أجعد، قال صلى الله عليه وسلم في وصف الدجال: ( رجل جسيم أحمر، جعد الرأس.. أقرب الناس به شبها بن قطن رجل من خزاعة ) متفق عليه.
ومن صفته أيضاً أن رأسه: ( كأنه أصلة ) رواه أحمد وابن حبان ، والأصلة نوع من الحيات عظيم الرأس قصير الجسم، فشبه رسول الله رأس الدجال بها؛ لعظمه واستدارته .
وجاء في صفته أنه: ( قصير أفحج ) رواه أبو داود وأفحج من الفحج وهو تباعد ما بين الساقين أو الفخذين .
ويمكننا إجمال ما سبق من وصف الدجال بأنه رجل قصير، عظيم الجسم، عظيم الرأس، كلتا عينيه معيبة فاليمنى عوراء كأنها عنبة طافية، واليسرى عليها جلدة، وهو ذو شعر جعد كثيف، أبيض البشرة، بعيد ما بين الساقين أو الفخذين، مكتوب بين عينيه كافر .
الدجال لا يدخل مكة والمدينة
وذلك صيانة لهما وتعظيما لحرمتهما، ودلالة على صحة دين المسلمين، وإظهاراً لعجز الدجال وإبطالا لكفره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( على أنقاب المدينة – مداخلها - ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ) متفق عليه. وفي حديث فاطمة بنت قيس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الداري - رضي الله عنه – أن الدجال قال له: ( فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرّمتان علي كلتاهما ) رواه مسلم .
ولا يقتصر الأمر على منع دخول الدجال فحسب بل لا يدخلها حتى رعبه، فعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان ) رواه البخاري .
ويخرج للدجال حين نزوله قرب المدينة رجل من مؤمنيها؛ ليبطل دعواه ويظهر دجله وكذبه، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي الدجال وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول: الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلّط عليه ) رواه البخاري .
أما منافقو أهل المدينة وكفارها فترجف بهم المدينة فيخرجون إليه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق ) متفق عليه .
ومما يَحرُم على الدجال دخوله أيضاً المسجد الأقصى ومسجد الطور، لقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يقرب – أي الدجال - أربعة مساجد مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، ومسجد الأقصى ) قال الهيثمي في المجمع:" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ".
خوارق الدجال
لا تكمن فتنة الدجال في شكله ولا في لفظه، وإنما فيما يجري على يديه من خوارق وعجائب تفتن الناس وتدفعهم إلى تصديقه واتباعه، فمن عجائبه وخوارقه أن معه ماءً وناراً يخيل للناس أن ماءه يروي، وناره تحرق، بينما الأمر في حقيقته على خلاف ذلك، فماؤه نار، وناره ماء بارد، فعن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الدجال: ( إن معه ماءً وناراً فناره ماء بارد، وماؤه نار ) رواه البخاري . وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما - رأي العين - ماء أبيض، والآخر - رأي العين - نار تأجج، فإما أَدْرَكَنَّ أحدٌ فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض ثم ليطأطىء رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد ) رواه مسلم .
ومن خوارقه وعجائبه أن معه جبالاً من الخبر، وأنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، ويأمر الأرض أن تخرج كنوزها فتخرج، فقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: ( يسير معه جبال الخبز، وانهار الماء ) رواه أحمد . وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - أن النبي ذكر من فتنة الدجال أنه: ( يأتي القوم فيدعوهم فيكذبونه ويردون عليه قوله، فينصرف عنهم فتتبعه أموالهم، ويصبحون ليس بأيديهم شيء، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له ويصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم – ماشيتهم - كأطول ما كانت ذُرَاً – جمع ذروة وهي أعالي الأسنمة - وأمده خواصر، وأدره ضروعاً، ثم يأتي الخرِبة – الأرض الخربة - فيقول لها: أخرجي كنوزك – مدفونك من المعادن - فينصرف منها فيتبعه كيعاسيب النحل – أي كما يتبع النحل اليعسوب، وهو أمير النحل-، ثم يدعو رجلاً شاباً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين – قطعتين -، ثم يدعوه فيقبل يتهلل وجهه يضحك ) رواه مسلم . ولا شك أنها فتنة عظيمة يسقط في حبائلها كل من لم يتبصّر أمر الدجال وشأنه، أما من قرأ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وآمن بها فهو أشد ثباتاً، وشأن الدجال عنده سيكون أجلى من الشمس في رابعة النهار .
مدة مكثه
من تخفيف الله على عباده أن قصّر مدة بقاء الدجال، فهو لا يبقى إلا مدة يسيرة، جاء في الحديث ( أنه يمكث في الأرض أربعين صباحاً ) قال الهيثمي في المجمع: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح " ، وهذه الأيام ليست سواء وإنما تختلف في مدتها، فقد سأل الصحابة النبي عن مدة لبث الدجال ؟ فقال: ( أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم . قلنا: يا رسول الله أرأيت اليوم الذي كالسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: لا، ولكن اقدروا له . قلنا: يا رسول الله فما سرعته في الأرض ؟ قال كالغيث استدبرته الريح ) رواه مسلم . فالحديث دليل على سرعة انقضاء زمن الدجال وسرعة اضمحلال فتنته فما على المسلم إلا أن يصبر فما هو إلا وقت قصير وينقضي، وهذا من رحمة الله بعباده؛ إذ لو طالت مدة الدجال لدخل العنت والمشقة على العباد، ولاستهوى بدعوته الكثير حتى ممن ثبت في بدايتها؛ فإن لطول الزمن أثر بين في تثبيت كثير من الدعاوى الباطلة .
العصمة من الدجال
الدجال وإن عظمت به الفتنة، وزاد به البلاء، إلا أن الشارع الكريم قد بيّن أسباب دفع فتنته، والتحرز منها، فمن تلك الأسباب:
1- معرفة حاله وصفاته: فقد حرص - صلى الله عليه وسلم - على تعريف المؤمنين بصفات الدجال الخلْقية، حتى إذا ظهر لم يخف على الناس أمره، ولذلك حثّ العلماءُ على نشر أحاديث الدجال تعريفا به، وحفظاً لها كيلا تتناساها الأمة.
2- التعوذ بالله من شره وفتنته فقد كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته: ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال... ) متفق عليه، وأمر - صلى الله عليه وسلم - بالمواظبة على هذا الدعاء بعد التشهد في الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال ) رواه مسلم .
3- حفظ العشر الآيات الأولى من سورة الكهف: روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ) قال الإمام النووي : " سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال ".
4- الفرار منه والابتعاد عنه: قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات ) رواه أبو داود .
5- العمل الصالح والاشتغال بالطاعة: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة ) رواه مسلم .
نهاية الدجال
تكون نهاية الدجال وهلاكه على يد عيسى عليه السلام، وهذا من رحمة الله عز وجل وعظيم حكمته أن جعل نزول عيسى عليه السلام متزامناً مع خروج الدجال حتى يكون المسيح عليه السلام قدوة للمؤمنين ومثبتاً لهم، وحتى يدحض بآيات الهدى شبهات الدجال، فيسلط الله المسيحَ - عليه السلام - على الدجال فيطارده حتى يدركه ب "باب لد " جبل ببلاد الشام، فيقتله هناك، ويخلّص الناس من شره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم .. فإذا رآه عدو الله – أي الدجال - ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته ) رواه مسلم . وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيدركه – أي يدرك الدجال - عند باب لد فيقتله ) رواه أبو داود .
وبعد هلاك الدجال وما يعقبه من هلاك يأجوج ومأجوج يشيع الأمن في الأرض، ويعيش الناس في رخاء من العيش، وسلامة من الفتن، فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الأنبياء إخوة لعلات وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم، وإنه نازل فاعرفوه فإنه رجل ينزع إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلة، وإنه يدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال، ويضع الجزية، وإن الله يهلك في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله المسيح الضال الأعور الكذاب، ويلقي الله الأمنة حتى يرعى الأسد مع الإبل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان مع الحيات لا يضر بعضهم بعضا ) رواه الطيالسي وابن حبان .
هذا هو الدجال - لعنه الله - جعله الله فتنة لعباده، ليختبر صدق إيمانهم وقوة يقينهم، وتمسكهم بدينهم، وهي فتنة لن ينجو منها إلا من اعتصم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد حذر الأنبياء أممهم منه، وتوسع النبي صلى الله عليه وسلم في بيان خطورته على عقائد الناس وأديانهم، وبيّن للأمة شأنه وفصّل في أمره فوصف شكله وخلْقَه، وبين خوارقه ووجوه دجله، وأوضح أتباعه ومريديه، وأعلم الأمة بمدة لبثه ومكثه في الأرض، وطريقة موته ومن يقتله في تفصيل دقيق شمل حياة الدجال كلها؛ نصحاً للأمة وصيانة لدينها أن يداخله تشكيك أو ريب، وسوف نستعرض جميع ذلك بشيء من التفصيل:
تحذير النبي أمته من الدجال
رغم أن الدجال سيخرج في آخر الزمان وعند اقتراب الساعة ودنو أمرها، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء قبله حذروا أممهم منه، حتى بلغ من تشديد النبي - صلى الله عليه وسلم - في التحذير من فتنة الدجال أن قرنها بفتنة القبر عند الاستعاذة بالله، في دلالة على ما يدخل الناس من شره؛ وذلك أن فتنته تقع في تشكيك الناس في أصل دينهم، وفي ربهم سبحانه وتعالى فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو : ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله - ثم ذكر الدجال – فقال: ( إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه ) متفق عليه.
وبيّن أنه أعظم وأكبر فتنة تمر على العباد منذ خلق الله آدم عليه السلام فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال ) رواه مسلم .
مكان وزمان الدجال
دلَّ حديث تميم الداري رضي الله عنه في "صحيح مسلم" أن الدجال موجود منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وربما قبل ذلك، وأنه محبوس في جزيرة في بحر ما إلى أن يأذن الله له بالخروج عند حلول زمنه، ويكون ذلك في آخر الزمان في زمن يتسم بالفتن والحروب، ويتسم أهله بخفة الدين وقلة العلم، ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبر أصحابه بأن: ( المسلمين يغزون مدينة جانب منها في البحر، وجانب منها في البر، فيفتحها الله فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون ) رواه مسلم .
وفي حديث حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - ما يؤكد أن خروج الدجال أحد الأحداث العظام التي تنبئ بقرب قيام الساعة ودنوها، قال – رضي الله عنه - : " اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر. فقال: ( ما تذكرون ؟ . قالوا نذكر الساعة . قال إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) رواه مسلم . وقد وقع الاختلاف بين العلماء في ترتيب زمن وقوع هذه العلامات إلا أن غير واحد من أهل العلم ذكر بأن الدجال هو أول هذه العلامات قال القرطبي في "التذكرة": "فإن أول الآيات ظهور الدجال" .
هذا عن زمن خروج الدجال أما مكان خروجه فقد جاءت الأحاديث بأنه يخرج من جهة المشرق من خراسان من يهودية أصبهان فعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( الدجال يخرج من أرض بالمشرق؛ يقال لها: خراسان ) رواه الترمذي ، وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: ( يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفاً من اليهود ) رواه أحمد . و"اليهودية" من جملة قرى أصبهان، وأصبهان من خراسان، وانما سميت اليهودية؛ لأنها كانت تختص بسكنى اليهود، وعندما سكنها المسلمون انفرد اليهود بقطعة منها .
صفة الدجال الخلقية
وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال وصفاً خلْقياً دقيقاً فذكر علاماته المميزة، وشبهه للصحابة بمن يعرفون، حتى يكون الناس على بينة من أمره ولا يشتبه عليهم، فجاء في وصفه أنه أعور العين اليمنى، وأن عينه اليمنى ناتئة، كالعنبة الطافية على وجه الماء، فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ) البخاري ، أما عينه اليسرى فورد في المسند عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن الدجال ممسوح العين اليسرى عليها ظفرة مكتوب بين عينيه كافر ) والظفرة لحمة تنبت عند المآقي، وقيل: جلدة تخرج في العين من الجانب الذي يلي الأنف.
وجاء في وصف الدجال أيضاً أن: ( بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل مسلم ) رواه البخاري . قال الإمام النووي : " الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته ".
وجاء في وصفه أنه جسيم أي عظيم الجثة، أحمر البشرة - والعرب تطلق وصف الحمرة على الأبيض - كثيف الشعر أجعد، قال صلى الله عليه وسلم في وصف الدجال: ( رجل جسيم أحمر، جعد الرأس.. أقرب الناس به شبها بن قطن رجل من خزاعة ) متفق عليه.
ومن صفته أيضاً أن رأسه: ( كأنه أصلة ) رواه أحمد وابن حبان ، والأصلة نوع من الحيات عظيم الرأس قصير الجسم، فشبه رسول الله رأس الدجال بها؛ لعظمه واستدارته .
وجاء في صفته أنه: ( قصير أفحج ) رواه أبو داود وأفحج من الفحج وهو تباعد ما بين الساقين أو الفخذين .
ويمكننا إجمال ما سبق من وصف الدجال بأنه رجل قصير، عظيم الجسم، عظيم الرأس، كلتا عينيه معيبة فاليمنى عوراء كأنها عنبة طافية، واليسرى عليها جلدة، وهو ذو شعر جعد كثيف، أبيض البشرة، بعيد ما بين الساقين أو الفخذين، مكتوب بين عينيه كافر .
الدجال لا يدخل مكة والمدينة
وذلك صيانة لهما وتعظيما لحرمتهما، ودلالة على صحة دين المسلمين، وإظهاراً لعجز الدجال وإبطالا لكفره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( على أنقاب المدينة – مداخلها - ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ) متفق عليه. وفي حديث فاطمة بنت قيس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الداري - رضي الله عنه – أن الدجال قال له: ( فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرّمتان علي كلتاهما ) رواه مسلم .
ولا يقتصر الأمر على منع دخول الدجال فحسب بل لا يدخلها حتى رعبه، فعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان ) رواه البخاري .
ويخرج للدجال حين نزوله قرب المدينة رجل من مؤمنيها؛ ليبطل دعواه ويظهر دجله وكذبه، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي الدجال وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس أو من خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول: الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلّط عليه ) رواه البخاري .
أما منافقو أهل المدينة وكفارها فترجف بهم المدينة فيخرجون إليه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر ومنافق ) متفق عليه .
ومما يَحرُم على الدجال دخوله أيضاً المسجد الأقصى ومسجد الطور، لقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يقرب – أي الدجال - أربعة مساجد مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، ومسجد الأقصى ) قال الهيثمي في المجمع:" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ".
خوارق الدجال
لا تكمن فتنة الدجال في شكله ولا في لفظه، وإنما فيما يجري على يديه من خوارق وعجائب تفتن الناس وتدفعهم إلى تصديقه واتباعه، فمن عجائبه وخوارقه أن معه ماءً وناراً يخيل للناس أن ماءه يروي، وناره تحرق، بينما الأمر في حقيقته على خلاف ذلك، فماؤه نار، وناره ماء بارد، فعن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الدجال: ( إن معه ماءً وناراً فناره ماء بارد، وماؤه نار ) رواه البخاري . وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما - رأي العين - ماء أبيض، والآخر - رأي العين - نار تأجج، فإما أَدْرَكَنَّ أحدٌ فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض ثم ليطأطىء رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد ) رواه مسلم .
ومن خوارقه وعجائبه أن معه جبالاً من الخبر، وأنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، ويأمر الأرض أن تخرج كنوزها فتخرج، فقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: ( يسير معه جبال الخبز، وانهار الماء ) رواه أحمد . وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - أن النبي ذكر من فتنة الدجال أنه: ( يأتي القوم فيدعوهم فيكذبونه ويردون عليه قوله، فينصرف عنهم فتتبعه أموالهم، ويصبحون ليس بأيديهم شيء، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له ويصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم – ماشيتهم - كأطول ما كانت ذُرَاً – جمع ذروة وهي أعالي الأسنمة - وأمده خواصر، وأدره ضروعاً، ثم يأتي الخرِبة – الأرض الخربة - فيقول لها: أخرجي كنوزك – مدفونك من المعادن - فينصرف منها فيتبعه كيعاسيب النحل – أي كما يتبع النحل اليعسوب، وهو أمير النحل-، ثم يدعو رجلاً شاباً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين – قطعتين -، ثم يدعوه فيقبل يتهلل وجهه يضحك ) رواه مسلم . ولا شك أنها فتنة عظيمة يسقط في حبائلها كل من لم يتبصّر أمر الدجال وشأنه، أما من قرأ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وآمن بها فهو أشد ثباتاً، وشأن الدجال عنده سيكون أجلى من الشمس في رابعة النهار .
مدة مكثه
من تخفيف الله على عباده أن قصّر مدة بقاء الدجال، فهو لا يبقى إلا مدة يسيرة، جاء في الحديث ( أنه يمكث في الأرض أربعين صباحاً ) قال الهيثمي في المجمع: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح " ، وهذه الأيام ليست سواء وإنما تختلف في مدتها، فقد سأل الصحابة النبي عن مدة لبث الدجال ؟ فقال: ( أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم . قلنا: يا رسول الله أرأيت اليوم الذي كالسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: لا، ولكن اقدروا له . قلنا: يا رسول الله فما سرعته في الأرض ؟ قال كالغيث استدبرته الريح ) رواه مسلم . فالحديث دليل على سرعة انقضاء زمن الدجال وسرعة اضمحلال فتنته فما على المسلم إلا أن يصبر فما هو إلا وقت قصير وينقضي، وهذا من رحمة الله بعباده؛ إذ لو طالت مدة الدجال لدخل العنت والمشقة على العباد، ولاستهوى بدعوته الكثير حتى ممن ثبت في بدايتها؛ فإن لطول الزمن أثر بين في تثبيت كثير من الدعاوى الباطلة .
العصمة من الدجال
الدجال وإن عظمت به الفتنة، وزاد به البلاء، إلا أن الشارع الكريم قد بيّن أسباب دفع فتنته، والتحرز منها، فمن تلك الأسباب:
1- معرفة حاله وصفاته: فقد حرص - صلى الله عليه وسلم - على تعريف المؤمنين بصفات الدجال الخلْقية، حتى إذا ظهر لم يخف على الناس أمره، ولذلك حثّ العلماءُ على نشر أحاديث الدجال تعريفا به، وحفظاً لها كيلا تتناساها الأمة.
2- التعوذ بالله من شره وفتنته فقد كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته: ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال... ) متفق عليه، وأمر - صلى الله عليه وسلم - بالمواظبة على هذا الدعاء بعد التشهد في الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال ) رواه مسلم .
3- حفظ العشر الآيات الأولى من سورة الكهف: روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ) قال الإمام النووي : " سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال ".
4- الفرار منه والابتعاد عنه: قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات ) رواه أبو داود .
5- العمل الصالح والاشتغال بالطاعة: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة ) رواه مسلم .
نهاية الدجال
تكون نهاية الدجال وهلاكه على يد عيسى عليه السلام، وهذا من رحمة الله عز وجل وعظيم حكمته أن جعل نزول عيسى عليه السلام متزامناً مع خروج الدجال حتى يكون المسيح عليه السلام قدوة للمؤمنين ومثبتاً لهم، وحتى يدحض بآيات الهدى شبهات الدجال، فيسلط الله المسيحَ - عليه السلام - على الدجال فيطارده حتى يدركه ب "باب لد " جبل ببلاد الشام، فيقتله هناك، ويخلّص الناس من شره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم .. فإذا رآه عدو الله – أي الدجال - ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته ) رواه مسلم . وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيدركه – أي يدرك الدجال - عند باب لد فيقتله ) رواه أبو داود .
وبعد هلاك الدجال وما يعقبه من هلاك يأجوج ومأجوج يشيع الأمن في الأرض، ويعيش الناس في رخاء من العيش، وسلامة من الفتن، فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الأنبياء إخوة لعلات وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم، وإنه نازل فاعرفوه فإنه رجل ينزع إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلة، وإنه يدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال، ويضع الجزية، وإن الله يهلك في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله المسيح الضال الأعور الكذاب، ويلقي الله الأمنة حتى يرعى الأسد مع الإبل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان مع الحيات لا يضر بعضهم بعضا ) رواه الطيالسي وابن حبان .
هذا هو الدجال - لعنه الله - جعله الله فتنة لعباده، ليختبر صدق إيمانهم وقوة يقينهم، وتمسكهم بدينهم، وهي فتنة لن ينجو منها إلا من اعتصم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.