عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري و مسلم ، وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
الشرح
اقتضت
حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدين خاتم الأديان ، وآخر الشرائع ،
ليتخذه الناس منهاجا لهم ، وسبيلا إلى ربهم ، ومن هنا جاءت تعاليمه شاملة
لجوانب الحياة المختلفة ، فلم تترك خيرا إلا دلت البشريّة عليه ، ولا شرا
إلا حذّرت منه ، حتى كملت الرسالة بموت نبينا صلى الله عليه وسلم ، يقول
الله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة : 3 ) .
وبتمام
هذا الدين ، لم يعد هناك مجال للزيادة فيه ، أو إحداث شيء في أحكامه ؛ لأن
الشارع قد وضّح معالم الدين ، وجعل لأداء العبادات طرقا خاصة في هيئتها
وعددها ، وفي زمانها ومكانها ، ثم أمر المكلّف بالتزام هذه الكيفيات وعدم
تعدّيها ، وجعل الخير كل الخير في لزوم تلك الحدود والتقيد بتلك الأوامر ،
حتى تكون العبادة على الوجه الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى .
إن
كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم يتركا سبيلا لقول قائل
أو تشريع مشرّع، ومن رام غير ذلك ، وزعم قدرته على الإتيان بما هو خير من
هدى الوحيين مما استحسنه عقله ، وأُعجب له فكره ، فهو مردود عليه .
هذه
هي القضية التي تناولها الحديث ، وأراد أن يسلط الضوء عليها ، فكان بمثابة
المقياس الذي يُعرف به المقبول من الأعمال والمردود منها ، مما جعل كثيرا
من العلماء يولون هذا الحديث اهتماماً ودراسةً ، ويعدّونه أصلا من أصول
الإسلام .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ) ، إنه النهي عن كل طريقة مخترعة في الدين ، والتحذير من إدخال شيء ليس فيه من الأمور العباديّة ؛ ولذلك قال هنا : ( في أمرنا ) ، فأمر الله : هو وحيه وشرعه ، كما قال الله تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } ( الشورى : 52 ) .
وعليه
: فإن كل عبادة لا بد أن تكون محكومة بالشرع ، منقادة لأمره ، وما سوى ذلك
فإنه مردود على صاحبه ، ولو كان في نظره حسنا ، إذ العبرة في قبول العمل
عند الله أن يكون صواباً موافقاً لأمره ، وهذا الاعتبار يدلّ عليه قول الله
تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) ، يقول الفضيل بن عياض : " إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ، ولا يقبله إذا كان خالصا له إلا على السنة " .
وفي ضوء ذلك ، فليس أمام المكلّف سوى أحد طريقين لا ثالث لهما : طريق الوحي والشرع ، وطريق الضلال والهوى .
إن
من ضلّ وابتدع ، وأدخل في دين الله ما ليس منه ، هو في حقيقته قادح في
كمال هذا الدين وتمامه ، لأن مقتضى الزيادة في الدين الاستدراك على ما حوته
الشريعة ، فكأنه جاء بفعله هذا ليكمل الدين .
ومن
ناحية أخرى فإن من أتى ببدعة محدثة لم يحقّق شهادة أن محمدا رسول الله –
والتي تقتضي اتباع سنته وعدم الحيدة عنها - ، كما قال تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } ( الأنعام :153 ) .
وثمّة ملمح مهم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا )
، وهو أن البدعة هي ما كانت في العبادات ، بخلاف ما أُحدث في حياة الناس
من أمور الدنيا كالصناعات والمخترعات ، وتدوين الكتب وإصلاح الطرق ، وما
أشبه ذلك من أمور الدنيا ، فهي وإن كانت " محدثة " من ناحية اللغة ، ولكنها
لا تدخل في الإحداث المذموم ، بدلالة القيد المذكور في نص الحديث : ( أمرنا ) .
كذلك في قوله : ( ما ليس منه )
إيماء إلى أن الإحداث المنهيّ عنه هو ما كان خارجا عن الهدي والسنة ،
بخلاف ما ظنّه الناس بدعة مذمومة بينما هو سنّة مهجورة ، - وهذا يحدث كثيرا
لاسيما مع وجود الجهل بين الناس وغربة الدين - ، وهذا يدعونا إلى عدم
التسرّع في إطلاق الحكم على العبادات حتى نتأكّد من عدم ورود الدليل
المعتبر على فعلها .
وختاما
: فسبيل الله واحد ، واضح المعالم ، كالمشكاة المنيرة ، إذا اقتربت منها
أحدٌ أنارت له السبيل ، وتبيّنت له معالم الطريق ، وإن ابتعد عنها تخبّط في
ظلمات الجهل ، وتردّى في دركات الهوى ، فما على المسلم إلا أن يتعلّم
الدين ويتقيّد بتعاليمه إن أراد النجاح والفلاح