النسخ في اللغة: الرفع والإزالة؛ وفي الشرع: رفع حكم شرعي بعد ثبوته.
والنسخ أمر ثابت وواقع في الكتاب والسنة، لا خلاف في ذلك عند من يُعتد به
من أهل العلم. والنسخ من مباحث علم أصول الفقه، وقد أشبعه أصحاب هذا العلم
بحثًا وتحريرًا، وليس حول هذا يدور حديثنا، وإنما على أمر يتعلق بقوله
تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها } (البقرة:106) .
ومعنى الآية كما قال الطبري :
" ما نبدِّل من حكم آية، فنغيرِّه، أو نترك تبديله فنقره بحاله، نأتِ بخير
منها لكم من حكم الآية التي نسخنا، فغيَّرنا حكمها؛ إما في العاجل، لخفته
عليكم، من أجل أنه وَضْعُ فَرْضٍ كان عليكم، فأسقط ثقله عنكم، وذلك كالذي
كان على المؤمنين من فرض قيام الليل، ثم نُسخ ذلك فوُضع عنهم، فكان ذلك
خيرًا لهم في عاجلهم، لسقوط عبء ذلك، وثقل حمله عنهم؛ وإما في الآجل، لعظم
ثوابه، من أجل مشقة حمله، وثقل عبئه على الأبدان " ا.هـ .
هذا هو
المعنى العام للآية. ولا يعنينا هنا الخوض في مسائل فرعية تتعلق بهذه الآية
خصوصًا، وبمسألة النسخ عمومًا، ولكن ما يعنينا في هذا المقام الإجابة على
السؤال التالي: هل ثَمَّةَ تعارض بين هذه الآية - نعني آية النسخ التي بين
أيدينا - وقوله تعالى: { وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلاً لا مبدل لكلماته } (الأنعام:115) وقوله أيضًا جلَّ علاه: { واتل ما أُوحيَ إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته } (الكهف:27) .
نقول: إن ظاهر هاتين الآيتين الكريمتين يدل على أنهما تعارضان ما جاء في آية النسخ: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها }
فهذه الآية تثبت النسخ، والآيتان الأُخريان تنفيان تبديل كلمات الله، فكيف
السبيل إلى التوفيق بين ما ظاهره التعارض والاختلاف، وفي الإجابة على هذا
السؤال، نقول:
إنه ليس ثمة تعارض بين آية النسخ، وهاتين الآيتين
عند التحقيق والتدقيق؛ وبيان ذلك يتضح ببيان المعنى المقصود من هذه الآيات؛
فآية البقرة تقرِّرُ أمرًا حاصله: أن نسخ آية من القرآن إنما مرده إلى
الله سبحانه، وأن ذلك من اختصاصه وحده فحسب، ولا شأن للبشر، كائنًا من كان
في فعل ذلك. كما تفيد الآية: أن النسخ قد يكون إلى حكم أخف على العباد من
الحكم السابق، أو إلى حكم مشابه، أو أثقل منه، على تفصيل في ذلك، ذكره
أصحاب التفاسير .
أما الآيتان الأُخريان فتفيدان، أنه { لا مبدل لكلماته } سبحانه، أي: لا قادر على تبديلها وتغييرها، وإنما يقدر على ذلك الله وحده .
قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى قوله تعالى: { لا مبدل لكلماته } أي: لا رادَّ لقضائه، ولا مغيِّر لحكمه، ولا خُلْفَ لوعده .
وقال البيضاوي في معنى قوله سبحانه: { لا مبدل لكلماته }
أي: لا أحد يبدل شيئًا منها، بما هو أصدق وأعدل؛ أو لا أحد يقدر أن
يحرِّفها شائعًا ذائعًا، كما فُعل بالتوراة. على أن المراد بـ - الكلمات -
القرآن، فيكون ضمانًا لها من الله سبحانه وتعالى بالحفظ؛ كقوله سبحانه: { وإنا له لحافظون } (الحِجر:9) .
فحاصل معنى قوله سبحانه: { لا مبدل لكلماته } أنه لا رادَّ لقضائه، ولا معقِّب لحكمه، ولا فاعل في الكون حقيقة غيره، وهذا كقوله تعالى: { والله يحكم لا معقب لحكمه } (الرعد: 41) .
إذا
تبين هذا، نضيف إليه ما يقوله أهل العلم هنا: إن كلمات الله على نوعين:
كلمات شرعية، وكلمات كونية؛ فالكلمات الشرعية هي وحيه سبحانه لأنبيائه، وما
أنزله على رسله؛ والكلمات الكونية هي قضاؤه وقدره؛ وبناء على هذا، يكون
معنى قوله سبحانه: { لا مبدل لكلماته } أي: لا
مبدل لكلماته الشرعية، ولا مبدِّل لكلماته الكونية. فكلماته الشرعية لا
يستطيع أحد أن يبدلها أو يغيرها بما هو خير منها. ويدخل ضمن هذا، ما تكفل
الله بحفظه، فإنه لا يستطيع أحد تغييره ولا تحريفه، ولا نسخه ولا تبديله،
بل مرجع ذلك كله إلى الله وحده. وكلماته الكونية لا مبدِّل لها أيضًا، فلا
رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا متصرف في الكون سواه سبحانه وتعالى { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (الشورى:11) .
وبهذا
البيان يظهر أن لا تعارض حقيقي بين الآيات، بل كلُّ آية واردة في سياق
يختلف عن السياق الذي وردت فيه الآية الأخرى، فلا بد من فهم السياق الذي
وردت فيه كل آية من الآيات، إذ به يتضح المقصود، وبه يزول ما يبدو من
تعارض، يُجلُّ عنه كلام الله سبحانه حقيقة: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا } (النساء:82) .
والنسخ أمر ثابت وواقع في الكتاب والسنة، لا خلاف في ذلك عند من يُعتد به
من أهل العلم. والنسخ من مباحث علم أصول الفقه، وقد أشبعه أصحاب هذا العلم
بحثًا وتحريرًا، وليس حول هذا يدور حديثنا، وإنما على أمر يتعلق بقوله
تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها } (البقرة:106) .
ومعنى الآية كما قال الطبري :
" ما نبدِّل من حكم آية، فنغيرِّه، أو نترك تبديله فنقره بحاله، نأتِ بخير
منها لكم من حكم الآية التي نسخنا، فغيَّرنا حكمها؛ إما في العاجل، لخفته
عليكم، من أجل أنه وَضْعُ فَرْضٍ كان عليكم، فأسقط ثقله عنكم، وذلك كالذي
كان على المؤمنين من فرض قيام الليل، ثم نُسخ ذلك فوُضع عنهم، فكان ذلك
خيرًا لهم في عاجلهم، لسقوط عبء ذلك، وثقل حمله عنهم؛ وإما في الآجل، لعظم
ثوابه، من أجل مشقة حمله، وثقل عبئه على الأبدان " ا.هـ .
هذا هو
المعنى العام للآية. ولا يعنينا هنا الخوض في مسائل فرعية تتعلق بهذه الآية
خصوصًا، وبمسألة النسخ عمومًا، ولكن ما يعنينا في هذا المقام الإجابة على
السؤال التالي: هل ثَمَّةَ تعارض بين هذه الآية - نعني آية النسخ التي بين
أيدينا - وقوله تعالى: { وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلاً لا مبدل لكلماته } (الأنعام:115) وقوله أيضًا جلَّ علاه: { واتل ما أُوحيَ إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته } (الكهف:27) .
نقول: إن ظاهر هاتين الآيتين الكريمتين يدل على أنهما تعارضان ما جاء في آية النسخ: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها }
فهذه الآية تثبت النسخ، والآيتان الأُخريان تنفيان تبديل كلمات الله، فكيف
السبيل إلى التوفيق بين ما ظاهره التعارض والاختلاف، وفي الإجابة على هذا
السؤال، نقول:
إنه ليس ثمة تعارض بين آية النسخ، وهاتين الآيتين
عند التحقيق والتدقيق؛ وبيان ذلك يتضح ببيان المعنى المقصود من هذه الآيات؛
فآية البقرة تقرِّرُ أمرًا حاصله: أن نسخ آية من القرآن إنما مرده إلى
الله سبحانه، وأن ذلك من اختصاصه وحده فحسب، ولا شأن للبشر، كائنًا من كان
في فعل ذلك. كما تفيد الآية: أن النسخ قد يكون إلى حكم أخف على العباد من
الحكم السابق، أو إلى حكم مشابه، أو أثقل منه، على تفصيل في ذلك، ذكره
أصحاب التفاسير .
أما الآيتان الأُخريان فتفيدان، أنه { لا مبدل لكلماته } سبحانه، أي: لا قادر على تبديلها وتغييرها، وإنما يقدر على ذلك الله وحده .
قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى قوله تعالى: { لا مبدل لكلماته } أي: لا رادَّ لقضائه، ولا مغيِّر لحكمه، ولا خُلْفَ لوعده .
وقال البيضاوي في معنى قوله سبحانه: { لا مبدل لكلماته }
أي: لا أحد يبدل شيئًا منها، بما هو أصدق وأعدل؛ أو لا أحد يقدر أن
يحرِّفها شائعًا ذائعًا، كما فُعل بالتوراة. على أن المراد بـ - الكلمات -
القرآن، فيكون ضمانًا لها من الله سبحانه وتعالى بالحفظ؛ كقوله سبحانه: { وإنا له لحافظون } (الحِجر:9) .
فحاصل معنى قوله سبحانه: { لا مبدل لكلماته } أنه لا رادَّ لقضائه، ولا معقِّب لحكمه، ولا فاعل في الكون حقيقة غيره، وهذا كقوله تعالى: { والله يحكم لا معقب لحكمه } (الرعد: 41) .
إذا
تبين هذا، نضيف إليه ما يقوله أهل العلم هنا: إن كلمات الله على نوعين:
كلمات شرعية، وكلمات كونية؛ فالكلمات الشرعية هي وحيه سبحانه لأنبيائه، وما
أنزله على رسله؛ والكلمات الكونية هي قضاؤه وقدره؛ وبناء على هذا، يكون
معنى قوله سبحانه: { لا مبدل لكلماته } أي: لا
مبدل لكلماته الشرعية، ولا مبدِّل لكلماته الكونية. فكلماته الشرعية لا
يستطيع أحد أن يبدلها أو يغيرها بما هو خير منها. ويدخل ضمن هذا، ما تكفل
الله بحفظه، فإنه لا يستطيع أحد تغييره ولا تحريفه، ولا نسخه ولا تبديله،
بل مرجع ذلك كله إلى الله وحده. وكلماته الكونية لا مبدِّل لها أيضًا، فلا
رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا متصرف في الكون سواه سبحانه وتعالى { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (الشورى:11) .
وبهذا
البيان يظهر أن لا تعارض حقيقي بين الآيات، بل كلُّ آية واردة في سياق
يختلف عن السياق الذي وردت فيه الآية الأخرى، فلا بد من فهم السياق الذي
وردت فيه كل آية من الآيات، إذ به يتضح المقصود، وبه يزول ما يبدو من
تعارض، يُجلُّ عنه كلام الله سبحانه حقيقة: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا } (النساء:82) .