الحقوق في الإسلام ليست نسبية ، لا يحكمها اللون أو الجنس أو العرق أو
الطائفة أو الهوى ، الإسلام كرم الإنسان كإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه
أو وطنه أو دينه أو أرضه ، كرّم الإنسان كإنسان”وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنًي
آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فًي الْبَرًّ وَالْبَحْرً وَرَزَقْنَاهُمْ مًنَ
الطَّيًّبَاتً وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثًيرْ مًمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضًيلًا” ، إذن هذا الإنسان هو مكرم ، والإنسان هذا بنيان الله في الأرض
ملعون من هدم بنيان الله ، فهو بنيان في الأرض ملعون من هدم بنيان الله
تبارك وتعالى ، لا يجوز أن يساء إليه ولا أن يعتدى عليه. ولو نظرنا إلى
جانب عدم النسبية في قانون الحقوق ومنظومة الحقوق الإسلامية وما يجري في
بعض دول العالم ، لرأينا عجباً عجاباً.. سيدنا علي كرم الله وجهه ، من
العشرة المبشرين في الجنة ، الخليفة الرابع للمسلمين ، وابن عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ومن أحب الناس وأقربهم ومن أول الصبيان إسلاماً ، أو
أولهم ، ثم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يسقط من سيدنا علي كرم
الله وجهه سيفه ، فيلتقطه رجل يهودي ، فتكون بينهما محادثة حول أن هذا لي
وذاك يقول هو لي ، بينهم القضاء. علي ، شريف هاشمي ذو نسب وحسب وصلة برأس
المسلمين جميعاً وسيدهم وقائدهم وإمامهم ونبيهم ورسولهم وزوج ابنته ، يقف
أمام القاضي هو واليهودي ، ثم يكون بعد ذلك الحق ويظهر لسيدنا علي كرم الله
وجهه.. لا بل في بعض المواقف أن علياً عندما قال له أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه: (يا أبا الحسن) ونادى اليهودي باسمه ، غضب علي
كرم الله وجهه ، فسأله عمر: أغضبت لأنني ساويت بينك وبين اليهودي؟ قال: لا ،
إنما غضبت لأنك ناديتني بكنيتي ، والكنية فيها نوع من التحبب ، فميزتني عن
اليهودي.. هذه عدالة رائعة ومتميزة في الإسلام.
المرأة عندما يجيء القرآن الكريم ليحدثنا عن قصة خولة رضي الله تعالى
عنها ، في قوله عز وجل في سورة المجادلة”قَدْ سَمًعَ اللَّهُ قَوْلَ
الَّتًي تُجَادًلُكَ فًي زَوْجًهَا وَتَشْتَكًي إًلَى اللَّهً وَاللَّهُ
يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إًنَّ اللَّهَ سَمًيعّ بَصًيرّ” ، الله عز وجل
يسمع حوار امرأة من فوق سبع سماوات ويكتب ذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة ،
نصلي به في كل صلواتنا ونقرأه في ختمنا للقرآن الكريم أو قراءتنا لتلك
السورة”قَدْ سَمًعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتًي تُجَادًلُكَ فًي زَوْجًهَا
وَتَشْتَكًي إًلَى اللَّهً” ، لا بل هنالك ما هو أبعد من ذلك ، في أسوأ
مراحل العلاقة الزوجية الطلاق ، من أسوأ المراحل مرحلة الطلاق ، هل يطلب
الإسلام من الرجل أن يسيء إلى زوجته في حالة الطلاق أو أن يتنكر لها ، أو
أن يسيء إليها أو أن يؤذيها أو أن يتكلم عنها ، لنستمع إلى آيات القرآن
الكريم ، وهنا خطاب للنبي ليكون المعنى أعظم وأبلغ وأقرب ، وهو خطاب للأمة
بأسرها”يَا أَيُّهَا النَّبًيُّ إًذَا طَلَّقْتُمُ النًّسَاءَ
فَطَلًّقُوهُنَّ لًعًدَّتًهًنَّ وَأَحْصُوا الْعًدَّة وَاتَّقُوا اللَّهَ
رَبَّكُم لَا تُخْرًجُوهُنَّ مًنْ بُيُوتًهًنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إًلَّا
أَنْ يَأْتًينَ بًفَاحًشَةْ مُبَيًّنَةْ وَتًلْكَ حُدُودُ اللَّهً وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهً فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرًي لَعَلَّ
اللَّهَ يُحْدًثُ بَعْدَ ذَلًكَ أَمْرًا (1) فَإًذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسًكُوهُنَّ بًمَعْرُوفْ أَوْ فَارًقُوهُنَّ بًمَعْرُوفْ وَأَشْهًدُوا
ذَوَيْ عَدْلْ مًنْكُمْ وَأَقًيمُوا الشَّهَادَةَ لًلَّهً ذَلًكُمْ
يُوعَظُ بًهً مَنْ كَانَ يُؤْمًنُ بًاللَّهً وَالْيَوْمً الْآخًرً وَمَنْ
يَتَّقً اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مًنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسًبُ” ، ثم يأتي بعد ذلك في الآية السادسة والسابعة “أَسْكًنُوهُنَّ
مًنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مًنْ وُجْدًكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ
لًتُضَيًّقُوا عَلَيْهًنَّ وَإًنْ كُنَّ أُولَاتً حَمْلْ فَأَنْفًقُوا
عَلَيْهًنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإًنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمًرُوا بَيْنَكُمْ بًمَعْرُوفْ وَإًنْ
تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضًعُ لَهُ أُخْرَى(6) لًيُنْفًقْ ذُو سَعَةْ مًنْ
سَعَتًهً وَمَنْ قُدًرَ عَلَيْهً رًزْقُهُ فَلْيُنْفًقْ مًمَّا آتَاهُ
اللَّهُ لَا يُكَلًّفُ اللَّهُ نَفْسًا إًلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ
اللَّهُ بَعْدَ عُسْرْ يُسْرًا (7)”. الافساد في الأرض يحذر الإسلام منه ،
لأن حق الطبيعة أن تبقى نظيفة”ظَهَرَ الْفَسَادُ فًي الْبَرًّ وَالْبَحْرً
بًمَا كَسَبَتْ أَيْدًي النَّاسً” ، “وَلَا تُفْسًدُوا فًي الْأَرْضً
بَعْدَ إًصْلَاحًهَا” ، “وَإًذَا تَوَلَّيسَعَيفًي الْأَرْضً لًيُفْسًدَ
فًيهَا وَيُهْلًكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحًبُّ
الْفَسَادَ”.. حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الطير غرضاً للصيد
، يطلق الطير فيصاد هكذا لمجرد اللعب والعبث ، وقد حذر صلى الله عليه وسلم
من ذلك فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله من اتخذ شيئاً فيه الروح
غرضاً) على إطلاقها ومن ذلك الطير ، وكانت القصة معروفة أنه في أثناء بعض
الناس من المشركين كانوا يعبثون بالطير.
لو نظرنا في وجه آخر “مصارعة الثيران” ، فهذه المصارعة مظهر محزن ،
فعندما تشاهدهم تقول هل يعقل أن هؤلاء يعيشون معنى الحضارة.. ثم الرسول صلى
الله عليه وسلم يأمر عند القتل أو الذبح إن الله كتب الإحسان في كل شيء
فإذا قتلتم فأحسنوا القتله ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليرح أحدكم
ذبيحته ، وليحد سكينه ، ومطلوب أيضاً أن لا يمرر السكين أمام الذبائح ، هذا
رفق وهذه حقوق متميزة. وصايا الخلفاء المسلمين لقادة جيوشهم ماذا كانت: لا
تقتلوا شيخاً كبيراً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا راهباً في صومعته
وستجدون أقواماً قد فرغوا أنفسهم أو انقطعوا لعبادتهم فدعوهم وشأنهم ، لا
تقطعوا نخلاً ولا شجراً مثمرا..الخ ، كل المعاني الإنسانية والقيم
الإيمانية والأخلاق الإنسانية تجدها قد تحققت مع أنهم متوجهون إلى عدو لهم.
ثم الدخول في خصوصية الأسرة ، في خصوصية البيت ، في خصوصية العلاقات
الأسرية.. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى الأطفال والخدم يدخلون على
البيت في بعض الأوقات وكان لا يحب ذلك ، فتمنى أن يكون ثمة رأي أو حكم أو
تنزل أو أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت الآيات القرآنية
الكريمة ، آيتان في سورة النور”يَا أَيُّهَا الَّذًينَ آمَنُوا
لًيَسْتَأْذًنْكُمُ الَّذًينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذًينَ لَمْ
يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مًنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتْ” الاستئذان في البيت ،
داخل البيت ، من خادم او طفل صغير ، في بعض الأوقات يحتاج الزوج والزوجة
إلى خلوة ، إلى جلوس ، إلى حوار ، إلى حديث ، إلى نقاش ، “يَا أَيُّهَا
الَّذًينَ آمَنُوا لًيَسْتَأْذًنْكُمُ الَّذًينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
وَالَّذًينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مًنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتْ مًنْ
قَبْلً صَلَاةً الْفَجْرً وَحًينَ تَضَعُونَ ثًيَابَكُمْ مًنَ الظَّهًيرَةً
وَمًنْ بَعْدً صَلَاةً الْعًشَاءً ثَلَاثُ عَوْرَاتْ لَكُمْ لَيْسَ
عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهًمْ جُنَاحّ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ
بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضْ كَذلًكَ يُبَيًّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتً
وَاللَّهُ عَلًيمّ حَكًيمّ”.. ثم “وَإًذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مًنْكُمُ
الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذًنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذًينَ مًنْ قَبْلًهًمْ
كَذلًكَ يُبَيًّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتًهً وَاللَّهُ عَلًيمّ حَكًيمّ” ،
تربية ، منهجية في أخلاق قيمية إيمانية إنسانية مجتمعية تصلح لكل المجتمعات
، ليست خاصة أو نسبية لمجتمع معين أو محدد ، إنما هي قيم شاملة رفيعة في
أعلى درجات الرقي الحضاري والتقدم الإنساني والبعد القيمي في هذه الحقوق
وهذه الأخلاق. اعذروني إذا أطلت عليكم ، أكرر شكري وتقديري لإدارة الدستور ،
صحيفة الدستور العزيزة علينا ، وإلى الأستاذ محمد التل مقدّم هذا اللقاء ،
وإلى الاخوة الحضور ، جزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.