الشاعرة أم الشهداء
(الخنساء)
أجمع أهل العلم
بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أعلم بالشعر منها، وكان النبي (
يستنشدها، ويعجبه شِعرها. وكان أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها: صخر،
ومعاوية، وكانا قد قتلا فى الجاهلية.
عاشت أكثر عمرها فى العهد الجاهلي، وأدركت الإسلام، فأسلمت، ووفدت على رسول اللَّه ( مع قومها بنى سليم .
اشتهرت
بإيمانها العظيم باللَّه ورسوله، وجهادها فى سبيل نصرة الحق؛ فقد شهدت
معركة القادسية سنة ست عشرة للهجرة ومعها أولادها الأربعة. قالت لهم في
أوَّل الليل: يا بَنى إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، واللَّه الذي لا
إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم،
ولا فضحت خالكم، ولا هَجَّنت حَسبكم، ولا غَيَّرت نسبكم . وقد تعلمون ما
أعد اللَّه للمسلمين من الثواب الجزيل، واعلموا أن الدار الباقية خير من
الدار الفانية؛ يقول اللَّه -عـز وجـل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 200]. فإذا أصبحتم غدًا إن شاء اللَّه سالمين
فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وباللَّه على أعدائه مستنصرين، وإذا رأيتم
الحرب قد شَمَّرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجُلِّلَتْ نارًا على
أرواقها، فتَيمَّموا وطيسها، وجَالدوا رئيسها عند احتدام خميسها (جيشها)،
تظفروا بالغنم والكرامة فى دار الخلد والمقامة.
فخرج بنوها قابلين
لنصحها، وتقدموا فقاتلوا وهم يرتجزون، وأبلوا بلاءً حسنًا، واستشهدوا
جميعًا . فلما بلغها خبرهم، قالت: الحمد للَّه الذي شرَّفنى بقتلهم فى
سبيله، وأرجو من ربى أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته .
فكان عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه- يعطى لها أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد مائتا درهم، حتى قبض.
إنها
الخنساء المؤمنة القوية التي حوَّل الإسلام حياتها، وصنع الإيمان منها
نموذجًا جديرًا بأن يحتذي، فهاهى ذى فى الجاهلية قالت حين قُتل أخوها صخر:
ألا يا صخرُ لا أنســاك حتى أفارقَ مهجتى ويشقّ رَمْسي
يذكرنى طلوعُ الشمسِ صَخرًا وأبكيه لكلِ غروبِ شمــسِ
ولولا كثــرةُ الباكينِ حولى على إخوانهم لقتلتُ نفسـي
وفى
الإسلام، تضحى بفلذات كبدها فى سبيل اللَّه. ولا عجب فى الأمر، فهذا هو
حال الإسلام دائمًا مع معتنقيه ومحبيه، يحيل حياتهم إلى فضائل، ويغرس فيهم
الصبر والإيمان، ويعينهم على التسامى على الشدائد والمحن.
وذات مرة دخلت الخنساء على أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنه- وعليها صِدار (ثوب يغطى به الصدر) من شَعر.
فقالت لها: يا خنساء! هذا نهى رسول اللَّه عنه.
فقالت: ما علمت، ولكن هذا له قصة؛ زوجنى أبى رجلا مُبَذِّرًا، فأذهب ماله،
فأتيت إلى صخر، فقسم ماله شطرين، فأعطانى شطرًا خيارًا، ثم فعل زوجى ذلك
مرة أخري، فقسم أخى ماله شطرين، فأعطانى خيرهما، فقالت له امرأته: أما ترضى
أن تعطيها النصف حتى تعطيها الخيار؟ فقال:
واللَّه لا أمنحــها شرارهـا هي التي أرحضُ عنِّى عارها
ولو هلكتُ خرقت خمارهـا واتخذت من شَعرٍ صدارها
اسمها
تماضر بنت عمرو بن الشريد بن الحارث السُّلمية، ولُقبت بالخنساء لِقِنوٍ
(لارتفاع وسط قصبة الأنف وضيق المنخر) فى أنفها. وكانت -رضى اللَّه عنها-
مثالا للمرأة المسلمة الفصيحة، والمؤمنة المحتسبة الصابرة، والمربية
الفاضلة.
(الخنساء)
أجمع أهل العلم
بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أعلم بالشعر منها، وكان النبي (
يستنشدها، ويعجبه شِعرها. وكان أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها: صخر،
ومعاوية، وكانا قد قتلا فى الجاهلية.
عاشت أكثر عمرها فى العهد الجاهلي، وأدركت الإسلام، فأسلمت، ووفدت على رسول اللَّه ( مع قومها بنى سليم .
اشتهرت
بإيمانها العظيم باللَّه ورسوله، وجهادها فى سبيل نصرة الحق؛ فقد شهدت
معركة القادسية سنة ست عشرة للهجرة ومعها أولادها الأربعة. قالت لهم في
أوَّل الليل: يا بَنى إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، واللَّه الذي لا
إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم،
ولا فضحت خالكم، ولا هَجَّنت حَسبكم، ولا غَيَّرت نسبكم . وقد تعلمون ما
أعد اللَّه للمسلمين من الثواب الجزيل، واعلموا أن الدار الباقية خير من
الدار الفانية؛ يقول اللَّه -عـز وجـل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 200]. فإذا أصبحتم غدًا إن شاء اللَّه سالمين
فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وباللَّه على أعدائه مستنصرين، وإذا رأيتم
الحرب قد شَمَّرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجُلِّلَتْ نارًا على
أرواقها، فتَيمَّموا وطيسها، وجَالدوا رئيسها عند احتدام خميسها (جيشها)،
تظفروا بالغنم والكرامة فى دار الخلد والمقامة.
فخرج بنوها قابلين
لنصحها، وتقدموا فقاتلوا وهم يرتجزون، وأبلوا بلاءً حسنًا، واستشهدوا
جميعًا . فلما بلغها خبرهم، قالت: الحمد للَّه الذي شرَّفنى بقتلهم فى
سبيله، وأرجو من ربى أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته .
فكان عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه- يعطى لها أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد مائتا درهم، حتى قبض.
إنها
الخنساء المؤمنة القوية التي حوَّل الإسلام حياتها، وصنع الإيمان منها
نموذجًا جديرًا بأن يحتذي، فهاهى ذى فى الجاهلية قالت حين قُتل أخوها صخر:
ألا يا صخرُ لا أنســاك حتى أفارقَ مهجتى ويشقّ رَمْسي
يذكرنى طلوعُ الشمسِ صَخرًا وأبكيه لكلِ غروبِ شمــسِ
ولولا كثــرةُ الباكينِ حولى على إخوانهم لقتلتُ نفسـي
وفى
الإسلام، تضحى بفلذات كبدها فى سبيل اللَّه. ولا عجب فى الأمر، فهذا هو
حال الإسلام دائمًا مع معتنقيه ومحبيه، يحيل حياتهم إلى فضائل، ويغرس فيهم
الصبر والإيمان، ويعينهم على التسامى على الشدائد والمحن.
وذات مرة دخلت الخنساء على أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنه- وعليها صِدار (ثوب يغطى به الصدر) من شَعر.
فقالت لها: يا خنساء! هذا نهى رسول اللَّه عنه.
فقالت: ما علمت، ولكن هذا له قصة؛ زوجنى أبى رجلا مُبَذِّرًا، فأذهب ماله،
فأتيت إلى صخر، فقسم ماله شطرين، فأعطانى شطرًا خيارًا، ثم فعل زوجى ذلك
مرة أخري، فقسم أخى ماله شطرين، فأعطانى خيرهما، فقالت له امرأته: أما ترضى
أن تعطيها النصف حتى تعطيها الخيار؟ فقال:
واللَّه لا أمنحــها شرارهـا هي التي أرحضُ عنِّى عارها
ولو هلكتُ خرقت خمارهـا واتخذت من شَعرٍ صدارها
اسمها
تماضر بنت عمرو بن الشريد بن الحارث السُّلمية، ولُقبت بالخنساء لِقِنوٍ
(لارتفاع وسط قصبة الأنف وضيق المنخر) فى أنفها. وكانت -رضى اللَّه عنها-
مثالا للمرأة المسلمة الفصيحة، والمؤمنة المحتسبة الصابرة، والمربية
الفاضلة.