ذات
يوم خرج أبو حازم من عند سليمان بن عبد الملك، فبعث إليه بمائة دينار،
وكتب إليه، أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير... فردها عليه أبو حازم وكتب
إليه: يا أمير المؤمنين؟! أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلا، أوردي عليك
بذلا، وما أرضاها لك، فكيف أرضاها لنفسي؟! إن موسى بن عمران عليه السلام
لما ورد ماء (مدين) وجد عليه رعاء يسقون، ووجد من دونهم جاريتين تذودان،
فسألهما (فقالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقا لهما ثم
تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)، ذلك لأنه كان جائعا
خائفا لا يأمن، فسأل ربه ولم يسأل الناس، فلم يفطن الرعاء وفطنت
الجاريتان، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصة وبقوله، فقال أبوهما ـ
وهو شعيب عليه السلام ـ هذا رجل جائع. وقال لإحداهما: اذهبي فادعيه، فلما
أتته عظمته وغطت وجهها وقالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فشق
على موسى ذكر أجر ما سقيت، ولم يجد بداً من أن يتبعها، لأنه كان بين الجبال
جائعا مستوحشا... وحين دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ، فقال له
شعيب: اجلس يا شاب فتعش! فقال موسى! أعوذ بالله! فقال له شعيب: لم؟! أما
أنت جائع؟ قال موسى: بلى، ولكني أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا
من أهل بيت لا نبيع شيئا من ديننا بملء الأرض ذهبا. قال شعيب: لا يا شاب!
ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف ونطعم الطعام، فجلس موسى وأكل. قال
أبو حازم في كتابه إلى سليمان: فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما حدثت،
فالميتة والدم ولحم الخنزير في حالة الاضطرار أحب إلي من هذه. وإن كان لحق
لي في بيت المال، فلي فيه نظراء، فإن ساويت بيننا، وإلا فليس لي فيها حاجة.
لقد كان أبو حازم عليه رضوان الله يعد العلم (عبادة) ولا يعده (تجارة)،
ولذلك عرف مكانة العلم والعلماء وحرص على عزة العلم والعلماء، رضي الله عنه
وأرضاه.
يوم خرج أبو حازم من عند سليمان بن عبد الملك، فبعث إليه بمائة دينار،
وكتب إليه، أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير... فردها عليه أبو حازم وكتب
إليه: يا أمير المؤمنين؟! أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلا، أوردي عليك
بذلا، وما أرضاها لك، فكيف أرضاها لنفسي؟! إن موسى بن عمران عليه السلام
لما ورد ماء (مدين) وجد عليه رعاء يسقون، ووجد من دونهم جاريتين تذودان،
فسألهما (فقالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقا لهما ثم
تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)، ذلك لأنه كان جائعا
خائفا لا يأمن، فسأل ربه ولم يسأل الناس، فلم يفطن الرعاء وفطنت
الجاريتان، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصة وبقوله، فقال أبوهما ـ
وهو شعيب عليه السلام ـ هذا رجل جائع. وقال لإحداهما: اذهبي فادعيه، فلما
أتته عظمته وغطت وجهها وقالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فشق
على موسى ذكر أجر ما سقيت، ولم يجد بداً من أن يتبعها، لأنه كان بين الجبال
جائعا مستوحشا... وحين دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ، فقال له
شعيب: اجلس يا شاب فتعش! فقال موسى! أعوذ بالله! فقال له شعيب: لم؟! أما
أنت جائع؟ قال موسى: بلى، ولكني أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا
من أهل بيت لا نبيع شيئا من ديننا بملء الأرض ذهبا. قال شعيب: لا يا شاب!
ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف ونطعم الطعام، فجلس موسى وأكل. قال
أبو حازم في كتابه إلى سليمان: فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما حدثت،
فالميتة والدم ولحم الخنزير في حالة الاضطرار أحب إلي من هذه. وإن كان لحق
لي في بيت المال، فلي فيه نظراء، فإن ساويت بيننا، وإلا فليس لي فيها حاجة.
لقد كان أبو حازم عليه رضوان الله يعد العلم (عبادة) ولا يعده (تجارة)،
ولذلك عرف مكانة العلم والعلماء وحرص على عزة العلم والعلماء، رضي الله عنه
وأرضاه.