كتبه/ أحمد شكري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- علاج ذلك المرض بقوله: (اذكر الموت في صلاتك؛ فإنه حري أن تحسنها)، وقال: (صلِّ صلاة مودع)، وقس على ذلك بقية العبادات.
نقول: إن أول خطوة في العلاج هو استشعار الخسارة الفادحة التي يخسرها من تعلق قلبه بالدنيا، والعجيب أنه فوق ما يخسره في الآخرة أنه يخسر الدنيا نفسها -والعياذ بالله- كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من كانت الدنيا همة فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له).
على أية حال إذا استشعر العبد
خطورة المرض فإن دعائه حينئذٍ سيكون دعاء المضطر الذي لا يرده الله -عز
وجل-، فإذا دعا بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا) فإنه سيكون نابعاً من قلبه صادقاً مضطراً إلى ربه، وكذلك إذا دعا بالدعاء المنسوب لداود -عليه السلام-: (اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من الماء البارد على الظمأ)، وكذلك دعاء: (اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع).
فالاجتهاد في الدعاء هو الحل لجميع المشاكل، والشفاء لجميع الأمراض؛ ولذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء)، وقال: (الدعاء سلاح المؤمن)، فأول ما يفزع إليه المؤمن هو باب ربه -سبحانه وتعالى-.
وكذلك مما يعين على إزالة تعلق القلب بالدنيا هو المقارنة بينها وبين الآخرة، كما دعانا الله -عز وجل- بقوله: (أَفَمَنْ
وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ
الْمُحْضَرِينَ) (القصص:61).
وتأمل قوله -تعالى-: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) (الشعراء:205-207).
وقد فارق لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين الدنيا والآخرة، ووضح لنا نسبة الدنيا إلى الآخرة بقوله: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بماذا يرجع ؟)
وأوضح لنا أيضا النسبة بين الآخرة والدنيا فقال: (لموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، وقال في وصف الحور العين: (لنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها).
ومن المقارنة بين الدنيا
والآخرة المقارنة بين حال المنعَّمين في الدنيا والمعذَّبين في الآخرة،
وحال المبتَلَيْنَ في الدنيا المنَعَّمين في الآخرة، قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: (يؤتى
بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت
نعيماً قط فيقول لا يا ربي وعزتك ما رأيت نعيما قط، ويؤتى بأبأس أهل الدنيا
من أهل الجنة فيغمس في الجنة غمسة فيقال له هل رأيت بؤساً قط هل مر بك شدة
قط فيقول لا يا ربي وعزتك)
على أية حال لا مانع بين
المقارنة التفصيلية بين مثلاً: طعام الدنيا بما يسبقه من تعب في تحصيله،
وما يتبعه من ألم من التخلص من فضلاته، وما بين ذلك مما يعتريه من آفات،
وبين طعام الجنة الذي وصفه الله بقوله: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً)(الإنسان:14) وقوله: (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) (الواقعة:32-33)، وقوله: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (الواقعة:21)، وقوله -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجنة: (إنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون).
قارن بين مساكن الدنيا مهما
بلغت من الضخامة والفخامة، هل تجد فيها بناءاً بالذهب والفضة، أو باللؤلؤ؟
قارن بين خمر الدنيا وما فيها من سكر ومرارة وصداع، ونَتَن في الرائحة،
وبين خمر الجنة التي قال الله -تعالى- عنها: (بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) (الصافات:46)، وقال (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ) (الواقعة:19)، وقال: (خِتَامُهُ مِسْكٌ )(المطففين: 26).
ولا تنسى أن تقارن بين نساء الدنيا ونساء الجنة، واذكر قول عائشة -رضي الله عنها- ما ذم الله نساء الدنيا بمثل هذه الآية (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)(البقرة: 25)
قارن أيضاً بين جيران الدنيا وجيران الجنة.
وهناك وجه أخر للمقارنة بين
الدنيا والآخرة، هو المقارنة بين ما في الدنيا من تعب ونصب وأذى، وبين ما
في النار من ذلك، فإنه يهون على الإنسان الجَهْد والجهاد في سبيل الله -عز
وجل- كما قال -سبحانه وتعالى- لمن تخلف عن الجهاد؛ إيثاراً لراحة بدنه
وهروباً من أذى الحَرّ (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)(التوبة:81)
وإذا نظرت في حال الأنبياء
والصالحين غَيَّر ذلك من طبيعة اهتماماتك، وما يتعلق به قلبك، فهذا رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- سيد الزهاد الذي ضرب أروع المثل في ذلك، فقد كان
من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم اجعل رزق آل محمدًٍ قوتاً)،
وهذا أعلى ما يتصور من مقامات الزهد، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما
شبع آل محمدٍ من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض -صلى الله عليه
وسلم-"، وأخرجت للصحابة كساءاً ملبداً ( أي مرقعاً ) وإزار غليظاً، وقالت:
"قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هاذين"
هذا كان حاله ولو شاء لجعل الله
له الجبال ذهباً وفضة، ولكنه لشدة زهده -صلى الله عليه وسلم- فيها، وخلو
قلبه من التعلق بها لم يدع الله أصلاً -صلى الله عليه وسلم-.
وهناك وسائل أخرى عديدة لعلاج تعلق القلب بالدنيا منها: ( تدبر القرآن - تذكر الموت - زيارة المقابر - زيارة المرضى - كثرة الصدقة ).
وأختم بهذه الآية التي أرى أنها
كافية لمن تدبرها في بيان قيمة الدنيا عند الله -عز وجل- الذي خلقها، مما
يكفي في المؤمن في أن يجاهد نفسه أن يكون قيمة الدنيا عنده أكثر مما عند
ربه -عز وجل- قال -تعالى-: (وَلَوْلا
أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ
بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا
يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ
وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (الزخرف: 33-35)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- علاج ذلك المرض بقوله: (اذكر الموت في صلاتك؛ فإنه حري أن تحسنها)، وقال: (صلِّ صلاة مودع)، وقس على ذلك بقية العبادات.
نقول: إن أول خطوة في العلاج هو استشعار الخسارة الفادحة التي يخسرها من تعلق قلبه بالدنيا، والعجيب أنه فوق ما يخسره في الآخرة أنه يخسر الدنيا نفسها -والعياذ بالله- كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من كانت الدنيا همة فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له).
على أية حال إذا استشعر العبد
خطورة المرض فإن دعائه حينئذٍ سيكون دعاء المضطر الذي لا يرده الله -عز
وجل-، فإذا دعا بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا) فإنه سيكون نابعاً من قلبه صادقاً مضطراً إلى ربه، وكذلك إذا دعا بالدعاء المنسوب لداود -عليه السلام-: (اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من الماء البارد على الظمأ)، وكذلك دعاء: (اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع).
فالاجتهاد في الدعاء هو الحل لجميع المشاكل، والشفاء لجميع الأمراض؛ ولذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء)، وقال: (الدعاء سلاح المؤمن)، فأول ما يفزع إليه المؤمن هو باب ربه -سبحانه وتعالى-.
وكذلك مما يعين على إزالة تعلق القلب بالدنيا هو المقارنة بينها وبين الآخرة، كما دعانا الله -عز وجل- بقوله: (أَفَمَنْ
وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ
الْمُحْضَرِينَ) (القصص:61).
وتأمل قوله -تعالى-: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) (الشعراء:205-207).
وقد فارق لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين الدنيا والآخرة، ووضح لنا نسبة الدنيا إلى الآخرة بقوله: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بماذا يرجع ؟)
وأوضح لنا أيضا النسبة بين الآخرة والدنيا فقال: (لموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها)، وقال في وصف الحور العين: (لنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها).
ومن المقارنة بين الدنيا
والآخرة المقارنة بين حال المنعَّمين في الدنيا والمعذَّبين في الآخرة،
وحال المبتَلَيْنَ في الدنيا المنَعَّمين في الآخرة، قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: (يؤتى
بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة ثم يقال له هل رأيت
نعيماً قط فيقول لا يا ربي وعزتك ما رأيت نعيما قط، ويؤتى بأبأس أهل الدنيا
من أهل الجنة فيغمس في الجنة غمسة فيقال له هل رأيت بؤساً قط هل مر بك شدة
قط فيقول لا يا ربي وعزتك)
على أية حال لا مانع بين
المقارنة التفصيلية بين مثلاً: طعام الدنيا بما يسبقه من تعب في تحصيله،
وما يتبعه من ألم من التخلص من فضلاته، وما بين ذلك مما يعتريه من آفات،
وبين طعام الجنة الذي وصفه الله بقوله: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً)(الإنسان:14) وقوله: (وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) (الواقعة:32-33)، وقوله: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (الواقعة:21)، وقوله -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجنة: (إنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون).
قارن بين مساكن الدنيا مهما
بلغت من الضخامة والفخامة، هل تجد فيها بناءاً بالذهب والفضة، أو باللؤلؤ؟
قارن بين خمر الدنيا وما فيها من سكر ومرارة وصداع، ونَتَن في الرائحة،
وبين خمر الجنة التي قال الله -تعالى- عنها: (بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) (الصافات:46)، وقال (لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ) (الواقعة:19)، وقال: (خِتَامُهُ مِسْكٌ )(المطففين: 26).
ولا تنسى أن تقارن بين نساء الدنيا ونساء الجنة، واذكر قول عائشة -رضي الله عنها- ما ذم الله نساء الدنيا بمثل هذه الآية (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)(البقرة: 25)
قارن أيضاً بين جيران الدنيا وجيران الجنة.
وهناك وجه أخر للمقارنة بين
الدنيا والآخرة، هو المقارنة بين ما في الدنيا من تعب ونصب وأذى، وبين ما
في النار من ذلك، فإنه يهون على الإنسان الجَهْد والجهاد في سبيل الله -عز
وجل- كما قال -سبحانه وتعالى- لمن تخلف عن الجهاد؛ إيثاراً لراحة بدنه
وهروباً من أذى الحَرّ (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)(التوبة:81)
وإذا نظرت في حال الأنبياء
والصالحين غَيَّر ذلك من طبيعة اهتماماتك، وما يتعلق به قلبك، فهذا رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- سيد الزهاد الذي ضرب أروع المثل في ذلك، فقد كان
من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم اجعل رزق آل محمدًٍ قوتاً)،
وهذا أعلى ما يتصور من مقامات الزهد، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما
شبع آل محمدٍ من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض -صلى الله عليه
وسلم-"، وأخرجت للصحابة كساءاً ملبداً ( أي مرقعاً ) وإزار غليظاً، وقالت:
"قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هاذين"
هذا كان حاله ولو شاء لجعل الله
له الجبال ذهباً وفضة، ولكنه لشدة زهده -صلى الله عليه وسلم- فيها، وخلو
قلبه من التعلق بها لم يدع الله أصلاً -صلى الله عليه وسلم-.
وهناك وسائل أخرى عديدة لعلاج تعلق القلب بالدنيا منها: ( تدبر القرآن - تذكر الموت - زيارة المقابر - زيارة المرضى - كثرة الصدقة ).
وأختم بهذه الآية التي أرى أنها
كافية لمن تدبرها في بيان قيمة الدنيا عند الله -عز وجل- الذي خلقها، مما
يكفي في المؤمن في أن يجاهد نفسه أن يكون قيمة الدنيا عنده أكثر مما عند
ربه -عز وجل- قال -تعالى-: (وَلَوْلا
أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ
بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا
يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ
وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (الزخرف: 33-35)