تطبع بداية الألفية الثالثة، في المغرب، منذ
الآن، تحولات عميقة على مستوى الهجرة ناتجة عن مفارقة نمت من الداخل ومن
الخارج في آن واحد، وبالفعل، فإن المغرب يجد نفسه مأخوذا على نحو متزايد
إلى ضرورة أداء "فضاء إعادة" و "منحدر دقيق" على بوابة أوربا وبلدان
الهجرات، وذلك بسبب موقعه الجغرافي الخاص.
وبصفة عامة، يعرف المغرب بوصفه بلد هجرة، لكن
ما لا يُعرف إلا بدرجة أقل هو الحجم التاريخي لهذه الهجرة وتطورها. وكذلك
نحرص على تأكيد أن حركات الهجرة المغربية قد تَبنْيَنَتْ، حتى بداية القرن
العشرين، حول محورين متمايزين: أحدهما يصل الشرق الأوسط عبر إفريقيا
الشمالية والمشرق، والثاني يصل إفريقيا الغربية عبر الصحراء (الخريطة رقم
1).
ولا يمكن فصل المحور الأول –والراجح أنه الأقدم
والأهم- عن انتشار الإسلام، حيث سلكه السكان العرب خلال انتشارهم نحو
الغرب في القرن السابع. فكان يصل تلمسان، انطلاقا من المغرب، ثم يصل إلى
مكة المكرمة عن طريق الجزائر العاصمة، وتونس، والقدس. وعلى غرار طرق أخرى
انتشر عبرها الإسلام، كان هذه المحور غرب – شرق خطّ سير ديني وتجاري في
وقت واحد. فالعديد من الحجاج المغاربة أصبحوا "تجارا – حجاجا"، بالانتشار
في المدن – المراحل الرئيسية الواقعة على طريق مكة. وكثير من الأسر لا
تزال تتسمى بأسماء تحيل على أصلها المغربي (المراكشي، الفاسي، أو بكل
بساطة: المغربي).
يتجه المحور الثاني المبين للهجرة المغربية قبل
الاستعمار وجهة الشمال – الجنوب. حيث يستدل المغرب الشمالي بإفريقيا جنوب
الصحراء (بلاد السودان)، عبر الواحات الصحراوية وسلسلة من المدن الأسطورية
مثل سجلماسة، أو شنقيط، أو أكادس.
وهكذا أدى المغرب دور الوسيط بين باقي العالم
العربي شرقا، وإفريقيا الغربية جنوبا وأوربا شمالا لأمد طويل، وذلك إلى
غاية القرن التاسع عشر، بفضل دينامية ساكنته، وغناه، وموقعه الجغرافي
المثالي، وانفتاحه على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في آن. ونتج
عن ذلك شكل أَوَّلٌ للهجرة الدولية المتشكلة، أساسا، من تجار وصناع
تقليديين، وبصفة عرضية من المثقفين وعلماء الكلام.
لكن ابتداء من القرن التاسع عشر، ظهرت هجرة
السكان بحثا عن مكان مُؤَاتٍ أكثر وعلى الأخص في الريف وسوس، تحت تأثير
الصعوبات الاقتصادية، والمجاعات والمشكلات الاجتماعية. واتجهوا نحو
الجزائر المستعمرة منذ 1832، أساسا، بحثا عن أعمال موسمية. وسرعان ما
ستتكثف هذه الهجرة مع تطور الفلاحة الاستعمارية التي تطلبت يدا عاملة
متزايدة الأهمية. وفي نفس الوقت الذي عمل فيه الاستعمار على وضع الهجرات
المعتادة بين المغرب والجزائر موضع سؤال، شجع تطوير دفق هجرات جديدة بين
الدولتين، مع محاولته مراقبة الحدود.
وبعد احتلال المغرب سنة 1912، وخلال الحرب
العالمية بشكل جزئي، عرفت وتيرة الهجرة تسريعا. وهكذا نلاحظ ابتداء من
1915 (الرسم البياني رقم 1)، وهي السنة التي انطلقت فيها حركة الهجرة في
اتجاه فرنسا، وإلى غاية 1956، تاريخ استقلال المغرب، حركة "استيراد" حقيقة
لليد العاملة. ويبين تطور دفقات الهجرات المغربية إلى فرنسا، بين 1915 و
1956، عن سرعة هائلة تميزت بتناوب، في الاتجاهين الأفقي والعمودي، نتيجة
تقلبات الظرفية الاقتصادية والوضعية السياسية في فرنسا والمغرب.
وعلى مدى الفترة الممتدة من الاستقلال إلى سنة
1959، عرف المغرب تباطؤا ملحوظا لهجرة الشغل. وهذا الفتور هو نتيجة الآمال
التي صاحبت الاستقلال. لكن ابتداء من 1962، أصبحنا نشهد الانطلاق المكثف
لدفق الهجرة نحو أوربا الصناعية. فمغادرة العمال المغاربة شكلت قفزة نوعية
صحبها توسيع لفضاء الهجرة، إذ فقدت فرنسا امتيازها المحتكر بمجرد ما
انبثقت وجهات جديدة في نفس الوقت مثل بلجيكا، وألمانيا وهولندا. ومع ذلك
ظلت فرنسا تمارس أقوى جاذبيتها بسبب العلاقات الاستعمارية ووجود شبكة
علائقية انتسجت على مدى الزمان، مُشَكِّلَةً، من ثم، قاعدة مهمة بالنسبة
للهجرة "التلقائية" (الرسم البياني رقم 2).
واليوم، يوجد أزيد من ثلاثة ملايين مغربي
مهاجر: 86% من بينهم في بلدان الاتحاد الأوربي، و9% في العالم العربي و 5%
في أمريكا. ويعيش مغربي من بين عشرة، على الأقل، في الخارج اليوم (الخريطة
رقم 2)... نلاحظ (الخريطة رقم 3) أن فرنسا لا تزال تشكل الوجهة الرئيسية
للمهاجرين المغاربة، لكن وجهات أخرى تكتسي أهمية متزايدة، كما هو الشأن
مثلا بالنسبة لإسبانيا أو إيطاليا على الخصوص
الآن، تحولات عميقة على مستوى الهجرة ناتجة عن مفارقة نمت من الداخل ومن
الخارج في آن واحد، وبالفعل، فإن المغرب يجد نفسه مأخوذا على نحو متزايد
إلى ضرورة أداء "فضاء إعادة" و "منحدر دقيق" على بوابة أوربا وبلدان
الهجرات، وذلك بسبب موقعه الجغرافي الخاص.
وبصفة عامة، يعرف المغرب بوصفه بلد هجرة، لكن
ما لا يُعرف إلا بدرجة أقل هو الحجم التاريخي لهذه الهجرة وتطورها. وكذلك
نحرص على تأكيد أن حركات الهجرة المغربية قد تَبنْيَنَتْ، حتى بداية القرن
العشرين، حول محورين متمايزين: أحدهما يصل الشرق الأوسط عبر إفريقيا
الشمالية والمشرق، والثاني يصل إفريقيا الغربية عبر الصحراء (الخريطة رقم
1).
ولا يمكن فصل المحور الأول –والراجح أنه الأقدم
والأهم- عن انتشار الإسلام، حيث سلكه السكان العرب خلال انتشارهم نحو
الغرب في القرن السابع. فكان يصل تلمسان، انطلاقا من المغرب، ثم يصل إلى
مكة المكرمة عن طريق الجزائر العاصمة، وتونس، والقدس. وعلى غرار طرق أخرى
انتشر عبرها الإسلام، كان هذه المحور غرب – شرق خطّ سير ديني وتجاري في
وقت واحد. فالعديد من الحجاج المغاربة أصبحوا "تجارا – حجاجا"، بالانتشار
في المدن – المراحل الرئيسية الواقعة على طريق مكة. وكثير من الأسر لا
تزال تتسمى بأسماء تحيل على أصلها المغربي (المراكشي، الفاسي، أو بكل
بساطة: المغربي).
يتجه المحور الثاني المبين للهجرة المغربية قبل
الاستعمار وجهة الشمال – الجنوب. حيث يستدل المغرب الشمالي بإفريقيا جنوب
الصحراء (بلاد السودان)، عبر الواحات الصحراوية وسلسلة من المدن الأسطورية
مثل سجلماسة، أو شنقيط، أو أكادس.
وهكذا أدى المغرب دور الوسيط بين باقي العالم
العربي شرقا، وإفريقيا الغربية جنوبا وأوربا شمالا لأمد طويل، وذلك إلى
غاية القرن التاسع عشر، بفضل دينامية ساكنته، وغناه، وموقعه الجغرافي
المثالي، وانفتاحه على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في آن. ونتج
عن ذلك شكل أَوَّلٌ للهجرة الدولية المتشكلة، أساسا، من تجار وصناع
تقليديين، وبصفة عرضية من المثقفين وعلماء الكلام.
لكن ابتداء من القرن التاسع عشر، ظهرت هجرة
السكان بحثا عن مكان مُؤَاتٍ أكثر وعلى الأخص في الريف وسوس، تحت تأثير
الصعوبات الاقتصادية، والمجاعات والمشكلات الاجتماعية. واتجهوا نحو
الجزائر المستعمرة منذ 1832، أساسا، بحثا عن أعمال موسمية. وسرعان ما
ستتكثف هذه الهجرة مع تطور الفلاحة الاستعمارية التي تطلبت يدا عاملة
متزايدة الأهمية. وفي نفس الوقت الذي عمل فيه الاستعمار على وضع الهجرات
المعتادة بين المغرب والجزائر موضع سؤال، شجع تطوير دفق هجرات جديدة بين
الدولتين، مع محاولته مراقبة الحدود.
وبعد احتلال المغرب سنة 1912، وخلال الحرب
العالمية بشكل جزئي، عرفت وتيرة الهجرة تسريعا. وهكذا نلاحظ ابتداء من
1915 (الرسم البياني رقم 1)، وهي السنة التي انطلقت فيها حركة الهجرة في
اتجاه فرنسا، وإلى غاية 1956، تاريخ استقلال المغرب، حركة "استيراد" حقيقة
لليد العاملة. ويبين تطور دفقات الهجرات المغربية إلى فرنسا، بين 1915 و
1956، عن سرعة هائلة تميزت بتناوب، في الاتجاهين الأفقي والعمودي، نتيجة
تقلبات الظرفية الاقتصادية والوضعية السياسية في فرنسا والمغرب.
وعلى مدى الفترة الممتدة من الاستقلال إلى سنة
1959، عرف المغرب تباطؤا ملحوظا لهجرة الشغل. وهذا الفتور هو نتيجة الآمال
التي صاحبت الاستقلال. لكن ابتداء من 1962، أصبحنا نشهد الانطلاق المكثف
لدفق الهجرة نحو أوربا الصناعية. فمغادرة العمال المغاربة شكلت قفزة نوعية
صحبها توسيع لفضاء الهجرة، إذ فقدت فرنسا امتيازها المحتكر بمجرد ما
انبثقت وجهات جديدة في نفس الوقت مثل بلجيكا، وألمانيا وهولندا. ومع ذلك
ظلت فرنسا تمارس أقوى جاذبيتها بسبب العلاقات الاستعمارية ووجود شبكة
علائقية انتسجت على مدى الزمان، مُشَكِّلَةً، من ثم، قاعدة مهمة بالنسبة
للهجرة "التلقائية" (الرسم البياني رقم 2).
واليوم، يوجد أزيد من ثلاثة ملايين مغربي
مهاجر: 86% من بينهم في بلدان الاتحاد الأوربي، و9% في العالم العربي و 5%
في أمريكا. ويعيش مغربي من بين عشرة، على الأقل، في الخارج اليوم (الخريطة
رقم 2)... نلاحظ (الخريطة رقم 3) أن فرنسا لا تزال تشكل الوجهة الرئيسية
للمهاجرين المغاربة، لكن وجهات أخرى تكتسي أهمية متزايدة، كما هو الشأن
مثلا بالنسبة لإسبانيا أو إيطاليا على الخصوص