في الأعذار المبيحة لترك الجمعة
السؤال:
أعمل في مصنعٍ يبعد عن المدينة بحوالَيْ ٠٦ كم، كما أنِّي لا أسمع النداءَ لصلاة الجمعة حيث أكون في مدَّة العمل وقتَ الصلاة، ورئيسُ المصلحة لا يسمح لي بالخروج قبل الوقت؛ لذا أبحث عن: حكم العمل في هذا اليوم «الجمعة»؟ وهل صلاة الجمعة متعلِّقةٌ بسماع النداء؟ وإذا كان العملُ يقتضي أَنْ أتخلَّف عن الجمعة مرَّةً في كُلِّ شهرٍ بصفةٍ دائمةٍ فما هو الحكمُ؟ وإذا كان الحكم بترك العمل نهائيًّا فأُعلِمكم أنَّ ذلك يُحْدِث مفاسدَ تَصِل إلى حدِّ طردي مِنَ البيت، فهل هذه المفسدةُ تغيِّر مِنَ الحكم؟ أفتونا مأجورين.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ مِنْ شرطِ وجوب الجمعة: أَنْ يكون الساعي إليها خاليًا مِنَ الأعذار المُبيحةِ للتخلُّف عنها، كما هو الشأنُ بالنسبة للمَدين المُعْسِر الذي يخشى الحبسَ، والمختفي عن الحاكم الظالم، أو المريض الشديد المرض الذي يشقُّ معه الذهابُ إلى المسجد، أو يخاف أَنْ يُترصَّد له في طريقه إلى المسجد أو في المسجد فيُقْبَض عليه أو يُقْتَل، وأمثالُ ذلك، وفي الجملة: كُلُّ مَنْ تلحقه مفسدةٌ ومَضَرَّةٌ فهو معدودٌ مِنْ أهل الأعذار؛ عملًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ»(١) ـ هذا مِنْ جهةٍ ـ ويُفيدُ الحديثُ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ بمفهومه أنَّ مِنْ شرطِ وجوب الجمعة والجماعة: سماعَ النداء، ويؤيِّده ما ثَبَت أنَّ «الجُمُعَة عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ»(٢)، فتجب الجمعةُ على المُقيم في البلد، مِصْرًا كان أو قريةً، وعلى مَنْ في خارِجَه إِنْ سَمِع النداءَ للحديث السابق، ولعلَّه شاملٌ لحالِ السائل، فإذا سَمِع النداءَ لَزِمه، وبهذا قالَتِ الشافعيةُ ومَنْ وافقهم، والاعتبارُ في سماع النداء: أَنْ يكون المؤذِّنُ صيِّتًا، والأصواتُ هادئةً والرياحُ ساكنةً والعوارضُ مُنتفِيَةً وبدونِ مُكبِّرِ صوتٍ، ومَنْ لا تجب عليه الجمعةُ ولم يحضرها فيصلِّيها ظُهرًا.
هذا، وعلى العبد أَنْ يستعين بالله في أداءِ شعائرِ دِينه، وأَنْ يحرص على ما ينفعه في دُنياهُ وأُخراهُ؛ فلا يضيِّع حقَّ الله عليه، ولا يتهاون فيما أمَر به، وكُلُّ العوائق والعقبات ـ سواءٌ في عمله أو خارِجَه ـ التي تحول دون تحقيقِ تقوَى اللهِ وطاعتِه فعليه أَنْ يتخلَّص منها ويتجاوزها ـ بصدقٍ وإخلاصٍ ـ إلى رحاب عملٍ آخَرَ يمكِّنه مِنْ إقامةِ دِينه وأداءِ شعائره على وجه التمام والكمال ولو بعد حينٍ، واللهُ مِنْ وراءِ القصد، وهو كفيلٌ بالثواب والرزق؛ ذلك لأنَّ مِنْ مُوجِبات الرِّزق وتوسعةِ الله على خَلْقه وتكفيرِ السيِّئات وإعظامِ الأجر: طاعتَه وتقواهُ، ومِنْ أعظمِ أنواعِ تقوَى اللهِ: أداءُ الصلوات في المسجد ومع الجماعة؛ قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا ٣﴾ [الطلاق]، وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا ٤ ذَٰلِكَ أَمۡرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُۥٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَئَِّاتِهِۦ وَيُعۡظِمۡ لَهُۥٓ أَجۡرًا ٥﴾ [الطلاق].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ رمضان ١٤٢٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٠١ ديسمبر ٢٠٠١م
السؤال:
أعمل في مصنعٍ يبعد عن المدينة بحوالَيْ ٠٦ كم، كما أنِّي لا أسمع النداءَ لصلاة الجمعة حيث أكون في مدَّة العمل وقتَ الصلاة، ورئيسُ المصلحة لا يسمح لي بالخروج قبل الوقت؛ لذا أبحث عن: حكم العمل في هذا اليوم «الجمعة»؟ وهل صلاة الجمعة متعلِّقةٌ بسماع النداء؟ وإذا كان العملُ يقتضي أَنْ أتخلَّف عن الجمعة مرَّةً في كُلِّ شهرٍ بصفةٍ دائمةٍ فما هو الحكمُ؟ وإذا كان الحكم بترك العمل نهائيًّا فأُعلِمكم أنَّ ذلك يُحْدِث مفاسدَ تَصِل إلى حدِّ طردي مِنَ البيت، فهل هذه المفسدةُ تغيِّر مِنَ الحكم؟ أفتونا مأجورين.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ مِنْ شرطِ وجوب الجمعة: أَنْ يكون الساعي إليها خاليًا مِنَ الأعذار المُبيحةِ للتخلُّف عنها، كما هو الشأنُ بالنسبة للمَدين المُعْسِر الذي يخشى الحبسَ، والمختفي عن الحاكم الظالم، أو المريض الشديد المرض الذي يشقُّ معه الذهابُ إلى المسجد، أو يخاف أَنْ يُترصَّد له في طريقه إلى المسجد أو في المسجد فيُقْبَض عليه أو يُقْتَل، وأمثالُ ذلك، وفي الجملة: كُلُّ مَنْ تلحقه مفسدةٌ ومَضَرَّةٌ فهو معدودٌ مِنْ أهل الأعذار؛ عملًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ»(١) ـ هذا مِنْ جهةٍ ـ ويُفيدُ الحديثُ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ بمفهومه أنَّ مِنْ شرطِ وجوب الجمعة والجماعة: سماعَ النداء، ويؤيِّده ما ثَبَت أنَّ «الجُمُعَة عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ»(٢)، فتجب الجمعةُ على المُقيم في البلد، مِصْرًا كان أو قريةً، وعلى مَنْ في خارِجَه إِنْ سَمِع النداءَ للحديث السابق، ولعلَّه شاملٌ لحالِ السائل، فإذا سَمِع النداءَ لَزِمه، وبهذا قالَتِ الشافعيةُ ومَنْ وافقهم، والاعتبارُ في سماع النداء: أَنْ يكون المؤذِّنُ صيِّتًا، والأصواتُ هادئةً والرياحُ ساكنةً والعوارضُ مُنتفِيَةً وبدونِ مُكبِّرِ صوتٍ، ومَنْ لا تجب عليه الجمعةُ ولم يحضرها فيصلِّيها ظُهرًا.
هذا، وعلى العبد أَنْ يستعين بالله في أداءِ شعائرِ دِينه، وأَنْ يحرص على ما ينفعه في دُنياهُ وأُخراهُ؛ فلا يضيِّع حقَّ الله عليه، ولا يتهاون فيما أمَر به، وكُلُّ العوائق والعقبات ـ سواءٌ في عمله أو خارِجَه ـ التي تحول دون تحقيقِ تقوَى اللهِ وطاعتِه فعليه أَنْ يتخلَّص منها ويتجاوزها ـ بصدقٍ وإخلاصٍ ـ إلى رحاب عملٍ آخَرَ يمكِّنه مِنْ إقامةِ دِينه وأداءِ شعائره على وجه التمام والكمال ولو بعد حينٍ، واللهُ مِنْ وراءِ القصد، وهو كفيلٌ بالثواب والرزق؛ ذلك لأنَّ مِنْ مُوجِبات الرِّزق وتوسعةِ الله على خَلْقه وتكفيرِ السيِّئات وإعظامِ الأجر: طاعتَه وتقواهُ، ومِنْ أعظمِ أنواعِ تقوَى اللهِ: أداءُ الصلوات في المسجد ومع الجماعة؛ قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا ٣﴾ [الطلاق]، وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا ٤ ذَٰلِكَ أَمۡرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُۥٓ إِلَيۡكُمۡۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَئَِّاتِهِۦ وَيُعۡظِمۡ لَهُۥٓ أَجۡرًا ٥﴾ [الطلاق].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ رمضان ١٤٢٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٠١ ديسمبر ٢٠٠١م